حمدي عبد الرحيم يكتب: مئوية عبد الفتاح الجمل والإنجاز الحقيقي

السبت، 22 يوليو 2023 09:00 م
حمدي عبد الرحيم يكتب: مئوية عبد الفتاح الجمل والإنجاز الحقيقي

كتب الناقد الأستاذ الدكتور إبراهيم منصور، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك:" ولد عبد الفتاح الجمل (٢٢ يوليو ١٩٢٣-١٨ فبراير ١٩٩٤) في قرية مُحِبّ، وهي مع توأمها السيالة قريتان صغيرتان تقبعان في الجانب الجنوبي الشرقي لمدينة دمياط، حيث تطل البيوت على مياه بحيرة المنزلة ويعمل أهل القرية بثلاث حرف: الزراعة، والصيد، والنجارة.
 
مئوية الكاتب عبد الفتاح الجمل برعاية صندوق التنمية الثقافية، في مكتبة مصر على كورنيش النيل بدمياط". بعضهم يموت إذ يموت، وبعضهم يغيب بجسده فقط فيكثف غيابه حضوره، ومن هؤلاء الكاتب الأستاذ عبد الفتاح الجمل الذي نحتفل بمرور المئة الأولى على ميلاده.
 
لقد ترك عبد الفتاح الدنيا بما فيها قبل رحيله بسنوات، فما الذي جعله لامعًا مضيئًا تفتقده الساحة الثقافية في لياليها المظلمة؟
الشهادات عن دوره في تقديم جيل كامل كثيرة جدًا ومتعددة وقد جمع بعضها قبل سنوات الكاتب الأستاذ محمد علي فقيه.
 
قال الكاتب الأستاذ محمود الورداني: إنه قرأ قصة جديدة على أصدقائه بعنوان «كرنفال»، فنصحوه بأن يذهب بها إلى عبد الفتاح الجمل، المُشرِف على مُلحق «المساء» الأدبي. فذهب اليه ولم يجده، فترك له القصة التي فوجئ بها منشورة بعد ثلاثة أيام".
 
وقال الشاعر الأستاذ زين العابدين فؤاد عن أول لقاء له مع الجمل: "حين ذهبت بشكل خجول إليه ووضعت قصيدة على مكتبه من دون أن أتحدّث أومأ إليّ فمشيت، كان ذلك يوم الإثنين وفوجئت يوم الأربعاء بالقصيدة منشورة بطول الصفحة كلها، أذهلني ذلك الرجل. وبعد أن نشرت قصيدة "ولسا الحرب في أول السكة" صدر قرار بمنعي من النشر وكان الوحيد الذي أقدم على نشر قصائدي هو عبد الفتاح الجمل".
 
أما الأديب سعيد الكفراوي فيتذكّر أول لقاء جمعه بـ"الجمل"، قائلا "دخلت عليه المكتب لابساً جلابية فلاحي، شاب صغير جاء من القرية ولا يفقه شيئاً عن القاهرة.. استقبلني بحنوّ ومحبة باذِخة وإحساس بأن الكاتب الجيّد قيمة لا بد من رعايتها، داعبني وقال لي: أقعد يا فلاح، قرأت عليه القصة التي أتيته بها فكانت ابتسامته سابقة، أما تقييمه لها فكتبه أسفلها وقد نشرها في الصفحة الثقافية.. شعرت ساعتها بسعادة غامِرة".
 
قائمة الشهادات تحتاج إلى كتاب ضخم يضمها وليس لسطور مقال بسيط كمقالي هذا، فهل إنجاز الجمل كان تقديم كل هؤلاء فقط؟
ماذا عن أركان شخصية الجمل التي لا يكثر عنها الحديث؟
 
في كتابه البديع" تباريح جريح" كتب الأستاذ صلاح عيسى تحت عنوان" رجلان من زمن غادر" عن عبد الفتاح الجمل وعن عبد القادر ياسين، قال عن الجمل:" التقينا لمشاهدة أفلام فيديو قصيرة تقص لحظات رحيل المقاومة الفلسطينية عن بيروت، هنا نظر لي عبد الفتاح وقال: «أنا كمان رحلت.. طلبت إحالة نفسي للمعاش.. وانتهى الأمر".
 
يكمل الأستاذ صلاح القصة فيقول ما ملخصه: لقد تعاملوا مع الجمل كما يتعاملون مع مجرد موظف، طالبوه بالحضور يوميًا، وطالبوه بالتوقيع في كشوف الحضور والانصراف، ولم يسندوا إليه عملًا أي عمل، فعلوا به هذا قبل وصوله لسن المعاش بخمس سنوات، ضاق هو بتلك الطريقة فترك لهم الجمل بما حمل وطلب إحالته إلى معاش مبكر!
 
قبل مغادرته لجريدة المساء التي يعد أحد مؤسسيها، تعرض الجمل لنقمة في ثوب نعمة حدثنا عنها الكاتب الأستاذ محمود الورداني فقال:" في عام 1969 أو 1970 طلب منه محمود أمين العالم، بوصفه رئيسا لمجلس إدارة اخبار اليوم أن ينتقل إلى الأخبار ليصدر ملحقا أدبيا بحجم التابلويد، وحقق نجاحا مذهلا لأنه انتصر للقيمة والقيمة وحدها، وأتاح الفرصة للكتابة الجديدة واحتفى بالأجيال الشابة.
 
وفى الوقت نفسه كان عليه أن يُفلت من الإملاءات والوساطات، وقد فعل ذلك عدة شهور، وعندما فشل فى وقف الهجوم من كتاب مستقرين حتى لو كانوا بلا أى قيمة، بادر بمغادرة موقعه وعاد للمساء: جريدة صغيرة ذات توزيع محدودة ولا يهتم بقراءتها إلا جمهور كرة القدم ولا يهم هنا الراتب والامتيازات التي كانت توفرها له جريدة ضخمة- أيامها- وأفلت من سجنها".
 
ما كتبه الورداني هو خلاصة الجمل، وإنجازه الباقي، وقد أكد على هذا المعنى الكاتب الأستاذ شعبان يوسف الذي قال:" كان عبد الفتاح يصرّ على تنزيه صفحته من تلك الإبداعات الركيكة، وشاهدته عندما كان أحد كتّاب القصة يقول له: «لماذا لم تنشر لي نصّا واحدا من نصوصي، رغم أني أرسلت لك أكثر من عشر قصص»، وهنا رد عبد الفتاح بحدة: «يا بني الصفحة دي مش بتاعتي، عشان أنشر فيها كل ما أريده، أنا باحاول أعمل ما يرضي ضميري قبل رضا أي حد".
 
على ذلك فأنا أعتقد أن الإنجاز الحقيقي للأستاذ الجمل هو تلك النزاهة وتغليب ما كان يؤمن بأنه في صالح الأدب على سواه من الاعتبارات.
 
نزاهة الأستاذ الجمل رحمه الله، دفعت الكاتبة الأستاذة عائشة المراغي، وهي التي لم تعش زمانه، إلى العكوف على تراثه وجمعه وتحقيقه، تمهيدًا لنشر أعماله الكاملة لكي تتعرف أجيال جديدة على كتابات الأستاذ الرائد المعلم.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق