رد الجميل (الحلقة الرابعة)

الإثنين، 25 أبريل 2022 01:50 م
رد الجميل (الحلقة الرابعة)
أمل عبد المنعم

يرى أن الإدمان عادي وليس مشكلة ودخن منذ الإبتدائية حتى وصل للهيروين ومن مالك ورشة للرخام لصنايعي عند نفسه، فضل جاره تاج فوق رأسه لن ينساه، وفناء عمره في تقديم تجربته ومساعدة المتعافين حلم لن يتخلى عنه، نموذج يعترف بالجميل بكل وقته وليس جزء منه، يعيد هيبته وثقة من حوله بتغييره للأفضل دون التفكير للعودة للخطأ.

يحكي "ميمي.س" متعافي من الإدمان منذ 4 سنوات و6 شهور وعمره 44 سنة أن رحلة الإدمان كانت من الإبتدائية، بالهروب من المدرسة لمقابلة أصدقاء يدخنون السجائر، زادت حالته بشكل تدريجي بالحشيش وبعدها بالبرشام، حتى عام 2010، ولم يكن لديه مشكلة وجميع من حوله يتعاطون ويعتبرونها أشياء عادية، يمتلك ورشة رخام ويعمل بنفسه داخلها حيث أنه توقف في التعليم لغاية الإعدادية.

لم يفكر ميمي يوماً أن تعاطي المخدر مشكلة يرى أن كل الناس تعيش به، ويرى أنه أحسن من حوله في منطقة البساتين بأخذ كميات أكبر منهم، وبداية من عام 2010 أصبحت المشكلة بتعاطي الهيروين "المادة العالية"، والتدهور زاد حتى سرق نفسه في شغله بضياع أشياء لم يبعها لكن أهله أخذوها منه ليتحول من صاحب ورشة إلى صنايعي حتى يستطيع جلب المخدر، ليواجه مشاكل من نوع أخر بأخذ مقدم الشغل ولم يتم تنفيذه ويفقد ثقة من حوله وتتغير نظرة "الزبائن " له.

وقتها شعر بوجود أزمة وأنه يحتاج علاج لكنه بدأ بالتوجه لأماكن غير مرخصة " تحت بير السلم"، ولذلك لم يأتي بنتيجة مجزية، فكر أنه يسلم نفسه للحكومة لكي يتم حبسه ومعالجته، ثم مر وقتاً طويلاً حتى يأخذ قراراً للتوجه للمستشفى التي تعالج الإدمان وبالفعل تم حجزه واستمر لمدة 9 أشهر لكن دون تنفيذ البرنامج العلاجي، وبالطبع رجع بمنتهى السهولة للمخدر عند أول موقف.

ميمي متزوج منذ 14 سنة وله صديق زوج صاحبة مراته وكان مر بنفس الظروف وتم شفائه في مستشفى المطار وكانت زوجة ميمي تعاني معه بسبب ادمانه وعدم استجابته، وعندما حكت لها صاحبتها عن شفاء زوجها اهتمت وعرضت الموقف على ميمي ليتخذ الخطوة الصحيحة بعد مشوار من التعب، وافقها بمجرد العرض عليه لكي يشهد التجربة وبالفعل اتصلت بالخط الساخن "16023"، ليصفوا لها نفس المستشفى "المطار" التي تم فيها شفاء زوج صاحبتها.

توجه ميمي مع زوجته للمستشفى والذي يصفه أنه يوماً لا يمكن أن يٌنسى، وكان في حالة لا يرثى لها وتقابل مع الراحل "عم خالد سلطان" كان متعافي لمدة 18 سنة وقتها وأكبر شخص متواجد في العمر تحدث معه وأعطى له رسالة بها تفاؤل وطموح بسهولة التوقف عن المخدر وأن المكان يساعد على ذلك دون مواجهة صعوبة، انتظر ميمي بعدها في قائمة الانتظار حتى يتم الاحتجاز الفعلي على أن يتابع بشكل أسبوعي للتأكد من توقفه عن المادة المخدرة عن طريق التحاليل وكان ميمي بالفعل قبل التوجه للمستشفى متوقف عن المادة المخدرة التي يتعاطها.

ويحكي ميمي عن صاحب الفضل الأساسي في شفائه وأخذ الخطوة، جار له يسكن بجواره ويعمل مشرف الخط الساخن التابع لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان وعن طريق الصدفة قام بدفع فلوس التأمين لدخوله المستشفى " ألف جنيه" في حين أن ميمي كان بيشتري المادة المخدرة في اليوم الواحد بألف جنيه ما يقارب 30 ألف جنيه في الشهر الواحد، وكان أثر بالطبع على النواحي المادية لديه مع توقف شغله في هذه الفترة وفقد الثقة التي سلبت منه بسبب تصرفاته.

كان جار ميمي يحاول بكل الطرق مساعدته وقبل دفع التأمين قام بالاتصال بوالده كي يقف بجوار ميمي ويسد احتياجاته خلال 3 شهور الحجز داخل المستشفى، لكن كان رد أبو ميمي " خليه يسم نفسه" عمره ما هيتغير، وأنه لايريد معرفته، قام جاره بدفع التأمين ليسدد له قريب زوجة ميمي بعد فترة، وبالفعل تم الحجز حتى الشفاء وخرج،  ليبدأ الرعاية النهارية والمتابعة وكان يستند على والدته بأخذ 50 جنيه يوم بعد يوم لكي يتم رحلة التعافي وبالرغم من غضبها منه إلا انها كانت تتعاطف معه وتقف بجواره.

كان يومياً يتوجه للمستشفى بعد الخروج وتمام الشفاء لمواجهة الحياة بشروطها وعدم الوقوع فريسة سهلة للمواد المخدرة مع تعديل الأفكار والسلوكيات، لدرجة أن ميمي استمر حوالي 7 أشهر في متابعة يومية ويتردد على المستشفى بعد تمام شفائه، ولذلك يعتبر أن ما حدث له من تغيير فضل يحسب لهم،  ومن يومها يعمل في الخط الساخن ولم يعمل أي شيئاً أخر لكي يرد الجميل الذي قدم له ويساعد المتعافين بالتجربة والمساعدة للوصول للشفاء.

وبالرغم من أن صندوق مكافحة الإدمان قدم له عروضاً كثيرة لكي يأخذ قرضاً ويفتح مشروعاً خاص به إلا أنه لم يأخذ هذه الخطوة خلال كل هذه السنوات ويعتمد في دخله والصرف على نفسه وعلى أسرته على ما يتقاضاه من خلال الخط الساخن، و قد يصل ميمي في السنوات القادمة لمشروع معين أو يعيد فكرة ورشة الرخام التي كانت عمله الأساسي لكن حتى الآن لا يرغب في غير عمله الحالي بالخط الساخن.

ميمي أكد أنه لم يواجه أي صعوبة في فترة التعافي، كما أن ذهابه للمستشفى سواء لعمله أو المتابعة من أكثر الأشياء التي تسعده، وكان سبب أخذ قراره بالتعافي زيادة مشاكله الأسرية مع زوجته وأهله من والديه وأخواته ويعتبروه "البصمة السيئة" في حياتهم، بالرغم من أنهم يتعاطون مواد مخدرة بسيطة، لكن ميمي كان بيصرف على المواد المخدرة يومياً ألف جنيه" خراب بيت مستعجل" كما يقولون، وكانت الأزمة الأساسية أن ميمي أكبر أخواته وأولاد اعمامه والقدوة لهم فكانت هذه النظرة تغيرت، وأعادها بعد الشفاء.

ميمي رجع هيبته من جديد فلا أحد يقوم بعمل قبل استشارته من أخواته واعمامه واخواله حتى جيرانه، استرد ما ضاع منه خلال سنوات الإدمان، مع اكتساب رضى والده ووالدته ومشاركتهما له في الرأي وأصبح له دوراً اجتماعياً مهماً شعر به ولا يمكن أن يتخلى عنه، ورسالته التي ينقلها يومياً بحكم عمله الحالي أن الإدمان لا يحتاج إلا قرار لكي يتوقف أو يبتعد عنه المدمن وعدم إرضاء من حوله قبل إرضاء نفسه التي تخسر ولا تكسب شيئاً بالمخدر.

قصة ميمي تعلمنا أن الرضا بالقليل مع الالتزام و السير في الطريق الصحيح أفضل مليون مرة من مكسب كبير يتم صرفه في أشياء مهدرة وليس لها فائدة، فبالرغم أنه يعمل 20 يوماً فقط داخل المستشفى لكي ينقل رسالته للمتعافين إلا أنه سعيد وراضي بما يتقاضاه من مرتب مع الوفاء الشديد للمكان الذي كان سبب الشفاء وسبب استعادة هيبته ولا كأنه كان بيصرف يومياً ألف جنيه على المخدر فقط، لذلك الرضا والوفاء والاخلاص لأي شئ مكسب حقيقي ولا يمكن شراءهم بالمال.

 

تعليقات (1)
بوركت جهودك
بواسطة: محمد دويدار
بتاريخ: الإثنين، 25 أبريل 2022 07:22 م

تسلمين .. قصص نافعة ، أفاد الله بكِ وجزاك الله خيرا.

اضف تعليق