التضحية روح العائلة

السبت، 01 يوليو 2023 04:30 م
التضحية روح العائلة
أمل أمين

 
 
في حياة كل عائلة قصص لا نهائية من التضحيات ولكي تستمر هذه الحياة لا بد من تقديم العديد من التنازلات من الأب والأم وليس أحدهما فقط، ليحدث توازن بين كفتي الميزان ولا يشعر أحد الطرفين بأنه ضحية فتنهار العلاقة في مرحلة معينة، بعد أن يتوقف الطرف الذي اعتاد على التضحية عن عطائه وينسحب كليا فتفشل العلاقة الأسرية وتصاب بالتصدع والانهيار، ويكون الضحية الحقيقية على الأغلب هم الاولاد.
 
ومن أجمل الأفلام التي تتحدث عن هذا الموضوع الفيلم الأمريكي "كريمر ضد كريمر" Kramer Vs. Kramer  وبطريقة رشيقة وهادئة يوضح لنا معنى اختلال التوازن في التضحية وتأثيره على العائلة.
 
الفيلم بطولة داستن هوفمان ويلعب دور "تيد كرايمر"، وميريل استريب وتلعب دور الزوجة "جوانا كرايمر" وابنهما الصغير"بيلي كرامر"، وتدور أحداث الفيلم في نيويورك حيث يعمل "تيد" في شركة إعلانات ضخمة وفي نفس اليوم الذي يحصل على ترقية ويصبح شريك في الشركة ويعود إلى المنزل ليفاجأ بأن زوجته قد حزمت حقائبها وتستعد لان تترك المنزل بدون عودة، ومهما حاول تيد أن يقنعها بالبقاء فقد رفضت تمام وقالت له أنه إذا أجبرها على البقاء فسيعود يوما ليجدها قد القت نفسها من النافذة، وطلبت منه أن يعتني بابنهما..
كلمات بسيطة لكن توضح أن جوانا وصلت إلى نقطة الانفجار لم يعد لها طاقة على تقديم المزيد من التضحيات.
 
ومع الوقت يظهر بوضوح حجم ما كانت جوانا تقدمه من دعم لزوجها حتى استطاع أن يصل إلى هذا النجاح، فهي من كانت تذهب بابنهما إلى المدرسة وتحضره في العودة وتشتري كل احتياجات المنزل وتقوم بالتنظيف وطهي الطعام، ومهما حاولت أن تكلم تيد عن رغبتها في العمل لا يستمع لها حتى جاءت اللحظة التي خرجت فيها ولم تعد.
 
وتستمر الحياة بعائلة كريمر لكن بدون الأم ويضيع "تيد" في البداية بين عمله ورعاية الطفل، ويتجاهل نصيحة رئيسه بأن يرسل الطفل إلى أحد الأقارب لرعايته بعد أن اختفت "جوانا" الأم تماما، ويتحمل "تيد" على الرغم من صعوبة الجمع بين الوظيفة ورعاية ابنه ويبدأ رؤسائه بالشكوى وفي نفس الوقت يتعرض الطفل لحادث وهو يلعب في الحديقة ويهرع به تيد إلى الطبيب ويمر الأمر بسلام.
 
وبعد أن بدأ الأب وابنه في اعتياد المعيشة تظهر جوانا الام وتطلب من "تيد" أن تأخذ ابنهما في رعايتها، مما يجعل تيد يصاب بثورة عارمة ويرفض تماما، ويستعد لمعركة قضائية فيذهب إلى محامي متخصص لكنه يخبره بصعوبة الوضع وأنه على الأغلب سيخسر القضية.
وتأتي الضربة القاصمة لتيد عندما يخسر عمله في نهاية السنة ويخبره المحامي بأن موقفه سيصبح سيء للغاية إذا لم يحصل على وظيفة قبل بداية المحاكمة، وفعلا يقاتل تيد ليحصل على وظيفة أقل من امكانياته ونصف راتبه السابق.
 
وبالتزامن تبدأ المعركة القضائية بين الأبوين على حضانة الطفل، ويظهر المحاميان براعتهما المطلقة في كشف الحقائق المستورة ويتضح أن جوانا شخصية غير مستقرة لا تستطيع الاستمرار في شئ لفترة طويلة، كما يبدو جيدا ان "تيد" استغل وجود جوانا في تحقيق نجاحه ولم يهتم كثيرا بحياتهما العائلية ولا بنجاحها العملي، وكان كل همه توفير الطعام والمال لكنه ابتعد عنها ولم يكن يهتم بالحديث معها ومعرفة ما تريده او ما تشعر به، وتكشف الأوراق ان "تيد" خسر عمله بسبب اهتمامه الشديد بابنه لكن المحامي يضع هذا في سياق الإهمال وليس الاهتمام.
 
وعلى الرغم من أن المشاهد يرى جيدا مدى التضحية التي قدمها "تيد" الأب لأجل ابنهما، وكم كانا مقربين واجتازا معا اوقات جميلة وصعبة إلا أن المحكمة تصدر حكما لصالح جوانا الأم بالحصول على الرعاية الكاملة، ولان "تيد" لا يملك المال ليستأنف الحكم، يقرر أن يسلم الأبن لوالدته ويشرح له الموضوع بهدوء ويجهزه لكي تأتي أمه وتاخذه، وكانت المفاجأة أن "جوانا" تأتي بالفعل لكن تخبر "تيد" أنها لا تستطيع أن تصطحب ابنها لانها بهذه الطريقة تهدم المنزل الذي يعيش فيه مستقرا بالفعل وهو ما لا ترغب فيه بالتأكيد، وتجهش في البكاء لكن تيد يخبرها أنها تستطيع التحدث إلى ابنهما في أي وقت ويفسح لها الطريق لتصعد وتتحدث إلى الطفل بمفردها.
 
فيلم كريمر ضد كريمر يرسم ببراعة معنى أن يحب أبوين طفلهما، وكيف أن كليهما ضحى طويلا لكي تستمر حياته بطريقة لائقة حتى وإن ترجل أي منهما عن القارب المشترك للأسرة، وطوال الفيلم لم نسمع البطل يقول كلمة واحدة سيئة عن زوجته السابقة بل كان يتحدث عنها طوال الوقت على إنها زوجته، ونفس الشئ بالنسبة لجوانا، وفي النهاية عندما تعارضت مصلحة الطفل مع ما يحبان تنازل احدهما لكي تستمر معيشة ابنهما في استقرار وسعادة، على الرغم من ألم جوانا الشديد لفراق أبنهما فالتضحية هي روح حياة الأسرة ولكن لا بد من أن يقدر الطرفين تلك التضحية وعدم الاستخفاف بها، او اعتبارها تحصيل حاصل ففي بعض الاحيان نجد الزوج يرى أنه من الطبيعي أن تغسل الزوجة وتنظف وتهتم بالأطفال وتكون مسئولة بالكامل عن ذهابهم إلى المدرسة والنادي ويكتفي هو بدور المنفق، والعكس يحدث في بعض الاحيان فتنظر الزوجة إلى كفاح زوجها للحصول على المال واصلاح المنزل واصطحاب الأطفال إلى الطبيب وغيره أنه امر واجب عليه، وهنا يشعر أحد الزوجين او كليهما بأنه مظلوم ومجني عليه، ومع الوقت تتحول تلك المشاعر إلى غضب أو رغبة في الهروب وتحدث فجوة قد تصل إلى أن الأثنين يتوقفان عن الكلام معا أو تحدث مشاكل وصراعات نتيجة إحساس أي منهما بانه ضحية، وفي النهاية تتحول تلك المشاعر إلى قنبلة موقوتة تنفجر في لحظة معينة، وتكون ضحيتها الاطفال وهي مشكلة يمكن علاجها بالتفاهم والتنازل وتبادل التضحيات، والأهم هو الحوار الدئم والمستمر بين الزوجين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق