يوسف أيوب يكتب: الإرادة المصرية في cop27 تنجح

السبت، 19 نوفمبر 2022 08:00 م
يوسف أيوب يكتب: الإرادة المصرية في cop27 تنجح

قمة شرم الشيخ تخترق الحواجز ببند تمويل "الخسائر والأضرار" والتوافق في قضية التمويل 
مصر تقود مفاوضات مارثونية لحشد التمويل اللازم لتعزيز إجراءات التكيُف بالدول النامية وزيادة مساهمات الشركاء الدوليين 
 
"قمة التنفيذ".. كثيراً ما ترددت الكلمتان قبل أن تستضيف مصر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن المناخ cop27، ولم يدرك أحد حينها ما تمثله الكلمتان من تحدى على الرئاسة المصرية للمؤتمر، فخلال 26 قمة سابقة، كانت الاجتماعات تنتهى بمجرد توصيات، وآمال معلقة على استجابة الدول بها، لكن منذ اختيار مصر، وتحديداً مدينة شرم الشيخ لاستضافة القمة الـ27 كان الهدف المصرى واضحاً، أننا نريدها قمة للتنفيذ وليس فقط الوعود والعهود.
 
شكك البعض، لكن مع مرور الأيام، تأكد الجميع أن الرغبة المصرية ستكون هي الفيصل، وهى رغبة مدعومة بطموحات وآمال الملايين الذين ينظرون إلى مصر على إنها ستكون حاسمة، خاصة بعدما باتت قضية التغيرات المناخية هي حديث الساعة في كل دول العالم، وخير شاهد على ذلك الصيف الساخن الذى بدأ يلملم أوراقه، لكن أحداثه لا تزال عالقة في الأذان، بعدما تسببت درجات الحرارة المرتفعة في جفاف ببعض البلدان، وحرائق للغابات، وتزامن ذلك مع فيضانات وارتفاع في منسوب سطح البحر في مناطق أخرى من العالم، لذلك فالجميع تراوده آمال بالوصول إلى حل عملي يحد من الكوارث البيئية التي باتت تُهدد الجميع بلا استثناء.
 
التنفيذ كان هو الشعار الذى اتخذته الرئاسة المصرية للقمة، وحولته إلى واقع على الأرض، بدأ بتحويل شرم الشيخ إلى خلية نحل ومسرح لمناقشات ثرية، متنوعة ما بين السياسة والاقتصاد والعلم، وصولاً إلى القضية الأهم، الخاصة بالتمويل سواء المتعلقة بتمويل التكيف مع التغيرات المناخية، أو التخفيف من تبعاتها، أو تمويل "الخسائر والأضرار" التي لحقت ببعض الدول من تبعات المناخ، فقد بدأ واضحاً منذ البداية أن مصر تسير في اتجاه الخروج من المؤتمر بخطة عمل لتنفيذ التعهدات الدولية في الشأن المناخي، تكون بدايته الالتزام بمبلغ الـ100 مليار دولار التي سبق الإعلان عنها في القمم السابقة، فقد أن تعهدت الدول الغنية عام 2009 بتقديم مبلغ 100 مليار دولار أمريكى سنوياً، حتى عام 2020 لتمويل مشاريع في الدول النامية من شأنها خفض الانبعاثات الكربونية، والتكيف مع التغيرات المناخية، إلا أن هذا التعهد لم ينفذ بشكل كامل حتى الآن بل أكدت منظمة التعاون والتنمية في تقريرها الأخير، أن أكبر مبلغ جُمع في هذا الإطار بلغ 83.3 مليار دولار.
 
ولإن الهدف هو التنفيذ، فقد استطاعت مصر أن تخترق جدار الرفض الذى كان يغلق الحديث عن بند تمويل "الخسائر والأضرار"، فقد حققت الرئاسة المصرية للقمة أكبر اختراق، بإدراج البند ضمن جدول الأعمال، ففي الجلسة الإجرائية الأولى للمؤتمر في السادس من نوفمبر الجارى، وبعد تسلمه رئاسة المؤتمر من سلفه البريطاني ألوك شارما رئيس cop26، أعلن سامح شكرى اختراقا في المفاوضات المناخية، بالموافقة على إدراج بند تمويل "الخسائر والأضرار" ضمن مناقشات المؤتمر، وهو ما منح القمة مساراً مختلفاً، ومازقاً بطعم الإيجابية، خاصة أن ملف تمويل الخسائر والأضرار كان لسنوات طويلة أحد الملفات الشائكة بل والمعقدة على طاولة مؤتمرات المناخ منذ انطلاقها في تسعينات القرن الماضي، فكانت المؤتمرات تسير في اتجاه أن الدول النامية تطالب دائماً بتعويضات عن الأضرار الاقتصادية والخسائر التي تكبدتها من تبعات التغيرات المناخية، وفى المقابل تتهرب الدول الصناعية الكبرى من المسئولية، وترفض مجرد الحديث أو الإشارة لهذا البند تحديداً، لإنها تتحسب أن تنتهى المفاوضات إلى الزامها بدفع مليارات الدولارات في شكل تعويضات للدول الفقيرة.
 
هذا الاختراق وصفه شكرى بأنه "في حد ذاته إنجازا"، وأن تبع ذلك بقوله "لكن يجب التحلي بالعملية في التفكير، وإدراك أن هذا الأمر حساس ومعقد، ونسعى للمضي قدما في مناقشته، ونثق في أنه في خلال إطار زمني محدد سيتمكن الأطراف من التوصل إلى تفاهم بشأن آلية التمويل التي ستوفر المساعدة للدول النامية فيما يتعلق بقضية الخسائر والأضرار".
 
وأكد كبير مفاوضي الرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ (COP27) السفير محمد نصر، أن تعزيز التعاون الدولي سيسهم في تسريع وتيرة تنفيذ القرارات الخاصة بمواجهة التغيرات المناخية، مشيراً إلى أن "التقارير العلمية منذ قمة جلاسكو أوضحت أن كل الإجراءات والتعهدات لا تتناسب مع الأهداف التي وضعها المجتمع الدولي للحفاظ على متوسط ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض دون درجتين أو 1.5 درجة مئوية، وقال لإن "العالم يشهد يوميا كوارث مناخية تحدث في كل مكان ما بين أعاصير وحرائق غابات وحالات جفاف، الأمر الذي يستدعي تسريع وتيرة التنفيذ"، مؤكدا أن حجر الأساس في التنفيذ هو توفير التمويل اللازم لمواجهة التغيرات المناخية.
 
ولفت نصر إلى أن جميع القادة المشاركين في مؤتمر المناخ أكدوا التزامهم بمواجهة تغيرات المناخ، مبينا أن مشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن في القمة تؤكد التزام أكبر دولة مانحة وداعمة لتمويل مواجهة تغير المناخ لما لها من قدرة تكنولوجية على تسريع الوتيرة في البحث والابتكار والتنفيذ.
 
ومصطلح "الخسائر والأضرار" الذى كان كانت تتحفظ عليه الدول الكبرى، تراه غالبية الدول أنه يستهدف دعوة الولايات المتحدة والصين والدول الأوروبية الصناعية إلى تقديم تمويلات للبلدان الأقل نموا التي تعانى اثار التغيرات المناخية، وهو ما يظهر من الفيضانات وموجات الحر والجفاف وارتفاع منسوب البحار وكوارث أخرى.
 
وطيلة السنوات الماضية، هناك حرب خفية بين واشنطن وبكين حول المسئول عن التغيرات المناخية أو إيهما المتسبب في الانبعاثات الكربونية، ومؤخراً خفّفت الولايات المتحدة من مقاومتها، لمشروع إنشاء الدول الغنية لصندوق مالي، يخصص تعويضات مالية للبلدان النامية التي تعاني من آثار التغيرات المناخ، لكنها القت في الوقت نفسه باللوم على الصين وطالبتها بضرورة الدفع أيضا باعتبارها المصدر الأكبر للانبعاثات الغازية.
 
والأرقام تؤكد أن الصين والولايات المتحدة فى المرتبتين الأولى والثانية عالمياً في إصدار الغازات الملوثة التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للكوكب، حيث تضخان ما يقرب من نصف أبخرة الوقود الأحفوري من النسبة العالمية، ووفقًا لبيانات عام 2019، فإن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مسؤولة معا عن أكثر من نصف فائض ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فيما كانت مساهمة الصين 12.7%، وهي في تزايد.
 
شكرى والذى تولى رئاسة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP27 أكد على أهمية قيام الشركاء الدوليين برفع اسهاماتهم المادية لتوفير تمويل المناخ اللازم لتعزيز التكيُف وتخفيف التداعيات ومعالجة الأضرار والخسائر، مشدداً على أن الرئاسة المصرية للمؤتمر حريصة كل الحرص علي نجاح المؤتمر وتقديم الدعم لجميع الوفود، مشيرا إلى أن أبوابه ستظل مفتوحة طوال أعمال المؤتمر للجميع لضمان التوصل إلى التوافق المطلوب بشأن مختلف الموضوعات محل التفاوض.
 
وفى حوار مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، قال شكري إن مصر ترغب في رؤية التزام واضح نحو خفض غازات الاحتباس الحراري وخفض الانبعاثات والاعتراف بأهمية تكيف الدول النامية مع تغيرات المناخ، إلى جانب توفير التمويل اللازم لتمكين الدول النامية من تحمل المسؤولية.
 
وحول ما إذا كان يشعر بالقلق حيال تخلف الدول الغنية عن القيام بواجباتها، قال شكري "بالتأكيد، هذا أمر يقلق أي من الأطراف المشاركة في القمة، لافتا إلى أن تخلف الدول المتقدمة التي تمتلك الموارد والمرونة، يعد بمثابة رسالة مدمرة لها أثر بالغ السلبية فيما يتعلق بمسألة الثقة خاصة أنها قضية مشتركة يعايشها الجميع، ويجب تحمل المسؤولية حيالها، ولكن على مستويات مختلفة.
 
كما أكد الدكتور محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية لـCOP27 والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، أن هيكل تمويل العمل المناخي على المستوى الدولي غير كاف وغير فعال وغير عادل، مشيراً إلى أهمية تطبيق معايير مؤسسة التنمية الدولية IDA من حيث تقديم المنح والقروض الميسرة مع السماح بفترات سداد طويلة المدى وبفوائد مخفضة.
 
الاختراق المصرى حقق بالفعل "مناخاً إيجابياً بشكل عام"، زاده أن كلمات الرؤساء ورؤساء الحكومات خلال الشق الرئاسي "7و8 نوفمبر" تضمنت جميعها بدون استثناء تعهدات منهم بشأن المناخ، بعدما أطلق الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" من على منصة شرم الشيخ تحذيره مما وصفه بـ"فوضى المناخ"، وتخييره العالم ما بين "التضامن" في مواجهة التغيرات المناخية، أو "الانتحار الجماعي".
 
فقد كانت كلمات الشق الرئاسي، تبارياً بين رؤساء ورؤساء حكومات الدول الكبرى الذين تحدثوا عن التزامهم بخفض الانبعاثات الكربونية، والحد من التغيرات المناخية، وبين رؤساء ورؤساء حكومات الدول النامية المتضررة من التغيرات المناخية، حيث أشارت كل كلماتهم إلى معاناة دولهم من آثار المعاناة المناخية، مطالبين الدول الكبرى بالتعويضات، ويكفى هنا الإشارة إلى ما قاله الرئيس السنغالي ماكي سال، ورئيس الاتحاد الأفريقي بإن "الدول الأفريقية تساهم بنحو 4% فقط من الانبعاثات"، مطالباً الدول المتقدمة بـ"تدابير لمواجهة التغيرات المناخية".
 
وقالت رئيسة تنزانيا سامية سولو حسن: "يجب أن يختار الجزء الخاص بنا من العالم بين الحياة والموت"، كما أكد رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا أنه "لا ينبغي لإفريقيا أن تدفع ثمن جرائم لم يرتكبوها"، مضيفًا أن الدول الغنية هي المسؤولة عن مشكلة المناخ، بينما قال الرئيس الكيني ويليام روتو نيابة عن القارة الإفريقية، إنه يتطلع إلى 50 مليار دولار سنويًا لتخفيف الأضرار الناجمة عن تغير المناخ بحلول عام 2050، مشيرا إلى أن تغير المناخ يهدد بشكل مباشر حياة "شعبنا وصحتهم ومستقبلهم، ونحن لا نستخدم الكثير من موارد (الطاقة القذرة) على الرغم من أنها يمكن أن تساعد دولتنا الفقيرة مالياً وبدلاً من ذلك اختارت الوقود الأنظف".
 
ونقل بنديكت أوراما رئيس البنك الافريقي للتصدير والاستيراد "أفريكسم بنك" عن "مبادرة سياسة المناخ"، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، تقديرها أن أفريقيا تحتاج إلى ما لا يقل عن 277 مليار دولار سنويًا لمكافحة آثار تغير المناخ، كما اقترح مركز التنمية العالمية أن التمويل المطلوب يمكن أن يتجاوز تريليون دولار سنويًا، ومع ذلك، فإن القارة تتلقى أقل من 28 مليار دولار من الأموال المطلوبة لاستثمارات التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره"، لذلك حث "نديكت أوراما" العالم المتقدم على الوفاء بالتزاماته بتمويل المناخ، داعياً في الوقت نفسه إفريقيا إلى إنشاء أدوات ومنصات يمكن من خلالها تعبئة بعض هذه الالتزامات واستخدامها في خفض الانبعاثات وكذلك استثمارات التخفيف والتكيف.
 
قضية التمويل هي القضية الكبرى في القمة، ووصفها الإعلام الغربى بالشائكة، وشهد الحديث حولها صعوبة فى المفاوضات وسط محاولات لإيجاد أرضية مشتركة للتوصل إلى اتفاق، مع إبراز تأكيد مصر، الدولة المضيفة، أن المحادثات بطيئة الحركة لا تزال على المسار الصحيح، وسعي الرئاسة المصرية للمؤتمر إلى رأب الصدع ونقاط الخلاف في توجهات المفاوضين، لكن المؤكد أن مصر لن تمل، وإنما ستستمر لأخر لحظة لتحقيق الهدف.
 
وبنظرة سريعة لتناول الإعلام الدولى للدور المصرى، سنجد أن موقع (Infobae) الأرجنتيني يقول أن رئاسة مؤتمر المناخ الحالي ستتوصل لـ "نتيجة مرضية" للمفاوضات بشأن ملف "الخسائر والأضرار"، في وقت أشارت فيه صحيفة "ABC" الصادرة في باراجواي، ووكالة الأنباء الكوبية "برنسا لاتينا" إلى أن جواتيمالا وكوبا تطالبان بالتمويل والعدالة والتضامن لمواجهة تغير المناخ في قمة المناخ ، وتطرقت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية" إلى سعى مصر إلى سد الفجوات بين الأطراف المتفاوضة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، مشيرة إلى تصريحات وزيرة البيئة "ياسمين فؤاد" لوكالة الاسوشيتد بريس، التي أكدت فيها إن التحدي الأكبر أمام مصر كدولة مضيفة هو إقناع المفوضين بالقضايا المختلفة، بما في ذلك تمويل الدول للتكيف مع تغير المناخ والإجماع على الخسائر والأضرار، وتوفير التمويل من الدول الصناعية إلى الدول الأكثر فقراً التي تعاني من الأضرار المناخية. 
 
كل ذلك هو خير تأكيد على استمرار المساعى المصرية حتى اللحظة الأخيرة للوصول إلى اتفاق "مرضى".
 
وفى قمة شرم الشيخ تعددت المقترحات، منها إنشاء "ناد للمناخ" لتقليص الانبعاثات، كما قال المستشار الألماني أولاف شولتس، لكن يبقى صندوق التكيُف مع تغير المناخ هو الأداة التي يمكن القول أنها حتى الآن فاعلة، أو كما وصفه شكرى بأنه "يمثل قناة رئيسية لحشد التمويل اللازم لتعزيز إجراءات التكيُف مع تغير المناخ في الدول النامية، منوهاً بعمل الصندوق في مصر من خلال تمويل مشروعين في مجال التكيُف بقيمة تتجاوز 10 مليون دولار، والتزام مصر بدعم جهود مواصلة حشد الموارد للصندوق.
 
وصندوق التكيُف مع تغير المناخ تم إنشاؤه من أجل تمويل مشروعات التكيُف مع تغير المناخ في الدول النامية الأعضاء ببروتوكول كيوتو الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ، ونجح الصندوق منذ عام 2010 في حشد أكثر من 850 مليون دولار لأكثر من 120 مشروعا، استفاد منها حوالي 28 مليون شخص من أعضاء المجتمعات الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق