ذكرى مولد قمر بنى هاشم

الخميس، 06 أكتوبر 2022 03:01 م
ذكرى مولد قمر بنى هاشم
يحيى يوسف أيوب

 
مِن أينَ أبدَأُ وَاللِّسانُ عاجِزٌ
عَن وَصفِ طه المُصطفى المُتَنَوِّرِ
لَو كُلُّ مافي الكَونِ مِن قَلَمٍ جَرى
يُدَوِّنُ في وَصفِكَ مِن أسطُرِ
لَتَوَقَّفَ القَلَمُ بِوَصفِك حائِراً
مَهما تَكونُ حِبارُهُ مِن أبحُرِ
وَيَقُولُ عُذرَاً سَيِّدِي خَيرَ الوَرى
فَلَقَد تَحَيَّرَ كُلُّ ما في دَفتري
في وَصفِكُم قرآنُ فِيكم يُجهَرا
يُتلى لِيَومِ الدِّينِ يِومِ المَحشَرِ
خُلُقٌ عَظِيمٌ آيُهُ مُتَيَسِّراً
في حَقِّكُم طه الحَبيبِ الأَنوَرِ
صَلَّى عَلَيكَ اللهُ ما قَلَمٌ جَرى
ما خَطَّ في الأَوراقِ مِن مُتَسَطِّرِ
 
هذه الأيام يفوح علينا الدهر بنفحة من نفحاته، وهي ذكرى ميلاد القمر الهاشمي، والكوكب الدرى خير خلق الله وازكاهم من الاولين والآخرين، وتحتفل أمتنا الإسلامية جمعاء بيوم مولده صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الاثنين الموافق الثانى عشر من شهر ربيع الأول الملقب بعام الفيل، ففيه اخمدت نيران كسرى، وتكسرت الاصنام.
 
وفى ذكرى مولده كيف يكون الاحتفال؟
الاحتفال بذكرى مولده لا يكفى فيه هذه المظاهر التى يتم بها إحياء هذه الذكرى الكريمة، وإنما يكون الاحتفال الحقيقي بأن يلزم كل مسلم نفسه بتطبيق أوامر الله قولا وعملا، والانتهاء عما نهى الله عنه، فيصل الإنسان رحمه ويحب لإخوانه ما يحب لنفسه، ويشارك الناس آلامهم وآمالهم، ويفرح لفرح أخيه ويتألم لألمه تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
 
أى قيمة لاحتفالات تملأ الارجاء دويا واتباع النبي صلى الله عليه وسلم متنافرون وقلوبهم شتى حتى طمع فيهم اعدائهم لانهم فى غفلة من أمرهم، واصواتهم جوفاء واعمالهم هباء غلبت عليهم أهوائهم الشخصية فهانوا على أنفسهم وعلى الآخرين، والله يدعوهم الا يهونوا. قال تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون أن كنتم مؤمنين".. آل عمران، الأيه 139.
 
نحن لا ننكر أن يجعل الناس من هذا اليوم الأغر مناسبة دينية يفرحون بها ويشعرون ابنائهم ببهائها وما كان لها من فضل عظيم على الدنيا بأسرها، لكننا نريد أن يواكب ذلك وقفة نراجع فيها حساباتنا لنبين موقفنا مما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم، لنصحح مسارنا ونتبع الطريق الذي يصل بنا إلى مرفأ الأمان ويحقق العزة التى تقوى بها أمة الإسلام، ويعلو شأنها فيتحقق الخير لها وترد العدوان الذي يتكالب عليها من كل جانب وتعود المهابة التى يلقيها الله فى قلوب اعدائها.
 
ينبغي أن تبعث هذه الذكرى فى نفوس المسلمين العودة إلى المؤاخاة التى وجهنا اليها الرسول فى قوله "المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله.. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
 
ينبغي أن تبعث فينا الذكرى المباركة الصفاء مع النفس ومع الآخرين والأمانة لكل الناس، والوفاء بالعهود وتحاشي الايذاء والإضرار بالمسلمين، فالله تعالى يقول "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا". وبذلك يكون للذكرى ثمرها الجني وحصادها العظيم.
 
وواجبنا فى ذكرى مولده أن نطيل التأمل فى أخلاقه صلى الله عليه وسلم لنأخذ الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة بخير الأنام، الذي انقذ البشرية من ظلمات الجهالة والبغي والظلم وأقام موازين الحق والعدل فارتفعت قيمة الإنسان وأصبح مكرماً عزيزا لا يحط من شأنه لون او جنس، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى "إن أكرمكم عند الله اتقاكم".
 
ولقد كان صلى الله عليه وسلم خلقه القران، فقد كان قرانا يمشي على الأرض "وإنك لعلى خلق عظيم"، ارسله ربه رحمة للعالمين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"، فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير.
 
ويجب على كل مسلم أن يجعل من هذه الذكرى المباركة دافعاً ليتبين الطريق الصحيح الذي رسمه الإسلام ليسلكه من غير تخبط، حتى يتحقق للمجتمع الإسلامي الخيرية التى لا هوان فيها والعزة التى تعلى شأنه، فلا يتخاذل أفراده ولا يتقاعسون عن نصرة بعضهم بعضا، فالمسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم والتناصح بينهم يعصمهم من الخسران، فالله تعالى يقول "والعصر إن الانسان لفي خسر الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
 
وعلى الامة أن تتخذ من ذكرى مولده حافزا لها ليجمع أمرها على كلمة الحق ليواجهوا عدوا غاشما يتربص بهم الدوائر "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بي شيئا".
 
فى ذكرى مولده يجب أن نعرف أن مبادئ الإسلام التى جاءت بها دعوة محمد صلى الله عليه وسلم تثبت القلوب على الحق وتسمو بالنفوس وتحفظها من الزيف والضلال، وتحميها من السقوط أمام مغريات الدنيا مهما كانت، وتحفظ المجتمع من فساد الضمائر وانحراف الذمم وتقيه من الغش والخداع فيرقى وينهض، فلنجرب فى ايامنا هذه السير على الطريق الصحيح الذي أوضحه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم.
 
إن الاحتفال بأيام الأمم وذكرياتها لا تؤتي ثمارها الا بالعمل بمقتضاها والاستفادة من آثارها العظيمة التى اضاءت الزمن بمحامدها، وبقيت على طول الزمان مجدا مؤثلا والله تعالى يقول "وذكرهم بأيام الله ان فى ذلك لأية لكل صبار شكور".
 
فى ذكرى مولده ما احوجنا إلى أن نوضح أن رسول الاسلام جاء خاتما للرسالات، فلم يكن بدعا من الرسل وإنما جاء متمما لمن سبقه من الرسل، ولهذا قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة فقال "أن مثلى ومثل الانبياء قبلى كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه واجمله الا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنه وأنا خاتم النبيين".. رواه الشيخان.
 
فالبيت فى الحديث هو الاسلام وأما بُناته فهم الرسل عليهم السلام، وأما اللبنه فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبدالله رسول الوحدة والختام والكمال والرحمة الشاملة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق