اشتعال الأوضاع بالبحر الأحمر يستنزف اقتصاد العالم

الأحد، 11 فبراير 2024 11:09 ص
اشتعال الأوضاع بالبحر الأحمر يستنزف اقتصاد العالم
اشتعال الأوضاع بالبحر الأحمر
محمد فزاع

الدول الكبرى أول الخاسرين وشبح التضخم يخيم على آسيا وأوروبا وأمريكا باحتمال حدوث اضطرابات ضخمة
تعديل مسار السفن يزيد تكلفة الرحلة الواحدة مليون دولار ويتحملها المستهلك.. الطرق البديلة لقناة السويس تواجه الجفاف والسرقة 
طريق رأس الرجاء الصالح يضيف 6500 كم و49 يوما من الإبحار للسفن.. القطاعات الأكثر تضررا حتى الآن صناعة السيارات وتجارة البيع بالتجزئة


تهديد مباشر تواجهه حركة التجارة العالمية، يشمل حجم أعمالها وفرص نموها خلال 2024، عقب تزايد الهجمات على سفن الشحن بالبحر الأحمر، ما أجبر شركات شحن تقدر بـ18شركة على تعديل مسارها.

ومع سعى المصدرين لإيجاد سبل بديلة سواء عن طريق الجو أو البر أو البحر، لتوصيل السلع الاستهلاكية الرئيسية، تفاقمت مشاكل سلاسل توريد الشحن البحرى حول العالم بعد الصراع بين الحوثيين من جهة والتحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة باب المندب والبحر الأحمر من جهة أخرى، وتشير شركات المخاطر البحرية والأمن، إلى أن نحو 35 ألف سفينة تبحر عبر منطقة البحر الأحمر سنويا، وتنقل البضائع بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، وهو ما يمثل حوالى 10% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى.
 
بدورها أكدت وكالة «S&P Global»، أنه إذا كانت هناك اضطرابات ممتدة، فإن قطاع السلع الاستهلاكية، الذى يزود كبرى شركات البيع بالتجزئة سيواجه التأثير الأكبر.
 
وأظهرت البيانات ارتفاع مؤشر الشحن العالمى إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بعد أن أضافت شركات الشحن الكبرى نحو 22 مليار دولار لقيمتها السوقية، ويتحمل التكاليف المضافة على كل رحلة، والتى تقدر بمليون دولار، المستهلك النهائى بالضرورة، فى صورة زيادة أسعار الأغذية والسلع والخدمات، ما قد يهدد بعودة شبح التضخم، ليطال أغلب دول العالم التى بالكاد تسعى للحفاظ على مستوياته المرتفعة دون هبوط ملموس خلال 2024.
 
توترات عالمية
 
وأصيبت الشركات العالمية، التى تنقل البضائع الحيوية، بحالة صدمة سببتها الهجمات بالبحر الأحمر، وتقول «ميرسك»، إن القطاع الذى يتعامل مع 90% من حجم التجارة العالمية، يواجه احتمال حدوث اضطرابات ضخمة لأسباب، منها التوترات الحالية وحالات جفاف تؤثر على مسارات رئيسية مثل قناة بنما، ومن المرجح ألا تسير جداول المواعيد المعقدة مثلما هو مخطط لها بالنسبة لسفن الشحن العملاقة، وناقلات النفط، وسفن نقل البضائع الأخرى خلال العام.
 
وقال بيتر ساند، كبير المحللين لدى منصة «زينيتا» لتقديم بيانات الشحن، إن المخاطر الإضافية فى 2024، تتضمن احتمال اتساع نطاق هجمات البحر الأحمر، وهو ما قد يؤثر على شحنات النفط، وتصاعد التوتر الذى من شأنه أيضا التأثير على ممرات التجارة المهمة، وقد تتفاقم الأمور مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، التى ما زالت تؤثر على تجارة الحبوب منذ 2022.
 
وأفادت شركة «بروجيكت 44»، التى تطور برمجيات سلاسل الإمداد بأن حركة عبور السفن من قناة بنما، التى اتخذتها شركات كبديل محتمل لقناة السويس، هبطت 33% بسبب انخفاض منسوب المياه، وتسبب الأمر برفع تكاليف الشحن الجاف للبضائع، مثل القمح وفول الصويا وخام الحديد والفحم والأسمدة بشكل حاد.
 
وبسبب الظروف المتطرفة للمناخ، تعانى البرازيل من ضربة مزدوجة، تتمثل فى جفاف قياسى تشهده منطقة الأمازون وأمطار غزيرة فى شمال البلاد، ما ساهم فى اصطفاف السفن لفترة أطول من المعتاد فى ميناء باراناجوا.
 
زيادة تكاليف الشحن
 
واضطرت شركات كبرى للنقل البحرى، منها «ميرسك» الدنماركية، إلى تحويل مسارات سفنها بعيدا عن البحر الأحمر، لتجنب هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة فى المنطقة، التى يمر بها أكثر من 10% من إجمالى الشحنات البحرية، ونحو ثلث تجارة الحاويات عالميا.
وعلى الرغم من أن الناقلات التى تحمل إمدادات النفط والوقود إلى أوروبا، تواصل المرور عبر قناة السويس، تحول أغلب سفن الحاويات الناقلة للبضائع مسارها، لتدور حول الطرف الجنوبى لأفريقيا.
 
ويمر عبر قناة السويس ما يقرب من ثلث شحنات سفن الحاويات عالميا، وقد تكلف إعادة توجيه السفن حول أفريقيا وقودا إضافيا بما يصل إلى مليونى دولار للرحلة الواحدة ذهابا وإيابا بين آسيا وشمال أوروبا، وقفز السعر الفورى للشحن من آسيا إلى أوروبا لأكثر من مثلى المتوسط فى 2023 عند 3500 دولار لكل حاوية مقاس 40 قدما، ويعنى ارتفاع التكاليف، زيادة الأسعار على المستهلكين.
 
وارتفاع أسعار الشحن البحرى بأكثر من الضعف، دفع 18 شركة للشحن إلى تعليق خطط استئناف عبور البحر الأحمر، وهو شريان رئيسى، يؤدى لقناة السويس، وتربط قناة السويس البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وهى أسرع وسيلة لشحن الوقود والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، واختارت بعض السفن المرور عبر رأس الرجاء الصالح، مثل التابعة لشركتى ميرسك وبريتش بتروليم، ما أدى إلى انخفاض بنسبة 36% فى عبور السفن.
 
وأدت الهجمات بالفعل إلى تأخير تسليم منتجات موجهة لكثير من الشركات، إذ تستخدم شركات مثل «وول مارت» و«إيكيا» و«أمازون» طريق قناة السويس.
 
وقال متحدث باسم شركة هاباج-لويد، وفق وكالة رويترز، إن الشركة تكبدت تكاليف بعشرات الملايين من اليورو، نتيجة تحويل مسار 25 سفينة بعد هجمات على سفن فى البحر الأحمر.
 
وفى بيان للخارجية المصرية، دعت القوى الإقليمية والدولية، لتسخير جميع الجهود بما يسهم فى خفض التصعيد والتوتر فى المنطقة، وأكد وزير الخارجية المصرية، سامح شكرى خلال مؤتمر صحفى، أن التوترات فى البحر الأحمر، هى نتيجة للتصعيد الجارى فى غزة، الذى يجب أن يتوقف، لمنع اتساع رقعة الصراع إقليميا، كما هو واقع حاليا.
 
الشركات تحمل الجميع 
 
على المدى القريب، من المرجح أن تستوعب صناعة شحن الحاويات العالمية الصدمة، التى أصابت سعة الشحن بسبب الهجمات على السفن فى البحر الأحمر، نظرا لضعف الطلب بشكل عام فى شهرى يناير وفبراير، وإذا استمرت الهجمات فى مارس وأبريل، وهو الوقت الذى تشهد فيه التجارة العالمية انتعاشا موسميا، فقد تؤدى القيود على سعة الشحن إلى حدوث أزمة فى سلاسل الإمداد، مثل تلك التى حدثت فى 2021-2022.
 
وذكر تقرير على مدونات البنك الدولى أنه حدثت تلك الأزمة عندما لم يتمكن الشحن بالحاويات من دعم انتعاش التجارة الدولية، بدءًا من أواخر عام 2020، وأدت عمليات إغلاق الموانئ، بسبب تفشى جائحة كورونا، ونقص عدد الموظفين والعاملين فيها، إلى استمرار انتظار السفن لمدة أيام أو أسابيع لتفريغ حمولتها، ما أدى إلى انخفاض عدد السفن المتاحة لنقل البضائع. 
 
وأدت المنافسة على مساحات الشحن المتاحة على السفن إلى ارتفاع حاد فى أسعار الشحن الفورى؛ وبلغت الزيادة ثمانية أضعافها على طرق الملاحة بين آسيا وأوروبا أو أمريكا الشمالية، مقارنة بأسعارها فى عام 2019.
 
وعلقت شركات الشحن الكبرى، ومنها ميرسك وهاباغ لويد، عملياتها لتجنب طريق البحر الأحمر، وتقوم بإعادة توجيه السفن حول طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يضيف 3000 إلى 3500 ميل بحرى (5500 إلى 6500 كم)، وسبعة إلى 10 أيام إبحار لرحلة معتادة بين أوروبا وآسيا. ويمكن أن تستوعب المسافة الإضافية ما بين 700 ألف و 1.9 مليون حاوية قياسية مكافئة «وحدات شحن تعادل عشرين قدما» من سعة الشحن حسب التقديرات.
 
وتضيف ميرسك رسوما إضافية لتعطل العبور بقيمة 200 دولار أمريكى لكل حاوية مكافئة إلى دفاترها للرحلات بين شرق آسيا وشمال أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والساحل الشرقى للولايات المتحدة، هذا بالإضافة إلى «رسوم إضافية فى موسم الذروة» بقيمة 300 دولار و1000 دولار لكل حاوية مكافئة.
 
كما أعلنت شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة، وهى شركة عالمية أخرى لشحن الحاويات، أنها ستفرض رسوم تعديل طارئة بقيمة 500 دولار لكل حاوية مكافئة على الشحنات من أوروبا إلى آسيا والشرق الأوسط، كما ارتفعت أسعار الشحن الفورى بصورة أكبر، حيث قفز سعر الرحلة من آسيا إلى أوروبا لأكثر من 3000 دولار لكل حاوية سعة 40 قدما، بزيادة ثلاثة أمثال عن أدنى معدل تم تسجيله فى عام 2023 نحو 1000 دولار، وقد يعنى هذا أن المصدرين فى آسيا يتنافسون مرة أخرى على مساحات الشحن المتاحة، تحسبا لاضطرابات كبيرة فى سلاسل الإمداد.
 
وقالت هيئة «أونكتاد»، التجارية التابعة للأمم المتحدة، إن توقعات التجارة العالمية فى 2024 ما تزال «غير مؤكدة إلى حد كبير ومتشائمة بشكل عام»، موضحة أنه فى 2023، سجلت نحو 30.7 تريليون دولار مع انكماش ملحوظ بتجارة السلع وضعف الأداء فى اقتصادات شرق آسيا، وهبوط أسعار السلع الأساسية، فيما أكدت أن التجارة العالمية تتعطل بسبب الهجمات فى البحر الأحمر والحرب فى أوكرانيا وانخفاض منسوب المياه فى قناة بنما.
وحذر جان هوفمان، خبير التجارة بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، من أن تكاليف الشحن ارتفعت بالفعل، وتأثرت تكاليف الطاقة والغذاء، ما يزيد من مخاطر التضخم، لافتا إلى أنه منذ أن بدأت التوترات، توقف اللاعبون الرئيسيون فى صناعة الشحن مؤقتا عن استخدام قناة السويس، وهى ممر مائى حيوى، يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر وطريق حيوى للطاقة والبضائع بين آسيا وأوروبا.
وقال هوفمان، إن قناة السويس تعاملت مع 12% إلى 15% من التجارة العالمية فى عام 2023، لكن الأونكتاد، تقدر أن حجم التجارة التى تمر عبر الممر المائى انخفض الشهرين الماضيين.
وحسب الموقع، غيرت 2400 سفينة على الأقل طريق ملاحتها باختيار مسار بديل عبر رأس الرجاء الصالح، ما يرفع مدة الرحلة بين أوروبا وآسيا من 35 إلى 49 يوما، وترتفع بذلك تكاليف الشحن، وبينها الوقود والتأمين.
 يقول سيمون هاينى، من قسم دراسات الحاويات فى شركة درويرى لاستشارات النقل البحرى البريطانية، إن القطاعات الأكثر تضررا حتى الآن هى صناعة السيارات وتجارة البيع بالتجزئة، اللتين ينظر إليهما على أنهما أكثر عرضة للخطر بسبب التأخر الحاصل على مستوى التصنيع والإمداد.
وأكدت شركة «فريتوس دوت كوم»، المتعددة الجنسيات والمختصة فى عمليات الشحن ورصد البيانات المتعلقة بصناعة النقل البحر، أن أسعار شحن الحاويات على المدى القصير بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة زادت بنسبة 173%، وأصبح السعر الفورى لشحن البضائع فى حاوية 40 قدما من آسيا إلى شمال أوروبا، يتجاوز الآن 4 آلاف دولار، صعودا من متوسط 1900 دولار سابقا.
وحسب التقرير، فإن تكلفة الشحن بين أسواق آسيا والساحل الشرق الأمريكى، ارتفعت بنسبة 55% تقريبا إلى 3900 دولار للحاوية التى يبلغ طولها 40 قدما.
 
نشاط القرصنة
 
مع تهديد حركة الملاحة بالبحر الأحمر، عاد نشاط القراصنة قبالة السواحل الصومالية للظهور؛ وسجلت 5 هجمات على السفن التجارية؛ كان آخرها ما أعلنت عنه البحرية السريلانكية فى 27 يناير بالاستيلاء على سفينة صيد «لورينزو بوتا-4» على بعد 840 ميلا بحيرا جنوب شرق الصومال.
 
وفى الخامس من يناير الماضى، ردت البحرية الهندية على حادث اختطاف على متن السفينة «MV Lila Norfolk»، التى ترفع علم ليبيريا، عبر إرسال سفينة حربية وطائرة هليكوبتر لتحريرها، ليفر القراصنة هاربين قبل وصولهم، واشتبك جنود صوماليون مع خاطفين قبالة ساحل ولاية جلمدوج الأسبوع الماضى، بعد أن استولوا على سفينة تجارية مملوكة لرجال أعمال صوماليين، و16 ديسمبر الماضى، اختطف قراصنة صوماليون سفينة الشحن «MV Ruen» البلغارية، والتى ترفع علم مالطا، حيث تم اقتيادها إلى سواحل ولاية بونتلاند الواقعة على بعد 380 ميلا بحريا شرق جزيرة سقطرى اليمنية، كأول عملية اختطاف ناجحة منذ عام 2017.
 
وتكشف تلك التهديدات والتدخلات الأخيرة عن تحديات سياسية ستفرض على الدول الإقليمية المعنية بأمن البحر الأحمر، والتدخل بتهدئة الأوضاع فى المنطقة بشكل عام، وخاصة فى غزة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق