قتلى كثيرون وقاتل واحد

السبت، 02 مارس 2024 05:05 م
قتلى كثيرون وقاتل واحد
حمدى عبد الرحيم

- قاتل واحد بدأ رحلة القتل قبل قرن من عامنا هذا وها هو يواصل رحلته لا يردعه رادع ولا تثنيه مظاهرات أو مناشدات 
 
فى الشعر صرخ محمود درويش
 
سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ
 
سقط القناعُ
 
لا إخوةٌ لك يا أَخى.. أَصدقاءُ
 
يا صديقى.. لا قلاعُ
 
لا الماءُ عندكَ.. لا الدواء ولا السماء ولا الدماءُ ولا الشراعُ
 
ولا الأمامُ ولا الوراءُ».
 
فى نشرة الأخبار قال فيليب لازارينى، المفوض العام لـ«الأونروا»، إن ما تواجهه غزة اليوم هو «ذروة الحرب»، إننا أمام حرب أقوى من الحروب التى رأيناها فى أفغانستان أو اليمن أو أفريقيا».
 
صوت درويش يأتى من العام 1982، زمن احتلال العدو لبيروت، صراخ درويش كأنه عن غزة وليس عن بيروت.
 
فى الشعر يصرخ درويش: 
 
«والموتُ يأتينا بكل سلاحه الجويِّ والبريِّ والبحريِّ.
 
ألفُ قذيفةٍ أُخرى ولا يتقدم الأعداء شبرًا واحدًا.
 
ما زلتُ حيًّا – ألفُ شكرٍ للمصادفةِ السعيدة
 
يبذل الرؤساء جهدًا عند أمريكا لتُفْرِجَ عن مياه الشربِ
 
كيف سنغسل الموتى؟
 
ويسأل صاحبى: وإذا استجابت للضغوطِ فهل سيسفر موتنا
عن:
 
دولةٍ...
 
أَم خيمةٍ؟
 
قلتُ: انتظرْ! لا فرق بين الرايتينْ».
 
فى نشرة الأخبار يقول فيليب لازارينى، المفوض العام لـ«الأونروا «إننا نتحدث عن مجاعة فى غزة واسعة النطاق».
 
فى نشرة الأخبار بتر الطبيب قدمىّ طفلة غزاوية، الطفلة ظنت أنها خضعت لجراحة عادية فسألت الطبيب: «عمو، متى ستنمو قدماى ثانية؟».
 
فى سرده للمآسى يقول الكاتب حسن المقدام: «فى 6 يونيو عام 1982 كانت دبابات العدو الإسرائيلى قد اجتاحت معظم مدن الجنوب اللبنانى وقراه، ووصلت إلى مشارف بيروت وحاصرتها.
 
كان الشاعر اللبنانى خليل حاوى قادمًا من شارع بلِس الموازى للجامعة الأمريكية فى بيروت، التقى صديقه شفيق عطايا الذى اصطحبه معه إلى منزله، وعند الـتاسعة ليلًا نزلا ليتمشيا معًا، عند الـعاشرة عاد خليل إلى منزله فى شارع المكحول غاضبًا من كلِّ شيء، خرج إلى الشرفة، وفى الـعاشرة والنصف تناول بندقية الصيد الفرنسية من طراز سانت إيتيان من خزانته، وأطلق منها رصاصة واحدة على رأسه، وبسبب ضجيج الحرب تلك الليلة، لم يعرف الجيران بالحادثة حتّى صبيحة اليوم التالى، حيث وجدوا جثة جارهم الشاعر والأستاذ الجامعى مكوّمة على شرفته غارقة بدمه».
 
قتل خليل حاوى نفسه لكى ينجو من قناصة العدو.
 
قتل نفسه لأن الحياة أصبحت عارًا.
 
فى النثر قال درويش لقد قتل خليل حاوى نفسه: «لأنه سئم الحضيض، سئم الإطلال على هاوية لا قاع لها.. كان وحيدًا، بلا فكرة، ولا امرأة، ولا قصيدة، ولا وعد، وماذا بعد وقوع بيروت فى الحصار؟».
 
فى نشرة الأخبار «أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية وفاة الطيار الأمريكى الذى أضرم فى نفسه النار أمام السفارة الإسرائيلية فى واشنطن، احتجاجًا على الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، وذلك وفقا لما نقلته وسائل إعلام عالمية.
 
وقال «الجندى» الذى كان يرتدى الزى العسكرى فى مقطع فيديو تم بثه على الهواء مباشرة على الإنترنت: «لن أكون شريكا فى الإبادة الجماعية بعد الآن» وفقا لما نقلته «نيويورك تايمز».
 
ووفقا لتقارير أمريكية، فإن الجندى الأمريكى، أورون بوشنيل، قدم نفسه فى فيديو نقله من موقع الحدث كجندى فى الخدمة الفعلية بسلاح الجو الأمريكى، معلنا أنه «لا يمكنه أن يكون شريكا أكثر فى الإبادة الجماعية» وقال: «سوف أشارك فى عمل احتجاجى متطرف، ولكن بالمقارنة مع ما يعيشه الناس فى فلسطين على أيدى المحتلين، فهو ليس متطرفا على الإطلاق.
 
وتابع: «هذا ما قررت طبقتنا الحاكمة أن يكون طبيعيا»، وقال هذا قبل أن يشعل النار فى نفسه وهو يهتف «فلسطين حرة» أمام الشرطة التى فشلت فى اعتقاله».
 
هذا ما جاء فى الشعر والنثر ونشرات الأخبار، لن نجد أمامنا سوى القتلى ودماء وخراب وهدم، ولن نبحث عن القاتل الجانى والجلاد غليظ القلب عديم الحس.
إنه قاتل واحد مسلح ببندقية واحدة ذخيرتها الحقد والكراهية والولع بسفك الدماء.
 
قاتل واحد بدأ رحلة القتل قبل قرن من عامنا هذا، وها هو يواصل رحلته لا يردعه رادع ولا تثنيه مظاهرات أو مناشدات.
 
فى يوم قادم لا ريب فى قدومه ستقول نشرات الأخبار: «فر اليوم آخر جندى تبقى من جيش الاحتلال».
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق