عن الحوار والسياسة

السبت، 15 أبريل 2023 08:51 م
عن الحوار والسياسة
ياسر الهوارى

يقول المفكر الاستراتيجي الألماني الأشهر "كارل كلاوفيتز"، إن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى"، والمعني هنا أن الحروب بين الدول نفسها فى حقيقتها امتداد للعمل السياسي إذا ما انعدمت الوسائل الدبلوماسية.
 
هناك مقولة انتشرت في فترة ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، أصبح يرددها البعض وكأنها نص مقدس مسلم بصحته "بنلعب ثورة مش بنلعب سياسة"، والحقيقة أنني مختلف تمامًا مع صحة العبارة، ولا أرى فى الثورة نفسها إلا إحدى وسائل العمل السياسي، وامتداد لها، كما أن الحرب امتداد للسياسة في رأي "كلاوفيتز".. وبناءً عليه فالتظاهر وفي أقوى صوره – الثورة - تكتيك وليس استراتيجية، نلجأ لها إذا ما انسدت منافذ العمل السياسي المستند على الحوار، إذًا فأصل الأشياء هو الحوار، ونهاية الطريق الدعوة للتظاهر واللجوء إلى المعادلات الصفرية.
 
ونحن لا نتحاور مع أشباهنا وإلا أصبح الأمر جلسة سمر يقول فيها الناس ذات الخطاب، نحن نجلس على مائدة الحوار مع المختلف، ولا نطلب أو يطلب منا قبل الحوار ما يجب أن يطرح داخله.
 
نحن الآن أمام لحظة مهمة جدًا، ينتظر القاصي والداني ما يمكن أن تسفر عنه نتيجة الحوار، وتعول عليه آلاف الأسر التي يقبع ذووها خلف القضبان، في انتظار انفراجة حقيقية تعيد لهم الفرحة الغائبة بغياب الأبناء، وإذا ما قدر للبعض أن يكون حاضرًا فالواجب أن يتحلى أولا بسعة الصدر ليتقبل بصدر رحب النقد، أو حتى التجاوز فى حقه ممن لا يرى فى الأفق وفقًا لمعطيات حالة الانسداد السياسي فى السنوات السابقة ما يدعوه إلى توقع انفراجة حقيقية، وثانيًا أن يطرح بشجاعة ليس فقط ما يراه هو ويمثل وجهة نظره، بل ما يمثل آخرين ليسوا ممن شاء القدر أن يكونوا على مائدة الحوار، وإثبات أن الحوار ليس من قبيل المكلمة، واستهلاك العبارات الرنانة، وانتزاع مكتسبات حقيقية، أهمها إنهاء ملف سجناء الرأي تمامًا، وتعديل قانون الحبس الاحتياطي، وقانون مباشرة الحقوق السياسية وحرية الصحافة والإعلام، ورفع الحجب عن المواقع الصحفية، وفك الحصار الأمني على حرية عمل الأحزاب السياسية، تلك مجرد بنود بسيطة يحملها كل من يجلس على مائدة الحوار، كواجب عليه وليس تفضلا منه، وعلى من لا يجد في نفسه الشجاعة لمناقشة تلك القضايا وغيرها أن يعتذر عن عدم الحضور ويترك لغيره المجال.
 
وقبل كل ما سبق فهناك واجب آخر لا يقل أهمية عن الحضور، وطرح القضايا المهمة والمصيرية، يتمثل في إقامة حوار موسع مع المجتمع بكل الوسائل المتاحة للمناقشة المهمة والضرورية مع كل مهتم بالشأن العام في الداخل والخارج، بغرض الوصول إلى أطروحات تزيد من عمق طرح الحاضرين.
 
وعلى القيادة السياسية تفهم عمق الأزمة التي نتجت عن انقطاع السياسة واللجوء إلى الحلول الأمنية، وتعطيل حرية عمل الأحزاب السياسية طوال السنوات الفائتة، والعمل على إعادة الثقة، وفق مبدأ البناء المتصاعد للثقة، وتحمل بصدر رحب النقد والعمل على بناء جسور تثبت لكل محبط أننا أمام لحظة حقيقية يمكن البناء عليها لبناء جمهورية جديدة، أساسها الشراكة بين أبناء الوطن الواحد، وإثبات أن الرغبة في الحوار رغبة حقيقية في تغيير الوضع السياسي، وليست لحظة أو مناسبة شكلية ينتهي بها الحوار كما بدأ.
 
وإذا كنت أتحدث بصفتي أحد الذين تمت دعوتهم للحوار الوطني فإنني هنا، وعلى هذه المساحة التي أتيحت لى، أدعو إلى حوار مفتوح مع كل مهتم بالشأن العام أن يقدم ما يراه مناسبًا للطرح في جلسات الحوار، وأن يكون الحوار عامًا ومفتوحًا، ليس فقط بين المدعوين في الجلسات، بل بين الجميع، من خلال المدعوين للجلسات وبشكل يومي وعلني وشجاع.. ويكون هذا هو الأساس الذى يتحرك به الجميع، وعلى أساسه يكون الحوار، وإذًا فهو ليس حوارًا بين من تلقي الدعوة وبين ممثلي الدولة، بل هو حوار جامع للمصريين جميعًا من خلال من تلقوا الدعوة، ودون خطوط حمراء وعلى رؤوس الأشهاد.
 
وعلى الله قصد السبيل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق