دراسات تحذر من مخاطر عدم الشعور بالسعادة خلال ساعات العمل

الإثنين، 25 يناير 2016 08:17 ص
دراسات تحذر من مخاطر عدم الشعور بالسعادة خلال ساعات العمل
صوره تعبيريه

لم تعد الحاجة إلى دراسة شخصية وسلوكيات الأفراد وما طرأ عليها من تغيرات وتحولات بعد الثورات ترفيها، وإنما ضرورة قصوى لفهمها وتفسيرها بصورة علمية حتى تتمكن الحكومات من إنجاز خطة التنمية الشاملة للدولة، وأيضا السيطرة على الظواهر والمتغيرات السلبية التي تؤثر بشكل مباشر على الكفاءة الإنتاجية للمؤسسات بسبب عدم الشعور بالسعادة خلال ساعات العمل.

ويرى الباحثون والمتخصصون في علم النفس الاجتماعي أن تغير سيكولوجية (نفسية) المواطن التي تمر بفترات انتقالية كالتي تداعت لها الشعوب في مرحلة ما بعد الثورات خلال السنوات القليلة الماضية، أو حالة عدم الاستقرار نتيجة الهموم والمشكلات اليومية، وأيضا سوء استخدام تقنيات التواصل الحديثة ( مقروء - مسموع – مرئي)، يعد العامل الأساسي الذي يقف وراء تراجع مستوى الأداء والإنتاج على كل مستوياته، وكذلك حالة الترهل أو التراخي التي تنتاب الجهاز الإداري بالدولة.

وتركز هذه النظريات (السيكولوجية - الاجتماعية) على دور الفرد في التغير الاجتماعي وعلى دور الأفكار التي يحملها الأفراد في تغير أنماط الحياة ومسارها، وتتأسس على فرضية أن التغير الذي يصيب المجتمع يحدث أساسا في الأفراد، كونهم الذين يغيرون وهم الذين يتغيرون، ولذلك فإن هناك مكانا للعوامل النفسية نتيجة الضغوط الحياتية في حركة التغير الاجتماعي تؤدي إلى تأثر ملايين المواطنين سلبا بسبب سوء الخدمة نتيجة عدم شعور الموظفين والمهنيين بالسعادة خلال ساعات العمل.

فعندما ترتفع متطلبات الحياة وتجبر الفرد على التخلي عن كثير من عاداته وسلوكياته، رغباته وهواياته، أو عندما تقل قدرة الفرد على التكيف مع التغيرات السريعة للحياة العصرية وما ينتج عنها، ينشأ نوع من تخبط أو (تشوش) التفكير والفشل في حل المشكلات اليومية والتناقض والعجز والمزيد من الضغوط العصبية التي تجلب الكآبة والإحباط، وقد تنتهي بحالة من الاكتئاب أو العنف، خاصة عندما تهدد الحاجات الأساسية اللازمة لحياة الإنسان أو المواطن العادي.

وكشف فريق بحثي بكلية الطب في بنسيلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عن المخاطر الصحية والنفسية والمجتمعية والاقتصادية الناتجة عن المشاكل والهموم اليومية وعدم الشعور بالسعادة خلال ساعات العمل، وأكدت الدراسة أن عدم الشعور بالسعادة خلال ساعات العمل على وجه الخصوص يؤدي إلى تزايد الانفعالات مثل القلق والتوتر، وتم تسجيل تغيرات في ضربات القلب ومعدل هرمونات التوتر، وهي أعراض استمرت فترات مختلفة حتى لما بعد التجربة التي أجراها فريق البحث.

وأوضحت الدراسة أن هناك طرقا خاطئة يستخدمها الموظفون والمهنيون للهروب من مواجهة الضغوط والمشكلات اليومية داخل المؤسسات وميادين العمل المختلفة بسبب عدم وضع إستراتيجية جادة لرفع الكفاءة الإنتاجية والخدمية للعمل بكافة مستوياته، وفندت الدراسة بعضا من الطرق الخاطئة التي يستخدمها كثير ممن يقع تحت وطأة الضغوط والمشكلات اليومية العملية والحياتية، ومنها وأكثرها شيوعا ما يعرف بالحيل النفسية أو " ميكانيزمات الدفاع " لتجنب هذه الضغوط وتفضيل الهروب من مسئوليات وأعباء المواجهة.

ويختلف الإسراف في استخدام هذه الحيل اللاشعورية – لها العديد من الأضرار – عن التجنب الواعي أو التأجيل المرحلي لبعض المشاكل والضغوط، فقد يلجأ الفرد لحيلة "الإسقاط" - وتعني في علم النفس أن ينكر الفرد عيوبه ويتهم الآخرين بها - وكذلك استخدام العنف اللفظي أو الجسدي على حد سواء، وهو ما نجده حولنا في المشاجرات اليومية الكثيرة التي تشتعل لأسباب بسيطة، فضلا عن الهروب من المسئولية أو الصمت واللامبالاة وفعل عكس المطلوب، و"النكوص" وهو العودة أو الردة إلى سلوك طفولي غير ناضج أو محاولة حل المشكلات بالسحر والدجل والأعمال والأفكار الخرافية، أو من خلال ما يعرف ب " التفكيك أو العزل "، كما هو حال من يسرق ويتصدق، أو يرتشي ويحج.

ومن هنا برزت نظرية (هاجن) في التغير الاجتماعي، فذلك التغير يرتبط بعوامل نفسية، أي يخلق أنماط الشخصية القادرة على التجديد، وتتسم مثل هذه الشخصية بالابتكارية والفضول والانفتاح على الخبرة، وأنها تسعى إلى ابتكار حلول جديدة لا تقبل ما هو قائم منها، كما أنها تنظر إلى العالم من حولها على أنه عالم يقوم على نظام معين قابل للفهم، وتكون قادرة على حل المشكلات التي تواجهها في العالم.

ويفترض هاجن أن التغير في البناء التقليدي للمجتمعات يبدأ عندما تظهر مجتمعات من الأفراد لها هذه الخصائص تهدد بناء الواقع القائم وتسحب البساط من تحت أقدامه، ومثل هذه الجماعات تظهر بالتدريج، ومن خلال عمليات مستمرة من الانسحاب، ويرتبط ظهورها وتكاثرها بظهور ظروف اجتماعية (ترتبط بالأسرة والتنشئة الاجتماعية)، وهكذا يحدث التغير بشكل تدريجي فينتقل المجتمع من حالة التسلطية إلى حالة الابتكارية، مرورا بعمليات وسيطة ترتبط بتحدي نظم المكانة القائمة والانسحاب منها.

فإذا كان الباحثون في السلوك التنظيمي يركزون على سلوك الفرد في عمله وجميع المفردات التي تتعلق به، فإنه لا توجد دراسات محلية حول التغير النفسي الاجتماعي وعلاقته على وجه التحديد بتطور العنصر البشري وتطوير المؤسسات والتنظيمات الرسمية، إلا أن دراسة بحثية نشرت مؤخرا عن المركز الوطني للمعلومات باليمن أكدت أن واقع التغيرات النفسية الاجتماعية شكلت ظواهر بالغة الخطورة وثيقة الصلة بتراجع الأداء على مستوى الفرد والمؤسسة.

ولم يكن أمام الباحثين سوى الاجتهاد لوضع آلية إنقاذ من مخاطر ومدمرات التغير النفسي الاجتماعي لعناصر وقوى التنظيمات الرسمية بالدولة، وقد اشتملت هذه الآلية على عدة بنود أهمها اتخاذ سياسة الإنصات للموظفين لسماع مشاكلهم والتحدث عن طموحاتهم والترحيب بأفكارهم الجديدة ومقترحاتهم، والمساهمة في مساندة العاملين بالدولة على استقرار حياتهم الأسرية والعائلية من خلال إنشاء إدارة بحوث اجتماعية داخل كل بيئة عمل يكون هدفها كشف وحل المشكلات الحياتية والمعيشية كالزواج وغيرها.

وتضمنت كذلك تحقيق الأمان الوظيفي عبر إجراءات تتخذها بيئة العمل نفسها تجعل الموظف يقدم إخلاصه وولاءه للمنظمة أو المؤسسة التي يعمل بها، بحيث يكون غير راغب في ترك العمل، والاستحواذ على قلوب العاملين والموظفين بالمؤسسة عبر تكوين علاقة أخذ وعطاء بينهم وبين الإدارات العليا للمنظمة ومع زملائهم في العمل، والتخلص من احتكار سرية المعلومات الخاصة بالمؤسسة وإعطاء شيء من الحرية في إطار العمل لعدم ظهور أية مشاكل أو مشاحنات.

كما تضمنت تقليل الفوارق في الأجور، والذي من شأنه أن يحفز جميع الموظفين على العمل، بدلا من إضاعة وإهدار الوقت والجهد، بل وربما العمر الوظيفى كله في التقرب للمدراء والرؤساء للحصول على مكاسب شخصية، وضرورة ألا يرتبط تواجد الموظف في مكان عمله بساعات الدوام الرسمي وإنما بوجود عمل مكلف به، إضافة إلى تفعيل المشاركة في اتخاذ القرار الإداري، خاصة من قبل العناصر الشبابية من الجنسين، وإعطائهم بعض الصلاحيات بطريقة سليمة تحت إشراف الكفاءات من الكبار.

وشملت الآلية تشكيل لجان متخصصة مؤهلة تعمل على تقييم أداء الرؤساء في بيئات العمل، على أن تتم إتاحة الفرصة للمرؤسين في تقييم رؤسائهم، وإجراء بحوث ميدانية عن أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه الموظفين والعاملين بالمؤسسة وعن الحلول العاجلة لمواجهتها، وكذلك بحوث عن دور وآراء النقابات المهنية بالدولة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق