صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. جدار البطولات المصرية فى أكتوبر بارتفاع السماء.. وحكايات الأبطال نجوم لامعة ونياشين.. و"الشهيد الحى" يفخر بتكريمه من 4 رؤساء

الخميس، 05 أكتوبر 2023 08:00 م
صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. جدار البطولات المصرية فى أكتوبر بارتفاع السماء.. وحكايات الأبطال نجوم لامعة ونياشين.. و"الشهيد الحى" يفخر بتكريمه من 4 رؤساء

لم يكن صمت المصريين بعد 1967 نوما قانعا على سرير الهزيمة، إنما كان جمرا تحت الرماد ونارا تتأجج فى الضلوع.. ست سنوات حملها المصريون كما يحمل ذوو الكبرياء وجيعتهم بثبات وحزن شفيف، وكانوا يتحرقون شوقا فى كل صباح إلى الثأر واسترداد الضائع منهم، الأرض المسلوبة والكرامة التى سُلبت غدرا على حين غرة، وفى ذلك كانوا يُربون الغيظ فى الصدور ويتعهدون الأمل الغض بالرى والرعاية، ولم يفقد واحد منهم إيمانه بالعودة الوشيكة، وجاهزيته الكاملة لسداد كُلفتها ولو بالدم. لم تخل سنين الاحتلال من بطولات فى حرب الاستنزاف، وفى الإعداد الشاق تدريبا وتسليحا ووضعا للخطط ومقترحات العبور؛ لكن ذلك لم يكن كافيا لآلاف الجنود الذين لا يرضيهم سوى قفز الصعاب نحو الأرض المبتورة عن الوطن، وملايين المصريين لم يُعاينوا مشاهد العمل ودماء الفدائيين وانتصاراتهم حتى يقنعوا بما يتحقق، وليس من غاية إلا أن تلتئم سيناء بجسم مصر، كان فى ذلك ضغط على القيادة، وعلى القدرات الزهيدة، وعلى صغار السن كبار الهمة ممن انخرطوا فى الجندية وطال بقاؤهم، وبفضل الضغط والطموح والأمل وحريقة الكبرياء الوالعة كانت الحرب.
 
ملحمة وطنية تتقزم الكلمات حالما تتصدى لوصفها، آلاف على الجبهة وملايين خلفها، ودم ودموع ودعاء وسبحة أرواح تكر حبة بعد حبة. صدر الأمر وافترست طائراتنا السماء وفتحت المدفعية جحيما على العدو ثم عبر عشرات آلاف المقاتلين، وأخيرا تتصل شرايين مصر بخلايا سيناء، وتشق الأرض غيمة كثيفة نحو التحرر، فى تلك المحطة سقط شهداء، وعاد مصابون، وظلت الأغلبية على رؤوس المواجهة، وتبدل أهل البلد بين بهجة ورجاء وخوف، لكنهم كانوا جميعا أبطالا حقيقيين فى يوم مشهود من أيام الوطن، وجميعهم، رجالا ونساء وشبابا وشيوخا، صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه.

الإسماعيلية.. 
​«الشهيد الحى» يفخر بتكريمه من 4 رؤساء
 
خطوة كانت تفصله عن الموت، وسنوات طويلة عاشها ممتنًا للقدر وهداياه، التى جعلته شريكا فى نصر أكتوبر العظيم، ونموذجا للبطولة والتضحية، وأسعدته بالتكريم من 4 رؤساء للجمهورية آخرهم الرئيس السيسى.
 
المقاتل البطل عبدالجواد سويلم، مواليد 1947 بالإسماعيلية لأب يعمل فى قوات السواحل التى أصبحت لاحقا «حرس الحدود»، له 8 أبناء ويحمل 3 أنواط شجاعة، كان الأول من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى سماه «الشهيد الحى»، واثنان من السادات، وكُرم خلال حفل اليوبيل الفضى للنصر 1998، كما كرمه السيسى فى مؤتمر الشباب بالإسماعيلية. 
 
تفتحت عيناه على عساكر الإنجليز يجوبون مدن القناة، وصُدم وهو طفل عام 1951 بمقتل جاره الشيخ محمد أبو بركات برصاص ضابط إنجليزى، فنبت الثأر فى صدره مبكرا، ويتذكر: «ظلت الحادثة تؤرقنى كثيرًا، وعندما وصلت لسن التجنيد التحقت بالحرس الجمهورى، وكان لى أخ غير شقيق بالقوات المسلحة شكيت له أننى لا أريده، وأتمنى الالتحاق بالصاعقة، وبالفعل تحققت أمنيتى، فقد كنت أجهز نفسى للشهادة فى سبيل الوطن».
 
اشترك فى حرب الاستنزاف، وفى 18 عملية عبور خلف خطوط العدو، ودمّر 16 دبابة و11 مدرعة و2 بلدوزر و2 عربة جيب وأتوبيس، وشارك مع زملائه فى تدمير 6 طائرات إسرائيلية خلال هجومها على مطار المليز، متابعا: «أُصبت بصاروخ إسرائيلى تسبب فى بتر ساقىّ وساعدى الأيمن وفقدان عينى اليمنى وجرح غائر بالظهر، وحملنى الزملاء لمستشفى جنوب بورسعيد بعد دفن أطرافى، ثم انتقلت بطائرة عسكرية لمستشفى القوات المسلحة فى غيبوبة تامة، وبعد أيام زارنى الرئيس عبدالناصر وسألنى عمّا أحتاجه فقلت أريد العودة للميدان، فنظر للفريق محمد فوزى وزير الدفاع وقتها، وكاد يبكى قائلا: ما دامت هذه الروح موجودة سننتصر يا فوزى، ثم أطلق علىّ لقب الشهيد الحى».

الإسماعيلية .. بطلة تحت قصف العدو
 
قصة بطولة نادرة، صحيح أنها لم تكن ضمن جنود العبور، ولم تحمل سلاحا أو تتلقى القذائف، إلا أنها فضلت أن تكون بجانب الأبطال على الجبهة، عن أن تعمل بعيدا وسط الهدوء والاستقرار، إنها الصول فايقة حنيدق أشهر مسعفات وممرضات الحرب.
 
تطوعت «فايقة» فى القوات المسلحة، وقضت 12 عاما بالخدمة، وُلدت بالإسماعيلية وهى ابنة البطل الشهيد حنيدق على، الذى استُشهد فى انفجار لغم بسيناء، كانت فى الإعدادية وقت نكسة يونيو، وهاجرت مع أسرتها للزقازيق بمحافظة الشرقية، ثم التحقت بمدرسة التمريض التابعة لوزارة الصحة وقضت سنتها الأولى فى القصاصين، ثم تخرجت فى مدرسة السيد جلال بباب الشعرية، وبعدها حققت حلمها فى العمل بالإسماعيلية، وعندما طلبت القوات المسلحة ممرضات للمستشفى العسكرى تقدمت والتحقت بالعمل يناير 1973 بمستشفى التل الكبير، وكانت تقضى النهار بالمستشفى والليل بالقطار الحربى المخصص لنقل المصابين جراء غارات العدو المتكررة.
 
وتتذكر أيامها فى علاج المصابين، فتقول: «كانت فترة عصيبة، كنا نرى رجالنا البواسل الأشداء الأقوياء بإصابات بالغة وجروح متعددة، ومنهم من فقد قدما أو ذراعا أو عينا، لكنهم يتحلون بأعلى درجات الإيمان وبروح معنوية لم تهتز، وكنا نستقل القطار الحربى المعد لنقل الجرحى، وهو عبارة عن عربات بأسرّة متعددة الطوابق وغرفة مجهزة تجهيزا بسيطا لغرض العمليات السريعة كتجبيس الكسور وتضميد الجروح حتى نصل المستشفى».
 
وعن أكثر الحالات التى تأثرت بها، تحكى: «شاب أذكره جيدا وصورته لا تفارق مخيلتى، كان يستعد لزفافه ويداعبنا بقوله كلها أسبوع وآخد الإجازة وأتجوز، وفجأة وجدته بين المصابين فاقدا إحدى ساقيه ومصابا فى العين»، وتتذكر بفخر تكريمها من الرئيس السادات وقيادات عديدة فى كثير من المناسبات، معتبرة تلك الفترة أعظم فترات حياتها ومصدر فخرها الدائم والإرث الطاهر الذى تتركه للأبناء والأحفاد.

الإسكندرية.. جحيم الهابطين من السماء
 
لم يتخلف سلاح أو مقاتل عن صياغة أسطورة 6 أكتوبر، وكان فى القلب من ذلك أبطال سلاح المظلات، الذين فتحوا على العدو جحيما هابطا من السماء، يختزن سنوات المرارة والرغبة المقدسة فى الثأر واستعادة الأرض والكرامة.
 
يقول الرقيب مقاتل محمد جاد زكى، من سلاح المظلات، إنه التحق بالجيش مجندا عام 1971، وتحقق حلمه فى أن يكون مظليا، ثم حصل على فرقة القوات الخاصة وفرقة الصاعقة الأولية، وكان تمركزه الرئيسى فى أنشاص، ومع اندلاع الحرب تحركوا إلى النفيشة ثم الدفرسوار وجبل مريم، مشيرا إلى أن التكليفات الموجهة لهم تضمنت تطهير 10 مصاطب تمثل مركز قوة للعدو لاحتوائها على مخازن أسلحة ومتفجرات ضخمة، وقد أنجزوا المهمة بالكامل بنجاح ساحق.
 
ويضيف أن وحدات المظلات لعبت دورا مهما فى صد الهجمات المعادية بعد العبور وحتى 18 أكتوبر، مختتما حديثه برسالة إلى شعب مصر مع الذكرى الخمسين لانتصار أكتوبر: «مصر غالية علينا كلنا، واحنا قمنا بدورنا ورجعنا الأرض وحافظنا على سيناء، ودور كل مواطن يحافظ على مصر ويصون ذكرى الشهداء وتضحياتهم، لأن ما فيش أغلى من الوطن، وما عندناش غير مصر».

الإسكندرية..
ترك عروسه فى الكوشة لحضور «زفة سيناء»

 
غادر حفل زفافه تاركا العروس فى الكوشة، لأنه كان على موعد مع الزفاف المهيب لأرض سيناء، عابرا مع آلاف من رفاقه من أجل الثأر واستعادة الأرض، إنه العريف مقاتل أحمد عيسى، ابن الإسكندرية وأحد أبطال سلاح الصاعقة.
 
التحق بالجيش مجندا عام 1967 وظل حتى تحرير سيناء، وكان مقره فى الجيش الثانى «قطاع بورسعيد وبورفؤاد» على بُعد 200 متر من العدو، وكانوا ينفذون عمليات ضد الإسرائيليين خلال حرب الاستنزاف، ويستعيد البطل ذكرياته: «يوم الجمعة قبل الحرب مباشرة كان الإمام يخطب عن الشهادة، والكتيبة تنفذ دورية عادية، ولا بشائر لاندلاع الحرب، لكن ظهيرة السبت تجمعت السرية الأولى وتلقوا تعليمات بعمل كمين داخل سيناء على بعد 35 كيلومترا لصد تقدم وامتداد العدو وتعطيله عن التقدم لضفة القناة، وقد تصدوا لمجموعة فى عربتين نصف جنزير ودمروا واحدة وهربت الثانية».
 
ويحكى أنه فى ثالث أيام العبور جرى تكليفهم بعمل كمين أمام الفرقة 16، وعندها شاهد جاسوسا بجهاز الرؤية الليلية، عاد وأمسك به وسلمه للمخابرات، وفى 15 أكتوبر صدرت أوامر للسرية الأولى بالتفتيش عن العدو، لأن هناك أنباء عن تسلل عدد منهم للإسماعيلية، وأعدّوا كمينا واشتبكوا مع العدو فى معركة يشهد لها التاريخ العسكرى، وذكرها شارون فى مذكراته.
 
وعن الأحداث التى لا ينساها، يروى أنه يوم زفافه بالإسكندرية، وكان فى إجازة لمدة 6 أيام فقط، كان ينتظر بعض زملائه من الكتيبة، وحضر أحد الأفراد خلال وجوده فى الكوشة بالعطارين وسط المدينة، وأبلغه بالاستدعاء فورا، فاستجاب وغادر الزفاف ولم يعد لعروسه إلا بعد 45 يوما، وكان يشعر بأنه فى فرحة لا تقل عن فرحة زواجه.

الإسماعيلية..
أسد المهندسين و«قاهر بارليف»

 
حمل لواء البطولة والفخر بالمشاركة فى الحرب، ومعه نيشان لا يقل قيمة بشهادة الرئيس السادات، الذى سمّاه «قاهر خط بارليف»، على ما يروى أسد سلاح المهندسين المقاتل البطل إسماعيل بيومى ابن الإسماعيلية.
 
شارك «بيومى» فى فتح ثغرات الساتر الترابى، ويقول إن تنفيذ فكرة البطل باقى زكى بإزالة الساتر بمضخات المياه لم تتجاوز 3 ساعات، وانهار السد وفُتح الطريق للجنود والمعدات، متابعا: «شاركت فى المقاومة الشعبية وأنا ابن 19 سنة، والتحقت بالجيش أوائل العام 1969 فى سلاح المهندسين، وتدربت فى كتائب المياه وعملت أولا فى المنطقة المركزية بعيدا عن الجبهة، وبعد تدريب 4 سنوات عدنا للجبهة، ويوم 6 أكتوبر جاءت أوامر الاستعداد لمشروع حرب على ضفة القناة ولم نكن نعرف أنها لحظة الصفر».
 
وأضاف أنه أُصيب فى وجهه وأجزاء من جسمه يوم 7 أكتوبر ولم يترك الميدان، وواصل العمل واستُشهد اثنان من زملائه بجواره لكنه صمم ورفض التحويل للكتيبة الطبية، وكان مكلفا بحماية المواقع الخاصة للتصدى للقوات المتجهة إلى الدفرسوار، فاشتبكوا معهم يوم 23 أكتوبر بالجنانين على مدخل السويس، وأُصيب بشظايا صاروخ فى ذراعه اليمنى لكنه واصل القتال 3 ساعات وهو ينزف.
 
ويتذكر أنه تلقى العلاج لمدة عام فى مستشفى ألماظة العسكرى، وزارته السيدة جيهان السادات وعدد من زوجات السفراء والرؤساء، ثم سافر إلى يوغوسلافيا لاستكمال العلاج، وهناك زاره الرئيس السادات وسمّاه «قاهر خط بارليف»، كما كرمه بنوط الشجاعة من الدرجة الثانية ودرع الجيش الثانى الميدانى ودرع الجيش الثالث الميدانى، وكرمه الجيش الثالث فى مارس 2016.

الشرقية.. 
رفع العلم.. زرع الأمل

 
«رفع العلم، زرع الأمل، وبقيت أنا أم البطل» هكذا كان شعور والدة المقاتل محمد العباسى، أول من رفع علم مصر على أرض سيناء، وصاحب الصورة الأشهر للعبور، الذى رحل عن عالمنا قبل 4 سنوات عن عُمر 72 عاما.
 
تتذكر أسرته حكايات الأب المقاتل، فيقول نجله الأوسط نصر العباسى إن والده التحق بالجيش عام 1967، وشارك فى حرب الاستنزاف، ثم كان أول المتقدمين على الساتر الترابى ليزرع العلم على أول نقطة مُحررة، متابعا: «حتى وفاته كان يجمع الأبناء والأحفاد ويسرد ذكريات الحرب وبطولات زملائه من الضباط والجنود، وكان حافظا للقرآن ويلبى أى دعوة لندوة جماهيرية بالمدارس والجامعات، فقد كان يشعر أن من واجبه الدائم الحديث عن بطولات القوات المسلحة ورجالها فى معركة الكرامة والشرف».
 
ويحكى أن أغنية الفنانة شريفة فاضل «أم البطل» لها ذكرى خاصة مع العائلة، فقد كان يسمع جدته ترددها بحماسة وفخر، وتستقبل ضيوفها دائما بقولها «أنا أم البطل»، ويتذكر أن يوم وفاته فى يوليو 2019 كان يوما مهيبا، واحتشد الآلاف فى جنازته وحملوا النعش وطافوا به فى الشوارع كما لو كانوا يردون جميل واحد من أبطال التحرير.
 
ويقول عبدالرحمن العباسى، 14 سنة وأصغر أبناء المقاتل الراحل، إنه يطلع صوره فى التليفزيون والأفلام التسجيلية ويستشعر الفخر والتقدير لبطولة والده ورفاقه فى القوات المسلحة الباسلة، بينما تحكى الابنة الكبرى آمال: «لقبى بين الناس آمال البطل، تقديرا لسيرة والدى وبطولته فى حرب أكتوبر»، أما ابن شقيقه أحمد العباسى فيستعيد بقدر من الحنين والاعتزاز عندما كان يجلس إلى عمّه مستمعا لتفاصيل رحلة الكفاح والمعاناة حتى استعادة سيناء، وكيف كان يكشف لهم عن مكان إصابته بشظية فى القدم، وجولاته معه فى الندوات ولقاءات التكريم وكيف كان يستشعر حجم تقدير مدينة القرين ومحافظة الشرقية بكاملها للعم والعائلة بفضل عظمة أكتوبر وإيمان المصريين برجالها.

 المنوفية..
كتف بكتف مع المشير طنطاوى

 
حارب إلى جوار المشير طنطاوى، وكان وقتها برتبة مقدم، ولا يزال يتذكر بفخر تلك المرحلة المهمة من حرب أكتوبر، وملحمة المزرعة الصينية، والشرف الوطنى الذى حققه مع رفاقه بالثأر للشهداء واستعادة سيناء.
 
يقول البطل حسن الصعيدى، ابن المنوفية، إنه التحق بالجيش مجندا فى أغسطس 1970 بسلاح المشاة، ثم أُلحق على سلاح الإشارة، ونُقل للجبهة أوائل 1971 تحت قيادة المقدم طنطاوى، متابعا: «وقت العبور كنت مسؤولا عن قسم الأعطال بالتليفونات، وكنا وسط الثغرة يوم 17 أكتوبر، وعملنا على قدم وساق لصد هجوم شرس من العدو، وقد استشهد اثنان من زملائى خلال معاونتى لتوصيل خط الاتصالات بعد انقطاعه، وسرت 17 كيلو مترا على قدمى حتى عدت للضفة الغربية».
ويروى بفخر أن زملاءه قدموا ملحمة وطنية مشرفة فى مواجهة العدو، وصمدوا صمود الأبطال وكبدوا الإسرائيليين خسائر فادحة. ويستعيد ذكريات جنديته بفخر عميق: «قضيت 5 سنوات فى سلاح الإشارة، وفخور بأننى شاركت فى العبور والنصر واستعادة الأرض، وأشكر الرئيس السيسى لأنه يحافظ على ميراث الأبطال بتنمية سيناء وربطها بالوطن وتحقيق طفرة عمرانية وزراعية مهمة فى أرض الفيروز».

المنوفية.. 4 أشقاء على جبهة الحرب
 
كانوا أربعة أشقاء بين الأسلحة المتنوعة، استشهد الأكبر وعاد ثلاثة آخرين بالنصر. المقاتل البطل إبراهيم عبده العجمى يتذكر الحرب فى يوبيلها الذهبى بفخر واضح، وإيمان بكل يوم من خمسة أعوام قضاها بالقوات المسلحة.
 
كان مجندا فى حرس الحدود، ويتذكر رحلته العسكرية قائلا: «دخلت الجيش عام 1970 وقضيت 5 سنوات على القناة، وشاركت فى الحرب وكان تسليحى رشاش 1000 طلقة».
 
وأضاف أن لحظة الصفر جاءت على شوق كبير من آلاف الجنود، واستعداد أكبر، توّجه العبور واستعادة الأرض رغم ضخامة التضحيات، مستطردا: «كنت أتمنى الشهادة، وكان الصيام وهتافات الله أكبر حافزا مع رغبتنا فى الثأر وأن نسترد الأرض والكرامة».
 
ويتحدث بصوت يملؤه الفخر عن أنهم كانوا 4 أشقاء بالجيش فى توقيت واحد، تكللنا دعوات والدينا، لكن قدر الله كان قريبا من شقيقى الأكبر فكُتبت له الشهادة. مردفا: «استُشهد شقيقى ولم أكن رأيته لأكثر من ثلاثة أشهر، لكن فرحة النصر خففت من ألم الفراق».
 
وأكد أن خطوات العمل من أجل النصر كانت مُحكمة ومُتكاملة، بفضل القيادة الحكيمة والاستعداد الجيد، مختتما حديثه برسالة لشباب مصر: «حافظوا على أوطانكم ولا تدمروا ما صنعه أجدادكم بدمائهم».

الغربية.. 
بطل على ممر الطائرات 

 
مرت السنوات ولم ينس العميد فودة ذكرياته فى أكتوبر، وما أنجزه ورفاقه من مهام قادت إلى النصر الكبير. يعيش اليوم فى قرية سنباط التابعة لمركز زفتى بالغربية، وعمره 77 سنة، لكن ذاكرته خضراء بفعل الفخر ومشاعر الشرف التى خلقتها الحرب فى نفوس رجالها.
 
تخرج فى المعهد الفنى للقوات المسلحة 1968، والتحق بالقوات الجوية وكان بين أوائل الدفعة الذين أُلحقوا بورش الصيانة، ومهمته العمل على تجهيز وصيانة كل أنواع الطائرات الحربية. ويتحدث عن ذلك قائلا: «نجحنا فى تعديل تسليح وقذف الطائرات بمساعدة خبراء مصريين، وعملنا مع رفاقنا من كل الأسلحة من أجل الاستعداد الكامل بكل ما نملك من جهد وخبرة وإخلاص واستعداد للشهادة فى سبيل الوطن».
 
وأضاف أنه قبل حرب أكتوبر بفترة قصيرة تم تشكيل 3 مجموعات من كل التخصصات، وتوزيعها على أكثر من موقع، وقبل المعركة بيوم واحد جاءت الأوامر بتجهيز مواقع الطائرات، فانتقلنا للأقصر ثم الغردقة وبقية المواقع حتى الواحدة ظهر 6 أكتوبر، ثم بدأت الطائرات فى الإقلاع وتنفيذ المهام فى عمق سيناء.
 
وأشار إلى أن الطائرات كانت تنفذ طلعاتها وتعود، فيُعاد تجهيزها خلال 7 دقائق فقط، مستطردا: «تلقينا أوامر باستقبال هليكوبتر وإنقاذ أحد الطيارين بعدما تعرض لقذيفة، ونجحنا فى نقله ثم نقلنا مجموعات من القوات خلف خطوط العدو، لمحاصرته والتعامل معه».
 
ووجه رسالة للشعب قائلا: «إلى أبنائى وأبناء الوطن ورجال مصر الأعزاء الشرفاء، تحية طيبة من أحد أبطال أكتوبر ومن نالوا شرف المشاركة فيها، أوصيكم بحب مصر والحفاظ عليه وعلى القيم والأخلاق».

الغربية..
سقوط الغطرسة بـ«مضخة مياه»

 
قضى الإسرائيليون سنوات يتغزلون فى خط بارليف، ويتحصنون وراء الساتر الترابى، وفى لحظات فتح المصريون ثغرات عريضة ليعبروا ويُدمروا الحصن الذى ظنه العدو منيعا، ويُسطّروا أول مشاهد إسقاط الغطرسة بمضخة مياه.
 
فى قرية الرجدية بطنطا يعيش محمد عبدالله إسماعيل، أحد أبطال سلاح المهندسين، وقد شارك ضمن المجموعة المكلفة بفتح ثغرات فى الساتر الترابى. يتذكر أنه التحق بالجيش مجندا فى سبتمبر 1971، وانتقل بعد أسبوعين للقناطر الخيرية للتدريب على محاكاة خط بارليف، وجرى تجهيز ساتر ترابى عالٍ على الضفة الشرقية للنيل، وتدربوا انطلاقا من الضفة الغربية، وكان بين فريق ماكينات المياه.
 
وأوضح أن التدريب استمر طوال 1972 وحتى سبتمبر 1973، وكان يجرى على فترات متقطعة من اليوم، بحيث يختبر المقاتلون كل الأوقات والظروف تحسبا لمفاجآت الحرب، متابعا: «قبل انتهاء التدريب تسلمنا ماكينات مياه ماركة دويتس ألمانية الصنع بقوة 205 أحصنة، فتدربنا عليها واستخدمناها لاحقا فى إسقاط الساتر الحقيقى».
 
ويتذكر أنه جاءتهم أوامر بالتجهيز لمشروع حرب، وتحركوا بالماكينات والمعدات أواخر سبتمبر/ 1 رمضان 1973، ووصلوا إلى قناة السويس بعد 8 أيام، وأنزلنا الماكينات والخراطيم فى الملاجئ، ويوم السبت جمعنا القائد قائلا: «يا رجالة، جت اللحظة اللى كنا منتظرينها من سنين علشان نرجع شرفنا»، ثم طلب مراجعة الماكينات والتأكد من الجاهزية، ثم أمر بالتحرك والعبور للضفة الشرقية بالقوارب المطاطية مع إطلاق أول طلقة مدفعية.
 
أنزل أبطال المشاة القوارب وعبروا، ومع النجاح فى فتح الثغرة تعالى هتاف «الله أكبر» ليهز الأرجاء، وتم نصب الكبارى لتعبر الدبابات والمصفحات بالتزامن مع تسلق المقاتلين للساتر بمدافعهم المحمولة وأسلحتهم الخفيفة. وكان «إسماعيل» بين الجنود المكلفين بتدمير الدُشم خلف الساتر، ثم التعامل مع الألغام فى العام 1974. ويتذكر مشاهد الحرب مستشعرا الفخر بأنهم لقنوا العدو درسا قاسيا، وألحقوا به خسائر فادحة واستردوا سيناء الغالية ومعها كرامة ملايين المصريين. 

بنى سويف..
شهيد الدفرسوار يمضى إلى الله فى جنازتين
 
دُفن فى جنازة ملؤها الفخر والاعتزاز، ثم أُعيد دفنه مجددا بعد خمسة أشهر من الشهادة، ليلقى الله فى جنازتين يختمان على مسيرة واحد من الأبطال الذين صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه.
 
الشهيد البطل نقيب احتياط فتحى تهامى، ابن قرية ملاحية سعيد جعفر فى ببا جنوب بنى سويف، الذى أُقيم له سرادق عزاء مهيب فى القرية عقب استشهاده، ثم تجدد العزاء والوداع مع وصول جثمانه لمسقط رأسه، بعد الحصول على تصريح باستخراجه من مقابر الشهداء بالسويس.
 
يقول شقيقه أحمد، إنه حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس بتقدير عام جيد جدا، وكان والدهما يتطلع لأن يُكمل دراسته ويحصل على الدكتوراه، وكان يستعد لذلك بالفعل بالتزامن مع أدائه الخدمة العسكرية، متابعا: «كان يؤدى الخدمة نقيبا احتياطيا فى سلاح المدفعية بالسويس، ثم انتقل إلى سيناء، واستُشهد فى ثغرة الدفرسوار».
 
ويروى شقيق الشهيد تفاصيل الشهور الأخيرة، قائلا: «نزل إجازة وزار الأسرة كلها ثم عاد للجبهة، وتلقينا اتصالا منه قبل الاستشهاد بأربعة أيام، يخبرنا بأنه يستعد لإجازته الجديدة والعودة لهم، إلا أنه استُشهد فى استهداف سيارة يستقلها مع زملائه، وفور ورود النبأ أقامت القرية عزاء حاشدا حضره آلاف الأهالى والقيادات التنفيذية والأمنية والشعبية والمحافظ ومدير الأمن، وذلك بعد دفنه فى مقابر الشهداء بحى الأربعين بالسويس»، ويستكمل الحكاية: «بعد خمسة أشهر نجح والدى فى الحصول على موافقة وزارة الدفاع باستخراج جثمان الشهيد ونقله للقرية، وأُقيمت له جنازة حاشدة وعزاء لا يقل عن سابقه».
 
ويقول الكابتن فوزى تهامى، شقيق الشهيد، إنه كان فى الرابعة لحظة استشهاد شقيقه فتحى، وعندما أدى الخدمة العسكرية عام 1993 روى له بعض قيادات كتيبته عن بطولات الشهيد، متابعا: «هناك فيديو متداول على مواقع التواصل وعرضته بعض القنوات، سجّله التليفزيون المصرى مع الأسرة عقب الاستشهاد، ويظهر فيه والدى وكل أشقائى»، مؤكدا فخره بسيرة الشهيد البطل وأنه يُشاركه الاسم ويحمل سيرته وبطولاته فى قلبه، كما تحملها ذاكرة الوطن الذى لا ينسى شهداءه ولا يتوقف عن تقديرهم والاحتفاء بهم.
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق