أخويا رتبة (الحلقة الثانية)

الإثنين، 11 أبريل 2022 02:48 م
أخويا رتبة (الحلقة الثانية)

مرحلة الإبتدائية كانت بداية الإدمان، عافر ووصل للثانوية العامة وكان من صغره يعمل في مركز تجميل لمستويات عالية جداً، وخسرها لعدم التزامه وتأخيره على "الزبائن"، مع ملاحظة اختلاف التعامل بشكل غير لائق مع أصحاب المستوى الراقي، كان يسافر يومياً أماكن نائية ذهاباً واياباً وشاهد أبشع المشاهد في رحلة الإدمان،  واليوم أصبح مالك مركز تجميل حريمي، ومتعافي من الإدمان منذ 9 سنوات.

يحكي "رمضان .ح"  43 سنة، أنه بدأ رحلة الإدمان عندما كان عمره حوالي 12 سنة، مكث في هذه الرحلة 22 سنة وكالعادة السيجارة أول الطريق والبوابة لعالم الإدمان، وكان لديه حب التجربة والإحساس أنه راجل حتى شارك أصحاب السوء بخلط السيجارة بنبات البانجو أو الحشيش، حتى ارتفعت الحالة المزاجية لديه وبدأ في استخدام المواد الكيمائية "البرشام".

تابع "رمضان" أنه جريء منذ صغره ويبحث عن الأشياء الصعبة لكي يفعلها، ومع مرور الوقت كان يزيد من المادة المخدرة التي يتناولها ومع زيادة التجربة وصل للهيروين عند عمر 17 سنة، وبدأ رحلة المشاكل الحقيقية والسفر للصحاري والأماكن النائية من أجل الحصول على هذه المادة، واستخدام مواد بالحقن خاصة أنه في هذه الفترة ترك أسرته وعاش في شقة خاصة وكانت بالطبع ملجأ "للشلة السيئة" في الإدمان.

كانت كلمة "رمضان" التي تلزمه " اللي يهون عليه دمه.. يهون عليه أي حد"، كان يذكرها لزملائه للسخرية منهم، حتى وصل لهذه المرحلة وهان عليه دمه وكل شيئاً، ومن هنا لف طوق العبودية حول رقبته، وكان يكسب من صالونات التجميل وهذا ساعده في شراء سموم الجسم، والانتقال من محافظة إلى أخرى ليحصل على أحسن الأنواع المخدرة ، وبالرغم من أن أسرته كانت تنهره على ذلك ليبتعد، مع إيداعه في مراكز علاج خاصة أكثر من مرة، لكنه لم يستجيب حتى بعد إدخاله الجيش وأداء مناسك العمرة لكي يهدأ، لكن كل المواجهات فشلت في إصلاحه.

أصبح "رمضان" أداة أذى تمشى على الأرض، ويشعر بالقوة والسعادة عند إيذاء الأخرين، ودون ذلك يشعر بالضعف، وكل هذا بسبب الهيروين وتأثيره فيه، لكن بداخله يشعر بالجبن والخوف، وكان يشهد أمامه موتى في الجبال والصحاري التي كان يسافر إليها ويشق الطريق لها ليحصل على المخدر حتى لو علم بوجود مباحث أوكمين، لكن حب المغامرة كان يغلبه، وكذلك شاهد من قطع ذراعه أو ساقه بسبب الحقن الخاطئ والملوث، والذين يتسولون أو يبيعون أولادهم وبناتهم من أجل الإدمان، ومع ذلك لم يتعظ حتى وصل به الحال إلى الحبس فترة بسبب أخطائه.

لنصل إلى قرار التعافي الذي كان أساسه أن شقيق رمضان رتبة كبيرة، كان دائماً يتحدث معه ويصفه أنه "النقطة السوداء" في حياته، وكان رمضان يعتبره أب وليس أخ عادي، فكان يتأثر بكلامه خاصةً أنه يشعر بالإهانة عندما يطلب من ضابط خروج شقيقه من الحجز وهذا الضابط  أقل رتبه منه  ويضرب له "تعظيم سلام"، وأنه العائق في دخول أولاد أخوه للشرطة أو النيابة، فهو عم الأولاد وسمعته من سمعتهم وسبب في رفضهم، كل هذا أثر فيه ولم يؤثر فيه مشاهد الموت والبتر والتسول.

فشقيقه ساعده كثيراً واودعه في مراكز علاجية مرات عديدة، لكن رمضان كان يتعمد عدم الالتزام يدخل للمأكل والمشرب  والرياضة والهروب من أشخاص يبحثون عنه بسبب أفعاله ومشاكله داخل منطقته، دون اتباع النظام العلاجي خلال 6 أو 7 شهور، ويخرج كما هو حتى وصل أن عروق جسمه كلها تشبعت من المادة المخدرة ولا يتأثر بأي جرعة مهما وصلت ولا يوجد مكان لحقن الأبرة في جسمه، لدرجة أنه فعل أشياء لا تخطر على البال، فلا يستمتع بضرب المخدر ولا يرتاح بالابتعاد عنه لحرق العروق لديه لدرجة أنه فكر في الانتحار.

أصبحت معاناة " رمضان" منقسمة بين أخذ المخدر دون فائدة و تأثيره أو الوهم بالمتعة وبين صعوبة التوقف والامتناع دون الوصول للشفاء، وذات مرة كانت أسرته تمنعه من النزول حتى لا يشترى مادة مخدرة وكان يجلس أمام شاشة التلفاز وجاء رقم الخط الساخن "16023" أمامه ففكر في تجربته واتصل عن طريق شقيقته وبالفعل تم حجزه في أقرب مكان علاجي في نفس اليوم الذي كان يسأل فيه دون انتظار لوجود مكان فاضي، وكانت هذه مفاجأة لرمضان غير متوقعة يرى أن ربنا رتبها له وحط أيده عليه لكي يتم شفائه.

وبالفعل تم حجز" رمضان" في شهر رجب وقتها ليقضى شفائه خلال 3 شهور مليئة بالدعوات والعبادات المباركة في شعبان ورمضان وكان عيده أواخر أيام شفائه، حَب المكان بالناس الموجودة وكان مستغرب أن مكان حكومي مريح وكان متعود على الأماكن الخاصة، وفي بداية دخوله تقابل مع متعافي قاله ( أعطي نفسك فرصة)، لم يهتم رمضان بكلامه مردداً بداخله " أنا حافظ الكلام ده"، حتى أتى شخص أخر له بعد مرور فترة نصحه بالتقرب لربنا في هذه الأيام المفترجة بالصلاة، وكان بالفعل يوجد هناك شخص يومياً يجمع الناس للصلاة انضم ليه، وشعر بعدها أن أفكاره بدأت تتغير ولمس روحانيات جميلة لدرجة أنه كان أول "ما يفتح عينه" يجري على الصلاة، ويلتزم وينفذ "الكورس" والبرنامج العلاجي بفهم واتقان.

يقول رمضان بدأت بعدها أشاهد "هدايا التبطيل" في عام 2014، فأهلي كان يتركون لي مال من خلال البوسطة لشراء احتياجاتي ولا يريدون أن يشاهدوني لما كنت اقترفه من أفعال، وبمرور الوقت داخل المستشفى أصبح رمضان مسئول عن مجموعة يوجههم ويقدم لهم رسالة للتعافي، ويوجه نفسه أنه لابد أن يتعامل بمنتهى الأمانة لعدم حمل ذنبهم، أو هدم كل ما تم بناؤه مكرراً جملة أساس التعافي "الأمانة"، واستبدال كل الأشياء السلبية بأشياء إيجابية والتحول لإنسان مختلف.

تجربة الإدمان علمت رمضان المواجهة وعدم الهروب فيري أن الشخص العادي يهرب لعدم معرفة التصرف الصح، لكنه واجه كل شئ في رحلته وتعلم المواجهة الصح، يرى أن ربنا ارسل له هدايا فكان يتابع مرة في الأسبوع بعد التعافي مثل كل المتعافين ويحضر الجلسة ويتابع تحاليله ويعتبر هذا اليوم مقدس، لا يمكن أن يغيب فيه، وهو يوم شحن الطاقة الإيجابية التي تجعله يستكمل ويواجه الحياة بشروطها، مع تغيير سلوك وأفكار وعدم التأثير بالمواد المخدرة من جديد.

بعد مرور سنة على تعافي رمضان قدم له صندوق مكافحة وعلاج الإدمان " الدمج المجتمعي" وكانت عبارة عن رحلة تضم " التعليم العالي والجامعة الأمريكية ووزارة الشباب والرياضة " لمدة 5 أيام لأسوان و5 أيام الأقصر، شعر أن المجموعة أسرته وتعرف على أفكار جديدة، ووصفها بالأسرة الثالثة له فكان في هذا الوقت تزوج بعد التعافي وصارح أهل زوجته بتجربته وتم قبوله كما هو وهذا الشيء اسعده وأسعد أسرته الأولى التي نشأ فيها مع أخواته.

وكانت ثاني "هدايا التبطيل" أن الصندوق عرض عليه قرض اجتماعي لكي يتوسع في مركز التجميل الذي يملكه خاصة أنه أصبح ملتزم، وبالفعل قام بدراسة جدوى مع مدير المالية وتم معاينة المكان وإنهاء جميع الإجراءات،  وثالث الهدايا كانت تكريمه من وزارة التضامن الاجتماعي وتم تسليمه قرض استكمال، وكل هذا كان يشعر رمضان بالانجاز ويتمسك بالتعافي بشكل أكبر، ويشعر بالمسئولية والبناء وتقديم المساعدة،  لذلك بجانب مركز التجميل عمل في أحد الأماكن العلاجية لمساعدة المتعافين، ليقدم رسالة للشباب كرد للجميل الذي قدم له من صندوق مكافحة الإدمان.

يصف رمضان رحلته مع الإدمان أنها صعبة وكان متعدد الانتكاسات ولعب جميع الالعاب حتى يمتنع لمدة 9 سنوات دون رجوع ولم يواجه مشاكل مع زوجته وأولاده، وتحول من أداة أذى إلى قدوة يرجعون إليه في كل الأمور بالرغم أنه أصغر أشقاءه حتى شقيقه "الرتبة" يستشيره  في الرأي، ويفتخر به خاصةً عندما كرم من الوزيرة ويمازحه قائلاً:" أنت محظوظ كل أصحابك ماتوا وأنت عايش.. ولما تتعافى تتكرم "، ويعتقد أن فترة إدمانه سببت له مشاكل صحية أخرى مثل أي مدمن يتعرض للفيروسات والأمراض لكن الهدية الحقيقية أن رمضان لا يعاني من أي مرض وتقريره الطبي سليم تماماً.

الهزار والضحك كانا يغيبان عن رمضان مدة 22 سنة إدمان لكن في 9 سنوات تحول لشخص مرح وسعيد يشعر باحتواء رباني، ورسالته الأخيرة أن المخدرات نهايتها 3 أشياء" الموت، السجن، الجنان"، قصة رمضان ليست سهلة وشاقة بكل تفاصيلها ومؤلمة فعلاً لشقيقه المسئول في مهنة لها نفوذ، لكنها بها بشرى لكل من طال عليه ألمه بالفرج وعدم اليأس وأن أول طريق الهداية الرجوع لربنا والالتزام لينكشف البصر وتتبدول الأحوال.

 

تعليقات (1)
أحسنت النشر
بواسطة: رغد أحمد
بتاريخ: الخميس، 14 أبريل 2022 05:34 م

أحسنت النشر .. فعلا قضايا مهمة وشائكة .

اضف تعليق