نجوم في القلوب عالقة: فريد شوقي.. الاسم وحده عنوان

السبت، 29 يوليو 2023 06:00 م
نجوم في القلوب عالقة: فريد شوقي.. الاسم وحده عنوان
محمد الشرقاوي

- في يوليو يتذكر المصريون ميلاد «اللاعب بالنار» ففيه ولد يوم 20 وتوفي يوم 30 عن عمر 78 عاماً بعد حياة فنية حافلة 

- ملك الترسو قدم نحو 400 فيلم سينمائي بينها 14 فيلماً تم اختيارها ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما و 12 مسلسلاً تلفزيونياً و18 مسرحية
 
في مرحلة ما من الشهرة، يلجأ الفنان لصياغة أدواره بنفسه، ليس انتقاصا من كاتب بعينه، لكنها مرحلة تشبع، فلا أحد مثله يفهم تفاصيل شخصيته، ومكنوناتها، ومواطن ضعفها وقوتها، ليخرج عملاً متكاملا يستطيع المنافسة به.
 
وليس سهلاً أن يجعلك القدر على عرش السينما المصرية، حتى يتذكرك الجمهور في كل أعمالك، سلطان، والشاويش حسن، وعنترة، والبخيل، وأبو البنات، وملك الترسو، مجرماً يتعاطف معه الناس، وهادئاً يخشونه، ولا أحد يتنقل بين هذه الشخصيات كــ"ملك الترسو".
 
شهم وشجاع وبطل أوحد وخارق، وأب حنون، ومظلوم تحول لظالم، وأيقونة تكون سبباً في تغيير القوانين الجنائية، لتكتمل أركان الرسالة، وهو ما حدث في  "جعلوني مجرماً" عام 1952 بالاشتراك مع المنتج رمسيس نجيب، الذي حقق نجاحاً كبيراً، وأدى إلى إصدار قانون بإلغاء السابقة الأولى للمجرم.
 
في يوليو من كام يتذكر المصريون ميلاد "اللاعب بالنار" ففيه ولد يوم 20، وتوفي يوم 30، عن عمر 78 عاماً بعد حياة حافلة بالأعمال الفنية.
 
فريد شوقي قدم نحو 400 فيلم سينمائي، من بينها 14 فيلماً تم اختيارها ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية بالقرن الماضي، بجانب 12 مسلسلاً تلفزيونياً، و18 مسرحية.
 
استطاع ذلك المهندس خريج "الهندسة التطبيقية"، أن يرسم طريقه نحو المجد، فاتجه لدراسة التمثيل بالمعهد العالي للتمثيل، على يد الفنان الكبير زكي طليمات، ليصبح البطل الذي لا يغيب، ويكفي ذكر اسمه أو لقبه ليبدأ المشاهد الحكي عنه منفرداً، حتى لو تطلب الأمر البحث معه عن سبحة المعلم بيومي.

البداية ثانوية والشهرة عالمية 
 
في الأربعينيات من القرن الماضي، قدم "الأسطى حسن" أدواراً ثانوية، في أفلام "ملائكة في جهنم" أول أفلام المخرج حسن الإمام، و"قلبي دليلي" 1947 إخراج أنور وجدي، و"اللعب بالنار" عام 1948، و"غزل البنات" في  1949 نحو 39 فيلماً، لتبدأ رحلة الإعداد لبطل شعبي معجون بروح حي السيدة زينب – محل ميلاده.
 
في الخمسينات صاغ شوقي أدواره منفرداً معلناً التمرد على أدوار الشر، وصنع تيمة خاصة به، ولزمة "وشرف أمي" التي حبس في ثوبها - منذ فيلمه «كأس العذاب في 1952 - فكتب عدة أفلام حققت نجاحاً، منها "حميدو" في 1952 للمخرج نيازي مصطفى، الذي فاجأه فريد شوقي، بعرض قصة الفيلم عليه، ليؤدي دور البطولة لأول مرة، وكتب لها السيناريو والحوار السيد بدير.
 
توالت أدوار البطولة للمؤلف الشاب، فقدم من تأليفه "الأسطى حسن"، من إخراج صلاح أبو سيف، و"جعلوني مجرماً"، من إخراج عاطف سالم، الذي شارك في كتابته أديب "نوبل" نجيب محفوظ، و"الفتوة" الذي كتب قصته مع محمود صبحي في 1957، وكتب له السيناريو نجيب محفوظ والسيد بدير وأنتجه فريد شوقي من خلال شركة العهد الجديد التي أنشأها وأخرجه صلاح أبو سيف.
 
وكان لفلميه -الأول- "رصيف نمرة 5" الذي تم عرضه في عام 1956، وهو من تأليف أحمد مصطفى وحوار السيد بدير وسيناريو وإخراج نيازي مصطفى، وشاركه البطولة محمود المليجي وهدى سلطان، وإنتاج فريد شوقي – والثاني- فيلم "باب الحديد إخراج يوسف شاهين، وتأليف عبد الحي أديب، نقطة تحول كبيرة في تاريخ العملاق، الذي دخل بهما ضمن قائمة أهم ألف فيلم في السينما العالمية بالقرن الماضي، كما كان أول فيلم عربي يرشح للأوسكار.

الأسطى حسن ورحلة الإنقاذ
 
خلع فيلم "الأسطى حسن" ثوب الشرير -المحفوظ بحركات وجهه- من دور الشرير، وفتح له أوسع الأبواب، فانطلقت قدراته، وغير الصورة الذهنية عن أصحاب البطولة الأنيقين، فجمع بين البساطة وقوة الجسد، وهو ما كان فرصة لصناعة بطل شعبي للسينما المصرية.
 
اكتملت رحلة البطل الشعبي بمجموعة من كلاسيكيات السينما المصرية، بمجموعة أفلام أخرى من بينها "الفتوة، ومجرم في إجازة، وبداية ونهاية" لصلاح أبو سيف، و"صراع في الوادي" و"باب الحديد" ليوسف شاهين، و"بورسعيد"، لعز الدين ذو الفقار، و"تجار الموت"، لكمال الشيخ، و"الأخ الكبير" لفطين عبد الوهاب، و"فتوات الحسينية".
 
كان للبطل الشعبي "سمت" خاص، فأبدع في 4 أفلام من إخراج المخرج عمر عبد العزيز، وهي (دعوة خاصة جداً، ويا رب ولدـ وللفقيد الرحمة، وليه يا هرم)، وهي تجارب أظهرت الجانب الإنساني فيه، كونه كان متحمساً للمخرجين والممثلين الشبان.

درامي ومسرحي من طراز فريد
 
وللمسرح دور مهم في حياة الفنان فريد شوقي إذ كان أحد أعضاء فرقة الريحاني وقد روى في أحد حواراته التليفزيونية أنه تقابل مع الفنان يوسف وهبي ومثل أمامه مشهدا وكان يقلده فيه إلا أن وهبي نصحه بعدم تكرار الأمر وأن يكون له شخصيته المستقلة وهو كان أول درس تعمله حسب قوله.
 
ويقول فريد إنه خلال العمل في المسرح قديما كان له قدسية خاصة وأن موعد فتح الستار له مواعيد محددة وكان مدون على تذكرة العرض وغير مقبول دخول أي من الجمهور بعد رفع الستار إلا أثناء الاستراحة، وهو ما طبقه بعد عودته للمسرح عام 1991 بمسرحية شارع محمد علي بطولة الفنانة شيريهان، كما كان يرفض فكرة الخروج عن النص بكلمات وألفاظ غير لائقة لأنها تسيء إلى الفن.
 
كما قدم عدة مسلسلات تليفزيونية ناقشت قضايا تهم الأسر المصرية عن طريق الدراما، منها العاصفة وقلب الأسد وتاه الطريق وعم حمزة ونقطة ضعف والحوت والشاهد الوحيد والعرضحالجي ومن أشهرها على الإطلاق "صابر يا عم صابر" والذي ناقش من خلاله فئة السائقون وما يواجههم من مشكلات في عملهم وحياتهم، ومسلسل "البخيل وأنا" الذي أدى دور شقيقين توأم أحدهما بخيل والآخر عكسه تماما، ويشاع أن للفنان فريد شوقي شقيق توأم وهو أحمد شوقي وكان ضابطا بالداخلية إلا أن نجلته رانيا فريد شوقي نفت تلك المعلومة، موضحة أن عمها هو شقيق أبيها الأصغر.

فريد الذي لا ينسى
 
صحيفة الشرق الأوسط في تقرير بعنوان: "فريد شوقي... أيقونة «الفتوة» السينمائية التي لا تشيخ"، نشرت في تاريخ 20 فبراير 2020، للكاتبة إنتصار دردير، نقلت عن السيدة سهير ترك، زوجة فريد شوقي الأخيرة، ووالدة ابنتيه رانيا وعبير، بعض الجوانب الإنسانية عن الراحل.
 
"فريد شخصية لا تنسى، فأنا أعيش في نفس البيت وسط ذكريات عدة، لم تفارق خيالي، ودائماً هو محور حديثي مع بناتي، فغرفة مكتبه وأوراقه كما هي، حيث كان يعتزلنا عند قراءة أي سيناريو جديد، يعرض عليه، أو في حالة كتابته للأعمال بنفسه، وكنت أنا أول قارئة وناقدة لما يكتبه من سيناريوهات وقصص، وكان يأخذ برأيي ويحترمه". تقول سهير.
 
وتضيف: "تعرف على بعدما انتقدت فيلمه ابن الحتة، وذلك بعد عرض مسرحيته الدلوعة بمدينة الإسكندرية، حينما سألني عن رأيي في المسرحية هل أعجبتني أم لا، فقلت له المسرحية أعجبتني، لكن لم يعجبني فيلم ابن الحتة لأنه لم يناسبك، ولم يعترض أو يغضب، بل أعطاني رقم مكتبه وبعد فترة علمت بوفاة والده، فاتصلت لمواساته، وكان يعاني بعد انفصاله عن هدى سلطان، وتقاربنا من بعض، واكتشفت أنه إنسان حنون جداً، وبعد زواجنا عشت معه حياة سعيدة، وحضرت تصوير بعض أفلامه في تركيا، ونجح هناك بشكل كبير".
 
فيلمي "يارب ولد"، و"أبو البنات"، كانا بطولة وحياة، الأول قدمه في عام 1984، ويحكي قصة أب أنجب ثلاث بنات تزوجن وأقمن معه بالبيت، ويضيق بمشاكلهن، مع حلمه بإنجاب الولد، فإنه لم يضق بإنجابه للبنات في الواقع، وكان يعتز بلقبه "أبو البنات"، وهو ما نقلته "الشرق الأوسط" عن المخرج عمر عبد العزيز.
 
يحكي عمر: "عندما أعجبت بسيناريو الفيلم الذي كتبه فيصل ندا، عرضته على الفنان الكبير الذي تحمس له ورأى فيه حالة إنسانية متكررة في حياتنا، لكنها لا تعبر عن واقعه".. ففريد أطلق عليه اللقب بعدما أنجب خمس بنات من خمس زيجات، منها الممثلة زينب عبد الهادي، أنجبت "منى"، والفنانة "هدى سلطان" وأنجبت له مها وناهد، وسهير ترك أنجبت رانيا وعبير.

الموت يغيب ملك الترسو.. ولكن!
 
مضت سنوات على رحيل فريد وهو فريد، فريد في حياته وموته، فكان أحد أبرز من طاردتهم شائعات الوفاة، فقبل وفاته بشهر واحد، وتحديداً في 17 يونيو  1998 وبينما كان يرقد مريضاً إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد، قطع التلفزيون المصري إرساله لإذاعة نبأ هام معلناً خبر وفاة الفنان الكبير فريد شوقي، لكنه تعامل معها على أنها بروفة للموت، وأن أجله قد اقترب. 
 
ظهر شوقي بنفسه نافياً خبر موته، وقال عبر التلفزيون المصري: "أنا بخير وهذه شائعة، لكنني أحسست منها مدى حب الجماهير العريضة في العالم العربي كله، لي، وتأكدت أن الخمسين عاماً التي قضيتها في خدمة فني وبلدي لم يذهبوا هباءً". لكنها كانت شهر واحدة تفصله عن تذكرته للآخرة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة