غزو الفضاء بالأقمار الصناعية والعلمية.. خطة مصرية لتوطين تكنولوجيا تجميع واختبار الأقمار الصناعية

السبت، 29 يوليو 2023 07:00 م
غزو الفضاء بالأقمار الصناعية والعلمية.. خطة مصرية لتوطين تكنولوجيا تجميع واختبار الأقمار الصناعية

- خطة لتوطين تكنولوجيا تجميع واختبار الأقمار الصناعية بنسبة تصنيع محلي 80%.. والقاهرة مجال تكنولوجيا الاستشعار من بعد
 
- مصر سات 2.. أكبر قمر من نوعه في الشرق الأوسط بعائدات ضخمة ويكتشف المعادن والمياه الجوفية ومراقبة المحاصيل الزراعية
 
بخطوات ثابتة تسير مصر في مجال تكنولوجيا الفضاء، وكعادتها تتصدر الريادة في إفريقيا والشرق الأوسط بإثبات مكانتها في محطة الفضاء الدولية، بأقمار تشغلها جهات عدة مثل أمريكا وروسيا واليابان وكندا ووكالة الفضاء الأوروبية والصين.
 
تتخذ مصر مسارا خاصا باستراتيجية تعتمد على أهمية امتلاك تكنولوجيا الفضاء كونها لم تعد رفاهية، بل ضرورة لتحقيق أهداف الدولة المصرية التنمية المستدامة والنهضة الاقتصادية التى تصبو إليها الدولة المصرية، وهذا ما تعكف عليه الدولة المصرية فى هذه المرحلة من خلال وكالة الفضاء المصرية.
 
ويعد آخر ما حققته مصر في المجال، بتسليم وكالة الفضاء المصرية، النموذج الكهربي والنموذج الميكانيكي للقمر الصناعي "مصر سات 2" من الصين، بمقر مركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية بوكالة الفضاء المصرية في أول تشغيل فعلي للمركز، ويعد الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، الأمر الذى يمثل إنجازاً جديداً في صناعة الفضاء والأقمار الصناعية في مصر.
 
ويجري البناء بكوادر من المهندسين المصريين المدربين على أحدث تكنولوجيات تجميع واختبار الأقمار الصناعية وظيفياً وبيئياً، كما يُمَكِن الدولة المصرية من توطين تكنولوجيا تجميع واختبار الأقمار الصناعية، فيما تؤكد الوكالة أن المشروع يعد رائدًا للتعاون العملي في التكنولوجيا الفضائية بين مصر والصين، ليساهم في توفير صور تصل دقتها إلى ٢ متر.
 
يؤكد الدكتور أحمد الرافعي، رئيس برنامج القمر الصناعي المصري "مصر سات 2" بوكالة الفضاء المصرية، أن المشروع الطموح للنموذج الطائر للقمر يجري استكمال الاختبارات عليه في الصين ويتم عمل النقل لقاعدة الإطلاق وهناك يتم إجراء اختبارات ما قبل الإطلاق عليه ثم إطلاقه فى المدار الخاص به، موضحاً أنه من المقرر إطلاق القمر الصناعي "مصر سات 2" بالنصف الثاني من أكتوبر من العام الجاري ويكون الإطلاق من الصين، مضيفا أن القمر استشعار عن بعد يمكن من التصوير للأرض بدقة عالية للغاية تصل 2 متر في الصور الأبيض والأسود، و8 متر للصور الألوان، ويكمن أن يستخدم فى اكتشاف المعادن، والمياه الجوفية، ومراقبة المحاصيل الزراعية، والتوسعات المدنية المدن الجديدة وغيرها، ومراقبة الحدود المصرية، وتصوير الأرض من السماء بما يمكن العلماء من معرفة العديد من التفاصيل والاستفادات العلمية.

مراقبة الحدود واكتشاف المعادن
 
وعن أهمية الموضوع، أكد الرافعي أنه يمكن استخدامه في تعظيم الاستفادة من موارد الدولة، منها تحديد أنواع المحاصيل الزراعية وتوزعيها في القطر المصري طبقا لطبيعة التربة والأجواء، والتخطيط العمراني، ومتابعة تغييرات الشواطئ وخاصة فى السواحل الشمالية للبلاد ومنطقة الدلتا، وتتبع مصادر المياه ومسارات الأنهار، والتعدى على الأراضى المملوكة للدولة وغيرها من التطبيقات الحيوية، موضحاً أن القمر تعرض لاختبارات أداء الوظائف الخاصة بالقمر واختبارات أداء هذه الوظائف في ظروف تواجد القمر بالفضاء الخارجى البيئة الفضائية، ومحاكاة البيئة الفضائية للتأكد من أن القمر يؤدي وظائفه أولا وقادر على أداء وظائفه في الفضاء، من حيث درجات الحرارة العالية أثناء الإطلاق حيث يكون مواجه للشمس والدرجات المنخفضة أحيانا.

ريادة إفريقية
 
وعلى ضوء إفريقيا، تشارك 8 دول "مصر، السودان، المغرب، غانا، نيجيريا، أوغندا، وكينيا" في تنظيم مشروع قمر التنمية الافريقي، لتطوير منظومة فضائية، لمراقبة الانبعاثات الخاصة بالغازات الدفيئة المسببة لظاهر الاحتباس الحراري والظواهر المتعلقة بها وتأثيرها على دول القارة الإفريقية.
 
وجرى الاتفاق على الاعتماد على الإمكانيات المتوافرة في البلدان المشاركة بالمشروع، بحيث يطور كل فريق نظام محدد في القمر الصناعي على أن يتم عملية التجميع والاختبارات في مركز تجميع واختبارات الأقمار الصناعية في مقر وكالة الفضاء المصرية .وفي إطار دورها الريادي بإفريقيا، وافق المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي على استضافة مصر لوكالة الفضاء الإفريقية، تتويجًا للجهود العلمية والفنية، التي قام بها فريق العمل المصري، وقدرة مصر على توظيف الوكالة لخدمة القارة في مجال تكنولوجيا الاستشعار من بعد وعلوم الفضاء، ودفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الإفريقية، وفقاً لأجندة إفريقيا 2063.
وتلتزم مصر بدعم وكالة الفضاء الإفريقية بمبلغ 10 ملايين دولار من أجل التأسيس، كما تقدم كامل الدعم من أجل تحقيق أهداف الوكالة وحماية الأقمار الاصطناعية لدول القارة.
 
وفي ضوء خطة مصر لتحقيق أهدافها للتنمية المستدامة 2030، كان لزاما تفعيل دور وكالة الفضاء المصرية بشكل أكبر كونها بوابة مصر لتحقيقها ودخول عالم تصنيع الأقمار الاصطناعية، لذا حظيت بمتابعة القيادة السياسية، كونها تمثله أهمية قصوى للأمن القومي المصري.
 
كان بداية ظهور برنامج الفضاء المصري عام 2000، وجاء لبناء القدرات البشرية والعلمية، وبناء أنظمة المهام الفضائية، واستكشاف الفضاء الخارجي، بالتعاون مع وكالات الفضاء الأجنبية، وعقد اتفاقيات، ولكن لم يكن وقتها يمتلك هيكلًا أو أي صفة رسمية، حتى إنشاء وكالة الفضاء المصرية 2019، بموجب القانون 3 لسنة 2018، لتكون أهدافها واضحة تتمثل في استحداث ونقل علوم وتكنولوجيا الفضاء وتوطينها وتطويرها وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضي المصرية بما يخدم استراتيجية الدولة في مجالات التنمية، وتحقيق الأمن القومي.
 
المادة الثالثة من القانون كانت واضحة بأن تُباشر الوكالة جميع الاختصاصات اللازمة لتحقيق أهدافها، ووضع الاستراتيجية العامة للدولة في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء وامتلاك هذه التكنولوجيا، ووضع برنامج الفضاء الوطني، والتصديق عليه من المجلس الأعلى للوكالة على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، ومتابعة تنفيذه.
 
تضمنت الموافقة على مصادر التمويل والاستثمارات اللازمة لتنفيذ برنامج الفضاء الوطني في إطار الخطة العامة والموازنة العامة للدولة، والوقوف على الإمكانيات العلمية والتكنولوجية والبحثية والتصنيعية والبشرية في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء على مستوى الدولة والاستفادة منها، دعم برامج تطوير استخدامات وتطبيقات علوم وتكنولوجيا الفضاء.
 
وتمثلت في وضع خارطة طريق مشروعات الفضاء ودعم تنفيذها، من خلال الأجهزة المعنية بالدولة وبالتنسيق معها، ودعم البحوث والدراسات والبرامج التعليمية في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء وتشجيع الاستفادة من نتائجها، وتمويل الاستثمارات في المؤسسات التي تعمل على تطوير صناعة الفضاء ودعم الأبحاث وبراءات الاختراع في هذا المجال، وتشجيع الاستثمار في مجال صناعة علوم وتكنولوجيا الفضاء وتحفيزه.
 
نصت على دعم تأسيس بنية تحتية لتطوير الأنظمة الفضائية وتصنيعها، وتنظيم الجهود وتجميع الخبرات العاملة في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء وتكاملها، وتطوير العلاقات الدولية الاستراتيجية في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء، وتمثيل الدولة على المستوى الإقليمي والدولي فيما يتعلق بكافة أنشطة واختصاصات الوكالة، بجانب إبداء الرأي في مشروعات القوانين ذات الصلة بمجال عمل الوكالة.
 
من ضمن الأهداف المشاركة في إعداد برامج التأهيل والتدريب في المدارس والجامعات في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية بالدولة، ومراجعة خطط تأهيل مصانع القطاع الحكومي وغيرها ذات الصلة بعمل الوكالة لاعتمادها لتصنيع معدات الفضاء ومتابعتها، ومتابعة اعتماد وتنفيذ المواصفات القياسية في مجال تصنيع المعدات الفضائية ذات الصلة بعمل الوكالة، وتنسيق واستخدام وإدارة بيانات الأقمار الصناعية والبنية التحتية ذات الصلة بعمل الوكالة.

توطين تكنولوجيا الفضاء
 
وتسعى الدولة ليس فقط لاقتحام الفضاء ولكن لتوطين الصناعة بخبرات وطنية، إذ تؤكد وكالة الفضاء المصرية، أنها تعد لإطلاق سلسلة أقمار الاستشعار تبدأ بالقمر الصناعي ناشونال "أكسبيرمينتال سات"، وهو القمر الأول الذي تعكف الوكالة ببنائه حاليا بنسبة تصنيع محلي حوالي 45%.
 
وتشمل الأعمال بناء برمجيات القمر، ومعدات الاختبار، والتجميع بمعامل الوكالة، وتدبير مكونات الأنظمة الفرعية ومنها أنظمة الاتصالات ونظام القدرة الكهربائية، ونظام التحكم في وجهة القمر، بواسطة شركة ألمانية.
 
ويعد القمر الأول من سلسلة أقمار تعمل الوكالة على بنائها لتوطين تكنولوجيا الأقمار الصناعية لأغراض الاستشعار من البعد ونقل الخبرات، وتبلغ نسبة التصنيع المحلي في القمر الثاني للسلسلة 60% وفي القمر الثالث ترتفع لتصل إلى 80%.
 
وعملت الحكومة المصرية على إطلاق شراكات استراتيجية في مجال غزو الفضاء مع دول مؤثرة وذات ريادة، منها شركة Space X العالمية حيث أطلق القمر المصري NARSSCube-2من قاعدة بولاية فلوريدا الأمريكية، بهدف تعزيز قدرات البرنامج الفضائي الوطني.
 
وفي 2019 أطلق القمر الصناعى المصري "EgyptSat-A"، كأول قمر في العالم يلتقط فيديو بتقنية 4K فائق الوضوح للكرة الأرضية، وهو عبارة عن نظام مكون من 6 كاميرات فيديو، اثنتان منها محمولتان ومتنقلتان، إضافة إلى جهاز كمبيوتر يتحكم فى الكاميرات ويعالج الفيديوهات بقدرات تخزين عالية.
 
والجدير بالذكر أن القمرين الصناعيين يحققان نقلة نوعية في برنامج الفضاء المصري، حيث تم تصميمهما وتنفيذهما بالكامل دون الاستعانة بأية خبرات أجنبية، فضلا عن دورهما في تطوير تكنولوجيا صناعة الفضاء المحلية.
 
وتمتد أوجه التعاون مع اليابان في مجال الفضاء و الأقمار الصناعية، بإيفاد مبعوثين مصريين لدراسة تكنولوجيا وعلوم الفضاء بالجامعات اليابانية، كما تقدم طوكيو خبراتها بالمجال ومساعدة مصر في تطوير منظومة الفضاء، وفي إطار الشراكة أبرم اتفاقا بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية وجامعة طوكيو، أما بالنسبة للصين، يجري إنشاء أكبر مركز متطور لتجميع واختبار الأقمار الصناعية من الأحجام الصغيرة المكعبة “الكيوب” 1 كجم إلى المتوسطة الحجم 700 كجم.
 
وأنتجت وكالة الفضاء المصرية أسم أول مسلسل كرتوني يستهدف الأطفال، لبناء وعي لدى الطفل المصري بمعنى الأقمار الصناعية واستخداماتها وفائدتها، وكان من المفترض إطلاق أول مسابقة لمشروع القمر الصناعي المدرسي، في إبريل 2020، وتتضمن المسابقة تدريب وتمكين الطلاب على عمل الـ”الكان سات”، وهو يشبه زجاجة للمياه الغازية، لكنه جرى الاتفاق مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، نهاية العام المنصرم، للتعاون في إطلاق الأقمار الصناعية التعليمية، وبرنامج Nasa Kids لتعليم الأطفال، والاتفاق مع وكالة الفضاء الفرنسية في مجال الطب الفضائي، والعلاج عن بُعد.
 
ولم تكن فئة الأطفال هي الفئة الوحيدة المستهدفة، بل الجامعيين أيضًا، فتستهدف الوكالة نشر ثقافة تكنولوجيا الفضاء على مستوى المواطن العادي والتلميذ في المدرسة والطالب في المدرسة الثانوية، كما أن مشروع “قمر الجامعات” يستهدف إدخال تكنولوجيا الفضاء إلى جامعات مصر، عن طريق إنشاء مراكز تكنولوجية فضائية وستكون عبارة عن معدات وأجهزة معملية وإعداد كوادر بشرية قادرة على العمل والتطور في مجال تكنولوجيا الفضاء.

برنامج الفضاء المصري
 
كان 1998 بداية الطريق، حيث بدأت مصر الدخول بتكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية والتعاون مع دول صديقة مثل أوكرانيا وكازاخستان وروسيا، والتى تقبل تدريب الكوادر المصرية الشابة بهذا المجال، ففي 28 أبريل 1998 تم أطلاق أول قمر صناعى مصرى نايل سات 101 لتصبح مصر الدولة رقم 60 في دخول مجال الفضاء، وأنشىء مجلس بحوث الفضاء داخل أكاديمية البحث العلمي في 16 مايو 1998   بقرار من وزارة التعليم العالي والدولة للبحث العلمي .
 
وأطلق بعدها قمر صناعي مصري ثان مخصص لأغراض الاتصالات "نايل سات 102" على الصاروخ أريان 4 من قاعدة جويانا الفرنسية ، في 17 أغسطس 2000، وبدأ تشغيله رسميا في 12 سبتمبر 2000، وتم تصنيعه بواسطة شركة بريطانية – فرنسية مشتركة، وفى 2004 ، تم اطلاق "نايل سات 103" وهو قمر صناعي مصري لأغراض الاتصالات.
 
أما العام 2007 فقد كان أكثر خصوصية حيث  تم تصنيع قمر  “إيجبت سات-1” وهو يمثل أول قمر صناعي مصري للإستشعار عن بعد، بالتعاون بين الهيئة القومية للإستشعار عن بعد وعلوم الفضاء في مصر وأوكرانيا، وقد تم إطلاقه من على متن صاروخ دنيبر-1 من قاعدة باكينور لإطلاق الصواريخ بكازاخستان .
 
وفي 2015 قامت مصر بالإعلان عن العمل في القمر الصناعي المصري «مصر سات 2» بالتعاون مع الصين ، والذي يتميز بأنه تصميم وتجميع مصري بنسبة 100% ومن المقرر أن يكون عمره الزمني في الفضاء 10 سنوات.
 
وكان آخر تطور ما تم الكشف عنه من إطلاق أول قمر صناعي تجريبي مصري 100%، في أوائل عام 2017، وذلك في إطار برنامج الأقمار التجريبية لخدمة أغراض البحث العلمي، والذي انتهي في 2022.
 
ومن المقرر إطلاق من 4 – 5 أقمار صناعية خلال البرنامج، ويعد هذا القمر التجريبي مصنع بالكامل في مصر ووزنه 50 كيلو جراما وعمره الزمني 6 أشهر في الفضاء، وهو مزود بمعدات تكنولوجية حديثة، وتصوير تليسكوبي، وغيرها من التقنيات الحديثة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق