يوسف أيوب يكتب: رسالة وثائق حرب أكتوبر 1973 لمن يعنيه الأمر

السبت، 24 فبراير 2024 07:00 م
يوسف أيوب يكتب: رسالة وثائق حرب أكتوبر 1973 لمن يعنيه الأمر

- رسالة وثائق حرب أكتوبر 1973 لمن يعنيه الأمر.. الجيش المصرى استطاع تحقيق النصر وقادر على فعلها فى كل مرة

- القوات المسلحة جاهزة فى أى وقت للتعامل مع كل السيناريوهات.. وعقيدتها لا تفريط فى الأمن القومى 
 
فى الندوة التثقيفية الـ29 للقوات المسلحة التى تم تنظيمها فى أكتوبر 2019، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن «الهزيمة الكبرى التى ألحقها الجيش المصرى بالخصم كانت أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت إسرائيل لقبول السلام»، وأضاف أن «الجيش المصرى استطاع تحقيق النصر وهزيمة إسرائيل وإلحاق الخسائر بها مرة، وقادر على فعلها فى كل مرة».
 
هذه الرسالة حاضرة فى أذهاننا جميعا، ونستحضرها كل يوم، لا لشىء، الا للتأكيد على الجاهزية المصرية لمواجهة التحديات والمخاطر أيا كان مصدرها، فالقوات المسلحة المصرية وما تشهده اليوم من عمليات تطوير وتحديث، تؤمن بقاعدة أن الردع يوفر الكثير، والردع هنا ليس فقط بالكلام، وإنما بالفعل على الأرض، والجميع يدرك أن المصريين قادرين على الفعل، متى كتب عليهم القتال.
 
تذكرت ذلك حينما أفرجت وزارة الدفاع الأسبوع الماضى، عن وثائق جديدة ونادرة عن حرب أكتوبر 1973، تضمنت بخط يد قادة الجيش خطط الاستعداد للحرب وإدارتها، وتصفية الثغرة، وتحطيم الساتر الترابى، والتخطيط الاستراتيجى العسكرى للحرب بمراحلها حتى وقف النار، فتوقيت الإعلان عن هذه الوثائق بالغ الأهمية، فكما أنها أبرزت حجم التحديات التى واجهتها قواتنا المسلحة فى هذه الحرب، وكيف تغلبت عليها، فإنها رسالة لمن يعنيه الأمر حولنا، أن المصريين قادرين على حماية أمنهم وأرضهم.
 
وتضمنت الوثائق التخطيط الاستراتيجى العسكرى لحرب أكتوبر، وكذلك إدارة الحرب بمراحلها حتى وقف إطلاق النيران، كما تضمنت كيفية تصفية الثغرة ممثلة فى الخطة شامل وشامل المعدلة، بالإضافة لفض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وكذلك بعض مذكرات القادة، وتحدث موقع وزارة الدفاع حول التخطيط الاستراتيجى العسكرى المصرى لحرب أكتوبر 1973م واعتبره أنه يرقى إلى أعلى درجات الفكر العسكرى العالمى، حيث شمل التوجيه السياسى العسكرى للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وإعداد فكر الاستخدام للقوات المسلحة، وقرار القائد العام وإعداد خطط العمليات والخطط التكميلية وتنظيم التعاون الاستراتيجى والإشراف والمراجعة واختبار التخطيط بما يؤكد قدرة القوات المسلحة على تنفيذ المهام المخططة.
 
كما ذكر موقع وزارة الدافع أن الرئيس الراحل أنور السادات قال إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 1973م حيث تمكنت قواتنا من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع واقتحام الضفة الشرقية للقناة بعد أن أفقدت العدو توازنه وقيامها بتحقيق مهامها المباشرة والتالية (رؤوس الكبارى) وصد وتدمير ضربات العدو وهجماته المضادة وتدميرها والتطوير شرقا، وهدم نظرية الأمن الإسرائيلى وبتر ذراعه الطولى، وإدارة أعمال القتال شرق وغرب القناة وحتى إيقاف إطلاق النيران، وإجراء مباحثات فض الاشتباك وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الشرق لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لحرب 6 أكتوبر المجيدة.
 
ورصد موقع وزارة الدفاع المصرية عدة وثائق نادرة حول حرب أكتوبر 1973، تحدث فى بعض منها عن الإعلام العسكرى، وأكد أن الإعلام المصرى - خاصة العسكرى - لعب دورا هاما فى مجال الإعداد والتخطيط لحرب أكتوبر1973م ليختلف تماما عن الوضع الذى كان عليه ذلك الإعلام خلال حرب يونيه 1967م، كما أكد الموقع الرسمى لوزارة الدفاع أن الإعلام المصرى خرج إلى نطاق التأثير الإقليمى والدولى وتوجه نشاطه لكشف النوايا الإسرائيلية، والتحم بالأحداث العربية والعالمية، واكتسب الإعلام ثقة المواطن والشعب المصرى بمصداقيته خاصه أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973م رغم أنه لم يتمكن من تغطيتها مباشرة بسبب حرص القيادة المصرية على تحقيق السرية وعدم كشف نيه الهجوم يوم السادس من أكتوبر.
 
ما يهمنى فى مثل هذه الوثائق هو توقيتها، أو توقيت نشرها، فهى للحقيقة بمثابة رسالة لتذكير الجميع بالتاريخ المصرى القريب، فارتباط ذلك بالتوقيت فى مصر والمنطقة، يشير إلى ما قامت به مصر فى حرب أكتوبر، وهو تاريخ مصر مشرف، وفيه كثير من العبر والرسائل، وكأن مصر تقول للعالم إننا فى 6 أكتوبر 1973 ورغم الظروف وقتها فقد حققنا المطلوب، لكن اليوم ظروفنا اليوم أفضل ونستطيع فعل المطلوب فى كل وقت وحين، فاليوم الدولة المصرية دولة قوية ورشيدة فى الوقت نفسه وتتعامل بأسس وثوابت، ولا تتعامل بأهواء وعواطف، لذلك جاء قرار نشر تلك الوثائق لتثبت لمن يعنيه الأمر قوة المقاتل المصرى، كما أن الجيش المصرى حاليا أيضا لديه أفضل جاهزية وأحدث الأسلحة والتدريب والأساليب العلمية المتطورة، ما يؤكد مدى الجاهزية لدى القوات المسلحة المصرية، فالجيش المصرى قادر على أن يتعامل مع جميع الجبهات والسيناريوهات، فهو جيش لديه عقيدة واحدة وهى حماية الوطن من الأخطار الخارجية، وعمره لم يكن جيشا باغيا ولا معتديا، فهو جيش قوى مصنف عالميا، كما أن هذه الوثائق تبرز السلوكيات والأخلاقيات لدى الضباط والجنود المصريين فى حرب أكتوبر 1973 مع الجنود الإسرائيليين وتبادل الأسرى واحترامهم، لا هدموا زرع ولا اعتدوا على أسير، فالجيش المصرى جيش مدافع وجاهز للدفاع عن وطنه فى الداخل والخارج.
 
ولنلقى نظرة بسيطة على ما جاء فى هذه الوثائق لندرك كيف تحركت مصر وتعاملت مع الظروف الدقيقة التى عشناها قبل حرب أكتوبر، وصولا إلى تحقيق النصر، فوفق ما جاء فى بعض الوثائق، قدرت وزارة الدفاع خسائر هزيمة 5 يونيو 1967 بأنها أدت إلى «تدمير نحو 80 فى المئة من العتاد الحربى ومقتل 25 ألف شخص، واحتلال سيناء وتهجير بعض من سكان مدن القناة المصرية والقنيطرة (شرق)، وهضبة الجولان السورية وعشرات الآلاف من الفلسطينيين، واحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وفتح باب الاستيطان بها وإغلاق قناة السويس»، ورغم هذه الخسائر، فإن «المصريين والشعوب العربية رفضوا نتائج هذه الحرب وتمسكوا ببقاء الرئيس جمال عبدالناصر (1956 - 1970) فى الحكم ورفضه التنحى، بل خرج الشعب المصرى لمطالبته بالاستمرار وإصراره على استعادة الكرامة وتحرير الأرض من خلال لاءات ثلاث وردت فى مؤتمر القمة العربية بالخرطوم (عقدت فى أغسطس 1967)، (لا صلح - لا اعتراف - لا تفاوض)، ورفع شعار (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)».
 
ومن ضمن الوثائق، توجد وثيقة وصفت ما يحدث فى مصر بعد الهزيمة بـ»الحراك السياسى - ما بعد مبادرة (روجرز) لوقف إطلاق النار فى الثامن من أغسطس 1970 وحتى صباح السادس من أكتوبر 1973» يوم الحرب، حيث أظهرت سجلات محادثات تليفونية، تناولت تفاصيل عن نشاط العدو خلال تلك الفترة، إلى جانب إحداثيات العدو وحراك أسلحته، إذ تعرضت السجلات التليفونية لملخص لممارسات العدو فى تلك الأثناء.
 
ووصف موقع وزارة الدفاع التخطيط الاستراتيجى لحرب 1973، بأنه «يرقى إلى أعلى درجات الفكر العسكرى العالمى، حيث شمل التوجيه السياسى العسكرى للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وإعداد فكر الاستخدام للقوات المسلحة، وقرار القائد العام وإعداد خطط العمليات والخطط التكميلية وتنظيم التعاون الاستراتيجى والإشراف والمراجعة واختبار التخطيط بما يؤكد قدرة القوات المسلحة على تنفيذ المهام المخططة».
 
ومن بين خطط الحرب، تضمنت بعض الوثائق «تفاصيل العملية جرانيت 2»، وهى إحدى الخطط العسكرية التى وضعتها قيادة الجيش المصرى، التى كان الهدف منها هو احتلال المضائق الجبلية فى شبه جزيرة سيناء، وجاء فى إحدى الوثائق المؤرخة بـ22 أبريل 1973، والصادرة من قاعدة البحر الأحمر البحرية، إلى رئيس شعبة العمليات البحرية، «للوقوف على مطالبة فى تأمين قتال القوات على الساحل الشرقى لخليج السويس»، وجد بعض المهام التى لم يسبق تكليف القاعدة بها والتى تشمل «الاستعداد للإغارة على رأس العدو بالضفة الشرقية لخليج السويس والتى يكتشف بها وسائل إمرار بحرى باستخدام الضفادع البشرية، وتوجيه ضربة بالصواريخ غير الموجهة، والإغارة بفصيلة صاعقة بحرية، والمعاونة على إمرار عدد أربع سرايا صاعقة باستخدام 30 زودياك».
 
فى المقابل كانت مطالب قائد منطقة البحر العسكرية «إعداد وتجهيز مناطق التحميل لسرايا الصاعقة والسيطرة عليها أثناء تنفيذ العملية، وتأمين إبحارها فى العملية جرانيت2 المعدلة، وتأمين وسائل وأعمال الإمداد البحرى عبر الخليج للقوات، فضلا عن استغلال وسائل التأمين الخاصة بالعملية فى تأمين إبحار فصائل الصاعقة».
 
كما تضمنت تلك الوثائق، استخدام القوات المسلحة فكرة العملية جرانيت، «حيث تهدف العملية إلى هزيمة وتدمير تجميع العدو الإسرائيلى فى سيناء على مرحلتين إضافة إلى الاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية، مع تهيئة أنسب الظروف العسكرية والسياسية لاستكمال هزيمة العدو وتحرير الأراضى المحتلة».
 
وعن الإعداد للحرب ذاتها، كشفت بعض الوثائق جانبا من خطة «الخداع الاستراتيجى» التى انتهجها الرئيس المصرى آنذاك أنور السادات، لخداع العدو، إذ أشارت الوثائق إلى إجراءات الخداع الاستراتيجى المقترحة للعمليات الاستراتيجية والتعبوية لتحرير الأراضى المحتلة فى جبهتى مصر وسوريا، عبر مجموعة من الوسائل شملت: «تنشيط الحراك السياسى والدبلوماسى لترجيح الحلول السلمية، وإظهار التناقضات فى الجبهة العربية بالقدر اللازم فقط، الذى لا يضر بالعلاقات الحقيقية للدول العربية أو العمليات المشتركة».
 
وبحسب إحدى الوثائق، ووفق إجراءات الخداع الاستراتيجى، حددت الجهات المسؤولة عن تنفيذ الخطة، وهى القيادة السياسية ووزارة الخارجية وجامعة الدول العربية ووزارة الإعلام. وشملت خطة العمل لتنفيذها: «أولا تنشيط التحرك السياسى والدبلوماسى لترجيح الحلول السلمية، الذى يشمل استمرار الاتصالات الدبلوماسية والسياسية المكثفة مع الدول الشرقية والغربية ودول عدم الانحياز، بغرض تأكيد وجهة النظر العربية فى شأن التسوية السلمية مع استمرار التظاهر بالمرونة والرغبة فى التوصل إلى حلول سلمية شاملة أو جزئية، إضافة لمعاودة التوسط من طريق الدول العربية التى تربطها علاقات صداقة مع الغرب للاتصال بأمريكا والدول الغربية الأخرى، لإظهار نية الدول المواجهة فى قبول الحل السلمى، ويتخذ فى ذلك الأساليب المختلفة التى تقرها أجهزة الدولة الفنية».
 
وتضمن البند الثانى من الخطة، ما قالت عنه الوثائق، «إظهار التناقضات فى الجبهة العربية بالقدر اللازم فقط، الذى لا يضر بالعلاقات الحقيقية للدول العربية أو العمليات المشتركة، والذى تضمن الإعلان عن مقابلات واتصالات عربية بغرض تنقية الجو العربى، واستغلال إعلان عدم جدوى عقد مؤتمر قمة عربى قبل تصفية التناقضات فى العالم العربى، وأخيرا تضخيم بعض النزاعات التى تنشأ بين الدول العربية بقصد إظهار التناقضات بما يوحى بصعوبة تنفيذ العمل العربى الموحد ضد إسرائيل فى الوقت الحاضر، ومن أمثلة ذلك: مشكلة الحدود بين العراق والكويت، ومشكلات اليمن الجنوبية والشمالية، ومشكلة السودان ومنظمة تحرير فلسطين».
 
فى ما تضمن البند الثالث من الخطة وفق الوثائق، «إبراز سياسة طويلة الأمد نسبيا لإعداد أجهزة الدولة والقوات المسلحة والشعب للمواجهة الشاملة: الذى تضمن إبراز مشكلات إعداد الجبهة الداخلية وإيجاد حلول تستغرق فترة طويلة نسبيا».
 
ونشر فى ذلك موقع وزارة الدفاع، مجموعة من الوثائق عن الحرب التى تضمنت، الضربة الجوية والتمهيد النيرانى وعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، وإسقاط واستسلام مواقع إسرائيلية من خط بارليف (بورتوفيق - القنطرة)، فضلا عن تكوين رؤوس الكبارى وصد الهجمات المضادة للعدو، إضافة إلى تطوير الهجوم شرقا وتداعياته، عبر رصد الدعم العاجل إلى مطار العريش، عبور الاحتياطات التعبوية المدرعة إلى شرق القناة، وحتى تطوير الهجوم شرقا صباح 14 أكتوبر خارج مظلة الدفاع الجوى المصرى، وصولا للأعمال القتالية ما بعد التطوير».
 
وشملت بعض الوثائق كذلك بعض الأوامر والخرائط لكيفية تصفية ثغرة الدفرسوار ممثلة فى الخطة شامل، وشامل المعدلة، إضافة لفض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية، كما أشارت الوثائق كذلك إلى الخطط التكميلية والخاصة مع دول الدعم العسكرى العربى لمصر، إذ أشارت على سبيل المثال إلى دور المملكة المغربية فى تأمين طيران الطائرات إلى الجزائر، ثم تونس حيث تتزود بالوقود، ثم تعمل مصر على تأمينها للطيران فى سماء ليبيا.
 
هذه الوثائق بجانب أنها عمل توثيقى مهم للباحثين عن الحقيقة فى الحرب التى استطاعت القوات المسلحة المصرية من خلالها هدم وليس فقط ألحاق الهزيمة بنظرية الأمن الإسرائيلى، فقد استطاع الجيش المصرى أن يقف صلبا وقويا فى مواجهة العتاد الإسرائيلى المدعوم أمريكيا، وأسقط نظرية الأمن الإسرائيلى، وتحولت معه إسرائيل إلى دولة فى خطر، وأثبتت أن التقديرات الاستراتيجية لدى إسرائيل فى 1973 كانت خاطئة، كما هى اليوم ايضا خاطئة، أذا ظنت للحظة أن مصر ستتهاون فى أى وقت مع أمنها القومى، فالدولة المصرية جاهزة لكل السيناريوهات.
 
نعم أن مصر لم ولن تكون أبدا داعية للحرب أو محرضه عليها، بل يدها ممدودة دوما للسلام، لكن هذا لا يعنى أنها مستسلمة، وإنما يد السلام منطقها القوة التى تعطيها القدرة للتعامل مع كل السيناريوهات.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق