يوسف أيوب يكتب: لغة الحوار.. الباب الكبير للحل

السبت، 30 يوليو 2022 08:00 م
يوسف أيوب يكتب: لغة الحوار.. الباب الكبير للحل

- رؤية الرئيس السيسي بأهمية تغليب الحلول الدبلوماسية المدخل الرئيسى لحل للأزمات الدولية

- التدخلات العسكرية فشلت في تحقيق مآرب كل طرف وزادت وتيرة الاستقطاب الدولى.. والجلوس على مائدة التفاوض الخيار الوحيد


في جولته الأوربية التي شملت ألمانيا وصربيا وفرنسا، وقبلها خلال قمة جدة للأمن والتنمية 2022، كان صوت مصر واضحاً، حينما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة في ظل التداعيات السلبية التي فرضتها هذه الأزمة على الوضع الاقتصادي الدولي الصعب، وتحديداً على صعيد أمن الغذاء والطاقة في العالم، والتأثيرات السلبية غير المسبوقة التي شهدتها الأسواق العالمية بسبب الأزمة، وهو ما يفرض على كافة الفاعلين الدوليين، التحلي بالمسئولية لإيجاد حلول وآليات عملية تخفف من تداعيات الأزمة على الدول الأكثر تضرراً، ومن هنا كانت دعوة الرئيس العلنية بأن رؤية مصر اساساها الإيمان بأهمية إبقاء الباب مفتوحاً أمام الحوار والحلول الدبلوماسية من قبل كافة الأطراف المعنية.

وقد يكون من المفيد اليوم ترك حديث المدافع والمساعدات العسكرية، والتركيز على الحلول السياسية، لأننا في أمس الحاجة إليها، خاصة أن الحلول العسكرية فشلت في تحقيق مآرب كل طرف، بل أنها زادت من وتيرة الأزمة والاستقطاب الدولى.

في قمة جدة، طرح الرئيس السيسى مقاربة شاملة تتضمن 5 محاور للتحرك في القضايا ذات الأولوية، كانت "الخامسة" منها مرتبطة بالأزمة الروسية الأوكرانية، وقال الرئيس خلالها "يرتبط هذا المحور بضرورة تعزيز التعاون والتضامن الدوليين لرفع قدرات دول المنطقة في التصدي للأزمات العالمية الكبرى والناشئة، كقضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات في أسواق الطاقة، والأمن المائي، وتغير المناخ، بهدف احتواء تبعات هذه الأزمات والتعافي من آثارها، وزيادة الاستثمارات في تطوير البنية التحتية في مختلف المجالات، وبما يسهم في توطين الصناعات المختلفة، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، ووفرة السلع، وفي هذا السياق، تدعم مصر كل جهد من شأنه تطوير التعاون وتنويع الشراكات لمواجهة أزمتي الغذاء والطاقة الراهنتين، مع التأكيد على أن التعامل مع أزمة الغذاء يتطلب مراعاة أبعادها المتعددة على المديين القصير والبعيد لوضع آليات فعالة للاستجابة السريعة لاحتياجات الدول المتضررة من خلال حزم عاجلة للدعم، فضلًا عن تطوير آليات الإنتاج الزراعي المستدام وتخزين الحبوب وخفض الفاقد، وذلك بالتعاون مع الشركاء ومؤسسات التمويل الدولية، وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على التعامل مع أزمة الطاقة التي تتطلب من جانبنا تعاونًا فعالًا لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، ولعل ما حققه منتدى غاز شرق المتوسط من نجاحات في السنوات الماضية يمثل ترجمة عملية لإرادتنا السياسية في التعاون مع شركائنا، وتجسيدًا لأحد أبرز الاسهامات في كيفية إدارة الثروات والتوظيف الأمثل للموارد الحالية والمستقبلية صونًا لمصادر الطاقة".

ما طرحه الرئيس السيسى، يعبر عن السياسة المصرية الواضحة تجاه هذه الأزمة، التي طالت تداعياتها كل مناحى الحياة، وباتت مثل الكابوس الجاثم على رئة العالم، والمتمثلة في الاقتصاد، وهى رؤية تأخذ في اعتبارها حقيقة مهمة وهو أنه مهما كانت الخلافات ومهما وصلت في مداها، ففي نهاية الأمر، لن يكون من حل سوى جلوس الجميع على مائدة تفاوض، كل يطرح رؤيته، وما بين شد وجذب، نصل إلى توافق أو شبه اتفاق، ينهى الخلاف أو الأزمة، خاصة بعدما وضحت الصورة أمام الجميع، بأن الحسم العسكرى لن يحدث، وأن الحوار هو غاية المراد.

والأحد الماضى، استقبلت القاهرة وزير الخارجية الروسىى سيرجي لافروف، في زيارة هي الأولى له إلى القاهرة منذ اندلاع الأزمة قبل عدة أشهر، وفى اللقاء مع الرئيس السيىسى سمع لافروف تأكيداً للموقف والرؤية المصرية، التي سبق وأعلنها الرئيس ليس فقط خلال جولته الأوربية الأخيرة أو في قمة جدة، وإنما سبق وأعلنها الرئيس منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة، من واقع قراءة مصرية صحيحة ودقيقة لمجريات الوضع في الأزمة، والتوازنات الدولية القائمة، وأيضاً توقع مبنى على معلومات وحقائق بأن هذه الأزمة أذا لم يتم تحجيمها فأنها ستكون وبال على الجميع، دون استثناء.

في القاهرة أكد الرئيس السيسى لوزير الخارجية الروسى أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمة الروسية الأوكرانية، مؤكداً دعم مصر لكافة المساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، مع استعداد مصر لدعم هذا المسار من خلال اتصالاتها وتحركاتها الدولية مع جميع القوى الفاعلة سواء في الإطار الثنائي أو المتعدد الأطراف.

ورد لافروف برسالة حملها معه من موسكو، موجهه من الرئيس فلاديمير بوتين تضمنت الإعراب عن التقدير والتحية إلى الرئيس السيسي، كما تضمنت الرسالة الإعراب عن التقدير تجاه مبادرة مصر لتشكيل لجنة الاتصال الوزارية في إطار جامعة الدول العربية سعياً لتسوية الأزمة الأوكرانية وما تم خلالها من زيارة للعاصمة الروسية موسكو من قبل وزراء الخارجية المعنيين.

وكان لافتاً أنه في أعقاب اللقاء بين الرئيس السيسى ولافروف، أجرى الرئيس السيسي اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضي، أنه " يأتي في إطار التشاور والتنسيق المنتظم بين الجانبين، حيث تم مناقشة بعض الموضوعات الخاصة بالعلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا في سياق متابعة نتائج المباحثات الأخيرة التي تمت بين الزعيمين خلال زيارة الرئيس السيسي الأخيرة لباريس، فضلاً عن التباحث حول عدد من القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".

وإذا كنا نتحدث عن لغة الحوار وأهميتها في التوصل إلى حل للأزمة الروسية الأوكرانية، يجب أن نلفت النظر إلى ما قاله لافروف أمام مجلس جامعة الدول العربية، خاصة تأكيده أن موسكو منفتحة للغاية للحوار مع الأصدقاء في الجامعة العربية وأجزاء أخرى من العالم وأن بلاده ليس لديها ما تخفيه.

كلمة لافروف يمكن اعتبارها بداية يبنى عليها مستقبلاً لترتيب مجريات حوار واضح وشفاف قد يصل إلى حل للأزمة، خاصة أنه طرح "من وجهة النظر الروسية" الأسباب التي دفعت موسكو لبدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومن ضمنها كما قال "إهمال المخاوف المشروعة لروسيا بشأن أمنها بدءًا من توسع حلف شمال الأطلسي، حيث يقترب أكثر من الحدود الروسية على الرغم من الوعود التي تم تقديمها للاتحاد السوفيتي قبل تفككه، فضلًا عن حشد الدول التي كانت أعضاء سابقة في الاتحاد السوفيتي من بينها أوكرانيا لكي تنضم إلى الناتو"، موضحاً أنه "تم تزويد أوكرانيا بالأسلحة المختلفة فضلًا عن التخطيط لإنشاء بعض القواعد العسكرية فيها كي توجه ضد روسيا.. ومنذ عام 2014 لم يلتزموا بأي من الوعود التي تم تقديمها سابقًا لروسيا"، لافتًا إلى أنه إلغاء وضعية اللغة الروسية في أوكرانيا وإعلان نوايا للقضاء على الوجود الروسي في أوكرانيا.

واستطرد لافروف في شرح أهمية اتفاق "مينسك" وكيف أنه "حافظ على أوكرانيا كدولة واحدة تتمتع بالسيادة وسلامة أراضيها ووضعية خاصة ممنوحة لدونيتسك ولوجانسك، وأن اللغة الروسية التي تتفق بشكل كامل مع الاتفاقات الدولية فيما يتعلق بلغة الأقليات واللغة المحلية كان يجب أن يتم احترامها ولكن للأسف أصبح يتم تعيين القضاة والمدعين بطريقة خاصة بهم".

مما قاله لافروف فأن روسيا لديها قلق بشأن الأوضاع الأمنية المحيطة بها، حيث قال "أبلغنا الغرب بشكل متكرر إلى أخطار تلك التطورات التي تدور في أوكرانيا وحولها خاصة عندما تم اجتذاب أوكرانيا تجاه حلف شمال الأطلسي بدءًا من عام 2009"، وهى النقطة الجوهرية في الأزمة الحالية، ويمكن اعتبارها السبب الرئيسى للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهنا يمكن القول أن الحل السياسى ليس ببعيد، أذا قررت الأطراف المعنية الدخول إلى المفاوضات ولديها الرغبة في توفير ضمانات أمنية للجميع.

وهنا كان تأكيد لافروف أن بلاده لا تغلق باب المفاوضات، شارحاً ما قدمته موسكو في سبيل الدخول في مفاوضات سياسية، وقال أنه عقب أيام قليلة من بدء العملية العسكرية، طلبت الحكومة الأوكرانية المفاوضات، وأن بلاده وافقت على هذا الطلب، وعُقدت اجتماعات كثيرة على مدار شهر، ولم تؤد إلى أي نتائج، معتبرًا أن الوفد الأوكراني لم يتمكن من إثبات موقفه خلال جولات المفاوضات، وفي نهاية مارس الماضي قامت الحكومة الأوكرانية بتقديم ورقة تحتوى على المبادئ التي أرادت أن تقوم بالتسوية بناء عليها، وأن بلاده دعمت هذه الورقة دون أي اعتراض، وتم الاقتراح أن يتم وضع تلك الأفكار في صيغة اتفاقية، وأن يتم اقتراح هذه المسودة على الأوكرانيين في منتصف أبريل، لافتًا إلى أنه "منذ ذلك الوقت لم نجد ردًا".

وختم لافروف حديثه بقوله "إن الشعبين الروسي والأوكراني سيستمران في العيش معا".

بالنظر لما قاله لافروف، فأنه يصب في صالح الرؤية المصرية الداعية إلى تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، وترك لغة التصعيد العسكرى، وهو ما يمكن أن يكون له أثر إيجابى في الأزمة الأوكرانية الروسية، وتكون هذه الأزمة نموذجاً للتوصل إلى حلول لأزمات دولية أخرى، اذا ما استطاعت الأطراف المعنية الاقتناع عن حق بأن الحوار والدبلوماسية هي السبيل الوحيد، وأن لغة القوة لم تعد مفيدة في الوقت الراهن، لأن تداعياتها وأثارها تتجاوز الأطراف المعنية بالأزمة، وتمتد إلى العالم بأجمع.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة