صور مرشحة «غلاف الرواية» لأشرف ضمر

حمدي عبد الرحيم يكتب: سيما ألف ليلة.. الجدية والمتعة

السبت، 25 فبراير 2023 06:00 م
حمدي عبد الرحيم يكتب: سيما ألف ليلة.. الجدية والمتعة
غلاف رواية سينما ألف ليلة وليلة

لأسباب كثيرة حدث انفجار في كتابة ونشر الروايات في مصرـ أراه أنا سيولة روائية ـ حتى أن أحداهن قالت متفاخرة: "لقد كتبت رواية في ثلاثة أيام".
الرواية هى صنع لحياة كاملة بكل ما فيها، فكيف نصنع حياة كاملة في ثلاثة أيام؟
 
هذا ما لا نعرفه ونكتفي بترتيل قوله تعالى: "ويخلق ما لا تعلمون".
 
السيولة التي شهدتها ساحة الرواية في مصر قضت أول ما قضت على شرط رئيس من شروط الفن عامة والرواية خاصة، وذلك هو شرط الجدية، فبغياب الجدية أنت أمام كومة أوراق تحمل آلاف الكلمات ولكن هى هراء في هراء.
 
شرط الجدية حققها بجدارة الكاتب الأستاذ أشرف ضمر في أولى رواياته "سينما ألف ليلة" الصادرة قبل أسابيع عن دار نشر "إشراقة".
 
ضمر اسم روائي جديد ولكنه صاحب تجارب سجلت نجاحًا مقبولًا في زمن قصير، فقد صدرت له ثلاثة دواوين بالعامية المصرية، هي: "بعيد عن اللمض النيون" عام 2008، وحصل به على جائزة المسابقة الأدبية المركزية لقصور الثقافة، "الاكتفاء بكتابة الكارثة" 2008 وحصل به على المركز الأول.
 
ضع شاعرية ضمر في حساباتك، فسنعود إليها.
 
ومن الشعر ذهب ضمر إلى السرد فنشر مجموعة قصصية بعنوان: «الملاك التائه»، عام 2008، وفي بداية عامنا هذا صدرت له أيضا رواية: "سيما ألف ليلة".
 
هذا كاتب حاول الشعر وحصد جوائز مسابقات مرموقة، فأي ريح ألقت به في أرض السرد؟
 
ليست ريح الصدفة وليست ريح التفاخر بكثرة الكتابات وتكرار مرات النشر، إنها ريح الجدية، رجل لديه فكرة تلح عليه، ولديه القدرة على إنجازها ولو تواصل عمله عليها لسنوات، ثم وهذا مهم جدًا فكرته لا يمكن تنفيذها إلا سردًا، فلو صبها في قالب قصيدة سيظلمها، فلتكن الرواية.
 
رواية أشرف ضمر الأولى تخلصت من كثير جدًا من عيوب العمل الأول، وهذا لأنه جاد يعرف ما يكتب عنه ويعرف كيف يكتبه.
 
من علامات جدية الكاتب تحديده الصارم لزمان ومكان روايته، فبعضهم لعجزه عن السيطرة على فكرته يلجأ إلى كتابة في المطلق المستحيل، فلا تعرف شيئًا عن زمن رواياتهم ولا عن مكانها، ستجد نفسك أمام رواية ملفقة لا انتماء لها منزوعة الهوية.
 
اختار أشرف الكتابة عن حي قاهري عريق جدًا هو حي روض الفرج فقال عنه: "على الضفة ُالشرقية من النيل، ينام حي ّروض الفرج كطفل شعبيٍ، جميل يعتريه الأرق وتشوبه العاهات والتشوهات الخلقي َ كان ولا يزال ملاذ مساكين النازحين من قراهم النائية، وقبلة فقراء المهاجرين إليه من أرجاء القطر المصري. حيً يشبه في تكوينه كائنا خرافيَّ، له ذراعان إحداهما عشوائية قحة وخشنة، والآخرى راقية ٍ أرستقراطية وناعمة، في تناقض سافر يصنع هوية الحي الذي يبدو كما لو ِكان قد ولَد ِ ثمرة خطيئة غير َ مغفورة بين الاستعمار القديم، المنظم في غيابه؛ والوطنية البادية، العشوائية في حضورها".
 
أشرف وضعنا في قلب الحدث بكلمات قلائل، وهذا دور الشعر عندما يكتب الشاعر نثرًا، إنه الإيجاز ومخاصمة الثرثرة والتعبير بأقل عدد ممكن من الكلمات عن أعمق المشاعر، تلكم رؤية أشرف ضمر لمكان روايته" ثمرة خطيئة غير مغفورة بين الاستعمار القديم والوطنية العشوائية".
 
يلتقط ضمر تلك الخطيئة ويبحث عن تاريخها فيذهب إلى زمن صعب ضربته الزلازل والبراكين، إنه زمن نهاية الرحب العالمية الثانية واندلاع ثورة يوليو 1952.
 
كيف كان حي روض الفرج قبل سبعين عامًا؟
 
الإجابة تحتاج إلى بحث مهلك، والبحث لا يقدم عليه إلا الجادين.
 
نحن أمام أسرة بسيطة، شاب وأخته وجدتهما لأمهما، الشاب وشقيقته يتيمان، والجدة هى حارسة حياتهما، ولكن هذه الأسرة البسيطة التي مثلها مثل ملايين الأسر المصرية، مصابة بالاستثنائية، فالشاب ملاكم شهير في نواحي روض الفرج وعموم شبرا، والأخت فاتنة الحي التي ترفض في كل يوم طالب يد!
 
معالجة تلك الحالة بأقل قدر من المعاصرة كان سيفسد الأمر كله لينهار بناء الرواية، ضمر من المتقمصين، لقد تقمص روح زمن روايته، فلم تفلت منه كلمة معاصرة واحدة ولا تعبير معاصر واحد، إنه يكتب عن سينما الحي كما كان دورها في ذلك الزمان لا كما هو الآن، ويفسح مساحة واسعة للملاكمين ودورهم في زمن الرواية، بل ولسيرك عاكف أفندي وللحلاق الأجوبة الذي يقوم بكل شيء ولا يقوم بشيء، حلاق الرواية يصمم على مصادقة زبائنه، فكيف يصادقهم بحيث يصبح مستوع أسرارهم؟
 
إنه يطرح عليهم سؤالًا يبدو عابرًا كأن يسأل صحفيًا من أبطال الرواية: كيف ترى الملك فاروق؟
 
يجيب الصحفي: هو وحاشيته سبب خراب البلد.
 
هنا ينهال الحلاق، على الملك وحاشيته بأشد أنواع السباب.
 
ولكن إذا كان رأي الزبون في الملك إيجابيًا فإن الحلاق سيتمتم: يا سلام، إنه ملكنا المعظم ملك مصر والسودان وإنجلترا لو أمكننا!
 
حلاق عجيب، يخاصم الأصالة أيًا كان تعريفك لها، هذا الحلاق هو عمدة من عمد الرواية وهو محركها الأول، وللحق هو من إنجازات الرواية لأنه طازج ولم يستهلك.
 
ومن محاسن الرواية أن مضمونها مؤتلف مع عنوانها، فعالم الرواية قريب جدًا من عالم السينما ومن عالم ألف ليلة وليلة، فالشخصيات عديدة والمفارقات متعددة وما أكثر الحكايات والفروع التي تغذي نهرها وتضيف إليه ولا تخصم منه.
 
وبعدُ فنحن ننتظر ما هو أجمل من قلم جاد.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق