يوسف أيوب يكتب: مصر بين النفضة الاقتصادية وتغيير العادات الاستهلاكية الخاطئة

السبت، 03 فبراير 2024 07:00 م
يوسف أيوب يكتب: مصر بين النفضة الاقتصادية وتغيير العادات الاستهلاكية الخاطئة

- الدولة مرت بفترة شديدة الصعوبة بعد 2011 وكادت أن تضيع واستهدفتها خطة واضحة لإحباط وتفجيرات في كل مكان 

- 2014 كان الهدف الواضح القفز من حالة عدم الثقة الى استعادة الدولة وقدرتها على المجابهة والصمود

- الأزمات العالمية والإقليمية المتتالية أثرت سلبا وتسببت في ارتفاع الأسعار.. والوضع في غزة زاد الوضع سوءً 

- دور الحكومة كبير في استغلال الفرص المتاحة لدينا.. والمصريين مطالبون بتغيير النمط الاستهلاكى حفاظاً على الموارد والدخل

- الأوربيين لجئوا من تلقاء أنفسهم إلى تطبيق اقتصاد الحرب على ميزانيتهم الخاصة فور اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وانتهجوا أنماط استهلاكية جديدة تتناسب مع التحديات 
 
لا تدار الدول بالخواطر، وإنما بالسياسات والقوانين والعمل، اذا أيقنا جميعا هذه الحقيقة، سنصل إلى النتيجة المؤكدة، وهى أن الأزمة الحالية التي نمر بها لها حلول، قد تكون صعبة لكن لا مفر من مواجهتها، وهو أمر تدركه الدولة جيداً، وتعمل على الخروج من الأزمة الاقتصادية بسيناريوهات واقعية تراعى الوضع الداخلى والظروف الإقليمية والدولية ذات التأثير المباشر علينا، لذلك فإن يتابع تحركات مؤسسات الدولة في الوقت الراهن، سيصل إلى قناعة أن الدولة مقبلة على ما يمكن وصفه بـ"نفضة اقتصادية"، تحتوى من خلالها التأثيرات السلبية للأوضاع الاقتصادية، مستغلة الفرص الكبيرة المتاحة لدى الدولة المصرية، والتي تمكنها من أحداث انطلاقة تصاعدية.
 
فالجميع يدرك أن مصر تعيش في الوقت الراهن أمام مفترق طرق، ما بين فرصة عظيمة، وتحديات كبيرة، لذلك فإن الدولة تعمل على تقييم للوضع، والفرص المتاحة، والتي يمكن من خلالها مجابهة كافة التحديات المحيطة بنا.
 
واذا كنا نتحدث عن الوضع الاقتصادى، فمن الظلم أن نقتصر في نظرتنا على الوضع الداخلى، دون ربطه بالوضع الاقليمى والدولى، فالنظرة يجب أن تكون شاملة، لأنه بدون الوضع الاقليمى ستكون النظرة ناقصة وغير مكتملة، فلا يمكن البحث عن أسباب الوضع الاقتصادى الحالى بعيداً عن أحداث غزة وما يحدث في السودان وليبيا، والاشتباكات الدائرة في البحر الأحمر وغيرها.
 
كل الحقائق تؤكد أن الوضع في غزة زاد الازمة الاقتصادية ليس فقط في مصر، وإنما في غالبية دول الأقليم، لان الصراع مالاته في حقيقة الأمر اقتصادية، خاصة بعدما أدى استمرار الأزمة إلى توسيع الصراع في البحر الأحمر وهو ما أثر على قناة السويس وإيراداتها، التي أكدت التقارير انخفاض إيراداتها بنسبة 40% نتيجة الأحداث المتسارعة، أخذا في الاعتبار أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هدفه منذ بداية حربه على قطاع غزة، تدويل الحرب، وللأسف وجدنا ظروف إقليمية تساعده على تحقيق هدفه، فما قام به الحوثيين من استهداف السفن المارة بالبحر الأحمر، استدعى القوات الأمريكية والبريطانية إلى البحر الأحمر، ونقل الاهتمام من غزة إلى البحر الأحمر، وهو كان هدف نتانياهو منذ البداية.
 
كما أن السياحة تأثرت، وتحويلات المصريين في الخارج تأثرت ايضاً بسبب الحرب والأزمة الحالية في غزة.
 
القراءة السابقة مهمة وضرورية أذا كنا نريد الحديث عن المستقبل بشكل حيادى، نعم هناك أخطاء حدثت في الداخل، قد تكون السبب فيما نحن فيه اليوم من أزمة، لكن الحقيقة أنه أيا كانت قيمة هذه الأخطاء، فليست هي السبب الرئيسى للأزمة الاقتصادية، وإنما هناك عوامل أخر أكير تأثيراً، والمقصود بها الوضع الاقليمى والدولى المضطرب.
 
ولتوضيح ذلك، نعود إلى الوراء قليلا لنضع أيدينا على الوضع الداخلى وما حدث، لنحاول استقراء المستقبل وفق التحركات الحكومية الحالية.
داخليا، كلنا ندرك أن مصر مرت بفترة شديدة الصعوبة بعد 2011، وقبلها ايضاً، واستهدفتها خطة واضحة لإحباط وفقدان للأمل وتفجيرات في كل مكان، وكادت أن تضيع الدولة، لذلك كان الهدف في 2014 هو القفز من هذه الحالة المعنوية والإحباط وعدم الثقة الى حالة أخرى، نستعيد من خلاله الدولة وقدرتها على المجابهة والصمود.
 
وبالفعل بدأت الدولة خطة تحرك شاملة، لأحداث نقلة نوعية كانت الدولة بحاجة إليها، خاصة في بنيتها التحتية التي كانت غير موجودة، تحديداً في القطاعات الحيوية ومنها على سبيل المثال الكهرباء ومصادر الطاقة، ناهيك عن شبكة الطرق والكبارى التي كانت غير موجودة في الأساس، لذلك كان الهدف والقرار هو بدء البناء والتنمية.
 
والحقيقة أن الدولة لا تعيش أزمة أولويات كما يحاول البعض الادعاء، لأن الدولة التي كانت في 2014 خارجة من وضع ماساوى، لم يكن أمام القيادة وقتها بديل عن التحرك بأقصى سرعة، لانه بدون التحرك ومواصلة سياسة التأجيل والتسويف والترقيع كانت ستزيد الوضع سوء، وترحيل حل المشكلة لأجيال قادمة.
 
لذلك كانت الاولويات كانت واضحة، وكانت ايضاً تتردد على السنة كل المصريين، نريد بنية تحتية جيدة، وحياة كريمة تناسب أدميتنا وانسانيتنا، لذلك تحركت الدولة في هذا الاتجاه، بالتوازى مع مجابهة الخطر الأكبر الذى كان يهدد وجود الدولة نفسها، وأقصد به خطر الإرهاب، ويكفى هنا الإشارة إلى أن الدولة أنفقت منذ 2014 وحتى اليوم 120 مليار جنيه على مكافحة الإرهاب من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية في الدولة المصرية، والدولة لم يكن أمامها خيار سوى مواجهة الإرهاب وتحمل الكلفة وإلا ساءت الأوضاع وعاشت البلاد حالة من عدم الاستقرار، لذلك كان القرار هو مواجهة الإرهاب بكل أشكاله بتضحيات رجال الشرطة والجيش وفئات أخرى من المجتمع؛ للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها وسلامتها.
 
فبالتوازى بين التنمية ومكافحة الإرهاب سارت الدولة وفق خطة واضحة، بدأت تؤتى ثمارها، اكملتها بقرارات الإصلاح الاقتصادى في 2016، وسارت الدولة بشكل جيد حتى عام 2020 وكان معدل النمو أكثر من 6%، استشعره كل المصريين دون استثناء، لكن فجأة ظهرت جائحة كورونا، ثم حراك عالمى كانت له تداعيات اقتصادية وأمنية تسببت في ارتفاع الأسعار نتيجة تأثر سلاسل الإمداد والتوريد سلبا مثلما حدث في 2020 مع أزمة كوورنا، وهذه التداعيات تسببت لنا في آثار سلبية ولكننا استطعنا أن نستوعبها، وبعد أزمة كورونا استمر التداعي، باندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وسلاسل الإمداد تعثرت مجددا، وارتفعت أسعار المنتجات مرة أخرى، وتأثرنا بذلك، والآن دخلت علينا أزمة الحرب على غزة والتداعيات الخاصة بها تؤثر أيضا.
 
أجمالاً أثرت الأزمات العالمية والإقليمية المتتالية سلبا على مصر ودول العالم وتسببت في ارتفاع الأسعار، خاصة فيما يتعلق بسلاسل الإمداد.
 
وبالتوازى مع ذلك، وضعت الدولة هدفاً عملت على تحقيقه، وهو الحفاظ على ما تم إنجازه خلال السنوات الماضية، وعدم السماح بالتفريط فيه تحت أي ظرف، لكن كيف يحدث ذلك؟
 
كيف نحافظ على ما تحقق ومصر منذ عام 2011 وحتى الآن زاد عدد سكانها بحوالي 26 مليون نسمة وهي زيادة سكانية لها متطلبات ضرورية ولا بد للدولة أن توفرها.
 
كيف نحافظ على ما تحقق والدولة المصرية تحتاج ما يقارب من 3 مليارات دولار لتوفير السلع الأساسية لكل مواطن بشكل شهري من قمح وذرة وزيت وفول صويا ووقود وكهرباء.
 
كيف نحافظ على ما تحقق ومحطات الكهرباء تحتاج إلى غاز بما يعادل مليار دولار تقريبًا شهريًا، وتلك الاحتياجات الأساسية للمواطن المصري لا يمكن التقصير فيها وعدم توفيرها.
 
كيف نحافظ على ما تحقق وسط كل الازمات المحيطة بنا، والتي فرضت علينا الحفاظ على أمننا القومى، من خلال تسليح قواتنا المسلحة، وتأمين جبهاتنا الأربعة الملتهبة، وهو أمر شديد الصعوبة اقتصادياً، لكن لا مفر منه.
 
الحقيقة ان الحفاظ على ما تحقق أمر ضرورى وهام ولا رجعة عنه، لأنه لا دولة بدون بنية تحتية قوية، ومصادر طاقة متنوعة، وخدمات صحية وتعليمية وسكانية توفر الحياة الكريمة لكل المصريين.
 
كل هذه الأمور فتورتها صعبة وضخمة، خاصة اذا ما اضفنا عليها أمر لا يقل أهمية، وهو الوضع الأقليمى، الذى بجانب فاتورته الاقتصادية، فإن مواقفنا السياسية الواضحة تجاه الاحداث حولنا تزيد من هذه الفاتورة، لأنه وسط كل هذا الصراع تبقى مصر الدولة الوحيدة الثابتة والراسخة على مواقفها، رغم أنها الدولة الأكثر تضررا، لكنها أبداً لم تتراجع عن مواقفها أمام كم كبير من الضغوط تمارس ضدها.
 
لذلك أين الحل؟
 
الحل في أن تحسن الدولة استغلال الفرص المتاحة أمامها لأحداث النفضة الاقتصادية التي تحتاجها مصر حالياً، سواء لمواجهة أزمة الدولار أو القضية الأكبر بالنسبة لى وهى أزمة التضخم، وهو أمر شديد الأهمية، ربما يفوق في أهميته أزمة الدولار.
 
لذلك أعيد هنا التأكيد على ما سبق وأشرت إليه في مقالى السابق، بشأن المسئوليات الشعبية في مواجهة الأولويات الحكومية، واعنى هنا ان المواطن اليوم وليس غداً مطالب بإعادة النظر في العادات الاستهلاكية الخاطئة التي يمارسها، وهذه ليست بدعة، وإنما الطريق الصحيح الذى يجب أن نسلكه فى الوقت الحالي، ولنا في أوربا والأوربيين درساً، اذا كنا نؤمن بقيمة الخبرات الأجنبية.
 
المواطن الأوربي فور أندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، لجأ من تلقاء نفسه إلى تطبيق اقتصاد الحرب على ميزانيته الخاصة، وانتهج أنماط استهلاكية جديدة تتناسب مع التحديات التي يواجها، فكان قراراه ترشيد استهلاك الكهرباء، ليس خوفاً من ارتفاع أسعارها، وإنما قلقا من عدم توفرها مستقبلاً بسبب نقص امدادات الغاز الطبيعى، واكتفى بما يحتاجه من سلع غذائية واستراتيجية ولم يتكالب على المنافذ لتخزين السلع في منزله، ورأينا أنماط استهلاكية أوربية لم تدعو لها الدول هناك، وأنما قررها المواطن من تلقاء نفسه، إلى أن عبر بالأزمة.
 
نحن هنا في مصر، اذا بدلنا انماطنا الاستهلاكية على سبيل المثال في موضوع الكهرباء، ورشدنا استهلاكها كلا في منزله في حدود 10%، فإن ذلك سيقلل من قيمة الفاتورة المستحقة شهرياً، كما سيوفر للدولة دولارات تستخدمها لشراء الوقود المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء، وما يقال في الكهرباء ينسحب أيضاً إلى بقية السلع والخدمات.
 
نعم الحكومة عليها دور، ودورها كبير، باستغلال الفرص المتاحة لدينا، واعتقد أنها تعمل بقوة في هذا الاتجاه، لكن يبقى على المواطن دور كبير، في تغيير النمط الاستهلاكى، حفاظاً على موارد الدولة، ومن قبلها توفير ميزانية الاستهلاك الخاصة به.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق