يوسف أيوب يكتب: الأمن الغذائي أولوية.. والزراعة البداية

السبت، 14 يناير 2023 10:58 م
يوسف أيوب يكتب: الأمن الغذائي أولوية.. والزراعة البداية

- تحديد سعر مجزى لتوريد القمح يدعم زيادة الكميات 
 
الأمن الغذائي، لازال الهاجس المسيطر على دول العالم، خاصة بعد تضرر سلاسل الأمداد جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، أخذا في الاعتبار أن البلدان يعدان من المصدرين الرئيسين للقمح والذرة عالمياً، حيث تعد روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري القمح في العالم، إذ أنهما مسؤولتان عن نحو ثلث مبيعات القمح السنوية العالمية، كما أنهما مسؤولتان عن 55% من صادرات زيت عباد الشمس السنوية العالمية، و17% من صادرات الذرة والشعير، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
 
ومنذ اندلاع الحرب في فبراير الماضى، والاضطرابات تسود الأسواق العالمية، فالجميع يبحث عن أوساق بديلة لشراء احتياجاته، في حين أن المتاح للعرض قليل ولا يتناسب مع الاحتياجات العالمية، وزاد على ذلك أن الحرب أثرت على الصناعة والاقتصاد العالمى، كما أن سوق الطاقة تبدل حالها، وباتت هي الأخرى الأكثر تقلباً، مما دفع العديدين إلى البحث عن بدائل.
 
هذه البدائل بالتأكيد ذات تكلفة عالية، وتزيد من الضغوط الموجودة بالفعل على موازنات الدول، خاصة أن هذه الدول لم تكاد تنجو من اضرار وتأثيرات جائحة كورونا، حتى وجدت نفسها في مواجهة أزمة أشد وهى الحرب الروسية الأوكرانية، التي أحدثت تقلبات شديدة في الاقتصاد العالمى، وزادت الضغوط.
 
بالتأكيد مصر لا تختلف كثيراً عن محيطها الأقليمى والدولى، فهى مرتبطة بالاقتصاد العالمى، وتتأثر به مثل بقية دول العالم، ورغم كافة الضغوط الا إنها استطاعت أن تعبر أزمة كورونا بأقل الخسائر، معتمدة على مجموعة من العوامل، منها الإسراع في تبنى برنامج وطنى للإصلاح الاقتصادى كان له الفضل في امتصاص الكثير من الصدمات، وأيضاً فتح الباب أمام التصنيع المحلى، مع زيادة مظلة الأمان الاجتماعى، لتوفير الحماية للفئات المتوقع أن يلحق بها ضرر جراء ما يحدث في الاقتصاد.
 
واستطاعت هذه الإجراءات بالفعل مواجهة الضغوط الخارجية، لكن مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية وتزيد الضغوط الاقتصادية المرتبطة بحركة دولية مكبلة، لم يكن أمام الدولة المصرية سوى المزيد من الإجراءات التي تستطيع من خلالها المواجهة، لكن بالتأكيد فإن لكل شيء مدى وقدرة على الصمود، فكان القرار الصحيح بأن تعتمد الدولة على نفسها في توفير احتياجاتها من الأمن الغذائي قدر الإمكان وتقليل الفاتورة الاستيرادية، واتخاذ مجموعة من الإجراءات الصعبة لكنها مطلوبة للعبور من هذه الأزمة التي لم يكن لنا يد فيها، لكنها دولية ولنا مثل غيرنا نصيب من تأثيراتها.
 
ويهمنى هنا الإشارة إلى ما تقوم به الدولة من إجراءات وتحركات لتامين الاحتياجات المصرية من الأمن الغذائي، وهو القضية التي تشغل بال الكثيرين، ليس في مصر فقط، وإنما في العالم كله، باعتبار أن الغذاء هو الأساس للحياة، وهذا لا يعنى أن بقية الاحتياجات ليس لها أهمية، لكن في ظل الأزمات يكون هناك ترتيب للأولويات، والاولوية بالنسبة لنا في الوقت الراهن هو الاحتياجات الضرورية من سلع غذائية استراتيجية، لذلك فإن التركيز كله منصب حالياً على توفير ما تحتاجه الدولة، والحقيقة أن الدولة نجحت في توفير السلع الغذائية والاستراتيجية، وتكاد مصر تكون من الدول القليلة التي لا تعانى أسواقها من غياب سلع، رغم صعوبة الموقف الدولى.
 
هذه النقطة شديدة الأهمية، لأنها تؤكد سير الدولة المصرية وفق خطة استراتيجية واضحة المعالم، تأخذ في حسبانها الاحتياجات الرئيسية وتوفيرها بكافة الطرق.
من هذه الخطط المحافظة على استمرارية المخزون الاستراتيجي للدولة من السلع الغذائية الرئيسية، فضلاً عن تعظيم القيمة المضافة لتخزين السلع من سلسلة الصوامع الاستراتيجية التي تم إقامتها على امتداد رقعة الجمهورية، بهدف زيادة الحجم الاستيعابي والتخزيني لها، ومن ثم المساهمة في الحفاظ على استقرار موقف الأمن الغذائي للدولة.
 
والثلاثاء الماضى، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسى اجتماعين، الأول مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور على المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية، والدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، و السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، واللواء أحمد الشاذلي رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة، واللواء أ.ح وليد أبو المجد مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، واللواء أحمد العزازي رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والعقيد طيار بهاء الغنام المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، لمتابعة منظومة الأمن الغذائي، وموقف المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية الأساسية على مستوى الجمهورية.
 
في هذا الاجتماع تم توضيح موقف المخزون الاستراتيجي والأرصدة لجميع السلع الغذائية الأساسية للدولة، في إطار التخطيط المسبق للدولة بالحفاظ على المخزون الاستراتيجي منها، مع الأخذ في الاعتبار الأزمة الغذائية العالمية الحالية، فضلاً عن مستجدات الموسم الحالي لزراعة القمح على مستوى الجمهورية، وفى هذه الجزئية تحديداً وجه الرئيس السيسى الحكومة بأن يتم تحديد سعر توريد القمح بحيث يحقق عائداً اقتصادياً مجزياً للمزارعين والفلاحين، ويدعم زيادة كميات توريد القمح.
 
في الاجتماع الثانى الذى عقده الرئيس السيسي مع الدكتور مصطفى مدبولي، والسيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، واللواء أ.ح وليد أبو المجد مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، والعقيد طيار بهاء الغنام المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، وجه الرئيس السيسي، بالالتزام الصارم بأحكام الرقابة على الصادرات الزراعية المصرية لإنتاج محصول تصديري ذي جودة متميزة، مع الاعتماد الحصري على الكيانات التابعة لمنظومة التكويد من قبل الحجر الزراعي، والتصدي لأية مخالفة، إلى جانب تطبيق المعايير الخاصة بالدول المستوردة لكافة المحصولات الزراعية المصرية.
 
وتركز الاجتماع على عملية تطوير منظومة الصادرات الزراعية المصرية، خاصةً حوكمة إجراءات التصدير ومنظومة التكويد الجديدة التي يتم تطبيقها على الصادرات الزراعية المصرية لضمان تتبع المنتجات المصدرة وإحكام الرقابة عليها من المزارع التصديرية وصولاً إلى الدول المستوردة، حيث عرض وزير الزراعة التطوير غير المسبوق الذي تشهده منظومة الصادرات الزراعية المصرية، خاصةً حوكمة إجراءات التصدير ومنظومة التكويد الجديدة التي يتم تطبيقها على الصادرات الزراعية المصرية لضمان تتبع المنتجات المصدرة وإحكام الرقابة عليها من المزارع التصديرية وصولاً إلى الدول المستوردة، تحت الإشراف الكامل للجهات الرقابية، مع تزويد المزارعين والمصدرين بكافة الإرشادات الفنية الخاصة باشتراطات الممارسات الزراعية الجيدة وفقاً لأعلى المعايير التصديرية البيئية المطبقة دولياً، واستخدام أفضل الشتلات للأصناف المطلوبة عالمياً مع توفير الخدمات المعملية اللازمة لضمان سلامتها، وهو الأمر الذي انعكس على زيادة حجم الصادرات المصرية من المحاصيل الزراعية وفتح أسواق خارجية جديدة، حيث بلغ حجم الصادرات خلال عام 2022 حوالي 6,43 مليون طن إلى ما يقرب من 160 دولة حول العالم لتحقق حصيلة الصادرات حوالي 3,3 مليار دولار.
 
كما تم خلال الاجتماع عرض الموقف الخاص بجهود تنمية الثروة الحيوانية، من خلال البرنامج القومي لتوزيع الآلاف من رؤوس الماشية عالية الإنتاجية على المزارعين وصغار المربين، بهدف الارتقاء بأحوالهم ودعمهم اقتصادياً، وبالتنسيق بين الوزارات المعنية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية والقطاع المصرفي ومنظمات المجتمع المدني، وهنا وجه الرئيس السيسي بمتابعة أحوال المزارعين وصغار المربين بصورة منتظمة ومساندتهم من خلال توفير الدعم الفني والرعاية البيطرية اللازمة لرؤوس الماشية، وتكثيف الدور الإرشادي لكافة المستفيدين من البرنامج القومي لتوزيع رؤوس الماشية.
 
الاجتماعان السابقان، هما واحدة من الأمثلة التي تؤكد أن الدولة المصرية وضعت قضية الأمن الغذائي في مقدمة أولوياتها، ولديها تصميم واضح على توفير ما تحتاجه مصر من سلع غذائية واستراتيجية، مع التركيز على المنتج المحلى، والابتعاد قدر الإمكان عن اللجوء للأسواق العالمية، حتى نتجنب أي خلل يكون له تأثيرات على الوضع الداخلى.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق