عمارات وسط البلد شاهدة علي التاريخ.. الايموبيليا سكنها الفنانين ويعقوبيان مقر الجالية الأرمنية

الأحد، 26 فبراير 2023 11:00 م
عمارات وسط البلد شاهدة علي التاريخ.. الايموبيليا سكنها الفنانين ويعقوبيان مقر الجالية الأرمنية

تتصدرشوارع وسط البلد قمة هرم فن العمارة الحديثة فى العالم نظرا لما تحتضنه من بنايات تفوح بثقافات مختلفة وتصميمات مبهرة تؤرخ ثقافات مصمميها وتفصح عن هوية مشيديها، مبانى تؤرخ لشوارع القاهرة فتكتب التاريخ وتسطر الواقع، شهدت شوارع القاهرة فى عصر الخديو إسماعيل أبهى مراحل التطور المعمارى وذلك ضمن سلسلة أسرار القاهرة التى ترصد مرحلة مهمة من جمال مصر ونهضتها المعمارية، صامدة رغم تعرض الكثير من المبانى لأضرار مختلفة مع الزمن، لكنها لا تزال شامخة فى منطقة وسط البلد.
 
 
شغف الخديو إسماعيل بفن العمارة الحديثة فى شوارع أوروبا، دفعه إلى فكرة تصميم القاهرة الخديوية أو ماعرفت بالقاهرة الحديثة، متأثرا بما رآه فى فرنسا وإيطاليا من جمال معمارى، صممت المبانى بنظرية الحفاظ على التراث فى بعض المناطق المتأثرة بحقبة الفاطميين والمماليك وشوارع خالصة بالطراز المعمارى الحديث لفن العمارة المقتبس من مختلف دول العالم، فظهرت شوراع وسط البلد بشكلها الفريد المختلف عن الأبنية والعقارات الموجودة أن ذاك، فقد شيدها مصممون ومعماريون من مختلف دول أوروبا استقر عدد كبير منهم فى مصر، واستدعى آخرون للتصميم ثم غادروا إلى بلادهم، وإن كان مهندسو الجالية اليونانية هم أقرب من استقروا فى مصر واستعين بهم فى بواكير التصميم والبناء وذلك تأثرا باعتماد محمد على والى مصر عليهم، الذى شرع فى بناء دولته الحديثة، فقرر الاستعانة بخبراء أجانب فى مختلف التخصصات، فكان اليونانيون فى المرتبة الأولى، وذلك لأنها أكثر الجاليات الأجنبية انتشارًا فى مصر وأكبرها، فالجالية اليونانية تأسست بمصر فى مدينة الإسكندرية عام 1843 على أيدى عدد من رجال الاقتصاد اليونانى المقيمين فى مصر وقتها، أعقبها تدشين مقار للجالية فى عدد من المدن الأخرى، أبرزها القاهرة وبورسعيد والإسماعيلية وميت غمر وأسيوط. ونتيجة لنظام الامتيازات الأجنبية الذى كان يعفى اليونانيين من دفع الضرائب فقد نزحت الأغلبية منهم إلى القاهرة وجعلوا منها مركزًا تجاريًا لهم.
 
وبحسب ما ذكره الدكتور على عبد الرؤوف فى كتابه "شعب وميدان ومدينة: الصادر عن المركز العربى للأبحاث ودراسات السياسة، 2019: أن على باشا مبارك كان بمثابة الذراع اليمنى للخديو إسماعيل، فأسند إليه مهمة مشروع متكامل لتطوير القاهرة، حيث خصصت مساحة 359 فدانا، كان تعرف بالمنطقة الإسماعيلية، وهى المعروفة حاليا بمنطقة وسط البلد، وأنشى فيها ميدان التحرير، وذلك فى إطار خطة الخديو لبناء قاهرة جديدة، تتجاوز أسوار القاهرة العتيقة، تستلهم ملامحها التخطيطية والعمرانية والمعمارية من النموذج الباريسى الذى صممه المخطط هاوسمان (1809- 1891).
 
 
 
كان دافع الخديو إسماعيل تأسيس عاصمة جديدة قادره على خطف الأضواء المبهرة من عواصم أوروبا لتكون القاهرة بمثابة باريس الشرق، فيما حرص الخديو إسماعيل على استقدام أمهر المعماريين الأوربيين من كل العواصم ليضعوا لمساتهم الفنية وبناء وسط البلد التي ضمت جميع الطرز المعمارية وتتحول إلى متحفًا مفتوحًا للعمارة الحديثة والكلاسيكية في ذلك الوقت، فاستعان بأفضل معماريين أجانب من مختلف دول العالم شيدوا وسط البلد.
 
أنطونيو لاشياك، معماري نمساوي تميزت تصميماته المعمارية بالطابع الكلاسيكي الذي جمع بين العمارة المحلية والأوربية، ومن أعماله بنك مصر في سنة 1927 بشارع محمد فريد، وأنشئ العمارات الخديوية عام 1911م بشارع عماد الدين، ومبنى نادي ريسوتو عام 1829م بميدان مصطفى كامل، والعمارة رقم 11 بشارع الشريفين عام 1910م ورقم 12 شارع علوى، ونادي الأمراء رقم 9 بشارع نجيب الريحاني عام 1928م، كما أعاد تصميم قصر عابدين بعد أحتراقه والذي كان مبنيًا قبل ترميمه بالخشب.
 
ماريو روسي، معماري إيطالي، من أبز المعماريين الذي أضفوا بصماتهم على العمارة خاصة الإسلامية ولكن بروح إيطالية، وقد كانت اسهاماته العديدة في بناء المساجد سواء في القاهرة أو الإسكندرية وكانت البداية مع مسجد سيدي أبو العباس بالإسكندرية والذي جاء مشابهًا لمسجد قبة الصخرة في القدس، ثم انشاؤه لمسجد القائد إبراهيم في محطة الرمل بالإسكندرية والذي جمع بين الطراز المملوكي والعمارة الأندلسية، لينتقل بعدها إلى القاهرة ويصبح كبير مهندسي وزارة الأوقاف خلال السنوات 1920- 1950م، بالإضافة إلى مشاركته في بناء العديد من الجوامع الشهيرة منها جامع عمر مكرم بميدان التحرير ذو الستائر بالزخارف العربية مع حرصه على استخدام فن الأرابيسك المصري، وجامع صلاح الدين بمنطقة منيل الروضة عند مدخل كوبري الجامعة، واندمج روسي مع المجتمع المصري واعتنق الإسلام وترك عدد كبير من تلاميذه الذين شيدوا مساجد بروح تصميماته  كما أسند الخديو إسماعيل إلى روسي والمعماري بيترو أفوسكاني مهمة بناء دار الأوبرا المصرية على غرار أوبرا لاسكالا، التى تعتبر درة معمارية بمدينة ميلانو الإيطالية.
 
مارسيل دور جنون،  معماري نمساوي عاش في فرنسا وشيلي، قبل أن يحضر إلى مصر للمشاركة في المسابقة الدولية المفتوحة من قبل الحكومة المصرية، بموافقة من وزارة التعليم الفرنسية وبمبادرة مورجان، مدير الآثار في مصر أنذاك، وذلك لبناء متحف الآثار المصرية في القاهرة، حيث شارك في المنافسة 87 معماريًا من جميع الجنسيات وفاز بها مارسيل. واستطاع بعبقريته تصميم المتحف المصري قافزا على العديد من عتبات العقبات عام 1896م، بأسلوب النيو كلاسيك المستوحى من الآثار الفرعونية القديمة حيث استوحى لبناء الوجهة الرئيسية والممر الرئيسي من معبد قديم في النوبة وتزيين الواجهة ببعض المشاهد والشخصيات من التاريخ الفرعوني.
 
أوسكار هوروفيتس، معماري يهودي نمساوي، درس العمارة في النمسا وجاء إلى القاهرة في الفترة من 1913 حتى 1915 صمم خلالها المبنى التجاري لعمارة "تيرنج" بميدان العتبة  لصالح النمساوى فيكتور تيرينج على طراز النيو باروك والذي يعد تحفة معمارية من حيث القباب والكرة الأرضية التي تعلو قبته وكانت تظهر لامعه براقة في المساء، والذي كان يعد من أول المباني التجارية العملاقة في القاهرة، فكانت تذخر بالمحلات التجارية لبيع الأزياء والعطور الفرنسية والقماش الإنجليزي والمنسوجات النمساوية والأدوات المنزلية الألمانية والتي كانت تنافس محلات لندن وباريس، ومنها محلات هورنستينز، وفيتيل، وليبتون، وكانت تنافس منافسيها في مصر شيكوريل وصيدناوي وعمر أفندي.
 
إدوارد ما تاسيك، معماري نمساوي قدم إلى القاهرة وفتح مكتب له مع موريس قطاوي مؤسس خط سكة حديد أسوان وشرق الدلتا وشركة ترام وسط الدلتا وكان قطاوي إن ذاك "رئيس الطائفة اليهودية في مصر" ومن أعمال إإدوارد ما تاسيك في القاهرة المعبد اليهودي بشارع عدلي، والمبنى يتميز في عمارته بطراز الفن الجديد، ومزج في تصميمه بين فنون التصميم الفرعوني والعثماني، مزيجا فنيا من أشجار اللوتس الفرعونية وأشجار النخيل ونجمة داود السداسية، واستغرق بناء المعبد خمس سنوات حتى تم افتتاحه في احتفالية كبيرة شارك فيها النخبة اليهودية وكبار أثريا الطائفة في عام1907، كما بنى ماتاسك مستشفى رودولف النمساوية المجرية في حي شبرا، وأخد لقب باشا في 11 أغسطس 1912 .
 
روبيرت وليامز، المعماري الذي بنى عمارة الشوربجي أو "سان ديفيز" عام 1930، فى 16 شارع عدلي باشا، وتطل على شارع محمد بك فريد وشارع عبد الخالق ثروت باشا، لصالح أربعة أشقاء من عائلة برايان ديفز جاؤوا إلى مصر وبنوا تلك العمارة وحولوا الدور الأول منها لمجموعة محلات تجارية في بداية القرن العشرين، وهي من الأعمال المعمارية شديدة التفرد والتي تعد من العلامات المميزة بمنطقة وسط البلد للونها الأحمر ومبنيها المصممة على الطراز الإكلكتيكى (Eclectic) والذى يحمل فى مضمونه مجموعة من التأثيرات لطرز معمارية مختلفة.
 
جوزيبي ماتسا، معماري إيطالي من أعماله المميزة مبنى صيدناوي سليمان باشا عام 1925م، بشارع قصر النيل والمطل على كل من ميدان طلعت حرب وشارع محمد صبري أبو علم، وهو مبنى غني بالتفاصيل المعمارية والزخارف، وطرازه المعماري أرت ديكو، ويحظى المبنى بأكبر عدد من الشرفات والواجهات حيث تصل إلى 14 شرفة في الطابق الواحد مما يتيح لساكنيها رؤية الميدان من كل زاوية اتجاه.
 
ألسكندر مارسيل، مهندس معماري فرنسي (1860-1928) درس العمارة بفرنسا، وكان هو و أرنست جاسبر المصممين لمعظم مبانى هليوبوليس الاصلية في 1907-1914، ومن أبرز أعماله قصر البارون إمبان، وكاتدرائية البازيليك بمصر الجديدة، ونادي محمد علي عند تقاطع شارع طلعت حرب باشا مع شارع عبد السلام عارف والذي أنشئ عام 1910م.
 
أرنولد زارب، جاء من مالطة إلى القاهرة، بنى محطة السكة الحديد في مصر، وبنى العمارة التجارية السكنية في 23 شارع عبد الخالق ثروت تقاطع شارع محمد فريد عام  1939 لصالح شركة جنرال دي تريستا 1939، وهي العمارة التي تميزت بالحداثة في طرازها المعماري 
 
إن كان هؤالاء الفنانيين موفوري الصيت هم أهم من أثروا فى عمارة وسط البلد لناياتهم الضخمة فهناك لمسات لفنانيين لم يوثقهم التاريخ المعماري فى شوارع وسط البلد ولكنهم تركوا لمسات بفنون على الجدران والواجهات، تؤرخ للزمان وتشرح تفاصيل عبقرية المكان بأسلوب محكم لتفاصيل معمارية دقيقة شاهدة على تداخل الحضارات والثقافات واستيعابها جميعا على أرض مصر للطرز الأوروبية والكلاسيكية والعناصر الشرقية.
 
وحسبما ذكر كتاب الدليل الميداني لأسماء شوارع وسط القاهرة الصادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة تأليف همفري دافيز وليزلي لبابيدي، ويمكن اعتباره "خريطة ثريّة لتاريخ القاهرة الآسر" من خلال حصر وتوثيق أسماء شوارع وسط البلد، وهو ثمرة بحث ميدانى امتد لأكثر من ثلاث سنوات قام به كلٌ من المترجم همفرى ديفيز والمدوّنة ليزلى لبابيدي، بطرح معلومات نادرة ربما تُكتشف وتُعرف لأوّل مرّة عن تاريخ وسط البلد.
 
تعتبر مباني وسط البلد بمثابة معرض للوحات فريدة تظل فنا قائما بذاته يزين واجهات ومداخل المباني، فهناك رسومات ومنحوتات لوحوش تقف على أبواب البنايات الشاهقة وكأنها حراس، ومن ناحية أخرى تطل من فوق شرفاتها وجوه مبتسمة للمارة في الشوارع، وكأنها تحكي في صمت قصص فنانين شاركوا في بناء باريس الشرق.
 
اما عن عمارة يعقوبيان أشهر البنايات، بعد ان سلطت الرواية والسينما الضوء على أركانها فى الفترة الأخيرة والتى تم بناؤها العام 1934م على يد صاحبها عميد الجالية الأرمنية جاكوب يعقوبيان، وسميت باسمه، وإن نافستها فى الشهرة عمارة الإيموبيليا التى تقع في شارع شريف بوسط القاهرة، ويرجع تاريخ إنشائها إلى العام 1940م، تتميز بمساحتها الواسعة 5444 مترا ، ويصل عدد الشقق بها إلى 370 شقة، وتتكون العمارة من برجين، أحدهما بحري، ويتكون من 11 طابقا، والآخر قبلي، ويرتفع 13 طابقًا، وقد اشتركت في بنائها عدة شركات، طرح مشروع تشييدها في مسابقة معمارية، وتلقت الشركة العمومية 13 مشروعًا قامت بفحصها خلال 30 يوما، ثم منحت الجائزة الأولى لمشروع المهندسين المعماريين ماكس أدرعي، جاستون روسيو، بينما حصل المهندسان أنطوان نحاس، وجاك بورديه على الجائزة الثانية، وقد بدأ العمل في إنشاء العمارة في 30 أبريل 1938م.
وتكلف بناؤها - آنذاك - مليونا و200 ألف جنيه مصري، ومع بدء تأجير الشركة المالكة لشقق العمارة نشرت إعلانا في الصحف لتشجيع الناس على السكن بها من خلال التركيز على عدد المصاعد الموجود بها، والذي يقدر بنحو 26 مصعدا، وكانت تقسم إلى ثلاث فئات "بريمو" للسكان، و "سوكوندو" للخدم وثالث للأثاث وأغرت البناية العديد من الفنانين للسكن بها، ووصل عددهم إلى نحو 30 فنانًا، منهم نجيب الريحاني، محمد فوزي، أنور وجدي، ليلى مراد، محمود المليجي، محمد عبدالوهاب، ماجدة الصباحي التي لا يزال مكتبها موجودًا بها حتى الآن، ولا تزال تتردد عليه.
 
 
بناية الشواربي باشا تقع في شارع 26 يوليو في تقاطعه مع شارع رمسيس، بنيت عام 1925م، وصممها مهندس مصري من أصل لبناني يدعى جيبي عمروت على طراز (آرت ديكو)، وتتميز بزخارف على شكل تمثال (أبو الهول)، كما تتميز بتعدد مداخلها. وتستغل وحداتها حاليا الكثير من الشركات والأسر.
 
الغريب أن هذه العمارة قد تعرضت منذ فترة قصيرة إلى حادث حريق هدد المقيمين بها، وعاشت العمارة في حالة من الدخان والاختناق الذي قد يكون معادلا للزمن الذي يعيشه سكان هذه العمارة في هذا الزمن.
 
بناية التأمين الأهلية تتميز بالشكل الجمالي دون النظر إلى التكلفة وقت إنشائها، فالعمارة تم بناؤها على الطراز اليوناني الواضح في شرفاتها من خلال الرسومات التي تملأ طوابقها الثمانية، وهي من تصميم فرنسيين في عهد الخديوي إسماعيل ومدون عليها أنها قد بنيت العام 1900م، وأهم ما يميزها أنها لم تقم على وجود أساسات مسلحة، بل إنها عبارة عن تضافر للأسياخ الحديدية مع بعضها، وهو ما جعلها صامدة أمام أي زلزال على مدى الأعوام السابقة، كما أن لها واجهة متميزة على شكل نصف دائرة؛ لتتناسب مع حركة الميدان، وتطل على ثلاث مناطق، هي ميدان مصطفى كامل، شارع قصر النيل، شارع محمد فريد.
 
بناية البنك المركزي توجد على ناصية شارع قصر النيل مع شارع شريف، وتعتبر من أجمل المباني، يرتبط طرازها المعماري بقصة طريفة؛ إذ إن المبنى الذي بني في أوائل القرن تم تجديد واجهته على طراز «نيو كلاسيك» على يد أحد عملاء البنك، الذي كان مقاولا يدعى بمُُّّمَم فشل في تسديد ديونه للبنك، فاقترح ترميم الواجهة، وتغييرها إلى طراز مختلف مقابل إسقاط ديونه.
 
بناية سوارس تطل على ميدان مصطفى كامل، وهي معقل اليهود في مصر، فصاحبها روفائيل سوارس يهودي، وكان يعمل مديرًا لأحد البنوك؛ إذ شيدت العمارة في العام 1897م؛ على طراز «نيو رينيسانس»، وهو طراز يعتمد على إعادة إحياء عصر النهضة الإيطالي بشكل معاصر.
وكانت تضم وقتها ناديًا إيطاليًا يدعى «رينو وتو»، وكان من أشهر الأندية في القاهرة، وقد وصل الأمر إلى تسمية ميدان مصطفى كامل بميدان سوارس.
 
ومن تفاصيل العمارة التى تكشف عن العمارات المطله على الميدان، فن (النصف قوس) أو (الحاجب) وذلك مثلما ظهرت فى شارع طلعت حرب ومصطفى كامل  مثل مبنى مجمع التحرير، والعمارات المطلة على ميادين طلعت حرب وأحمد عرابى ومصطفى كامل، ويبدو أنها قد صممت على هذا الشكل لتتناسب مع حركة الميدان ولتعطى شكلا جماليا يزينه.
 
ومن أهم الجماليات فى فن العمارة التى تم رصدها، عمارة التأمين الأهلية، الواقعة فى 41 شارع قصر النيل، تم بنائها فى عام 1900 على يد بعض المعماريين الفرنسيين فى عهد الخديو إسماعيل، وأهم ما يميزها أنها لم تقم على وجود أساسات مسلحة، بل هى عبارة عن تضافر للأسياخ الحديدية مع بعضها، وهو ما جعلها صامدة فى وجوه الزلالزل على مدى سنوات عديدة، ولها سلمان للخدمة، الأول داخلى وله ممر خاص من الرخام، والآخر يصل إلى خلف العمارة وهو مصمم من الطوب والحديد، أما بهو العمارة فهو ضخم ويتسم بديكورات من الرخام، وله سقف مرتفع يأخذ الشكل النصف دائرى، ويمتد حتى سلالم الصعود، وللعمارة واجهة مميزة على شكل نصف قوس حول الميدان، ولها ثلاث واجهات وهى ميدان مصطفى كامل، وشارعى قصر النيل ومحمد فريد.
 
لشارع طلعت حرب رونقه الخاص فنجد فى العمارة رقم 6، والعمارة رقم 8 على سبيل المثال وليس الحصر تفاصيل معمارية مهمة حيث يرسمان شكل نصف دائرى حول الميدان، وقد صممتا على طراز الفن الجديد الذى اتسم باستخدام أشكال الأزهار والأشكال المستوحاة من النباتات، وذلك حسبما وضح كتاب القاهرة الخديوية للدكتورة سهير حواس، فإن تاريخ تلك العمارتين يعود إلى عهد الخديو إسماعيل، وأكثر ما يميز شارع عبد الخالق ثروت كوابيل ذات شكل مميز جدا 
 
وعلى ناصية شارع محمد صبرى أبوعلم باتجاه ميدان طلعت حرب، تقع العمارتان رقمى 1، و3  اللتان تشغلان مساحة كبيرة، وقد صممتا على طراز النيو كلاسيك، اما الواجهة فقد اتخذت شكل النصف قوس لتتناسب مع شكل الميدان كباقى العمارات التى تطل على الميادين وهى تقع على مساحة 1590 مترا فى عشرة طوابق تضم شققا سكنية ومكاتب لشركات سياحة إضافة إلى مكاتب لبعض المصالح الحكومية، وفى ميدان العتبة نجد شكل زخرفي ضخم يعلو القبة الهائلة لمبنى البريد الرئيسي
 
امتازت العمارة فى شوارع وسط البلد بشكلها الفريد فيما وجدت رموز وأشكال بديعة تميز العمارات، مما أثار التساؤلات حول تفاصيل العمارة فى تلك الحقبة، فمثلا وجه مذعور  أعلى قمة المبنى وظهر ت فى عمارات ميدان باب اللوق، وكذلك وجود شخصية إغريقية على واجهة مسرح الجمهورية بشارع الجمهورية، ودرع يزين ركن مبنى فى شارع قصر النيل، ورأس فرعوني يطل من أعلى شارع بستان الدكة، اما عمارات شارع قصر النيل فتاريخ الإنشاء محفور على وجهات المباني.
 
وفى شارع طلعت حرب تجد بعض البنايات تتسم بقباب، اما شارع محمد فريد نجد تمثال فينوس يزين جدار عمارة براين ديفيز، وفى شارع عدلي نجمة داوود على واجهة معبد شعار هشامايم، اما الوجوه المبتسة فتزين بعض بنايات شارعى الجمهورية وكلوت بك، وفى شارع عبد الخالق ثروت نجد زخارف تزين إفريز باب المصرف العربي الدولي، وفى تقاطع شارعى شريف وعبد الخالق ثروت نجد العمارة تزين بتاج ووجه طفل بالأعلى ووجه أسد بالأسفل، تحيط بحرف P، وهو الحرف الأول من اسم صاحب المبنى، اما فى تقاطع شارع قصر النيل وحارة زغيب نجد تمثال نصفي لامرأة عارية، يُزيّن واجهة عمارة قديمة تعود إلى عام 1902. 
 
عمارة يعقوبيان واحدة من أشهر عمارات القاهرة على الإطلاق، تم بناؤها العام 1934م على يد صاحبها عميد الجالية الأرمنية جاكوب يعقوبيان، وسميت باسمه حتى الآن،.
وكان من بين سكانها المحامي عباس الأسواني، والد الأديب علاء الأسواني، الذي ألف الرواية الشهيرة «عمارة يعقوبيان»، والذي استقى أحداثها من الحياة في تلك الفترة، وتظل العمارة شاهدة على آلاف الحكايات التي دارت بين جوانبها، وكان أبطالها من مشاهير الطرب والتمثيل والأدب وعالم المال، كما تظل، على الرغم من مرور عقود على إنشائها، شاهدة على عصر من الجمال المعماري الذي لم تفلح البنايات الحديثة في تغييب أو طمس هويته.
 
وأعادت رواية علاء الأسواني هذه العمارة إلى دائرة الضوء مرة أخرى، وهو ما يثير العجب، فهل تحتاج الآثار والتحف الفنية إلى فن آخر ليعيدها من الموت إلى الحياة؟.
عمارة «يعقوبيان» نفضت الزمن، وحاولت أن ترصد تغيرات المجتمع المصري بأكمله، فلم تعد مجرد مبنى مكون من جدران وأسقف، بل صارت رمزا يصلح لرصد البشر، وتعقب ما يطرأ على سلوكهم وتاريخهم من صعود أو هبوط، وهذه قيمة المبنى حين ينشأ أولا كفكرة فنية قبل أن يكون مكانًا يصلح للسكن.
 
الإيموبيليا تقع في شارع شريف بوسط القاهرة، ويرجع تاريخ إنشائها إلى العام 1940م، تتميز بمساحتها الواسعة 5444 مترا مربعا، ويصل عدد الشقق بها إلى 370 شقة، وتتكون العمارة من برجين، أحدهما بحري، ويتكون من 11 طابقا، والآخر قبلي، ويرتفع 13 طابقًا.
 
وقد اشتركت في بنائها عدة شركات، طرح مشروع تشييدها في مسابقة معمارية، وتلقت الشركة العمومية 13 مشروعًا قامت بفحصها خلال 30 يوما، ثم منحت الجائزة الأولى لمشروع المهندسين المعماريين ماكس أدرعي، جاستون روسيو، بينما حصل المهندسان أنطوان نحاس، وجاك بورديه على الجائزة الثانية، وقد بدأ العمل في إنشاء العمارة في 30 أبريل 1938م.
وتكلف بناؤها - آنذاك - مليونا و200 ألف جنيه مصري، ومع بدء تأجير الشركة المالكة لشقق العمارة نشرت إعلانا في الصحف لتشجيع الناس على السكن بها من خلال التركيز على عدد المصاعد الموجود بها، والذي يقدر بنحو 26 مصعدا، وكانت تقسم إلى ثلاث فئات «بريمو» للسكان، وثانٍ «سوكوندو» للخدم.
وثالث للأثاث، كما تناول الإعلان قوة أساسات البناية التي لا تؤثر فيها الهزات الأرضية، إضافة إلى إعفاء الساكن من دفع إيجار العمارة لمدة ثلاثة أشهر، وتبدأ من لحظة توقيع عقد الإيجار الذي كانت قيمته تبدأ بستة جنيهات، وترتفع إلى تسعة جنيهات، وأخيرًا 12 جنيهًا حسب مساحة الشقة.
وهي مبالغ إيجارية عالية إذا ما قورنت بقيمة النقود في تلك الفترة التي لم يكن يتجاوز فيها سعر إيجار شقة مساحتها 140 مترًا على جنيهين أو ثلاثة، وبالطبع أغرت البناية العديد من الفنانين للسكن بها، ووصل عددهم إلى نحو 30 فنانًا، منهم، نجيب الريحاني، محمد فوزي، أنور وجدي، ليلى مراد، محمود المليجي، محمد عبدالوهاب، ماجدة الصباحي التي لا يزال مكتبها موجودًا بها حتى الآن، ولا تزال تتردد عليه.
 
بنايات ميدان طلعت حرب يرجع تاريخ الإنشاء إلى عام 1924، على يد المعماري جوسيي مازا، وتقع في ميدان سليمان باشا. تبلغ مساحة الأرض المقام عليها العمارة 1445متر مربع، وهي تعد من أهم معالم وسط البلد، ويحتل الدور الأرضي منها مقهى جروبي الشهير، وهي على الطراز الكلاسيكي المستحدث، اما عمارة أسيكيورازيوني من أبرز عمارات وسط البلد، يرجع تاريخ إنشائها إلى عام ١٩١١، على يد المعماري أنطونيو لاشياك، وهي تقع في شارع قصر النيل، وتعد من أجمل وأعرق عمارات وسط البلد، شيدت على الطراز الكلاسيكي المستحدث وهو طراز انتشر في تلك الفترة محاولاً أن يجد لغة معمارية جديدة تجمع بين عناصر العمارة المحلية (وتظهر في التفاصيل المعمارية والفتحات) وبين العمارة الأوروبية (وتظهر في علاقة الكتل بعضها البعض عمارة بنك مصر يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1927، على يد المعماري أنطونيو لاشياك، وتقع في شارع محمد فريد، وتتميز العمارة بعناصرها الزخرفية المحلية على الرغم من تشكيلها الأوروبي الواضح في التكوين الكتلي العام المنتمي إلى طراز عصر 
 
اما بنايات شارع عماد الدين يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1911، على يد المعماري أنطونيو لاشياك، وهي من أوائل العمارات المتعددة الأدوار لأغراض سكنية التي شيدت في وسط البلد، ويتبع طرازها الأرت نوفو وهي مجموعة مكونة من أربع عمارات على جانبي شارع عماد الدين، تمثل صرحًا معماريًا لا مثيل له في العمارة المصرية الحديثة.
 
تعد البناية رقم 16 في شارع 26 يوليو إحدى أشهر بنايات اليونانيين في القاهرة، وهي تابعة للمؤسسة العبيدية اليونانية، التي قامت بشراء الأرض وتخصيصها لتكون مقراً لها، ثم حولتها مقراً لمدرسة يونانية، قبل أن يتم هدم المدرسة لاحقاً، وتشييد تلك البناية التي تتميز بمعمارها على طراز النيو باروك الفرنسي. البناية مكونة من 9 طوابق، على مساحة 4200 متر، ولها مدخلان متصلان من الداخل يقودان إلى 6 مصاعد.
 
اما العمارة فى ممر بهلر عبارة عن مبنى ضخم يتوسط ميدان طلعت حرب، مبني على طراز الآرت ديكو، يحمل اسم "عمارة  تشارلز بهلر"، وهو رجل أعمال سويسري ارتبط اسمه بتأسيس وامتلاك سلسة فنادق وعقارات بمدينة القاهرة، تعد تلك العمارة التي بنيت عام 1924 من أشهر أملاكه والتي صممها المعماري الفرنسي ليو نافليان، اقيمت على انقاض فندق «سافوي» الذي كان ولفترة طويلة واحد من أهم أماكن إدارة الأعمال آو الإقامة في القاهرة، ويضم المكاتب التمثيلية للشركات البريطانية حتى القيادة المركزية للجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى كانت موجودة به، والعمارة تتكون من 6 مبان شبه منفصلة، ولكل منها مدخل خاص، وبها نحو 130 شقة فاخرة، والبعض منها مكاتب تجارية، أما الدور الأرضي فقد قسم إلى 72 محلاً مستقلاً على الطراز الباريسي، وضم أيضا ممرا تجاريا أطلق عليه ممر بهلر به محلات راقية تقدم أحدث صيحات الموضة العالمية ومعارض فنية تعرض أعمال كبار الفنانين وكان الممر نسخة مصغرة من شارع (رو دي ريفولي) التجاري الشهير في باريس، وبقي الممر حاملا اسمه يردده الناس لكن أغلبهم لا يعرفون صاحبه.
 
ظلت ومازالت منطقة وسط البلد روح القاهرة الشريان النابض بالفن والفكر والسياسة والحياة بدابة من  نهاية الحرب العالمية الأولى تبدّل شكل هذا الحي وطبيعة الأنشطة التي مورست فيه، حيث أصبح المركز التجاري للمدينة وبدأت المصارف والبنوك تتخذ مواضع مهمة فيه مثل البنك العقاري المصري سنة 1901 «المصرف العربي الدولي الآن» على ناصية شارعي محمد فريد وعبدالخالق ثروت، والبنك الأهلي المصري سنة 1900 عند ناصية شارعي المدابغ وقصر النيل وأدخلت عليه تعديلات مهمة وإضافة طابق سنة 1948 «البنك المركزي الآن»، وبنك مصر بشارع محمد فريد سنة 1925.
 
ومع مرور الوقت أضيفت محلات تجارية مهمة إلى حي الإسماعيلية مثل محلات شملا وشيكوريل وجاتينيو وداود وعدس، وجميعها كان يمتلكها اليهود، وكذلك المقاهي والمطاعم الكبيرة على الأسلوب الفرنسي مثل محلات جروبي «ميدان سليمان باشا، ومع دخول فن السينما إلى مصر بدأت دور العرض السينمائي الأولى تعرف طريقها إليها في هذا الحي مثل سينما ديانا سنة 1932 وسينما مترو 1939.
 
وفي إطار اتجاه الدولة لاتباع مخطط بإعادة العراقة والتألق للعاصمة الإدارية القديمة بمنطقة وسط البلد، والذي يتجاوز عمر عديد من العقارات بها 120 عاماً، تم تكليف فريق كبير من استشاريين ومهندسين لإعادة المباني لصورتها الأصلية وقت إنشائها، بإشراف وتنفيذ حسام البرمبلي، رئيس قسم العمارة بهندسة عين شمس، واستشاري ترميم وصيانة المباني التاريخية والأثرية، وتم عمل ترميم شامل لعدد من المباني، بداية من سقف الدور الأخير الذي طالته وأثرت عليه بشدة عوامل الزمن، ثم قمنا بإزالة الواجهات العشوائية وتوحيد شكل الواجهات كما كانت بالأصل بكتابات مزدوجة من اللغتين العربية والإنجليزية، وإظهار الحليات والزخارف على الواجهة الخاصة بالتصميم الأصلي، ثم إعادة دهان الواجهة طبقاً لمواصفات التصميم الأصل

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة