في الذكرى الـ 59 للوحدة «المصرية-السورية»:عروبة سوريا على المحك

الأربعاء، 22 فبراير 2017 09:54 ص
في الذكرى الـ 59 للوحدة «المصرية-السورية»:عروبة سوريا على المحك
سوريا

في الذكرى التاسعة والخمسين التي تحل، اليوم الأربعاء، لإعلان دولة الوحدة «المصرية-السورية» كحدث قومي عربي مجيد تواجه سوريا العزيزة على قلب كل مصري وعربي مخاطر تهدد حتى جوهرها العروبي وباتت فيها عروبتها على المحك ضمن محاولات أطراف خارجية «لإعادة هندسة الجغرافيا السياسية للمنطقة وأن انتهكت ثوابت تاريخية وحقائق ثقافية».

ولئن كانت التجربة الوحدوية بين مصر وسوريا والتي تجسدت في «الجمهورية العربية المتحدة» جاءت في سياق معطيات زمن مختلف فان الأمة العربية تواجه الآن صواعق المتغيرات والعديد من المخاطر الداخلية والخارجية وسط اتفاق عام بين العديد من المهمومين بقضايا الأمة على أهمية تجديد وتطوير الفكر القومى.

وابدى الكثير من المثقفين العرب في طروحات متعددة شعورا بالانزعاج حيال أنباء ترددت حول طرح بعض الأطراف الخارجية لمسودة دستور جديد لسوريا «تتجاهل النص على عروبة سوريا» وهي مسألة بالغة الخطورة لأن هذا البلد كان دوما «قلبا ينبض بالعروبة» كما أثرى الثقافة القومية العربية على مستويات متعددة.

واذا كان الهدف من تجاهل النص في دستور جديد لسوريا على عروبة هذا البلد أو «حذف كلمة العربية من المسمى الرسمي للدولة السورية» ارضاء اطراف اقليمية غير عربية ، فان على الأمة العربية التحرك بقوة عبر ارادة مشتركة لاجهاض هذا التحرك الذي يتعارض مع حقائق التاريخ والحاضر خاصة وان المكونات السكانية للمجتمع السوري على تعددها «تجمعها العروبة الثقافية حتى وان انتمت بعض هذه المكونات عرقيا لأصول غير عربية».

وعلى سبيل المثال فان الأكراد كمكون من المكونات السكانية للمجتمع السوري دخلوا تاريخيا في «عملية توأمة ثقافية وحضارية مع العروبة» بل وقدموا ابطالا ورموزا دافعت ببسالة عن هذه الأمة في مواجهة عدوان الخارج كما فعل البطل صلاح الدين الأيوبي وهو منحدر من اصل كردي في مواجهة الغرب الاستعماري ابان ما عرف بالحروب الصليبية.

والاعتداد بالعروبة في الهوية السورية والنص عليها دستوريا في بلد غالبيته من العرب أمر لا يحول ابدا دون احترام التعددية الثقافية في مجتمع متعدد الأعراق ، غير ان كل مكوناته متصلة على نحو أو اخر بالجوهر العروبي الثقافي والحضاري المتسامح والمنفتح.
ولا ريب أن أي نص على «المحاصصات الطائفية» في أي مسودة لدستور جديد لسوريا لن يكون في صالح «دولة المواطنة» التي تقوم على المساواة بروح المجتمع المتماسك والطامح لمستقبل افضل لكل ابنائه.

وتحويل سوريا الى بؤرة للصراعات الطائفية والمذهبية والارهاب التكفيري لايمكن ان يكون خيار الشعب السوري الذي يضرب أمثلة مضيئة في الانتصار لثقافته القومية المتسامحة والمنفتحة حضاريا رغم كل محن واحن الحاضر.

وقد يشعر كل مثقف عربي بالألم وهو يرى سوريا عنوانا لأزمة صنعتها لعبة الأمم ودخلت بها في مناورات ودهاليز مفاوضات مابين جنيف وموسكو واستانة فيما بدت الأطراف غير العربية تمسك بزمام اللعبة وتسعى لتحقيق مصالحها ومنظورها بحساباتها الخاصة للمكاسب والخسائر بغض النظر عن دماء تنزف وآلام تتوالى للشعب السوري العزيز.

ومن المقرر أن تنطلق غدا الخميس، جولة جديدة من المفاوضات في جنيف بشأن الأزمة السورية ، فيما انتقدت وزارة الخارجية الروسية مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا معتبرة انه يعمد «للانتقائية» في توجيه الدعوات للفصائل السورية الممثلة لوفد المعارضة في هذه المفاوضات ويتجاهل بعض الفصائل ومن بينها ما يعرف «بمجموعة موسكو» حسبما افادت تقارير اعلامية.

ووسط هذه الأجواء المثيرة للأسى ثمة حاجة لنوع من «التحليق الفكري» في الأجواء الثقافية العربية بحثا عن اجابات لتحديات اللحظة وشواغل المرحلة ناهيك عن الأسئلة الكبرى التي تفرضها تحديات وشواغل المستقبل وهو ماقد يتطلب «نضالا فكريا من اجل ثقافة عربية تأخذ بأسباب الحداثة وتتفاعل مع تحولات العصر دون تنكر لثوابت لم تتعارض يوما مع قيم الحق والخير والجمال».

واذ تتعرض الكنوز الثقافية والتاريخية لمدينة تدمر السورية لعدوان اجرامي من عناصر تنظيم داعش الارهابي ، فان نظرة لسوريا الجريحة والمستباحة من قوى اقليمية وعالمية شتى تظهر أن البون شاسع حقا بقدر ماهو أليم بين واقع اليوم ولحظة مضيئة في تاريخ الأمة العربية منذ 59 عاما كما تبرهن على أهمية «النضال الفكري من جانب المثقفين القوميين لتغيير هذا الواقع الأليم والذي لن يبدأ الا بتغيير المدركات ومستوى الوعي».

ويبدو أن تحديات المرحلة بلغت حدا يستدعي وجود «مثقفين عضويين مرتبطين بواقع أمتهم العربية وهموم الجماهير للانخراط في نضال فكري لايعرف التعالي على رجل الشارع أو يتجاهل شروط وقيود الواقع بقدر مايسعى لتغييرهذا الواقع نحو الأفضل ويجتهد لتحرير العقل العربي المقيد المكبل».

ومهما كان حجم الهجاء وحدته للنخب الثقافية العربية المتهمة بالعجز عن الاسهام الواجب في تغيير واقع عربي بات عبرة للعالمين فان ابواب الأمل لم توصد تماما بعد في أن تخرج طلائع من مثقفي الأمة لتكسر نمطية الصورة وجمود التصورات وتتفاعل على قاعدة الحقيقة والحلم معا من اجل انقاذ الأمة العربية التي باتت سوريا العزيزة على كل عربي عنوانا لمحنتها وشاهدا على مدى وهنها وهوانها على امم تتكالب علينا مزودة بحقائق القوة.

لم تعد الأفكار التي سادت منذ 59 عاما صالحة او كافية لواقع مغاير يتطلب افكارا جديدة ورؤى مختلفة دون ان يعني ذلك الاختلاف الجوهري في المشهد العربي العام جحد جهود وانجازات الآباء الثقافيين في زمن المد القومي العربي وأيام الوحدة المجيدة بين مصر وسوريا كما ان نقد هذه التجربة الوحدوية لا يعني الترخص والانحدار في التهجم على فكرة الوحدة التي لم تكن الا تعبيرا عن اشواق العرب وأمانيهم كأمة واحدة من المحيط الى الخليج.

ولن تكتب الحياة لأي افكار جديدة من أجل حراك قومي جديد الا بالتواصل مع اجيال عربية صاعدة لها هموم واحلام في حقائق زمن تختلف بالضرورة عما كان منذ 59 عاما وان كانت تلك الهموم والأحلام على اختلاف الأمصار والبلدان العربية لتلك الأجيال صاحبة المستقبل تبرهن مجددا على حقيقة الأمة العربية الواحدة.

واذ تتهدد المخاطر البشر والحجر والمستقبل والتراث بين جنبات الأمة العربية لترسم المشهد المخيف الظاهر اليوم امام كل ذي عينين يبقى الرهان صائبا على بناء ثقافة عربية جديدة للمقاومة وتغيير الحقائق الاقتصادية والاجتماعية نحو الأفضل على قاعدة معرفية تتيح فهم حركة التاريخ وامكانية توظيفها ايجابيا ولعل ذلك هو «جوهر النضال الفكري المطلوب من جانب المثقفين القوميين والمؤمنين بفكرة الأمة العربية الواحدة».

وفيما يشكل الارهاب أخطر تحديات المرحلة الراهنة تستدعي اللحظة العربية بمعطياتها جهدا ثقافيا استراتيجيا برؤى مبدعة «للعروبة الثقافية» للاجابة على أسئلة تتعلق بوجود الأمة وطبيعة النظام العربي الجديد في وقت تتشكل فيه ملامح نظام عالمي جديد.

ولئن ذهب البعض الى أن كلمة مثل القومية أو العروبة باتت تثير حساسية حتى لدى بعض المثقفين العرب بعد أن جرى ابتذال كلمتي القومية والعروبة في كثير من المواقف المحزنة فان أحدا لا يمكنه انكار واقع تجسده الثقافة القومية لأنه «واقع لغوي وجغرافي وتاريخي وروحي».

وبعيدا عن أي اغراق أو استغراق في نظرية المؤامرة ، فان الملاحظ لكل ذي عينين ان تصاعد هجمات الخارج لاقتلاع الخصوصية الحضارية وشطب الثقافة القومية قد تزامن مع تصاعد هجمة الارهاب والقوى الظلامية التي روعت الأمة العربية وصنعت حالة من «تآكل الذات»، كما هو الحال في سوريا الجريحة.

ورغم دعوات لصحوة عربية جديدة تستند على نظام عربي جديد وتسهم أيضا في ترسيخه لم يظهر بعد هذا النظام العربي الجديد والقادر على حماية الأمة العربية بينما يفعل الارهاب افاعيله في سوريا الشقيقة بعد ان الحق خسائر فادحة بتراثها الثقافي وشواهد حضارتها الانسانية المتسامحة .

وتدعو ضرورات الأمن القومي العربي سرعة تشكيل النظام العربي الجديد والقادر على التصدي لأي طرف محسوب على الأمة العربية لدى قيامه بالأقوال والأفعال بمساندة الارهاب و التورط في هذا المستنقع الذي يشكل خطرا داهما على هذه الأمة.

ومن نافلة القول ، ان أفاعيل الارهاب التي تدمي الأمة وتنال من مقدراتها انما تسهم جوهريا في تعميق الفجوة الواقعية لحالة اللاتكافؤ بين الأمة العربية وقوى الخارج سواء كانت اطرافا اقليمية أو عالمية وبما يصادر عمليا على الدعوة للمساواة والتكافؤ ويضع مثل تلك المقولات في خانة الأماني بعيدا عن مربع الفعل وحقائق الواقع حتى اضحى بعض الساسة في الغرب يجهرون دون خجل برفضهم لفكرة المساواة بين الثقافات.

ولعل الثقافة القومية العربية تستجيب لتلك التحديات غير المسبوقة حقا بتنظيرات ثقافية قابلة للتطبيق على أرض الواقع المختلف كل الاختلاف بتفاعلاته المتصادمة والصادمة عن زمن الوحدة المصرية-السورية وكلاسيكيات مفكر قومي مثل ساطع الحصري وافتراضات ميشيل عفلق ناهيك عن الأحلام القومية النبيلة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

فكلها تحديات تتطلب «لغة جديدة، وابداعات ثقافية استراتيجية، وأدوات مختلفة عن السائد والتقليدي من اساليب الماضي»..ان الامر هنا يتعلق بتحول شامل طال الساحة العربية فى مجملها ويتطلب صياغة جديدة للفكر القومى العربى للاجابة على اسئلة خطيرة تمس الوجود العربى ومفهوم الأمة الواحدة ومضمون النظام الاقليمي الجديد.

واليوم تأتي هذه الذكرى المجيدة وقد بلغ الأمر حد الدعوة «لاعادة تعريف الذات العربية» كما امست عروبة سوريا على المحك بينما التقى سدنة الجماعات الظلامية مع نفر من مدعي الحداثة في العالم العربي في مفارقة تاريخية قد تدعو للسخرية وهم يحاولون معا تصوير القومية العربية او ثقافة الأمة الواحدة باعتبارها مجرد «خرافة»!.

نعم تأتي الذكرى الـ 59 لاعلان الوحدة المصرية-السورية وسط حالة من القلق العربي الظاهر بوضوح على امتداد خارطة الأمة الواحدة ، وقد يكون اول رد فعل مطلوب على تلك التحديات غير المسبوقة التمسك بالهوية العربية في مواجهة قوى أقليمية على التخوم تتربص بالعرب وقوى دولية تحرض وتخطط وتتدخل من حين لآخر استعدادا للحظة فاصلة تبدو وكأنها تقترب الآن في سوريا الحبيبة التي كانت يوما ما تشكل الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة.

في ذكرى يوم مجيد قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا كلها مع الأشقاء في سوريا..وفي الذكرى الـ 59 لاعلان الوحدة المصرية-السورية التي ستبقى شاهدة على امكانية تحويل الحلم لدائرة الفعل ينبغي القول ان الحفاظ على الأمة العربية ليس من المستحيلات ولا أضغاث الأحلام لو توافرت الارادة المخلصة وتبنى العرب «ثقافة الاصطفاف والجسد الواحد» في مواجهة متغيرات صاعقة ومخاطر داهمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق