التاريخ ما بين المعارضة والتأييد المطلق

السبت، 07 يناير 2023 07:30 م
التاريخ ما بين المعارضة والتأييد المطلق
ياسر الهواري يكتب

هل المعارضة تعني كراهية الوطن.. والتأييد المطلق هو صك الوطنية؟
 
لا يحتاج المرء انتظار المستقبل لمعرفة حقائق حاضره، التاريخ كفيل باستشراف المستقبل، اذا ما تأملنا في تفاصيله.
 
بعد هزيمة ١٩٦٧ نشر "نزار قباني" قصيدته الشهيرة "هوامش علي دفتر النكسة" في مجلة الأدب البيروتية، صودرت المجلة في مصر إلا ان هناك أصواتا برزت في تشنج ضد نزار قادها الشاعر والكاتب "صالح جودت"، حيث دعا صالح رئيس تحرير -فيما بعد-"المصور" إلي منع أغاني نزار من الإذاعة، وكتب "لقد انتهى نزار كشاعر وانتهي كعربي وانتهي كإنسان"، وطالب بوضعه في القائمة السوداء لأنه "يحطم معنويات قومه بمثل هذه القصيدة".
 
تصدي آخرون للدفاع عن نزار مثل الأستاذ رجاء النقاش، لكن انتصر جودت في النهاية وتم منع نزار نهائيا من دخول مصر ومنع بث أغانيه، فأرسل الشاعر إلى جمال عبد الناصر رساله يقول فيها: "أوجعني يا سيادة الرئيس أن تُمنع قصيدتي من دخول مصر، وأن يُفرض حصار رسمي على أسمي وشعري في إذاعة الجمهورية العربية المتحدة وصحافتها.. القضية ليست قضية مصادرة شاعر، القضية هي أن يسقط شاعر تحت حوافر الفكر الغوغائي لأنه تفوه بالحقيقة.
 
لا أطالب يا سيادة الرئيس إلا بحرية الحوار، فأنا أُشتم في مصر ولا أحد يعرف لماذا أُشتم، وأنا أُطعن بوطنيتي وكرامتي لأنني كتبت قصيدة، ولا أحد قرأ حرفاً من هذه القصيدة.. يا سيدي الرئيس لا أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزفه.. لا أصدق أن يحدث هذا في عصرك".
حققت الرسالة هدفها وأصدر جمال  عبد الناصر قراراً بفض الحصار المفروض علي نزار وقصائده، وغنت له أم كلثوم قصيدة "أصبح عندي الآن بندقية".
 
أما عن جودت، فهو صاحب كلمات "ابق فأنت الأمل الباقي لغد الشعب.. أنت الخير وأنت النور.. أنت الصبر على المقدور.. أنت الناصر والمنصور.. ابق فأنت حبيب الشعب" التي غنتها ام كلثوم عقب إعلان عبد الناصر التنحي".
 
وقبل عبد الناصر تغني بالملك فاروق: "مين يوصفه إلا اللي عاش في حماه.. والفن مين يعرفه إلا اللي هام في سماه.. والفن مين أنصفه غير كلمة من مولاه.. والفن مين شرفه غير الفاروق و رعاه".
 
وامتد تغنيه للملوك وصولاً للملك عبد العزيز آل سعود "يا رفيع التاج"، التي غناها عبدالوهاب بمناسبة زيارة الملك عبدالعزيز آل سعود لمصر، والتي تقول كلماتها "يا رفيع التاج من آل سعود يومنا أجمل أيام الوجود".. ثم الملك حسين يوم زواجه من الملكة دينا كتب "يا اغلى من امانينا.. وأحلى من أغانينا.. يا زينة الدنيا يا دينا"...
 
ومات جمال عبد الناصر، وأصبح الهجوم على عبد الناصر وعصره مما يؤجر عليه المرء، فكان جودت علي رأس مهاجمي عبد الناصر.
جودت أحدهم ومثال غير حصري، كتب نزار عن الهزيمة واغضب عبد الناصر، وكتب جودت في مدحة وعاش نجماً لامعاً.. مات عبد الناصر فرثاه نزار وهاجمه جودت، وسيتكرر الثنائي كثيراً وكثيراً.. المعارض محب لوطنه أكثر من محبته لذاته إذا كانت معارضته من أجل صلاح وطنه غيره عليه، مفضلاً مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية باقترابه من السلطة.. والوطن يتسع من هو مقتنع بأن ليس في الامكان افضل مما كان، كما يتسع لمن يري أن في الامكان المزيد.
 
وعلى الله قصد السبيل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق