الكاميكازى المصرى

الخميس، 06 أبريل 2023 12:42 م
الكاميكازى المصرى
ياسر الهوارى

 
منذ عودتى إلى أرض الوطن منذ ما يقارب العام ونصف العام لا أزال حتى هذه اللحظة أعانى من صعوبة شديدة فى التكيف مع أسلوب قيادة السيارات فى مصر، ولا أبالغ إذا قلت إن وسط أسفارى المتعددة فى كل البلدان التى زرتها، لا يوجد نموذج مقارب لهذا الذى يحدث فى شوارع مصر، ولا أرى أى مبالغة إذا ما وصفت ذلك الذى أراه يوميا إلا بأنها أسلوب انتحارى يشبه أسلوب الكاميكازى اليابانى إبان فترة الحرب العالمية الثانية.
 
ولمن لا يعرف، كان الطيارون اليابانيون يستخدمون الطائرة نفسها بعد نفاد الذخيرة كقنبلة وتفجيرها فى الهدف، ربما كان هذا يسبب خسائر فادحة للعدو فى حالة الحرب، ومناسب لعقيدة اليابانيين التى تقدس الانتحار، فما الذى يمكن أن يدور فى رأس من يقود سيارته بتلك الطريقة الانتحارية فى غير حالة حرب، ومع عقيدة تضع الانتحار فى مرتبة الكفر البواح ضد أناس لا تربطه بهم سابقة عداء، حقيقة لست أدرى ما الذى يدفع البعض إلى اعتبار أن قيادة سيارة فى طريق عام لعبة مسلية يثبت فيها تفوقه على الآخرين على حساب أرواح الناس وممتلكاتهم، ولا يتورع البعض فى ارتكاب أقصى المخالفات التى يعاقب عليها القانون كالسير عكس الاتجاه، خاصة من سائقى النقل أو المراهقين سنا وفكرا، مطمئنين أنهم بعيدون عن المحاسبة لعدم وجود كاميرات مراقبة ترصد مخالفاتهم، أو لوجود طرق أخرى للإفلات من العقاب حتى فى حالة رصد المخالفات.
 
ولكى نعلم فداحة ما يحدث فى شوارعنا بنظرة سريعة على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبة العامة والإحصاء، نجد أنه فى عام 2021 وحده كان ضحايا حوادث السير 7101 قتيل بنسبة ارتفاع 15.2% عن عام 2020 الذى شهد 6164، بينما المصابون تجاوزوا 51511، وهو رقم مرعب بكل المقاييس، ويكفى أن نقول إن تلك التكلفة الباهظة لحالة الانفلات فى الشوارع تقترب من عدد شهداء أسوأ هزيمة عسكرية فى تاريخ مصر، حيث إن الرقم التقريبى لشهداء الجيش المصرى فى أسوأ أيامه تقترب من العشرة آلاف شهيد.
 
إذا فنحن نحتاج إلى إعادة نظر ليس فقط فى العقوبات، بل والأهم فى تطبيق تلك العقوبات بحزم وصرامة، ومراقبة الشوارع بكاميرات المراقبة بشكل موسع، وعدم التهاون فى تطبيق العقوبة بشكل لا يمكن الإفلات منه بالواسطة أو بالنفوذ، بينما تقول الحقيقة إن حوادث السير لا تفرق بين صاحب نفوذ واسع وآخر لا يملك من أمره شيئا، الكل معرض والكل تحت خطر سائق هنا أو هناك أدمن إفراز الأدرينالين بفعل استعراض مهاراته فى الفتك بأرواح الآخرين.
 
ولا يمكن بحال من الأحوال إلقاء الاتهام على جهل وعدم وعى قطاع كبير من الناس وحده، ولنا تجربة مهمة جدا فى منتصف الثمانينيات عند بدء تشغيل مترو الأنفاق وكان تطبيق الغرامة صارما وفوريا، والأهم أن التطبيق كان على الجميع، وهنا تعود الناس على النظام، وأصبح عادة حتى فى أوقات الأزمات ومع عدم انتشار الشرطة فى الشوارع وقت ثورة يناير والشهور التى تلتها، اعتاد الناس من أنفسهم على النظام، وصارت أخلاق الناس تحت الأرض تختلف عن ما اعتادوا عليه فوق الأرض.
 
ليس الأمر رفاهية، إنها أرواح أبنائنا وأرواحنا تلك التى تتعرض بشكل يومى لخطر جسيم جراء الاستهتار الشديد واليقين من الإفلات من العقوبة.
 
هذه الكلمات نداء لإنقاذ آلاف الأرواح التى تٌهدر سنويا وعشرات الآلاف من الإصابات التى يصل بعضها إلى العجز الكامل فتنهى مستقبل إنسان.
 
إعادة النظر فى صرامة تطبيق القوانين بمثابة مشروع قومى ضخم ومهم وضرورى لا يمكن تأجيله أو إعطائه أهمية أقل من غيره.
رحم الله من مات وأعان من أصيب على مصيبته.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق