مصر عضواً رسميا في «بريكس».. ماذا تجني القاهرة؟
السبت، 06 يناير 2024 10:00 م
التجمع يمثل 30% من حجم الاقتصاد العالمي و43% من سكان العالم وقوة دفع لإحداث التوازن
الانضمام يزيد التبادل التجاري بالعملات المحلية ورفع جودة الصناعة المصرية وزيادة الصادرات بشراكات تجارية واتفاقات تجارة حرة
خبراء: يرفع الميزة التنافسية للمنتجات المحلية ويقلص عجز الميزان التجاري للدول الأعضاء لتخفيف الضغط على طلب الدولار
بشكل رسمي انضمت مصر لمجموعة "بريكس" بداية يناير 2024، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام القاهرة للاستفادة من الفرص المتنوعة ذات العائد الإيجابي على الاقتصاد المصري، في خطوة ينتظرها قطاعات إنتاجية مهمة بالبلاد، لتقليل الطلب على الدولار والمساهمة بتوفير الاحتياجات التصنيعية ومداخلات الإنتاج من الدول الأعضاء.
يجعل دخول مصر إلى "بريكس"، الدولة المصرية تقتحم أحد الملاعب الاقتصادية الجديدة، وسيتيح أن تكون شريك لمجموعة متجانسة في الفكر، وتحقيق مصالح اقتصادية مع العالم الكبير، وبفضل موقعها وتاريخها تحصل على جزء كمبير من المنافع الاقتصادية.
وبجوار مصر تدخل 4 دول جديدة للمجموعة بعد أن وجهت بريكس، أغسطس 2023، الدعوة لها للانضمام لعضويتها وهي والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا.
وتمثل توسعة المجموعة بعد انضمام الدول الخمسة ليصبحوا أعضاءً في بريكس، قوة دفع هائلة للمجموعة التي تسعى لإحداث التوازن على الصعيد الاقتصادي، وتنافس مجموعة السبع.
وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة "بريكس" يمثل 28.3% من الاقتصاد العالمي في 2023، كما دول المجموعة تسيطر على 20% من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، وتمثل 26% من مساحة العالم، و43% من سكان العالم، وتنتج الدول أكثر من ثلث إنتاج الحبوب في العالم، وأنشأت الدول الأعضاء «بنك التنمية الجديد» برأسمال 100 مليار دولار لتمويل مشروعات البنية الأساسية والتنمية المستدامة بها، فضلاً عن اقتصادات السوق الناشئة والدول النامية الأخرى.
مرحلة جديدة
منذ 10 سنوات عملت القيادة المصرية على تخطي فكرة الانتساب لمعسكر بعينه أو دعم تكتل محدد، بسياسة خارجية عصرية، تضمن لمصر التواجد في كل المعسكرات بشكل ندي وليس تابعًا، لتعمل مصر على أساس قطب شريك لكل الأطراف الدولية في تجمعات سياسية واقتصادية، تضمن مصالح مصر وشعبها، دون توريط بالانتساب لمعسكر بعينه كما كان الحال في بعض سنوات الحرب الباردة.
عززت تجربة الإصلاح الاقتصادي المصرية هذا التوجه، بقبول فكرة التعاون المشترك مع مصر على أمل الاستثمار في أسواقها الواعدة وتجربتها الاقتصادية الصاعدة، وبدأت التجربة المصرية تحصل على صفة مراقب في تلك التجمعات الجديدة، أو الحصول على رتبة “ضيف شرف” في إحدى دورات دور الانعقاد السنوي من أجل عرض تجربتها وفرص الاستثمار في الأسواق المصرية.
ورحبت روسيا والصين والهند بفكرة انضمام مصر إلى بنك بريكس، بنك التنمية الجديد، والذي يلعب نفس دور البنك الدولي، في تمويل المشاريع التنموية بقروض ميسرة يمكن لاحقًا أن تتحول لأصول استثمارية، وكان موضع هذا الترحيب الثلاثي هو قدرة الاقتصاد المصري في تحمل تبعات جائحة كورونا وتجاوز عامي 2020 و2021 لتضمنهما أزمة الإغلاق الكبير ثم متحور دلتا ومتحور أوميكرون.
وقدمت القاهرة أوراق اعتمادها رسميًا إلى بريكس في قمة يونيو 2022، وكانت مصر قد سعت منذ 2014 إلى الحصول على عضوية تجمع بريكس الذي بدأ 2009.
وبشكل خاص يفتح انضمام مصر للمجموعة الباب على مصراعيه أمام القاهرة للاستفادة من الفرص المتنوعة ذات العائد الإيجابي على الاقتصاد المصري.
تنوع في الخيارات
تلعب الدول الأعضاء في المجموعة دورًا متزايدًا في التأثير على الاقتصاد العالمي، وبالتالي تشكيل استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب يعد بمثابة مساعدة للاقتصاد المصري، وبالتالي انضمام مصر للتجمع بمثابة تنوع الخيارات أمام القاهرة والتخفيف من تعرضها لأي شكل من أشكال الضغوط الاقتصادية.
وتعمل دول “بريكس” على تشكيل أنظمة دفع بديلة وإنشاء عملة رقمية مشتركة وعملة احتياطية للتجارة العالمية من المحتمل أن تكون مدعومة بالذهب؛ إذ تعمل على التطوير التدريجي لنظام مالي بعيدًا عن الدولار الأمريكي، والتوسع في استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري، وبما يحقق التعاون المربح للجانبين، خاصة وأن مصر تعاني من أزمة دولار نتيجة الفجوة بين الطلب على العملة الصعبة والمعروض منها، وبالتالي سيخفف انخفاض الطلب على الدولار من حدة أزمة النقد الأجنبي ويقلل الفجوة التمويلية في مصر.
ويعزز انضمام مصر للمجموعة قدرة مصر بدعم تنميتها المستدامة ومعالجة قضايا السيولة من خلال عضويتها في بنك التنمية الجديد، خاصة وأن دول المجموعة تتمتع بإجمالي احتياطيات من النقد الأجنبي 4 تريليونات دولار، وبالتالي تستطيع مصر تنويع مصادر تمويلها بإجراءات وشروط ميسرة بوصفه بديلًا اقتصاديًا مهمًا في مواجهة الشروط المشددة لمؤسسات الإقراض الأخرى كالبنك وصندوق النقد الدوليين، وسيعمل البنك على دعم الدول الأعضاء من خلال ترتيب احتياطي الطوارئ، وهو إطار لتوفير سيولة إضافية ومزايا أخرى لدول "بريكس" لمواجهة الأزمات الاقتصادية.
سيؤدي انضمام مصر إلى تعزيز دورها المهم والمؤثر في إفريقيا، من خلال الاتفاقيات التجارية فيما بينها، وستتمكن من الاستفادة من الاتفاقيات التجارية مثل السوق المشتركة للجنوب "ميركوسور"، لتصبح مركزًا يربط أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
ويساعد الأمر في زيادة التبادل التجاري بين مصر والمجموعة، وفي عام 2022، ارتفعت صادرات مصر لدول المجموعة بنسبة 5.3% لتصل إلى 4.9 مليارات دولار مقارنة بـ4.6 مليارات دولار.
زيادة التبادل التجاري والاستثمارات
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن قيمة التبادل التجاري بين الطرفين بلغت 31.2 مليار دولار 2022، بزيادة سنوية 10.5% من 28.30 مليار دولار، وفي المقابل بلغت الواردات المصرية من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا 26.4 مليار دولار العام الماضي، بارتفاع 11.5% من 23.6 مليار دولار في 2021، واحتلت السوق الهندية الوجهة الأولى للسلع المصرية ضمن المجموعة عام 2022 بقيمة 1.9 مليار دولار، تليها الصين بقيمة 1.8 مليار دولار، وروسيا بقيمة 595.1 مليون دولار، وبالتالي ستعزز عضوية مصر في المجموعة من حجم التبادل التجاري بين الطرفين.
وتشير التوقعات لمزيد من الاستثمارات البينية ووضع دول كالهند على سبيل المثال على خريطة الاستثمار المصرية، وبشكل عام بلغت استثمارات دول مجموعة البريكس في مصر 891.2 مليون دولار خلال العام المالي 2021/2022، بزيادة عن العام السابق عليه والتي بلغت فيه 610.9 ملايين دولار، لترتفع بذلك نسبة استثمارات المجموعة في مصر بنحو 45.90%، وجاءت الصين في المركز الأول ضمن المجموعة من حيث حجم الاستثمارات في مصر بـ 369.4 مليون دولار، تليها الهند بـ266.1 مليون دولار، وجنوب أفريقيا بـ220.3 مليون دولار.
وارتفعت قيمة الصادرات المصرية لدول مجموعة بريكس، بنسبة 5.3% خلال العام 2022، لتسجل 4.9 مليار دولار، مقابل 4.6 مليار دولار خلال 2021.
وبحسب البيانات، زادت قيمة الواردات المصرية من دول «بريكس» خلال العام الماضي بنسبة 11.5%، لتسجل 26.4 مليار دولار، مقابل 23.6 مليار دولار في العام السابق، كما ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة إلى 31.2 مليار دولار مقابل 28.3 مليار دولار، بنسبة زيادة 10.5%.
وجاءت الهند على رأس قائمة أعلى دول مجموعة «بريكس» استيراداً من مصر خلال 2022؛ بقيمة 1.9 مليار دولار، ثم الصين في المرتبة الثانية 1.8 مليار دولار، ثم روسيا 595.1 مليون دولار، ثم البرازيل 402.1 مليون دولار، وأخيراً جنوب إفريقيا 118.1 مليون دولار.
وتنتج دول البريكس ثلث إنتاج العالم من الحبوب، وأجرت مصر وروسيا والهند مناقشات في السابق فيما يتعلق بتداول القمح والأرز، إلى جانب سلع استراتيجية أخرى، بالجنيه المصري والروبل والروبية. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، يمكن أن تؤتي هذه المحادثات ثمارها.
ما فائدة "بريكس"؟
يرى الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، أن الفائدة الكبيرة تكمن بالإعلان عن تنسيق بين الدول الخمسة "الصين والهند وجنوب أفريقيا وروسيا والبرازيل"، والدول الجديدة المنضمة، اعتباراً من يناير 2024، مشيراً إلى أن "بريكس"، منظومة عالمية جديدة مختلفة عن المنظومة الموجودة حالياً.
ويوضح أنه تم الاتفاق على أن يكون التنسيق الدول في "بريكس" فعّالاً ومؤثراً، خاصة في مؤسسات المال الدولية، ودول المجموعة تولي اهتماماً كبيراً لمستقبل النظام النقدي العالمي، وهذا الموضوع يختلف عندما يتحدث الناس عن النظام المالي العالمي، حيث يرتبط بمستقبل مؤسسات مالية كبيرة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإفريقي، فضلاً عن مؤسسات القطاع الخاص.
ويؤكد محيى الدين أن وجود مصر في هذا التجمع سيخلق فرصاً جيدة، سواء من خلال التنسيق ككتلة أو مجموعة، كما ستفتح مجالاً جديداً للتعاون، مع زيادة الفرص لفهم المجالات المختلفة للتطوير وتعزيز الاقتصاد والاستثمار في العنصر البشري، وضمان استثمار فعّال بالبنية التحتية، وتعزيز فرص التصدير وغيرها من المبادرات.
استخدام العملات المحلية
وقال إبراهيم المانسترلي مسؤول سابق بوزارة التجارة، إن انضمام مصر لمجموعة بريكس يساهم بشكل كبير في رفع الميزة التنافسية للمنتجات المحلية سواء من حيث الجودة أو السعر، موضحا أنه سيتم زيادة التصدير والاستيراد والتبادل بين دول المجموعة وتقليص عجز الميزان التجاري للدول الأعضاء بما يساهم في تخفيف الضغط على طلب الدولار، كما سيسهم في إنعاش الصناعة المحلية ورفع جودتها وزيادة الطلب عليها في أسواق المجموعة، مشددا على ضرورة دراسة دقيقة لاحتياجات أسواق تلك الدول لتلبية متطلباتها ما يوسع فرص الاستثمار الصناعي في مصر.
وأكد كمال الدسوقي عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، أن انضمام مصر لمجموعة بريكس يعتبر خطوة مهمة لتعزيز نمو الاقتصاد المصري خاصة وأن السوقين الهندي والصيني من الأسواق المهمة للصادرات الصناعية، كما يمكن الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم وأن الخطوة مهمة لتنمية التبادل التجاري والصادرات بين مصر وبريكس، مشيرا إلى أنها تعتبر مجموعة قوية وفعالة ولها تأثير وتنافس بقوة منظمة التجارة العالمية ولها مستقبل كبير.
وأوضح أن انضمام مصر لهذه للمجموعة يضع المنتج والمصنع المصري على قدر المسؤولية وتنافس مع اقتصاديات قوية وسط هذه المنظومة، لافتاً إلى إمكانيات مصر للمنافسة قوية في المجال الصناعي ولديها صناعات قوية قادرة على المنافسة، مشيرا إلى أن ذلك سيفتح مجالا لتطوير الصناعات التكاملية ومستلزمات الإنتاج ووجود مصر وسط هذه المجموعة الاقتصادية يساهم بنقل خبرات وفتح باب للاستثمارات في مصر لهذا القطاع الحيوي خاصة وأن من أهداف المنظمة إصدار عملة موحدة ما سيخفف الضغط على الدولار.
ثلث الاقتصاد العالمي
ويمثل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة "بريكس" حوالي 29% من الاقتصاد العالمي في عام 2023، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، وتشير معلومات لدى الهيئة العامة للاستثمار، إلى وجود حوالي 40 ألف شركة تابعة للدول الخمس المؤسسة لـ "بريكس" في مصر، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد بشكل ملحوظ مع تنفيذ خطط التعاون الاستثماري بين الدول الأعضاء.
ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن حجم التجارة الذي تمتلكه الدول الـ11 المتوقعة أن تكون ضمن مجموعة "بريكس" استحوذ في عام 2022 على نحو خمس من حجم تجارة العالم، وتحتل الصين نصيباً كبيراً من هذا الحجم بقيمة تجارة تبلغ 5744 مليار دولار، ما يعادل نحو 11.6% من حجم التجارة العالمية.
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري بين مصر ودول التكتل بعد توسعه، فقد مثل نحو ثلث حجم تجارة مصر مع دول العالم، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
علاقات متينة
وأكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري إن انضمام مصر لـ"بريكس"، يعد تأكيدا على متانة العلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة بين مصر ودول التكتل، وعلى مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأضاف أن التقارب مع مجموعة "بريكس" يساعد في "الترويج للإصلاحات التي شهدتها البيئة المصرية الاقتصادية والاستثمارية في السنوات الأخيرة، بالصورة التي ترفع من فرص مصر لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية".
وقال المركز إن "استهداف التكتل تقليل التعاملات البينية بالدولار الأمريكي سيخفف من الضغط على النقد الأجنبي في مصر الذي يمثل الدولار الحصة الكبرى منه، وهو ما يصب في صالح تحسين عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية".
وأضاف أن "وجود مصر كدولة عضو ببنك التنمية التابع لتكتل البريكس سيمنح فرصا للحصول على تمويلات ميسرة لمشروعاتها التنموية، بالإضافة إلى أن وجودها داخل التكتل يعني استفادتها من ثمار نجاح مستهدفاته التي تقترب من التحقق، فيما يخص خلق نظام عالمي يمنح مزيدا من الثقل للدول النامية والناشئة"