أزمة الأمة العربية والإسلامية المعاصرة

الثلاثاء، 31 مايو 2016 05:11 م
 أزمة الأمة العربية والإسلامية المعاصرة
كمال الهلباوي يكتب

نواصل فى هذا المقال مناقشة أهم جوانب أزمة الأمة العربية والاسلامية. إن العالم المتقدم تقنياً، يتجنب تلك الأزمة اليوم أى أنه ( يفكر) وهو ليس بمسلم،¬ ونحن للأسف الشديد لا نفعله، لا نعرف كيف نفكر وإن فعلناه كان اسماً وشكلاً، أو أن من يعمل فى هذا المجال ليس أهلاً له، وطبعاً لا يكون أهلاً للتفكر في خلق السماوات والأرض، مهما حمل من شهادات أو كان على بطاقته من ألقاب أو علّق على صدره من نياشين وأوسمة، أو حصد من جوائز الدولة. وقس على ذلك كثيراً من أوجه العلاج التي تتخذ للخروج من المأزق الذي يشعر به الحاكم والمحكوم في الأمة، إذ أن الصراع الصريح والمستتر بينهما، يصرف كل الجهد أو معظمه للحفاظ على المواقع دون تغيير، حتى يأتي ملك الموت.


لقد كان هذا التفكر في خلق السماوات والأرض أحد أسباب التفوق الغربي عموماً، والتميز والتقدم السوفياتى سابقا ثم الأميركي على وجه الخصوص. كان التميز السوفياتي عندما أرسلوا ¬ الكلبة "لايكا" إلى الفضاء في الخمسينات من القرن العشرين، وكثير منا ومن أهل العلم منكرون، إذ وقف الخيال والعلم لدى البشر في العالم الثالث عن استيعاب ذلك، رغم القراءة المتكررة للآية الكريمة "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا"، فمن يعرف اليوم عدد السنين والحساب حسب ما جاء في القرآن الكريم؟ ربما كانت كل الأمم غير العربية والاسلامية هى التى تعرف عدد السنين والحساب قبل الأمة، بل وأحسن منها.


أنظر إلى هذا الأمر وإلى قضايا الأمة وأزماتها، فأرى قضايا كثيرة متشابكة معقدة، أخطرها قضية فلسطين التي هانت في أعين الحكام والشعوب، فلا يقدم كثير من الحكام وبعض الشعوب لمجاهديها ولا للقضية ما تستحق حتى من الدعاء، ويقف فيها أهل فلسطين رجالاً ونساءً وأطفالاً موقف الجهاد الحقيقي دفاعاً عن أرضهم وبلادهم وكرامتهم، بل وكرامة الأمة أمام هذا الاستيطان الصهيونى الغاشم. إذ أن كثرة القضايا المعقدة يشكل أزمة لضعف القدرة على حملها.


" الأزمة الكبيرة في الأمة تتمثل في نقص التفكير الصحيح وأدواته ومؤسساته كما ذكرنا من قبل، مما يتسبب في كثير من أوجه العجز القائم لدى الأمة ويبرز في معالجة قضاياها"، فتقوم الأزمات التى تترتب على بعضها، وتكثر القضايا التى تحتاج الى حل، وتحدق بالأمة الأخطار، في حين يكون التحرك الفكري -رغم كثرة الوفود والندوات والمؤتمرات واللقاءات- ضعيفاً وروتينياً.


قامت مشكلة القاعدة فى الثمانينات، ثم طالبان في منتصف التسعينات من القرن العشرين، واستمرت حتى أسفرت عن عاصفة شديدة هاجت في بدايتها الأمة ثم سكنت، ¬كما فعلت من قبل في فلسطين والبوسنة وغيرهما، وتجرعت الأمة هزيمة مريرة لا تنسب إلى طالبان وحدها، ولا إلى القاعدة وحدها، ولا تقتصر على أفغانستان فحسب، بل تمتد إلى كل بيت في الأمة، وإلى كل حضارة فى الدول المتخلفة غير حضارة الغرب والأمريكان المختلفة على وجه الخصوص.


كنت أنظر على مدى سنوات عديدة إلى قضية أفغانستان، لعلها تكون منطلقاً جديداً للأمة، ومرتكزاً لها في بناء مستقبل أفضل، وكانت كل الظروف مهيأة لذلك، ولكن سوء فهم القضية وعلاجها حدا بالآخرين -وخصوصاً الأمريكان- للاستفادة من دماء الأفغان والمجاهدين عموماً، إذ خرج الأمريكان من هذه الحرب وقد أعدوا العدة لقيادة العالم. لقد شارك العرب والمسلمون مشاركة ملموسة في هدم النظام العالمي القديم، ولكنهم كانوا أعجز عن بناء أي نظام محلي أو إقليمي، فضلاً عن النظام العالمي الجديد، وهم مكلفون بإقامته على العدل والإحسان، لتكريم كل بني آدم ورفع الظلم عنهم.


”كان تفكير كثير من المجاهدين والمحسنين في أفغانستان أن الدبابة قبل المدرسة، وأن المدفع قبل المستشفى، وأن الصاروخ قبل مركز الأبحاث والدراسات، فأحسنوا القتل والتضحية، وتخلفوا في جني الثمار، حتى سبقهم إليها غيرهم من أهل الرصد والفهم”.


وهناك من لا يزال يفكر بالمنطق نفسه نحو قضايا الأمة والأزمات الحالية التي تعيشها الأمة، إذ يفسر الحرب القائمة ضد ما يسمى بالإرهاب، بالحرب ضد الإسلام والمسلمين، وكأني بأولئك النفر يستعجلون بتلك النظرة حرباً لا ضرورة لها بين الإسلام والغرب ولا موقع لها من ذلك، وقد يطلق عليها حرب المصلحة والسيادة الأمريكية، رغم أنها ضد بلاد المسلمين.


لقد حاربت أمريكا اليابان ودمرتها في الحرب العالمية الثانية، واستخدمت ضدها أسلحة لم تستخدم حتى اليوم في غير اليابان. واليابان ليست دولة مسلمة، ولم يكن فيها طالبان ولم يكن فيها معسكرات للقاعدة ولا للجماعات الإسلامية، ولا لجماعات الجهاد ولا لغيرها من الجماعات والحركات الإسلامية العنيفة، ولا حتى داعش اليوم. الصراع للتقدم والريادة.


وحاربت أمريكا ألمانيا النازية وشاركت في تقسيمها بل واحتلالها وإذلال الألمان لمدة نصف قرن من الزمان تقريباً لصالح الهيمنة الأمريكية والمصالح الأمريكية الواسعة، التي تمتد بامتداد العالم ولصالح الرفاهية الأمريكية التي يتوقعها كل مواطن أمريكي ويقف من وراء قيادته لتحقيق تلك الرفاهية. غير أن أمريكا قبل أن تفعل ذلك، فكرت جيداً للوصول إلى هذه المكانة وأنشأت المؤسسات والنظم اللازمة لذلك، ونجحت ولكنها أخطأت الوسائل وداست على القيم والمبادئ.. فهل يمكن تصحيح هذا الوضع؟.


إن بناء المستقبل ليس حكراً على أحد، والفهم أهم وسائل ذلك والعمل يتممه، وسبحان الله القائل "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ". وهذا هو الفرق بين الحضارتين الإسلامية وغير الإسلامية، والعمل بوسائله بين المنهجين الإسلامي وغير الإسلامى..


ستغرق الأمة فى تعريف الأزمة وتعريف القضية، وبعضنا يخلط بين الاثنين خلطا شديداً وهذا متوقع. هناك قضايا قديمة منها ، فلسطين، وهناك قضايا جديدة منها سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال ، ومن قبلها قضية أفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان. أرى أن الأزمات أكبر من القضايا ولها شق مادى ولها شق قيمى أو أخلاقى أو معنوى، وتحتاج الى علاج فى ضوء أولويات واضحة. ومن الأزمات - على سبيل المثال لا الحصر- نقص التفكير الصحيح ، ونقص مؤسساته ، وتحميل الأمة أكثر مما تطيق فتعجز أو تبدو عاجزة أمام تلك القضايا المطلوب لها حلول ناجحة. ومن الأزمات اليوم ، الارهاب فى الأمة خصوصا وكيفيه علاجه للقضاء عليه أو محاصرته بدلا من أن يحاصرنا، ومن الأزمات التخلف ، ونقص الفاعلية فى المجتمع ومن الازمات التعصب المذهبى أو الطائفى ، ومن الأزمات كثرة الاستيراد والاعتماد على الغرب ، حتى استوردنا الديموقراطية وأعتمدناها فى حياتنا ، بدلا من الشورى. ومن الأزمات ، السلوك الذى لا يتفق مع الاسلام وقيم الاسلام ولا الأسوة الحسنة التى تتمثل فى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه . ومن الأزمات إهمال الحوار ووسائله الصحيحة، ومن الأزمات القبول بالقواعد الأمريكية فى بلادنا ناهيك عن الاستعانة بهم ضد بعضنا البعض وقبول الهيمنة ( وهى التى يسميها مالك بن نبى رحمه الله تعالى بالقابلية للاستعمار) ، ومن الأزمات السعى من جانب بعضنا للتغيير ولو الى الأسوأ ، ومن الأزمات إهدار ثروات الأمة، وضعف الاستفادة منها فى التقدم. ومن الأزمات تولى بعض الجهلة القيادة فى الأمة، وقس على ذلك. ومع كل هذا علينا السعى للخروج من كل تلك الأزمات وأن نعالج تلك القضايا، فهذا قدرنا.

والله المستعان

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق