كفوا عن التربص

الأحد، 26 يونيو 2022 10:00 ص
كفوا عن التربص
حمدي عبد الرحيم يكتب:

 
كانت أمنا، أم المؤمنين ، السيدة حفة بنت عمر بن الخطاب في عصمة الصحابي الجليل خُنيس بن حُذافة السهمي فهاجرت معه إلى المدينة المنورة ، وكان خنيس عليه الرضوان من المجاهدين في سبيل الله فقد شهد معركتي بدر الكبرى وأحد ، وأبلى فيهما بلاء حسنًا، ثم لحق بربه وهو في ريعان شبابه ، فحزن حماه الفاروق عمر بن الخطاب عليه حزنًا شديدًا ، فقد أصبحت ابنته الشابة أرملة وهى في مطلع شبابها ، ولأن الفاروق عمر هو من أصحاب البصيرة المضيئة ، فقد رأى أن يخطب لابنته ولا يتركها لوحدتها تفتك بها، فراح يبحث لها عن زوج صالح، فرأى أن يعرض كريمته على ذي النورين عثمان بن عفان. 
 
يروي الفاروق رضي الله عنه القصة فيقول: " لقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر.
 
 قال عثمان: سأنظر في أمري، فلبث عثمان ليالي، ثم اعتذر بأنه لا رغبة له في الزواج.
 
 يكمل عمر قائلًا: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فسكت أبو بكر، ولم يُرجِع بجواب.
 يقول عمر: فكان غضبي من فعل أبي بكر وعدم ردّه أشدّ من غضبي لرد عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوّجته إياها، فلقيني أبو بكر، فقال: لعله كان في نفسك شيءٌ عليّ حين لم أُرجع إليك جواباً في حفصة؟، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني من ذلك إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها.
في تلك القصة الفريدة الكثير من المعاني، يهمنا هنا المعنى الخاص بالمسارعة بإزالة سوء التفاهم، وعدم وجود تصيد وترصد، فعثمان عليه الرضوان قدم اعتذارًا، أما الصديق فسكت وهذا أغضب الفاروق، ولكن لحرص الصديق على إزالة أي شوائب ربما تكون قد عكرت صفو الماء بينه وبين الفاروق فقد شرح حقيقة موقفه، فقبل الفاروق عذره، بل لعله شكر له سكوته لأن كريمته قد تزوجت بخير خلق الله جميعًا، أعني رسولنا الكريم.
 
القصة مع عثمان لها ذيل مهم ، وذلك الذيل كان سيفجر الموقف كله، فعن ابن شهاب قال : حدثني رجل من الأنصار من أهل الفقه غير متهم، سمعته يحدث سعيد بن المسيب : أنه سمع عثمان بن عفان، رضي الله عنه،  يحدث : أن رجالا من أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم - حين توفي رسول الله - جزعوا عليه حتى أخذ بعضهم الوسوسة، قال عثمان : وكنت منهم فبينا أنا جالس في أطم من الآطام ( الأطم هو الحصن أو البيت المرتفع ) مر علي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، فسلم فلم أشعر به ، فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر - رحمة الله عليهما - فقال : ألا أعجبك ، مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد علي السلام ، فأقبل أبو بكر وعمر حتى أتيا فسلما جميعا ، فقال أبو بكر : جاءني أخوك عمر فزعم أنه مر عليك فسلم فلم ترد السلام ، قال : عثمان : فقلت : والله ما شعرت بك حيث مررت ، ولا سلمت ، فقال أبو بكر : صدق عثمان ، ولقد شغلك عن ذلك أمر ، فقال : أجل ، قال : ما هو ؟ قلت: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسأله عن نجاة هذا الأمر، فقال أبو بكر رحمة الله عليه: قد سألت عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عثمان: فقلت: بأبي أنت وأمي أخبرني بها، فقال أبو بكر: قلت: يا رسول الله ما نجاة هذا الأمر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قبل مني الكلمة التي عرضتها على عمي فهي له نجاة ".
 
سكوت جديد ضاق به صدر الفاروق فهرع إلى ولي الأمر خليفة المسلمين وشكا من تجاهل عثمان لسلامه، ولأن ولي الأمر يحرص أشد الحرص على وحدة الصف فلم يستهتر بالأمر بل ذهب بنفسه ومعه الفاروق إلى عثمان لكي يستوضح الأمر، فتحدث عثمان شارحًا الموقف، فذهب غضب الفاروق وعرفنا نحن أن النجاة هي في " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ولا نجاة بغيرها.
 
هذان الموقفان مفتاحهما كلمة بسيطة، المسارعة بإزالة اللبس وسوء الفهم، والغياب التام والكامل للترصد والتربص وهذا ما نجد عكسه الآن، وخير شاهد على التربص وسوء الظن هو موقف بعضهم من كلمة طارئة قالها فضيلة الشيخ الأستاذ الفقيه الدكتور علي جمعه، الشيخ الأستاذ كان يتحدث حديثًا عاديًا مألوفًا فقال من ضمن كثير قاله: إن فيل أبرهة كان اسمه محمود.
 
هنا هاجت الدنيا وماجت وتكلم في الأمر الذي يعلم والذي لا يعلم، حتى ظننت أن الشيخ الأستاذ قد فتق في الدين فتقًا لا راقع له.
 
ولو تمهل الذين هاجموا الشيخ الأستاذ لعرفوا أن جمهرة من علماء الإسلام قد سبقوا إلى هذا القول الذي لا يضر أحدًا وليس من أركان الدين ولا من ثوابته.
وقد أحسن موقع من المواقع التي تهتم بشأن المسلمين عندما قام بذكر أسماء السادة العلماء الذين أخذ عنهم الشيخ الأستاذ علي جمعه.
 
قال الموقع إن مقاتل بن سليمان في "تفسيره" " فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض، فأخرج كتائبه جماهير معهم الفيل، واسمه محمود " 
وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": " وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِفِيلِهِ مَحْمُودٍ. وَكَانَ فِيلا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوَّةً " انتهى.
 
وقال الأزرقي في "أخبار مكة" (1 /146) حيث قال: " وَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَهَيَّأَ فِيلَهُ، وَعَبَّأَ جَيْشَهُ، وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا ".
 
وقال أحمد بن داود الدينوري في "الأخبار الطوال": " فغضب أبرهة عند ذلك غضبا شديدًا، وتجهز للمسير الى مكة ليهدم الكعبة، فأرسل الى النجاشي، فبعث اليه بفيل كالجبل الراسي، يقال له محمود، فسار الى مكة، فكان من أمره ما قد قصه الله في سوره الفيل"
 
وقال ابن جرير الطبري في "تاريخ الرسل والملوك": " فأخبر أبرهة بذلك، فغضب غضبا شديدا، وقال: إنما فعلت هذا العرب غضبا لبيتهم، لأنقضنه حجرا، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك، ويسأله أن يبعث إليه بفيله محمود - وكان فيلا لم ير مثله في الأرض عظما وجسما وقوة " 
والكلام نفسه قاله السادة العلماء ابن الجوزي وابن الأثير وابن كثير!
 
نعم لم يذكر القرآن الكريم شيئًا عن اسم الفيلم ولا السنة الشريفة الثابتة، ولكنه كلام علماء نقلوه عن علماء وهو ليس من متون الدين ولا يتعلق به إيمان أو كفر فلماذا كل تلك الضجة والتشهير برجل عالم ووضعه في مكانة لا تليق به ولا بعلمه؟
حقًا الغرض مرض.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق