يوسف أيوب يكتب: مصر وتركيا.. بداية قوية تحمي مصالح الشرق الأوسط

السبت، 17 فبراير 2024 06:00 م
يوسف أيوب يكتب: مصر وتركيا.. بداية قوية تحمي مصالح الشرق الأوسط

- أردوغان زار القاهرة الأربعاء الماضى.. والرئيس السيسى في أنقرة إبريل المقبل

- الدولتان ينجحان في إدارة الخلاف والانتقال الآمن من الصدام إلى التشاور والتنسيق والسير في المسار الصحيح

- اتفاق مصري تركى على رفع التعاون لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى والوصول بالتبادل التجاري لـ 15 مليار دولار 

- أردوغان يؤكد عزم بلاده زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر 3 مليارات دولار.. ويقف مع مصر في رفض تهجير الفلسطينيين من غزة

 
 
الأربعاء الماضى، كان يوماً فاصلاً في تحديد مسار الكثير من القضايا الشرق أوسطية، فهو اليوم الذى شهد زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، بعد حقبة زمنية، شهدت خلالها العلاقات بين القاهرة وأنقرة توتراً سياسياً، وصل إلى درجة القطيعة الدبلوماسية، لكنها قطيعة لم تلقى بظلالها السلبية على العلاقات الاقتصادية التي ظلت كما هي تسير بوتيرة واحدة لا تتغير.
 
بحلول أردوغان إلى القاهرة، واستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى له، نكون أمام رسالة مهمة، أن صفحات الماضي طويت لنبدأ مرحلة جديدة متطلعين إلى مستقبل يسوده التعاون والاحترام بما يحفظ أمن الدول واستقرارها، أخذا في الاعتبار اتفاق البلدان على بناء مصالح مشتركة، تقوى من دعائم الاستقرار والأمن في المنطقة، ولا يخفى علينا بطبيعة الحال أن هذه الزيارة لم تكن لتتم لولا الجهود المصرية في المنطقة الساعية إلى إقرار السلم والاستقرار، وهو المنهج الذى وضعه الرئيس السيسى منذ 2014، ويواصل السير فيه إلى الأن، وهو الأمر الذى أدركته كل القوى الأقليمية والدولية، وتأكدت أنها أمام دولة قوية، تعرف كيف تتحرك وكيف أيضاً تدير علاقاتها بل وخلافتها مع الآخرين.
 
وخلال زيارته للقاهرة، تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين مصر وتركيا، كما تم الاتفاق على رفع مستوى التعاون بين مصر وتركيا إلى مستوى مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، عل أن يعقد الاجتماع الأول في إبريل المقبل، خلال زيارة الرئيس السيسى إلى أنقرة، كما تم الاتفاق على الوصول إلى حد التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار في أقرب وقت، وجدد أردوغان عزم بلاده على زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر بحدود 3 مليارات دولار، كما أكد الرفض التركى لمبادرات تهجير سكان قطاع غزة، مؤكدًا أنهم لن يقبلوا أبدًا بتطهير غزة من سكانها، معبرًا عن تقديره لموقف مصر في هذا الأمر أيضًا.
 
مصر الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا
 
الرئيس السيسى خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع أردوغان، أكد أن زيارة الرئيس التركى للقاهرة الأولى له منذ أكثر من 10 سنوات، "لنفتح معاً صفحة جديدة بين بلدينا بما يثري علاقاتنا الثنائية، ويضعها على مسارها الصحيح"، مؤكداً اعتزازه وتقديره لعلاقات مصر التاريخية مع تركيا، والإرث الحضاري والثقافي المشترك.
 
وقال الرئيس السيسى: يهمني هنا إبراز استمرار التواصل الشعبي خلال السنوات العشر الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية والاستثمارية نمواً مضطرداً خلال تلك الفترة، فمصر حالياً الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا، كما أن تركيا تعد من أهم مقاصد الصادرات المصرية، وقد أثبتت التجربة الجدوى الكبيرة للعمل المشترك بين قطاعات الأعمال بالبلدين، وبالتالي سنسعى معاً إلى رفع التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة، وتعزيز الاستثمارات المشتركة وفتح مجالات جديدة للتعاون".
 
وأشار الرئيس السيسى، إلى الاهتمام بتعزيز التنسيق المشترك والاستفادة من موقع الدولتين كمركَزَيْ ثقل في المنطقة، بما يسهم في تحقيق السلم وتثبيت الاستقرار ويوفر بيئة مواتية لتحقيق الازدهار والرفاهية، حيث تواجه الدولتان العديد من التحديات المشتركة مثل خطر الإرهاب، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها علينا الواقع المضطرب في المنطقة.
 
كما أعرب الرئيس السيسى عن اعتزازه بمستوى التعاون القائم بين مصر وتركيا من أجل النفاذ السريع لأكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى أهلنا في قطاع غزة، أخذاً في الاعتبار ما تمارسه السلطات الإسرائيلية من تضييق على دخول تلك المساعدات، مما يتسبب في دخول شاحنات المساعدات بوتيرة بطيئة لا تتناسب مع احتياجات سكان القطاع.
 
وأكد الرئيس السيسى توافقه مع الرئيس أردوغان خلال المباحثات على ضرورة وقف إطلاق النار في القطاع بشكل فوري،  وتحقيق التهدئة بالضفة الغربية، حتى يتسنى استئناف عملية السلام في أقرب فرصة، وصولاً إلى إعلان الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، فضلاً عن ضرورة تعزيز التشاور بين البلدين حول الملف الليبي، بما يساعد على عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتوحيد المؤسسة العسكرية بالبلاد، وقال: نقدر أن نجاحنا في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا سيمثل نموذجاً يحتذى به، حيث أن دول المنطقة هي الأقدر على فهم تعقيداتها وسبل تسوية الخلافات القائمة فيها.
 
وأكمل الرئيس السيسى بقوله: يهمني كذلك الترحيب بالتهدئة الحالية في منطقة شرق المتوسط، ونتطلع للبناء عليها وصولاً إلى تسوية الخلافات القائمة بين الدول المتشاطئة بالمنطقة، ليتسنى لنا جميعاً التعاون لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية المتاحة بها، كما أكدنا خلال المباحثات اهتمامنا المشترك بالتعاون في أفريقيا، والعمل على دعم مساعيها للتنمية وتحقيق الاستقرار والازدهار.
 
وأعرب الرئيس السيسى عن تطلعه لتلبية دعوة الرئيس "أردوغان" لزيارة تركيا في أبريل المقبل، لمواصة العمل على ترفيع علاقات البلدين في شتى المجالات، بما يتناسب مع تاريخهما وإرثهما الحضاري المشترك.
 
زيادة التعاون التجاري والاقتصادي وفي مجال الطاقة
 
من جهته قال أردوغان، إن بلاده تتقاسم مع مصر تاريخا مشتركا يزيد عن ألف عام، معربا عن أمله في الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى لائق، مشيراً إلى أن بلاده ترى أن الإرادة موجودة لدى الجانب المصري للارتقاء بالتعاون مع تركيا.
 
ولفت أردوغان إلى أنه تم رفع مستوى التعاون بين مصر وتركيا إلى مستوى مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وأكد أنه ينتظر زيارة الرئيس السيسي إلى أنقرة من أجل عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى والذي سيكون بمثابة مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين.
 
وأعرب الرئيس التركي، عن سعادته بتواجده في القاهرة بعد 12 عاما، وأوضح أن محادثاته مع الرئيس السيسي تضمنت وضع هدف للوصول إلى حد التبادل التجاري ليصل إلى 15 مليار دولار في أقرب وقت، مؤكدا عزم بلاده على زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر بحدود 3 مليارات دولار، مشيراً إلى أنه تم تبادل الآراء في إمكانية اتخاذ تدابير إضافية من أجل زيادة التعاون التجاري والاقتصادي وفي مجال الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية والذي أثبتت تركيا قوتها فيه، وذلك بناء على الطاقات الكامنة بين البلدين. 
 
أكد أردوغان سعي بلاده لتعزيز الروابط مع مصر في المجالات السياحية والتعليمية والثقافية، موضحا أن معهد "يونس أمره" في القاهرة يعد أكبر فرع للمعهد في العالم من حيث الإقبال لتعلم اللغة التركية، وفي السنة الماضية تم تسجيل 22 ألف طالب مصري في هذا المعهد من أجل تعلم اللغة التركية، ما يبعث على السرور.
 
وحول أزمة غزة، قال أردوغان: إن ما يحدث في غزة من مأساة إنسانية كان قد تصدر جدولة أعمالنا؛ حيث تسببت الهجمات الإسرائيلية في استشهاد أكثر من 28 ألف فلسطيني كما أصيب ما يقرب من 70 ألف فلسطيني، وقد تم استهداف المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات ومباني تابعة للأمم المتحدة وإن إدارة نتنياهو مستمرة في سياسة الاحتلال والقتل وارتكاب المجازر، رغم ردود الفعل العالمية أيضا، وشدد على أن إيصال المساعدات إلى سكان غزة على رأس أولوياتهم؛ حيث أرسلت تركيا ما يزيد عن 31 ألف طن من المساعدات الإنسانية، مشيدا بالجهود المصرية المبذولة لإيصال المساعدات إلى سكان القطاع وجهود الهلال الأحمر المصري ووزارة الصحة المصرية وجميع الجهات المصرية.
 
وأشار أردوغان إلى أن بلاده نقلت أكثر من 700 مصاب فلسطيني مع المرافقين إلى تركيا، ويجري البحث لإنشاء مستشفى ميداني في غزة، وبتعاون ودعم المصريين في القريب العاجل، وأعرب الرئيس التركي عن رفضه لمبادرات تهجير سكان قطاع غزة، مؤكدًا أنهم لن يقبلوا أبدًا بتطهير غزة من سكانها، معبرًا عن تقديره لموقف مصر في هذا الأمر أيضًا.
 
وطالب أردوغان من رئيس الوزراء الإسرائيلي بوقف مجازره بحق سكان غزة، وألا تمتد تلك المجازر إلى مدينة رفح أيضًا، داعيًا المجتمع الدولي للتدخل وعدم السماح بهذا التصرف الجنوني، كما أكد أنه من أجل وقف إراقة الدماء في غزة سيظلون على تعاون مستمر مع مصر، لافتًا إلى أن إعادة إعمار غزة يتطلب العمل المشترك ونحن جاهزون للعمل مع مصر في هذا الشأن أيضًا.
 
وأوضح أردوغان أنه خلال لقائه مع الرئيس السيسي تطرق إلى الملف الليبي والصومال والسودان، مؤكدا حرصه على الوحدة العربية لهذه الدول الثلاثة وأمنها واستقرارها، مشيرًا إلى عزمهم استمرار التنسيق والتعاون مع مصر في تناول وبحث كل هذه المسائل والقضايا العالمية.
 
وفي نهاية كلمته، جدد أردوغان شكره إلى الرئيس السيسي، معربًا عن تمنيه بأن تكون هذه الزيارة وسيلة خير للبلدين وللمنطقة والعالم برمته.
 
تحالف استراتيجي جديد
 
وينظر الكثيرون إلى أن مجيء أردوغان إلى القاهرة يمهد لتحالف استراتيجي جديد يرسم مستقبل الإقليم في هذا التوقيت شديد الحساسية، الذي تموج فيه المنطقة بالاضطرابات والاستقطابات وإعادة ترتيب الأوراق، بجانب الأوضاع المشتعلة بالمنطقة نتيجة الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة وتداعياتها الخطيرة على استقرار الشرق الأوسط، فكانت زيارة أردوغان بمثابة فرصة ذهبية للتوصل إلى تفهمات حول عدد من القضايا العالقة، وتقريب وجهات النظر لاسيما في الملف الليبي الذي يمثل أهمية قصوى للبلدين، بالإضافة إلى تنسيق المواقف في القضايا المصيرية والعمل على وقف الحرب الإسرائيلية وإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة ومنع تهجير الفلسطينيين وإنقاذ القضية من التصفية مع تشجيع بلدان العالم المحبة للسلام والعدل على الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية.
 
وبادئ ذي بدء، علينا الإشارة أولاً إلى أن العلاقات المصرية التركية، تشهد مرحلة هامة، في ضوء حالة من التقارب، بدأت إرهاصاتها في السنوات الأخيرة، في انعكاس صريح لإدراك متبادل بالأهمية الكبيرة التي تحظى بها البلدين، باعتبارهما قوى إقليمية مؤثرة، ناهيك عن دورهما الفعال في العديد من القضايا الكبرى، في الشرق الأوسط، وكذلك الحاجة الملحة لتوسيع دائرة التكامل الاقتصادي، في ضوء العديد من الأزمات الحادة التي تجتاح العالم، جراء موجات عاتية من التضخم، والغلاء، على خلفية العديد من الأزمات التي باتت تضرب العالم.
 
فبعد سنوات من الفتور فى العلاقات، ظهر الرئيس السيسى وأردوغان وهما يتصافحان لأول مرة، خلال افتتاح مونديال كأس العالم لكرة القدم فى الدوحة عام 2022؛ ثم كان اللقاء الثانى بينهما خلال قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر من العام الماضي، حيث اتفق الزعيمان على تدعيم العلاقات والتعاون ورفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء.
 
وفى 11 سبتمبر الماضى، التقى الرئيسان فى جلسة مباحثات ثنائية، على هامش القمة العربية الإسلامية فى الرياض، حيث تناولا سبل مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين في مختلف المجالات، فضلاً عن استمرار الخطوات المتبادلة والبناء على التقدم الملموس في سبيل تفعيل مختلف آليات التعاون الثنائي، كما تناول اللقاء متابعة التنسيق والتشاور بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث تم استعراض الجهود الحثيثة على كافة الأصعدة لاحتواء الأزمة وتداعياتها الإنسانية.
 
 هذا التطور في العلاقات، يمكن النظر إليها باعتباره نموذج لسعى الدولتان إلى بناء الشراكة وتحقيق المصالح المشتركة، بدأته القاهرة كما سبق الإشارة في 2014 بدءً من سياسة تنويع التحالفات، واقتحام مناطق جديدة، مع إعادة استكشاف ما تمتلكه الدولة المصرية من موارد، وإمكانات، لتقديم أوراق اعتمادها للعالم، باعتبارها شريك موثوق من شأنه المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية في إطار مستدام، الأمر الذى ساهم في تحقيق الاستقرار ليس فقط في الداخل المصرى، وإنما في المحيط الإقليمى نتيجة تحركات مصرية واعية ومدركة، بعد سنوات الفوضى التي ضربت المنطقة، فقد كانت ولا تزال التحركات المصرية تسعى إلى التخفيف من حدة الصراعات الإقليمية، والعمل تحويلها إلى شراكة، قد لا تخلو من المنافسة، لكن تحكمها بالأساس المصالح المشتركة.
 
لذلك والمؤكد أن التطور في العلاقات المصرية التركية، يمثل نموذجا مهما، لما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية بناء الشراكات"، والتي شهدت العديد من المراحل، ربما بدأت مبكرا، وتحديدا في لحظة ميلاد "الجمهورية الجديدة"، وهو ما بدا في العديد من المشاهد، بدءً من سياسة تنويع التحالفات، واقتحام مناطق جديدة، مع إعادة استكشاف ما تمتلكه الدولة المصرية من موارد، وإمكانات، لتقديم أوراق اعتمادها للعالم، باعتبارها شريك موثوق من شأنه المساهمة، في تحقيق التنمية الاقتصادية في إطار مستدام، على المستوى الإقليمي، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تحقيق قدر من الاستقرار بعد سنوات الفوضى التي ضربت المنطقة، خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"،  عبر التخفيف من حدة الصراعات الإقليمية، والعمل تحويلها إلى "شراكة" ربما لا تخلو من المنافسة، ولكن تحكمها بالأساس المصالح المشتركة.
 
لذلك يمكن القول إن الإدارة المصرية التركية لخلافتهم، نموذج للدول الباحثة عن التعايش الصحى، فالخلاف السياسى الذى وصل إلى درجة القطيعة، لم ينسحب إلى الملفات الأخرى المشتركة بين الدولتين، خاصة الاقتصادية، لذلك حينما بدأت الدولتان خطوات التقارب قبل عامين تقريباً برغبة تركية، كان الأساس هو تصفية الخلافات، او تصفيرها، لبدء صفحة جديدة.
 
من هنا جاءت زيارة الرئيس رجب طيب إردوغان للقاهرة الأربعاء الماضى "نقطة مهمة" في مسار العلاقات بين البلدين، بما يؤكد ان القاهرة وأنقرة أمام فرصة مواتية لتعزيز الشراكة المصرية التركية من جهة، والعربية التركية من جهة أخرى، والعلاقات بين البلدين تتخذ سبيلا لتكون أكثر شمولا في مجالات السياسة والاقتصاد.
 
واليوم تحمل العلاقات المصرية التركية، وأيضاً زيارة أردوغان دلالات اقتصادية كبيرة، إذ أنها تأتي في وقت تضرب فيه التحديات الاقتصادية والجيوسياسية منطقة الشرق الأوسط، لذلك من الطبيعى أن نرى الملف الاقتصادي مستحوذاً على جزء كبير من المباحثات والتصريحات الثنائية.
 
والناظر للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، سيجد ان هناك ازدهار على مدار السنوات الماضية، مع توقع زيادة الاستثمارات التركية إلى 10 مليارات دولار، وارتفاع حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنويا، نتيجة توقيع اتفاقية التجارة الحرة منذ عام 2005 التي لم تتأثر بالجمود السياسي بين البلدين، بل أدت إلى تضاعف حجم التجارة بعد دخولها حيز التنفيذ في عام 2007 فتضاعف إجمالي حجم التجارة بين عامي 2007، 2024 من 4.42 مليار دولار إلى 11.14 مليار دولار. وهو ما ظهر في استمرار تعاون رجال الأعمال، فقام وفد أعمال تركي بزيارة إلى القاهرة واجتمع مع قادة الأعمال المصريين لمناقشةكيفية تعزيز العلاقات الاقتصادية.
 
بموجب هذه الاتفاقية ايضاً تعفى الصادرات الصناعية المصرية لتركيا على الفور من الرسوم الجمركية ومن الرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل، إلى جانب تطبيق معدلات الخصم على قائمة معينة من المنتجات والتي تختلف خلال سنوات التشغيل حتى تصل إلى الإعفاء الكامل.
 
ولا تقدم اتفاقية التجارة الحرة للصادرات الصناعية المصرية حق الوصول الكامل والفوري للسوق التركية الكبيرة فحسب، بل تُسهّل الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي، من خلال دمج الصناعات التركية والمصرية وتمكين المصدرين المصريين من الاستفادة من تجربة تركيا في الاتحاد الأوروبي. وبناءً عليه تحقق اتفاقية التجارة الحرة عدة مزايا تجارية، أهمها، إزالة القيود المفروضة على تجارة السلع بما في ذلك المنتجات الزراعية، وخلق بيئة مناسبة لجذب المزيد من الاستثمارات، وتوفير منافسة تجارية عادلة بين الدولتين، فضلا عن تسهيل الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، كما أن اتفاقيات التجارة الحرة بين مصر وأفريقيا مثل اتفاقية الكوميسا تُسهّل الوصول إلى المستثمرين الأتراك.
 
كل ذلك يبرز حقيقة واحدة وواضحة أن التعاون الاقتصادي بين مصر وتركيا ظل راسخا رغم أية زوابع وتوترات سياسية بين البلدين، حيث تتبادل البلدين استثمارات هامة، ويجمعهما اتفاقية تجارة حرة تعود القرابة العقدين، وتاريخ ممتد من التعاون الثنائي بين مصر وتركيا.
 
ومن ينظر للوضع الاقتصادى في مصر وتركيا، سيجد تشابها كبيراً في الظروف الضاغطة، والتحديات الكبيرة الملقاة على عاتقهما، مما أثر على اقتصاد البلدين، نتيجة خروج الكثير من الأموال الساخنة، وارتفاع مستويات التضخم واللجوء لرفع أسعار الفائدة، وتذبذب التصنيف الائتماني للبلدين، نتيجة تراكم الديون الخارجية ونقص الدولار باختلاف حدتها، وأصبحت الحلول المعتادة برفع سعر الفائدة أو تخفيض قيمة العملة أمور غير مجدية لحل هذه المعضلة الاقتصادية، لذلك فإن الخبراء في البلدين ينظران إلى تشابه الحل لتحسين الوضع الاقتصادي، وهو الاهتمام بزيادة الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الدخل الأجنبي، وفتح أسواق تصديرية جديدة.
 
لذلك فإن الكثيرون ينظرون لزيتارة أردوغان كونها بداية مهمة، بل وفرصة ذهبية للبلدين يمكن استغلالها لتعزيز وتعميق الاستثمارات و التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي بين مصر وتركيا، للعبور من هذه الأزمة المالية بالبناء على الروابط الاقتصادية الفريدة بين البلدين والتي لم تعصف بها أو تزعزعها أية خلافات أو اختلافات في المواقف السياسية.
 
اهتمام تركى بالاستثمار في مصر
وهنا تبرز نقطة شديدة الأهمة، وهى أن مصر دوماً موضع اهتمام من قبل المستثمرين الأتراك، لأن تكاليف العمال والإنتاج أرخص بكثير منها في مضيق البوسفور، إلى جانب توفير مزايا استثمارية للقطاع الخاص، أبرزها "وثيقة سياسة ملكية الدولة" التي أستتبعتها الطروحات الحكومية، والرخصة الذهبية، فضلاً عن قوة البنية التحتية المصرية، والقادرة على استيعاب المزيد من المشروعات الإنتاجية، بخلاف رفع شرط الحصول على التأشيرة في أبريل 2023 الأمور التي أسهمت في تخطي إجمالي الاستثمارات التركية بمصر لمبلغ 2.5 مليار دولار، وبخلاف ظروف الإنتاج والتكلفة الجيدة بمصر، فالشركات التركية التي تفتح مقرات لها في مصر تتمتع أيضًا بفرصة الوصول إلى التجارة المعفاة من الرسوم الجمركية مع دول أخرى، وهو ما يمهد لهم فتح أسواق دولية جديدة، وهو ما يشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد مزيد من تدفق الاستثمارات التركية إلى مصر، تحقيقاً لاهداف مشتركة يسعى لها البلدان.
وهنا يجب الإشارة إلى أنه قبل الزيارة بيوم، عقد المهندس أحمد سمير وزير التجارة والصناعة لقاءً مع إبراهيم بوركاي رئيس الغرفة التجارية الصناعية في مدينة بورصا ونائب رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية التركية لبحث خطة الغرفة لإنشاء منطقة صناعية تركية في مصر، وقال سمير إن الغرفة ترغب في إقامة هذه المنطقة في مصر على غرار المنطقة الصناعية القائمة في مدينة بورصا والمتخصصة في مجالات المنسوجات والسيارات والألومنيوم والآلات والمعدات والتكنولوجيات المتقدمة، لافتاً إلى أن الغرفة تستهدف أن تكون هذه المنطقة محوراً تصديرياً من مصر لأسواق أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والخليج العربي وأسواق شمال إفريقيا لا سيما وأن مصر ترتبط بهذه الأسواق باتفاقيات تجارة حرة تسهم في النفاذ السريع للمنتجات التركية لهذه الأسواق، لافتاً إلى أن هذه المنطقة ستكون جاذبة لمختلف المستثمرين الأتراك المهتمين بضخ استثمارات بالسوق المصري.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق