قول للزمان ارجع يا زمان| تحية كاريوكا.. أيقونة الفن الاستعراضي وموافقها ضد الاستعمار

الخميس، 28 أبريل 2022 03:00 ص
قول للزمان ارجع يا زمان| تحية كاريوكا.. أيقونة الفن الاستعراضي وموافقها ضد الاستعمار

تعرَّضت الفنانة تحية كاريوكا إلى أصعب تجربة في حياتها خلال عام 1953، عندما قضت مئة يوم خلف القضبان، بتهمة الانضمام إلى منظمة محظورة، ووقتها انشغل الرأي العام بمتابعة قضية أيقونة الفن الاستعراضي،

بلغت قمة الشهرة والنجومية خمسينيات القرن الماضي، وأثارت الجميع بمواقفها الوطنية ضد الاستعمار الإنجليزي، وفي 1953 تعرضت لأيام صعبة بقضاء 100 يوم خلف القضبان، بتهمة الانضمام إلى منظمة محظورة.

ولدت تحية كاريوكا في مدينة الإسماعيلية 22 فبراير 1919، وتعلقت بطفولتها بالغناء والتمثيل، وكشفت عن مواهبها في الرقص، واضطرت للسفر للقاهرة هرباً من تعذيب شقيقها الأكبر الذي جعل منها خادمة في بيته لزوجته "‏المالطية‏".

تعرفت في شارع عمادالدين بالقاهرة على الراقصة سعاد محاسن، وبعد سفر الأخيرة إلى الشام، انضمت "بدوية" إلى فرقة بديعة مصابني التي خلعت عليها اسم "تحية".

daily-270317-1.1

وظلت الراقصة الصغيرة أسيرة "صالة بديعة"، حتى نهاية الثلاثينيات، وذاعت شهرتها عندما قدمت رقصة "الكاريوكا" العالمية ولازمت اسمها خلال مشوارها الفني.

بدأ انطلاقها لعالم السينما، في عام 1937 من خلال دور صغير في فيلم "وراء الستار" مع المطربة رجاء عبده والمطرب عبدالغني السيد، وبسبب موهبتها لفتت الأنظار، ما جعل الفنان سليمان بك نجيب يساعدها في تثبيت أقدامهما كممثلة متميزة، وظلت تدين له بالفضل لتنمية ثقافتها، وإجادتها فن التمثيل.

انطلاقة السينما

انطلقت كاريوكا إلى أدوار البطولة السينمائية، وقدمت العديد من الأفلام خلال فترتي الأربعينيات والخمسينيات، ومن أبرزها "لعبة الست" 1946 مع نجم الكوميديا نجيب الريحاني وماري منيب وعبدالفتاح القصري وعزيز أباظة، وبلغت قمة أدائها التمثيلي في عام 1956 من خلال دورها في فيلمي "سمارة" و"شباب امرأة" وفي ذلك الوقت حقق العملان نجاحاً جماهيرياً هائلاً.

وبعيدا عن الفن كانت أشهر راقصة على الإطلاق مناضلة سياسية ووطنية وقفت قبل ثورة 1952 ضد الاستعمار الإنجليزي لمصر، وكانت لها مواقفها أيضاً التي لم تعجب نظام الثورة (ثورة 23 يوليو 1952)، فاعتقلت بتهمة الانضمام إلى منظمة "حدتو" اليسارية لمدة مائة يوم.

كانت كاريوكا على استعداد للتضحية بحياتها بسبب مواقفها الوطنية، وقبل قيام ثورة يوليو 1952 ساعدت الفدائيين على مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وهربت لهم الأسلحة في سيارتها إلى مدينة الإسماعيلية.

13

وقال المخرج جميل المغازي في أحد اللقاءات إن هناك منطقة في الإسماعيلية معروفة باسم "تل كاريوكا" كانت تقوم فيها تحية بتسليم الأسلحة للفدائيين.

كما ساعدت كاريوكا الرئيس الراحل أنور السادات على الهرب وخبأته في مزرعة أقاربها بالإسماعيلية، وحكت تحية عن تلك الواقعة قائلة: "أنا هربت السادات لأنهم قالوا قتلوا أمين عثمان.. قلت في داهية عقبال الباقي، وقلت لهم أنا ممكن أعمل أي حاجة".

وكانت مواقفها السياسية سبباً في تعرضها للسجن، حيث كانت تلعب دوراً سياسياً بارزاً، وأُلقي القبض عليها أكثر من مرة بسبب نشاطها السياسي السري، فقد كانت قريبة من المثقفين والسياسيين المعارضين والكُتّاب اليساريين، بل إنها انخرطت في "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" اليسارية المعروفة اختصاراً بـ "حدتو".

c205fea31a7656a97e48c5c1a6ecf312

 

كانت تحية شخصية قوية، وفي بداية حياتها في صالة "بديعة مصابني" جذبها أحد أمراء أسرة محمد علي من يدها فصفعته على وجهه، وبعد انتشار الخبر أصدر الملك فاروق قراراً بحظر ذهاب أي أمير إلى هذه الأماكن، وقيل إن تحية رأت الملك فاروق مع حاشيته في أحد الملاهي الليلية، فسلمت عليه وهمست في أذنه بأن هذا المكان لا يليق بملك مصر والسودان وأن مكانه في القصر، وتوقع الموجودون أن يعاقبها الملك على جرأتها لكنه قام وانصرف بهدوء.

وأصبحت كاريوكا بمثابة رئيسة السجن، وكانت تحمي السجينات، وتردد في ذلك الوقت أن الفنانة السجينة، قادت حملة تمرد داخل السجن بسبب تردي أوضاع السجينات، وأنها أضربت عن الطعام، حتى زارت السجن لجنة حقوقية وتم تغيير المأمور، كما أقامت خلال فترة بقائها في السجن نشاطاً لمحو أمية السجينات.

سجن كاريوكا

وأثناء سجن تحية كان المخرج حلمي رفلة يتردد على زيارتها وفي إحدى المرات تم إلقاء القبض عليه، وكان بصحبته الطبال الخاص بكاريوكا "سيد كراوية" وخادمة كاريويكا "سيدة" أثناء وقوفهم في الشارع المواجه لنافذة زنزانة كاريوكا وكانوا يتحدثون إليها، ووُجهت إليهم تهمة "الاتصال بإحدى السجينات من دون تصريح من إدارة السجن"، وتم احتجازهم لمدة 24 ساعة، وعند تقديمهم للمحكمة حكمت على كل منهم بغرامة قدرها جنيه، وفي اليوم التالي نشرت الصحف الخبر: "المحكمة تبرئ حلمي رفلة من تهمة محاولة تهريب الفنانة تحية كاريوكا من سجن الاستئناف".

وتردد أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرأ الخبر في الصحف، فسأل عن سبب احتجاز تحية كاريوكا وتهمتها، وعندما علم بأمر ما هو منسوب إليها، أمر بالإفراج عنها فوراً، وخرجت بعد نحو ثلاثة أشهر أمضتها في السجن.

الإفراج عن كاريوكا

تتابعت ومضات آلات التصوير على وجه كاريوكا بعد الإفراج عنها، وصدر العدد 133 من مجلة "الكواكب" بتاريخ 16 فبراير 1954 يحوي ملفاً مصوراً تحت عنوان "تحية تعود إلى البيت"، وظهر محرر المجلة برفقة الفنانة فور خروجها مباشرة من السجن ورحلتها حتى الوصول إلى بيتها، وماذا فعلت في أول يوم بعد البراءة ومن الذى كان في استقبالها.

وكتبت المجلة أن كاريوكا لم تصدق خبر الإفراج عنها لأول وهلة فانهمرت الدموع من عينيها، لكنها تحولت إلى دموع فرح عندما تأكدت من صحة الخبر، وهرعت إلى منزلها لتجد في انتظارها فنانة وحيدة هي زينب صدقي، وخادمها الأمين وكراوية (الطبال الخاص بها) وزوجته وبعض صديقاتها، أما أهل الفن فلم يصل إلى سمعهم الخبر إلا متأخراً. وكانت كاريوكا على عادتها مرحة تطلق النكتة وراء النكتة وبين واحدة وأخرى تقول لزينب: "عايزة أخرج، عايزة أتفسح، يللا ناخد فلوكة (مركب صغير)، يللا نركب أتومبيل (سيارة) لغاية الهرم"، وفعلاً لم تكد تحية تستيقظ في صباح اليوم التالي حتى ارتدت ملابسها وخرجت على غير هدى ولم تعد لبيتها إلا في المساء.

طريق الحرية

ونشرت "الكواكب" صوراً لتحية كاريوكا وتسجل في لقطات متتابعة خروجها من بوابة السجن، حيث شقت طريقها إلى الحرية بين عدد كبير من جمهورها، وصورة ثانية وهي تستلقي على سريرها بملابسها قائلة: "وحشتني أوي"، وثالثة وهي تحتضن زينب صدقي، وصورة رابعة تحت عنوان "قبلة العرفان بالجميل" يطبعها خادم تحية الأمين ليشكرها على ما بذلته في المحكمة لتبرئته، وخامسة وهي تشرب سيجارة وكوباً من الشاي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق