يوسف أيوب يكتب: «الرضا المجتمعي» يحصن مصر بجدران متماسكة غير قابلة للاختراق

السبت، 05 مارس 2022 06:00 م
يوسف أيوب يكتب: «الرضا المجتمعي» يحصن مصر بجدران متماسكة غير قابلة للاختراق
الزيادة السكانية- أرشيفية

- مستقبل الأجيال القادمة الهدف الذى تسعى الدولة لتأمينه.. ومواجهة الزيادة السكانية أول خطوة

وسط اقليم مضطرب سياسياً وأمنيا، وأزمات دولية متلاحقة، لن تكون الأزمة الأوكرانية أخرها، بات من الضرورى البحث عن قاعدة واضحة ومحددة للحفاظ على الأمن القومى العربى وفى القلب منه مصر.

والأكيد حينما نتحدث عن الأمن القومى المصرى أنه لا يشمل فقط حماية الحدود، وإنما أيضاً تقوية الجبهة الداخلية، من خلال عدة مكونات رئيسية، أهمها على الإطلاق توفر عنصر الرضا لدى المصريين، لإنه العنصر الذى يكفل الترابط والتماسك الداخلى، ليكون قادراً على مجابهة ومواجهة عناصر الاختراق الخارجي.

والحقيقة أن هذا العنصر هو الذى يسيطر على تفكير القيادة المصرية منذ سنوات، خاصة بعدما كشفت التجارب السابقة أن "الرضا" هو مكون رئيسى بل يمكن اعتباره أساسي في عملية البناء والتوجه نحو المستقبل بجدران متماسكة وغير قابلة للاختراق.

لذلك كان الرئيس عبد الفتاح السيسى صريحاً كعادته حينما تطرق إلى هذا العنصر وهو يتحدث الإثنين الماضى، خلال إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، بتأكيده على ضرورة الحفاظ على الدولة المصرية من الانزلاق إلى الدمار والخراب كما حدث عام 2011، محدداً أطر هذا العمل بقوله أن الدولة تسعى إلى تغيير أسباب التدهور وحالة التردي لبناء مستقبلنا، حيث تحرص الدولة على احترام حقوق الإنسان، الذي يأتي على رأس أولوياتها، وفى نفس الوقت وضع المواطن أمام الصورة كاملة لكى يعي حجم التحديات التي تواجهها الدولة.

وإذا كانت الاحتفالية قد اتخذت من "المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية" عنواناً لها، فعلينا بداية أن نضع أيدينا على أهم خطر يواجه مستقبل الاسر المصرية، وهى الزيادة السكانية التي سبق التنبيه من مخاطرها على مدار السنوات الماضية، كونها تعيق من قدرة الدولة على تحقيق النمو، وأيضاً تحد من قدرات الأسر نفسها.

وقبل أن نتحدث عن هذه القضية، أردت بداية أن نتوقف قليلاً أمام بعض مما قاله الرئيس السيسى الاثنين الماضى، كونه يكشف عن كيف تفكر الدولة ورئيسها في سبيل تحقيق عنصر الرضا للمصريين، والتقدم لكل مصر.

فالرئيس أشار خلال حديثه لمجموعة من النقاط المهمة التي ستساعدنا على فهم الخطر الذى يواجهنا وهو الزيادة السكانية، لذلك أردت الإشارة إليها قبل أي شيء، وهه النقاط هي:

أولاً: ضرورة ربط سوق العمل بالتعليم، وهنا تسأل الرئيس: هل الهدف هو تعليم أبنائنا فقط أم تأهيلهم لسوق العمل؟، وهو سؤال في غاية الأهمية خاصة في ظل التركيز الرئاسي على مستقبل الأجيال القادمة، واعتبارهم "أمانة في أعناقنا" كما قال الرئيس، الذى أشار إلى إن الدولة تسعى وتعمل على تغيير أسباب التدهور وبناء مستقبل أفضل لأبنائنا، خاصة أن الأرقام تقول أن هناك 700 ألف خريج جامعي سنويا وهو أمر مقلق اذا ما نظرنا للجهة الأخرى، وهى سوق العمل الذى لا يستوعب هذه الأعداد الكبيرة من الخريجين.

ثانياً: الدولة تحتاج إلى مضاعفة أعداد المستشفيات لتحسين الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وهو الأمر الذى أدركته الدولة وبدأت في معالجته بإجراءات وقرارات ومشروعات على الأرض، وهنا أشار الرئيس السيسى على سبيل المثال إلى ارقام قوائم انتظار المرضى لإجراء عمليات جراحية داخل المستشفيات منذ 3 سنوات، والتي كانت حينها 8 آلاف حالة، وتم الموافقة عليها لإنهاء أزمة قوائم الانتظار، ووصلنا اليوم إلى أن الدولة عالجت بالفعل مليونا و62 ألف شخص، خلال السنوات الثلاث الماضية، رغم التكلفة الكبيرة لذلك، ففي 2014 كانت مصر تنفق نحو 32 مليار جنيه على المنظومة الصحية، لكنها اليوم تنفق 108 مليارات جنيه، وهو رقم مرتفع لكنه بالتأكيد غير كاف لتطبيق كل خطة الدولة الكاملة في المنظومة الصحية.

ثالثاً: هناك إدراك لدى الدولة بأن متوسط المرتبات في مصر متدن، لكن الحقيقة أيضاً أن هذا التدنى وليد ظروف اقتصادية متوارثة، تعمل الدولة حالياً على تصحيحها.

رابعاً: هناك عمل حقيقى لتغيير أسباب حالة التردي التي كانت تعيشها الدولة، من خلال إنشاء جامعات على مستوى عال توفر تعليما جيدا، ومستشفيات تقدم خدمات صحية متقدمة، ومدارس تقدم تعليما متميزا وليس تخريج أجيال تعتمد على "الغش" بهدف الحصول على شهادة لا يقابلها فرصة عمل حقيقية.

بعد الإشارة إلى النقاط الأربعة، نعود إلى المشكلة الحقيقية المتمثلة في الزيادة السكانية، فخلال سبع سنوات من 2014 وحتى اليوم زاد عدد سكان مصر 14 مليون مواطن، وهنا يظهر السؤال: هل ما تقوم به الدولة يكفى لمواجهة الزيادة المتسارعة في معدل النمو السكاني ؟، بالتأكيد لا تكفى، لكن علينا أيضاً أن نشير لنقطة ربما يكون البعض غافلاً عنها، وهى أن هذا الأمر لا يعنى أن الدولة مقصرة، بالعكس فما تشهده مصر خلال الفترة الحالية، وتحديداً من 2014 هو انجاز، لكن هذا الإنجاز يواجهه معدل نمو سكانى قادر على ابتلاع أي انجاز مهما كانت درجته.

ووفقاً لما قالته وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد، فإن معدل النمو الاقتصادي في مصر يبلغ 6%، وهو رقم جيد، لكن إذا ما ربطناه بمعدل النمو المتزايد سنحتاج إلى مضاعفة هذا الرقم كثيراً، حتى يكون لدينا ناتج محلي إجمالي يقدر بنحو 5 تريليونات دولار، حتى يتم توفير الخدمات والتعليم والوعي لـ100 مليون نسمة قابلين للزيادة سنوياً بأكثر من مليوني نسمة.

ولنكون أكثر دقة، ولكى يدرك الجميع حقيقة ما يحدث في مصر، فإن معدل الزيادة السكانية في مصر تصل إلى 2.5 مليون سنويا، وهو معدل مرتفع جداً، بل أنه يشكل عد سكان دول، هناك 12 دولة يتراوح عدد سكانها بين 2 و3 ملايين نسمة، لذلك يمكن القول أن مصر تشهد سنوياً دولة زيادة.

هذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الوقت حان ليكون لدينا استهداف حقيقي لقضية الزيادة السكانية، والنظر إلى هذه القضية كقضية أمن قومى، حياة أو موت، وبقاء لهذا الوطن، لإن استمراراها بهذه الوتيرة ستمثل عنصر ضغط على الدولة ومواردها، بل على كل الأسر.

والحل كما وصفه الرئيس السيسى، يكون من خلال تضافر جهود الدولة لتحقيق التنمية ومحاربة الفقر والجهل والتخلف، والتحول إلى الغنى والوعي والمعرفة والتقدم والازدهار، وهذا لن يتحقق إلا بوضع هذا المشروع كركيزة نتحرك بها لتغيير واقعنا للأفضل في كل شيء، وأن نكون جميعاً شركاء في هذه الجهود، لإن الدولة بمفردها لن تستطيع أن تحقق المطلوب، طالما أن بيننا من لايزال يعمل بقاعدة "العزوة" التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم.

وربما يكون المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، هو جزء من هه الجهود، فهو كما وصفه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، يأتي مُكملاً لجهود الدولة، وتوجيهات الرئيس، لتطوير الدولة المصرية، والمضي نحو الجمهورية الجديدة، وهو الطريق الذي بدأته مصر على مدار السنوات السبع الماضية، من خلال حزمة من المشروعات القومية الكبرى التي تنفذ في كافة ربوعها، وتعكس حجم تنمية غير مسبوق في تاريخ مصر، وهو ما يمثل خطوة من ألف خطوة كما يؤكد فخامة الرئيس نحو تنمية هذا الوطن.

وهذا المشروع لا يستهدف فقط تنظيم الزيادة السكانية، وإنما هدفه الرئيسي هو الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري، وهو قوام هذه الدولة، فالدولة أنفقت وتنفق استثمارات تتجاوز 6.2 تريليون جنيه على مدار السنوات السبع الماضية، في تنفيذ حجم مشروعات ضخم في كافة محافظات مصر، سواء في الريف أو الحضر، بهدف تعويض التأخر الذي سببته الظروف الصعبة التي مرت بها مصر على مدار عقود سابقة.

هذا المشروع قدمته الدولة وتعمل عليه، لكن السؤال.. ما هو دورنا نحن؟.. ونحن هنا تشمل الأسر والإعلام ورجال الدين والمدارس والجامعات وبيوت الثقافة ومراكز الشباب وغيرها الكثير من المؤسسات التي من صميم عملها أن توعى المصريين من خطورة ما ينتظرهم مستقبلاً إذا ما استمرت الوتيرة على هذا الشكل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق