الحَول الفكرى وترويج الأكاذيب

الأحد، 14 أغسطس 2022 10:00 ص
الحَول الفكرى وترويج الأكاذيب
حمدي عبد الرحيم يكتب:

يعرف كل المهتمين بالشأن العام أن التيارات التي تتحدث باسم الإسلام لا تكف عن مهاجمة الشيخ الأستاذ الدكتور علي جمعة المفتي السابق للديار المصرية، وقد تعاظم العداء حتى أقدم بعضهم على محاولة اغتيال فضيلة الشيخ الأستاذ.

والعداء معروف مشهور وليس الآن وهنا مجال شرح وتفسير أسبابه، ولكن على سبيل الاختصار نقول: إن لفضيلة الشيخ كلام يخالف كلام تلك التيارات ومواقف تناقض مواقفهم، وتفسير ينقد تفسيرهم، وعلى كل ذلك تفجر الصراع.

ما سبق يمكننا تفهم أسبابه ولكن العجيب المريب أن جماعة يحسبون أنفسهم على التيار العلماني الليبرالي هم الذين يشنعون على فضيلة الشيخ ويرمونه بأبشع التهم، ويقدمون للذين يعادون الشيخ هدايا مجانية تسند مزاعمهم ضد فضيلته.

فجأة وبدون أي مقدمات قامت جماعة من الذين يقولون إنهم ضد الفاشية الدينية بنشر صورة للشيخ علي جمعة وتحتها ما نصه: "الأولياء لهم كراماتهم. وكتاب الطبقات الكبرى للشعراني، جاء فيه أن سيدنا عبد الرحمن بن جابر كان يجامع زوجته من مسافة 1800 كيلو وتحمل منه وتنجب".

بعد أن يبث الواحد كذبته على حسابه بالفيس بوك يترك الساحة كاملة لهجوم بشع على الشيخ المسكين.

تطالب الواحد منهم بأن يقدم أبسط دليل يؤكد أن الشيخ قد قال هذا الكلام الكذوب، فلا يسمع مطلبك ويصنع أذنًا من طين والثانية من عجين!

وكتب أحدهم تحت عنوان "يا له من انحطاط" ما لا يمكن نقله من سباب للشيخ!

هل يجوز في عقل العقلاء أن يورط مفتي الديار المصرية نفسه في تقديم كلام كالمنسوب لفضيلة الشيخ علي جمعة؟

ثم متى كان الشيخ عبد الوهاب الشعراني مرجعًا لهؤلاء ومصدرًا من مصادرهم؟

النسخة التي بين يدي من كتاب الشعراني ليس بها حرف من هذا الكلام الكذوب، فمن أين لهم اليقين بأن الشعراني قال وأن الدكتور علي جمعة قد أكد؟

هم لا يصارحون جماهيرهم بمشكلة كتاب الشعراني.

مشكلة كتاب الشعراني ملخصها أن الشعراني قد كتب كتابه عن مشايخه وأساتذته، ثم سرقت نسخته الأصلية المخطوطة، وقام اللصوص بدس ملزمتين في آخر الكتاب كلها من الهراء الذي يخاصم الشرع والعقل، والشعراني نفسه تبرأ من المدسوس عليه وقال: هذا ليس كلامي.

ثم مع مرور السنوات ظهرت أكثر من نسخة للكتاب بعضها ليس به من الخرافات شيء وبعضها يضم من الخرافات الكثير، فأصبحنا أمام كتاب مرتبك مربك، إن أخذنا منه فصلًا رفضنا الفصل الذي يليه!

هم لا يطرحون على جماهيرهم هذه المعلومة الأساسية التي بغيرها يبدأ التدليس والكذب على الأحياء قبل الأموات.

قولًا واحدًا، الشيخ علي جمعة لم يقل هذا الهراء، والنسخة التي بين يدي من كتاب الشعراني ليس بها حرف من هذا الهراء.

ثم تأتي ويكيبيديا فتفضحهم من حيث لم يحتسبوا.

قالت ويكيبيديا: "بموجب مرسوم 8 مايو 1790، دعا التجمع التأسيسي الأكاديمية الفرنسية للعلوم لتطوير نظام قياس جديد.

 في أغسطس 1793، أصدر المؤتمر الوطني الفرنسي مرسوما ينص على استعمال المتر كوحدة أساسية لقياس الطول في الجمهورية الفرنسية. أول اسم للكيلومتر كان «ميلير». على الرغم من أن المتر لم يعرف إلا في 1799، إلا أن الميريامتر (10000 متر) كان يسمى كيلومتر ويستعمل للاستخدام اليومي. كلمة ميريامتر ذكرت عدة مرات في كتاب ديفلي فيزياء اميل: مبادئ علم الطبيعة، "نشر في 1802"، في حين ذكرت كلمة كيلومتر مرة واحدة في الملحق. الخرائط الفرنسية التي نشرت عام 1835 احتوت على كلمة ميريامتر.

في عام 1867 فقط أصبح مصطلح «كيلومتر» هو الوحدة الرسمية الوحيدة في هولندا لتمثل 1000 متر".

انتهى النقل من ويكيبيديا، لنسأل كيف عرف عبد الوهاب الشعراني مصطلح الكيلو وهو الذي مات قبل ظهور المصطلح بأكثر من ثلاثة قرون، لقد توفي رحمه الله في العام 1565 وعلى زمنه كانت وحدات قياس الطول بالشبر أو الذارع أو القصبة، أما وحدة قياس المسافة فكانت تسمى المرحلة، وأحيانًا كانوا يقيسون المسافة بأيام السفر فيقولون بين القاهرة والإسكندرية ثلاثة أيام أو شيء من هذا القبيل.

سألت أحدهم: هل تصدق أن رجلًا تولى مسئولية دار الإفتاء المصرية يورط نفسه في ترديد هذا الكذب؟

قال: نعم أصدق.

سألته: لماذا تصدق.

قال: بالقياس على فتاوى شاذة تملأ المجتمع!

لا حول ولا قوة إلا بالله، ما هى الفتاوي الشاذة التي قال بها علي جمعة أو غيره من الذين تولوا المنصب الرفيع؟

هل الذين يهاجمون الشيخ على كلام لم يقله مصابون بالحول الفكري فيهاجمون شيخًا يؤمن باحترام الآخر ويعلن ليل نهار ترحيبه بالحوار والنقاش العقلاني البناء، أم هم في الحقيقة يصطفون مع أعداء الشيخ؟

المنصف كان سيذهب إلى كلام الشيخ نفسه الذي قاله عن الكرامات والأولياء، وكلامه مشهور معروف وأكثره موجود على حسابه الخاص بالفيس بوك ومنه هذا المقطع الذي يقطع الطريق على مروجي الأكاذيب.

قال الشيخ: "إن الإنسان يتشوف إلى أن يرى خوارق العادات، والآيات، سواء أكانت هذه الآيات معجزات، أو كانت هذه الآيات كرامات تَجري على يد الأولياء.

كان مشايخنا رحمة الله عليهم عندما نُكلمهم على قضية الكرامات وهل هي ضرورية للشيخ المرشد حتى يطمئن المريد في سلوكه إلى الله سبحانه وتعالى؟ فكانوا يُخبروننا بأن أولياء الله يَستحون من الكرامة استحياء البِكر من دم حيضها، البكر عندما يأتيها الحيض أولًا قد تفاجأ به ولا تعرف ما هذا وتظنه نزيفًا، ولذلك فإنها تستحي لتعَلُّق هذا بما هو عليه إطار من العورات وإطار من الخصوصية وإطار من الخاصة التي تجعل هناك خجلًا.

إن الولي إذا جرت على يده كرامة وخارقة من خوارق العادات فإنه يشعر بنفس الشعور من الخجل، وكأن الله سبحانه وتعالى ليس راضيًا عنه، هكذا يشعر، وكأن الله سبحانه وتعالى سوف يَفضح أمره، هكذا يشعر، يفضح أمره أمام الآخرين وهو لا يستحق ذلك، لا يستحق هذه الرتبة التي سيضعها فيه الناس، الناس يضعونه في رتبة هو يشعر بأنه لا يستحقها.

فائدة الكرامة، أنها تثبت هذا العابد السالك للطريق، وكلما ترقى الإنسان في ولايته مع الله سبحانه وتعالى كلما انتفت الكرامة ولم تكن هناك كرامة، لأنه وصل من علم اليقين إلى عين اليقين إلى حق اليقين، إنه لا يحتاج إليها ولا يحتاج إلى تثبيتها، وكثير من الناس يجعل العلاقة بينه وبين شيخه مدى ما يظهر عليه وعلى يديه من كرامات، فكان مشايخنا رحمة الله عليهم يقولون: إذن أنت تريد حاويًا، أو ساحرًا، أو مشعوذًا ولا تريد وليًّا.

ونبه إلى أن الولي هو الذي يُعلمك الأدب مع الله، وليس هو التي تجري على يده خوارق العادات، خوارق العادات هذه من عند الله، إذا أتت تعجبنا وعرفنا أن وراء هذا المنظور عالم غير منظور، وإذا لم تأت لا نطلبها ولا نسعى إليها، ولا نعبد الله سبحانه وتعالى ونحن ننتظر هذه الخوارق، كل ذلك نقص في التوحيد ونقص في الإيمان والإحسان واليقين بالله سبحانه وتعالى، فالكرامة هي خارقة من خوارق العادات يرسلها الله سبحانه وتعالى للتثبيت لمن شاء من عباده، ففي بعض الأحيان يحتاج الإنسان إلى أن تظهر له كرامة على يد شيخه، وفي بعض الأحيان لا يحتاج".

هل الذي يقول ما نقلته عن فضيلة الشيخ علي جمعة يورط نفسه في أكذوبة جماع يتم على بعد 1800 كيلو متر.

استقيموا يرحمنا ويرحمكم الله وعالجوا ذواتكم من حول فكري أصابها في أعماقها.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق