حمدي عبد الرحيم يكتب: الحياة أهم من الثانوية العامة

السبت، 05 أغسطس 2023 07:00 م
حمدي عبد الرحيم يكتب: الحياة أهم من الثانوية العامة

- لماذا لا نقول لأولادنا: أنتم موهوبون والماهر منكم هو الذي يتعرف على مجال موهبته يصقل تلك الموهبة لينفع نفسه وأسرته ووطنه
 
لنعترف بأننا نعاني من مرض عضال اسمه" الثانوية العامة"، وهذا المرض ليس وليد اليوم أو الأمس أو العشر سنوات الماضية أو العشرين سنة الماضية، إنه مرض قديم شرس، يلتهم كل علاج ثم لا نجد الشفاء أو حتى بشرى بالشفاء.
 
ذلك المرض يصيب للأسف أولادنا المساكين فهم الذين يخوضون التجربة بكل قسوتها، وهم في سن الخطورة، سن المراهقة، حيث يؤمن المراهق بأنه يستطيع خرق الأرض ومناطحة الجبال، وبعد الأولاد يأتي دور الأسرة، الأب والأم والأخ والأخت، بل دور العائلة، البلد كلها تقف على أصابع قدميها أثناء الثانوية وبعدها!
 
إن الاحتفالات العصبية وبعضها يصل إلى درجة الهستيريا التي يقومون بها أولادنا وبناتنا في يوم انتهاء الامتحانات، لهي خير دليل على قسوة الضغوط التي يتعرض لها أولادنا وبناتنا.
 
إنهم يفرحون بجنون، لأن الامتحانات قد انتهت، ولأنهم سيغادرون الثانوية ولو إلى الجحيم!
 
الدولة تبذل أقصى ما لديها من جهد لتقول لأولادنا كلمة واحدة: "الحياة ليست الثانوية العامة".
 
ولكن ما تبنيه الدولة نهارًا يهدمه المجتمع ليلًا، قصة الثانوية العامة ومحنتها هي قصة المجتمع لا الدولة، والذي سيشفينا من ذلك المرض هو المجتمع.
 
انظر إلى الضغط الذي تضعه الأسرة على عاتق المراهق أو المراهقة، انظر إلى التوبيخ والتعنيف بل العقاب الذي ينزل على ظهر المراهق والمراهقة إن لم يحقق العلامات التي تتمناها الأسرة، ما يحدث في معظم البيوت هو شيء أقرب للجنون وليس للمحبة والحرص على مستقبل الأولاد والبنات.
 
على كل أسرة أن تقول لولدها: إن الحياة أعظم وأوسع وأرحب من الثانوية العامة، وإن الحياة تبدأ من الثانوية العامة وقد تبدأ وتزدهر بدون الثانوية العامة التي هي ليست كل المراد من رب العباد، الثانوية ما هي إلا خطوة في رحلة الألف ميل وما هي إلا قطرة من محيط هادر ومن بحر زاخر، وأن الذي سيضيع هو الذي سيجعلها كل حياته ومنتهى أمله.
 
لماذا لا نقول لأولادنا: أنتم موهوبون، والماهر منكم هو الذي يتعرف على مجال موهبته يصقل تلك الموهبة لينفع نفسه وأسرته ووطنه؟
 
لماذا لا نربيهم على التفكير المستقل الحر؟
 
لماذا نريدهم جميعًا أطباء ومهندسين؟
 
إن المجتمع الذي لا يحترم ويفتخر بالحرفي الماهر هو ذلك المجتمع الذي يهدم حضارته بيديه، الأمم تبنيها الأيدي العاملة الموهوبة الماهرة، لماذا نحطم أولادنا على صخرة الثانوية التي هي موسم من مواسم وسنة من السنوات وعام من الأعوام، ثم في الأرض متسع للجميع؟
 
لقد قرأت بمناسبة الثانوية مقالًا للكاتبة الأستاذة داليا الجندي يستحق أن يكون قانونًا للأسرة المصرية.
 
قالت الأستاذة داليا: "لم أختلط طويلًا بجدتي زينب (والدة أبي) ربما لأنها كانت تعيش بالمنصورة بمنأى عن عاصمتي.. لكن لطالما استمتعت بالنادر من الروايات التي وصلتني عنها سيما ما قيل لي من تذمر أعمامي صغارًا من موقفها المؤازر للراسب من أبنائها، إذ كانت تراه الأحق بالدعم والمساندة من الناجح الذي يكفيه أن طريقه كان ممهدًا بلا عثرات أو أشواك، عدا تفاخر الأهل وتصفيق المعارف له، إضافة لحلو مذاق النجاح الذي يهديه ثقٍة في نفسه منزوعة من كيان الراسبين.
 
فشريعة جدتي كانت دعم الراسب لتضميد جراحه وإعادة بنيان الثقة لنفسه لتأكيد أحقيته في الاحترام والتقدير خشية أن ينقر سوس التحقير في شخصيته.. ومن ثم فكانت تمد يد العزاء وساعد المواساة لمن تدفق الدمع من مقلتيه.
 
كانت جدتي لا تترك راسبها إلا وقد وعى أن الإخفاق هو أحد مكونات كعكة النجاح، ثم أنها كانت تصر على حقنه بمواد إيمانية ودفعة أحاسيس متعاقبة نحتت وجدان سائر أبنائها تدريجيًا، ففهموا أن من الطبيعي أن يسقط المرء ليعاود الصعود كما كان لديها بذور ثقة أصيلة أجادت زرعها في شتلات بستانها، فأثمر أبناًء واثقين بجدارتهم في حياة لائقة".
 
تلك الجدة البسيطة عرفت ما لم يعرفه الحاصلون على أعلى الدرجات العلمية من آباء وأمهات زماننا.
 
إذا شعر الولد بحقارة شأنه وبهوانه على أبيه وأمه فلن ينجح أبدًا ولن يتحقق أبدًا وسيكون الفشل رفيق دربه، الأسرة التي تحطم نفسية أولادها تحطم حاضر مستقبل الوطن كله، فأولادنا شاء من شاء وأبى من أبى هم قادة المستقبل، فعلينا الآن وليس غدًا إصلاح ما أفسدته محنة الثانوية، فصدق أو لا تصدق: الحياة أهم من الثانوية العامة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق