أزمات رجال سامح شكري

السبت، 27 أغسطس 2016 08:11 م
أزمات رجال سامح شكري
عبد الفتاح علي


لو أن هناك وزيرا واحد في عهد السيسي، أجاد، وأنجز ووضع استراتيجية لوزارته، فلن يكون أحدا غير سامح شكري وزير الخارجية.
وبعيدا عن الزيارة السلبية لاسرائيل، وما جرى بعدها من غضب واسع النطاق حول تفاصيلها، والتي لم تعكس في نتائجها، مردود أو فائدة تذكر تبرر، تهييج مشاعر المصريين المعادية للكيان الغاصب للأرض العربية سواء أم الرشراش، أو فلسطين أو هضبة الدولان أو مزارع شبعا.
لكن ورغم هذا الفعل الذي قلل من ايجابيات الرجل، فان وضع سياسة خارجية مصرية هادئة هو أفضل ما فعله شكري، خاصة، أنها ساعدت على لجم انفعالات سياسيين ومسئولين، واستفادت من المتغيرات الاقليمية والدولية الحاصلة بتسارع مربك.
ولعل الموقف المصري المتوازن في الأزمة السورية (في ظل خلل سياسي واقتصادي واجتماعي داخلي) كان على رأس هذه السياسة، وهو ما عكس ردود الأفعال الاقليمية والدولية على تصريحات الرئيس الأخيرة مع رؤساء تحرير الصحف القومية من تحديد دقيق لموقف مصر من الأزمة، والتي لخصتها التصريحات في خمس نقاط أساسية "معلنة"، احترام إرادة الشعب السوري، إيجاد حل سلمي للأزمة، الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، نزع سلاح المليشيات والجماعات المتطرفة، إعادة اعمار سوريا وتفعيل مؤسسات الدولة.
النقاط الثلاث الأولى، مبادئ عامة لا يختلف أحد على ظاهرها، وإن كان الخلاف داميا وعنيفا على باطنها، فكل الدول التي أنفقت على إشعار الصراع ما يقرب من 120 مليار دولار (وفقا لتقديرات غربية) تتحدث باسم الشعب السوري، وتعتبر نفسها وصية على إرادته، وليس هناك دولة في العالم لا تسعى لحل سلمي للأزمة، لكن الخلاف العميق يكمن في ما هو الحل ولصالح من، حتى وحدة الأراضي، أيضا عليه اتفاق شبه كامل في التصريحات الرسمية للدول، لكن الأفعال تترجم عكس ذلك.
لكننا عندما نتكلم عن "نزع سلاح المليشيات" فنحن نبدأ في تفجير العلاقات الدولية، لأن الدول التي أنفقت المليارت تتقبل بصدر رحب، سقوط القتلى والجرحى والدمار والخراب، وقد تتقبل تلف هذه الأسلحة في المعارك بأريحية كبيرة، لكنها لن تقبل بأي وضع يسمح بانتقال هذه الأسلحة إلى النظام التي زلزلت الأرض من أجل اسقاطه ولم يترنح حتى الآن.
فلا السعودية ستقبل بنزع سلاح مليشياتها، ولا قطر سترضى بذلك، ولا تركيا ستظل صامته أمام السلاح الذي أدخلته عبر أراضيها وهو يذهب لصاحب النصيب دون أن تحصل من تلك الصفقة على عمولتها، ولا حتى أمريكا ستشاهد بعين الحسرة منح حليف روسيا قوة فوق القوة التي قلبت موازين القوى لصالحه في المعارك الدائرة على الأرض.
ثم نأتي للمبدأ الذي قد يطيل أمد الصراع، ويشعل الحروب مرة أخرى، ويمد في عمر اللجوء السوري، إذا لم تتفق عليه الأطراف المختلفة، وهو إعادة إعمار سوريا، لأننا نتحدث عن ترليونات من الدولارات سوف تنفق، والتي قد يعتبرها مملوا الحرب، الطريقة الوحيدة لتعويض الخسائر في المعارك، لذا نحن نتحدث عن صراع جديد أمريكي روسي قطري تركي سعودي إيراني.
فإذا لم يتم تقسيم "تورتة" إعادة الإعمار على المتصارعين، ستظل المعارك دائرة، تماما كما حدث في ليبيا، بعد سقوط القذافي، فقد أنفقت قطر وتركيا أموالها على تمويل المليشيات بدعم أمريكي، ثم قفزت إيطاليا وفرنسا ومصر والإمارات، لإعادة ترتيب توزيع التورتة الليبية بين الشرق والغرب، ولم يتفق الأطراف حتى الآن.. وإن كانت مصر آمنت حدودها الغربية مع الشقيقة الممزقة، ومنعت بحرفية تدفق سيل الإرهابيين والسلاح والمخدرات إليها.
قبل سامح شكري كانت السياسة الخارجية لمصر، تعاني الأمرين، وباتت الدولة الأكبر عربيا وإفريقيا وإقليميا، في ذيل اهتمامات العالم، وكانت الدول الأفريقية تنظر إليها من علو، ودخلت دول عديدة إلى العمق الاستراتيجي المصري في القارة من دون استئذان، رجل القارة المريض، وكانت أوروبا تقف خلف الموقف الأمريكي المعادي للإرداة الشعبية التي تحققت في 30 يونيو، والتي نسفت الرهان الدولي الذي كان ينصب على جماعة الإخوان، باعتبارها الحاكمة والمسيطرة على مقاليد القوى في مصر.
بعد أقل من عامين على تولى سامح شكري الوزارة، تغير الوضع بدرجة كبيرة، صحيح أن هناك عوامل أساسية وثانوية ساعدته على تحسن وضع السياسة الخارجية المصرية، لكن المقدرة ليست في خلق العوامل، وإنما في الاستغلال الأمثل للظروف والمتغيرات، ناهيك عن الامكانيات المتاحة.
وهنا بيت القصيد، وهنا مربط الفرس، وهنا في اعتقادي يكمن الخطر القادم من بعيد، لأن امكانيات وزارة الخارجية، لا يعكسها البرج الضخم المطل على النيل الخالد، بل تعكسها ميزانية وزارة، تقريبا هي الأقل، ليست بالمقارنة بميزانيات خارجية دول مجاورة وتنافس مصر في لامكانة والنفوذ، بل أيضا بالمقارنة بوزارات مصرية، تقريبا لم تنجح سوى في انتاج مزيد من الفشل الذريع.
شخصية سامح شكري عنيدة بالدرجة الأولى، وهو امر قد يستتبعه بعض الظلم، وهو حاسم في قراراته وان أفرزت بعض الاخطاء، لكنه أمر متفهم في الادارة، وعادة الحساب يكون بالنتيجة النهائية، وهو ما أعتقد انه تخطاها بمسافة معقولة.
لكن من ضمن الاخطاء والظلم الناتج عن الضغط المستمر على البعثات في الخارج، كانت رواتب السفراء والقناصل، فهي في الغالبية الكاسحة قد تتجاوز 18 ألف جنيه بقليل، وهذا يعني أن راتب ممثل مصر في الخارج لا يتجاوز 2000 دولار بالسعر الرسمي.
هذا المبلغ يتقاضاه سائق حافلة عامة في ولاية تكساس الأمريكية، وأقل من راتب موظف في ميناء بيريوس اليوناني، وأقل من 10% من راتب مدرس في السويد، وبالتالي فهذه الأرقام تعتبر فضيحة مكتملة الأركان، ولابد من وضع حد لها.
فوفقا لتقديرات الموازنة العامة الجديدة حدث زيادة في ميزانية الوزارة، لكنها زيادة تذهب في معظمها على ايجارات مقار البعثات، وقليل منها يتم تقسيمه على أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي الذين لم يتجاوزوارقم الـ 1000 من سفير إلى ملحق، نصفهم تقريبا في الخارج يعلمون في 165 بعثة.
ومن مظاهر الظلم أيضا، أن رؤساء اللجان الانتخابية في مصر حصلوا على مبالغ تتجاوز الـ 30 ألف جنيه، من السادة القضاة، بينما رؤساء اللجان الانتخابية في الخارج وهم اعضاء البعثات، لم يتقاضوا مليما واحدا، وهو أمر، يتعلق في عنق سامح شكري، لأنه المسؤول عنهم وعن مخصصاتهم.
أفهم حرصه على أموال الدولة، وأتفهم رغبتهم في عدم تحميل الخزانة العامة مبالغ اضافية في ظلم الازمات الاقتصادية التي نمر بها، لكن غيره من الوزراء لا يعيرون لهذه الازمات هما، ولا يتعاملون من منظورها مثلما يفعل شكري، لكن، أنا أتحدث عن مستقبل الدبلوماسية المصرية الذي أراه في خطر.
لأنه لم تعد الدبلوماسية مبخرة في ظل الضغط المستمر، والمقابل الذي لا يغطي الحد الأدني لسفير مجتهد أو قنصل نشط، وبالتالي فإذا لم يكن له دخل خارجي فإنه لن يقدر على أداء مهامه ووظيفته، خاصة أن الوزارة تتعامل بمنطق المساوة في الراتب، فتمنح سفيرنا في طوكيو نفس المرتب لسفيرنا في باكستان، وشتان الفرق بين مستوى المعيشة هنا ومستوى المعيشة هناك.
النتيجة أن عددا ليس بالقليل، يتوقف عن العمل والنشاط الاجتماعي والسياسي في البلد الذي يمثل فيه مصر، لأنه غير قادر على مجاراة مستوى المعيشة، فيتقوقع، ويعيش في الظل، حتى تنتهي مدته الرسمية بهدوء، وبـ صفر انتاج وعلاقات.
لا أهدف من هذه الكلمات مساواة البعثات الدبلوماسية المصرية بمثيلتها الأمريكية أو السعودية، ولا حتى بالفرنسية او البريطانية، لكن على الأقل يكون الراتب موازيا لمستوى المعيشة، وللمستهدف من العلاقات مع تلك الدول، فلا يمكن أن يعيش سفراءنا وقناصلنا في أروبا وأمريكا بمثل هذه الرواتب، ولا يمكن محاسبتهم على التقصير اذا كنا مقصرين تجاههم، فما بالك بالمجتهدين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة