مصر تنثر ريادتها بثلاثية المدن الخضراء والذكية والمستدامة

السبت، 10 ديسمبر 2022 08:00 م
مصر تنثر ريادتها بثلاثية المدن الخضراء والذكية والمستدامة
محمد فزاع

- 30 مدينة ذكية تطبق معايير الاستدامة وإدارة المجمعات السكنية بالذكاء الاصطناعي

- مدن الجيل الرابع تستوعب 14 مليون مواطن وتوفر 6 ملايين فرصة عمل وزادت المساحة العمرانية من 7% إلى 14% 

- المدن المستدامة تقلل انبعاثات كربون وتستخدم الطاقة المتجددة في المياه والكهرباء.. وشرم الشيخ رائدة المدن الخضراء 

- المنصورة الجديدة أول مدن الجيل الرابع بالدلتا تتكيف مع المتغيرات المناخية بزيادة المناطق الخضراء واستغلال موارد الطاقة الجديدة 
 
منذ 2014 استشعرت القيادة السياسية أهمية كسر مركزية القاهرة والجيزة، بإنشاء مدن جديدة تستوعب الطاقات البشرية المتنامية، والهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي تزداد، فجاء التخطيط لإعادة تشكيل الخارطة الاقتصادية والسياسية، والثقافية، بما يخدم الطموح المصري، ويحقق حياة كريمة مستدامة، وهنا قررت الحكومة وضع خطة حتى 2030 لتكون مصر بمساحة أرضها وخصوصية موقعها، قادرة على استيعاب سكانها بالتناسب مع مواردها في ظل إدارة تنمية مكانية أكثر اتزاناً ترتقي بجودة حياة المصريين.
 
ومن هنا ظهر مصطلح "المدن الذكية" في مصر أو كما يسمى مدن "الجيل الرابع"، وهي المدن التي تتفوق في تلبية احتياجات المواطنين في كافة النواحي الحياتية، من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي التي توفر الوقت والجهد وتسعى لتوفير بيئة صديقة للبيئة ومحفزة للتعلم والإبداع، ما يعكس الشعور بسعادة وصحة أفضل.
 
تركز مدن الجيل الرابع على تطبيق التقنيات الرقمية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتغيير بيئات الحياة والعمل داخل المنطقة، وتضمين المعلومات والاتصالات (ICT) في الأنظمة الحكومية، وإضفاء الطابع الإقليمي على الممارسات التي تجمع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأشخاص، معًا لتعزيز الابتكار والمعرفة التي يقدمونها.
 
وبمعنى أبسط تجمع البيانات من المواطنين والأجهزة والمباني والأصول ويجري معالجتها وتحليلها لمراقبة وإدارة أنظمة المرور والنقل ومحطات الطاقة والمرافق وشبكات إمدادات المياه والنفايات وكشف الجرائم وأنظمة المعلومات والمدارس والمكتبات والمستشفيات، والخدمات المجتمعية الأخرى، باستخدام شبكة إنترنت الأشياء، لتحسين كفاءة خدمات المدينة والاتصال بالمواطنين، وتقليل التكاليف واستهلاك الموارد.
 
دخلت مصر رسميا منذ سنوات لعصر المدن الذكية بإنشاء 14 مدينة بمعايير تكنولوجية عالمية، رصدت لها الحكومة ميزانية خاصة، ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنفيذها وفق برنامج زمني محدد وبحسب المقاييس العالمية لتستوعب 14 مليون مواطن، وتوفر 6 ملايين فرصة عمل، ومن المخطط وصول المدن إلى 30 مدينة.
 
يرجع أهمية المدن الذكية كونها أهم نقاط القوة التي ستؤدي لإحداث طفرة كبيرة في قطاعي الاتصالات والعقارات في مصر، وتسعى الحكومة لبناء جميع المدن الجديدة بنظام "المدن الذكية" والذي يحقق التطور التكنولوجي في إطار التحول إلى المجتمع الرقمي الذي يسهل من الخدمات المقدمة للمواطن.
 
ولا تكمن أهمية المدن الذكية فقط في التطوير والابتكار والنقلة النوعية في نمط حياة المواطن، بل بدونها ستظهر مشكلة جديدة وهي كيفية إدارة المدن التي يتزايد عدد سكانها، وتحتاج إلى كم هائل من الموارد والموظفين لإدارتها، ومن المدن المنفذة، العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وأسيوط الجديدة ودمياط الجديدة والمنيا الجديدة.
 
وجاء الهدف من إنشائها لخلق مراكز حضارية جديدة تحقق الاستقرار الاجتماعي والذكاء الاقتصادي، وتوفير مباني متكاملة الخدمات، وإقامة مناطق جذب مستحدثة للمواطنين خارج نطاق المدن والقرى القائمة، وتقليل التكدس على وادي النيل ومد محاور  العمران إلى الصحراء، وتكوين مراكز تنموية تحفز التنمية على مستوى مصر، مع تطبيق معايير التنمية المستدامة في تدوير المخلفات مع مساحات خضراء، وخدمات تكنولوجية.
 
تعتمد بشكل كبير على الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء وتعد مركزا لريادة الأعمال وتوفير فرص العمل، وتعظيم تنافسية مصر لجذب الاستثمارات وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وتوفير الخدمات التقنية المتكاملة للمواطنين على مستوى المحافظات والمدن الجديدة.
 
أزمة الزيادة السكانية
 
وساهمت مدن الجيل الرابع بزيادة المساحة العمرانية من 7% إلى 14%، وإنقاذ المدن الجديدة من التكدس، فضلا عن أن هذا الجيل من المدن سيكون بمثابة مراكز لإدارة الأعمال داخل مصر ونقطة البداية للتحول نحو العالمية، والدخول والمنافسة بقوة في المدن الذكية.
 
وتمثل المدن الحل الوحيد الذى تتعلق به آمال الحكومة الحالية لمواجهة الزيادة السكانية المرتقبة، والهروب من الكارثة التي تهدد محافظات القاهرة الكبرى، وبعض محافظات الدلتا، خاصة بعد أن نجحت تجربة مدن الجيل الأول في استقطاب المواطنين وجذب أنظارهم، وأصبح سعر المتر في هذه المدن يمثل أضعاف سعر المتر بوسط المحافظات.
 
يقول الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان، أن الزيادة السكانية من 2 إلى 2.5 مليون نسمة في العام، وبذلك نحتاج من 800 ألف لـمليون وحدة سكنية بخلاف المناطق المخططة، موضحاً أن العمران المصري له سمات، حيث إنه عمران متكدس بالسكان والأنشطة، وعانى قبل 2014 من نقص خدمات وتكدس، وتدهورت بنيته الأساسية وسكن غير لائق.
 
وأضاف: "الأدبيات العالمية كانت تقول القاهرة مدينة الموتى، وأن المدن المصرية أكثر مدن العالم ازدحاماً، وهو ما يشكل فقر العمران، والعمران ليس رخيصا ولكنه فقير، لأنه لا يستفيد من مقوماته وليس لديه أدوات للتغير، وجاء توجيه الرئيس بإنشاء جيل جديد من المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، وتطوير المعمار القائم، وفي 2014 كنا 90 مليونا ونعيش على 7% من مساحة العمران، ونحن في 2022 نعمل على 13.7 من مساحة الجمهورية".

المدن المستدامة
 
واتجهت مصر بقوة نحو إنشاء المدن المستدامة وبدأت توفير البنية التحتية اللازمة للبناء وتوفير المواقع ذات المناخ الملائم والقريب من المياه، واختيار نوعية التربة الزراعية الملائمة، لتكون الملاذ الأخير للمواطنين من أجل عيش حياة صحية نظيفة. 
 
ظهر مصطلح التنمية المستدامة لما يمثله من أهمية من أجل القضاء على الفقر وهي متماشية مع استراتيجية الدولة بالخفض من المواد غير المتجددة كالكهرباء والوقود والاعتماد على مصادر متجددة كالطاقة الشمسية، وتعرف بأنها صديقة للبيئة، تتوازن فيها الطاقة الاستيعابية للموارد والنظم البيئية المحلية، عن طريق رفع كفاءة استخدام الموارد، وتحقيق الحد الأدنى من المخرجات الملوثة، حتى يتسنى للنظام الإيكولوجي تجديد نفسه، ومنع التلوث بتقليل المخلفات التي يمكن للطبيعة استقبالها. 
 
وفي إطار مواجهة التغيرات المناخية تتميز المدينة المستدامة بأنها منخفضة أو صفرية في انبعاث الكربون، وبالتالي تسهم بتقليل إنتاج ثاني أكسيد الكربون والمركبات العضوية الأخرى التي تؤدّي لزيادة حدة التغيرات المناخية.
 
يشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن معظم مدن اليوم تعاني التدهور البيئي، والازدحام المروري، والبنية التحتية الحضرية غير الملائمة، بالإضافة لنقص الخدمات الأساسية، مثل إمدادات المياه والصرف الصحي وإدارة النفايات، ولهذا سعت الدولة المصرية مبكرا لتلبية الاحتياجات الأساسية وإتاحة ظروف معيشية مستدامة للجميع.
 
تكمن مشكلة العالم بأن المدن تشغل 3% فقط من اليابسة، لكنها تستهلك نحو 80% من الطاقة وتسبب 70% على الأقل من انبعاثات الكربون، وبالتالي، فإن إنشاء مدن آمنة ومرنة ومستدامة أحد الأولويات القصوى لأهداف التنمية المستدامة، لتكون أولوياتها القدرة على تغذية نفسها بالاعتماد المستدام على البيئة الطبيعية المحيطة والقدرة على تزويد نفسها بالطاقة بمصادر الطاقة المتجددة، بكميات تلوث أقل، مع أنظمة تكاملية لإدارة المخلفات الصلبة والسائلة والغازية وإعادة تدويرها بالكامل، أو استخدام معدات توفير المياه، ومياه الأمطار في الري.
 
وتقدر الأمم المتحدة أن 55% من العالم يعيشون في مناطق حضرية وبحلول 2050، سيرتفع العدد لـ70%، لتوفر هذه المجتمعات الكبيرة تحديات وفرصًا للمطورين المهتمين بالبيئة. 
 
المنصورة الجديدة
 
تعد مدينة المنصورة الجديدة من مدن الجيل الرابع، وتبلغ مساحة المرحلة الأولى منها 2063 فدانًا، ووصلت حاليًا لنحو 2500 فدان من أصل 7200 فدان إجمالي المساحة المخصصة للمدينة، بطول 15 كيلومترًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، باستثمارات تقدر بنحو 45 مليار جنيه للمرحلة الأولى.
 
تعتبر أول مدينة تنتمي لمدن الجيل الرابع في الدلتا، ومدن الجيل الرابع هي مدن متعددة الأنشطة، وتعزز من ريادة الأعمال ومشاركة القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات، وتتيح إمكانية التنقل من خلال الربط مع المدن الأخرى، إلى جانب أنها أنشئت على أساس أنها تتكيف مع المتغيرات المناخية، من خلال زيادة المناطق الخضراء والمساحات العامة، واستغلال موارد الطاقة الجديدة والمتجددة.
 
وافتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي، جامعة المنصورة الجديدة، والتي جاء إنشاؤها استجابة لرؤيته بتطوير التعليم العالي المصري، وإتاحة فرص تعليمية متميزة بمعايير عالمية، وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة، من خلال تقديم برامج أكاديمية ومهنية متميزة؛ بما يسهم في خدمة وتنمية المجتمع المصري وفقًا لرؤية التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030".
 
ومن جانبه، أكد د. أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن جامعة المنصورة الجديدة تمثل إنجازًا كبيرًا تم تحقيقه في فترة وجيزة، مشيرًا إلى أن هذا الإنجاز يأتي استكمالًا لمسيرة الدولة المصرية في تحقيق سلسلة من المشروعات القومية الكُبرى، التي ترتكز جميعها على تحقيق التنمية الشاملة والمُستدامة في كافة أنحاء مصر، موضحًا أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا الدعم غير المحدود من القيادة السياسية؛ انطلاقًا من إيمانها العميق بأهمية التعليم في بناء الإنسان المصري.
 
وأضاف د. عاشور أن جامعة المنصورة الجديدة تُسهم في إتاحة تعليم متميز؛ من خلال تقديم برامج تعليمية متطورة ومواكبة لمُتطلبات العصر، وملبية لاحتياجات سوق العمل، فضلاً عن تمتعها ببنية أساسية متطورة، تسمح بإجراء أبحاث علمية عصرية في المجالات ذات الأولوية.
 
المدن الخضراء
 
يرجع فكرة المدينة الخضراء بمفهومها الشامل لمبادرة "المدن الخضراء" التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة في سبتمبر 2020، لتحسين سبل عيش سكان المناطق الحضرية وشبه الحضرية ورفاههم في حول العالم في 100 مدينة إليها بحلول 2030.
 
وتعتمد على تبني مجموعة من المواصفات القياسية للاستفادة من الطاقة البديلة وخفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وذلك في مواد البناء مثل الأسطح العازلة لحرارة الشمس أو برودة الجو. 
 
وتشمل المبادرة توفير في المبانٍ مجموعة من العناصر التي تنسجم مع البيئة، كترشيد استهلاك الطاقة واستخدام المواد العازلة للاستفادة منها من ناحية التكييف والتدفئة، وإعادة استخدام المياه واستخدام أسلوب الحصاد المائي، وتقليل تلوث البيئة.
 
المدن الخضراء ليست التي تعتمد على التشجير فقط، ولكنها المدن التي تعتمد على أنشطة تهدف لخفض الكربون، وكانت مدينة شرم الشيخ، التي استضافت COP 27، رائدة في هذا المجال؛ إذ شهدت المدينة طفرة حقيقية حوّلتها إلى مدينة خضراء مع استقبالها قمة المناخ.
 
اعتمدت المدينة على مصادر الطاقة الصديقة للبيئة، فوسائل المواصلات باتت جميعها تسير بالكهرباء والغاز الطبيعي، وتضم أكبر محطة لشحن السيارات الكهربائية، و25 حافلة "خضراء" في وقت واحد، كما بدأت غالبية المنازل والمباني التجارية تستخدم ألواح الطاقة الشمسية؛ لتوفير الكهرباء بدلاً من الوسائل التقليدية، واتجهت المدينة إلى مشروعات توسيع الطرق والكباري بهدف تقليل السرعة؛ لمنع احتراق الوقود بشكل كامل.
 
ومن مواصفات المدينة الخضراء التي تسعى مصر لتطبيقها، وجود نظم زراعية مختلفة مثل المخططات الزراعية داخل المدينة، ومصادر طاقة متجددة، مثل توربينات الرياح، والألواح الشمسية، أو الغاز الحيوي التي تم إنشاؤها من مياه الصرف الصحي.
 
وتشمل سائل مختلفة للحد من الحاجة لتكييف الهواء، مثل زراعة الأشجار وتخفيف الألوان السطحية، ونظام التهوية الطبيعية، وزيادة المسطحات المائية، ومساحات خضراء، ما يعادل ما لا يقل عن 20% من مساحة المدينة، وتحسين وسائل النقل العام وزيادة طرق المشاة للحد من انبعاثات السيارات.
 
وتعد العاصمة الإدارية الجديدة، منطقة خضراء صديقة للبيئة، لكونها تعتمد على منظومة المخلفات وإعادة التدوير، وتصميم مبانٍ صديقة للبيئة، والتحول الرقمي داخل كافة المؤسسات الحكومية لتقليل النفايات، واعتماد آليات للتخلص الآمن من النفايات، والطاقة الشمسية لتكون أهم مصادر الطاقة داخل معظم المباني.
 
ويعمل برنامج البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، على تنفيذ مجموعة مشروعات جرى توقيعها مع الحكومة المصرية مطلع العام الجاري، تستهدف تحويل محافظتي القاهرة والإسكندرية بشكل أساسي إلى مدن خضراء حتى 2024، باعتبارهما الأكثر تضرراً من الانبعاثات والتلوث.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق