المفتى يوضح حكم صلاة التراويح في وسائل المواصلات بالنسبة للمسافر

السبت، 09 مارس 2024 02:28 م
المفتى يوضح حكم صلاة التراويح في وسائل المواصلات بالنسبة للمسافر
منال القاضي

أجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية عن سؤال يقول السائل "ما حكم صلاة التراويح في وسائل المواصلات بالنسبة للمسافر؟ حيث يتكرر سفري في أيام رمضان ليلًا، ولا أريد أن أُضَيِّع على نفسي أجرَ وثوابَ صلاة التراويح، فهل يجوز لي القيام بصلاة التراويح في وسائل المواصلات؟".

وأجاب المفتي: لا حرج شرعًا في صلاة المسافر للتراويح أثناء ركوبه وسائل المواصلات، ويأتي بما استطاع منها على هيئته، ويومئ بما لا يستطيعه من الأفعال، ويجعل إيماءه في سجودِه أخفضَ مِن إيمائه في ركوعِه، ولا يَضُره في أيِّ اتجاهٍ سارت تلك الوسيلة التي يركبها.

ترغيب الشرع في صلاة التراويح وبيان حكمها وفضلها

الإسلام دينُ يسرٍ ورحمةٍ للعالمين؛ حيث تضمَّنت شريعته السمحاء الكثير من الرُّخَص والتخفيفات على المكلفين لرفع الحرج عنهم، وكان من القواعد الخمس الكبرى التي عليها مدار الفقه الإسلامي: أن "المشقة تجلب التيسير"، والسفر مَظنَّةٌ للتخفيف؛ ولذا جاز قَصْرُ الصلوات المكتوبة وجَمْعُها للمسافر، وجاز صلاة النوافل على الراحلة أو الدابة أو وسائل المواصلات؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كَانَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» متفقٌ عليه
.

 

وصلاة التراويح سنةٌ نبويةٌ في أصلها، عُمَريَّة في هيئتها، سَنَّها سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته في شهر رمضان المعظَّم؛ فقال: «شَهْرٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ» رواه ابن ماجه في "سننه" من حديث عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه.

 

وهي شعيرةٌ عظيمةٌ من شعائر الإسلام ثَبَتَ فضلُها وجزيلُ ثوابها والترغيبُ في أدائها في أحاديث كثيرة؛ منها: ما رواه الشيخان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

 

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 39، ط. دار إحياء التراث العربي): [معنى إيمانًا: تصديقًا بأنه حقٌّ مقتصدٌ فضيلتُهُ. ومعنى احتسابًا: أنْ يريدَ اللهَ تعالى وَحدَهُ، لا يقصد رؤيةَ الناس ولا غيرَ ذلك مما يخالف الإخلاص. والمراد بقيام رمضان: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها] اهـ.

 

وصلاة التراويح من السنن المجمع على سنيتها، وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحدٍ من العلماء.


حكم صلاة التراويح للمنفرد ونصوص الفقهاء في ذلك

من المقرر شرعًا مشروعية صلاة التراويح للمنفرد، سواء كان ذلك في البيت أم غيره
.

 

قال الإمام الطحاوي الحنفي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/ 313، ط. دار البشائر الإسلامية): [روى المعلَّى عن أبي يوسف قال: "مَن قَدَر أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في رمضان فأحب إليَّ أن يصلي في البيت"، وكذلك قال مالك. وقال مالك: "كان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس"، قال مالك: "وأنا أفعل ذلك، وما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا في بيته"، وقال الشافعي: "صلاة المنفرد في قيام رمضان أحب إليَّ"] اهـ.

 

وقال الإمام النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 318، ط. دار الفكر): [ولما كان فعلها في البيوت أفضل قال: (ومن شاء قام) أي: صلى التراويح (في بيته ولو بإمام؛ وهو أحسن) أي: أفضل من فعلها في المسجد (لمن قويت نيته وحده)، ومعنى قويت نيته: أن يكون عنده نشاط في فعلها في بيته.. وإنما كان فعلها في البيوت مع القيود أفضل للسلامة من الرياء؛ لأن صلاة الجلوة على النصف من صلاة الخلوة] اهـ.

 

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (2/ 291، ط. دار الكتب العلمية): [صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أفضل إذا لم يكن في انفراده تعطيل الجماعة، فهو قول أكثر أصحابنا] اهـ.

 

وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 181، ط. دار إحياء التراث العربي) في بيان أحكام صلاة التراويح: [ومنها: فعلها في المسجد أفضل، جزم به في "المستوعب" وغيره. قلت: وعليه العمل في كلِّ عصرٍ ومصرٍ، وعنه: في البيت أفضل، ذكر هاتين الروايتين الشيخ تقي الدين، وأطلقهما في "الفروع"] اهـ.


حكم صلاة التراويح في وسائل المواصلات بالنسبة للمسافر

مشروعية صلاة التراويح في وسائل المواصلات تندرج تحت ما تقرر من جواز صلاة النوافل والسنن على الدابة والراحلة في السفر الطويل الذي تقصر فيه الصلاة، وقد تقرر هذا بالكتاب والسُّنَّة والإجماع
.

 

فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 115].

 

ذكر الإمام الفخر الرازي في دلالة هذه الآية أوجهًا، وذكر منها أن الآية نزلت في صلاة التطوع على الراحلة في السفر؛ فقال في "مفاتيح الغيب" (4/ 19، ط. دار إحياء التراث العربي): [أن الآية نزلت في المسافر يصلي النوافل حيث تتوجه به راحلته.

 

وأخرجه الإمام مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته».

 

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 210): [في هذه الأحاديث: جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت، وهذا جائز بإجماع المسلمين، وشرطه: ألَّا يكون سفر معصية، ولا يجوز الترخص بشيء من رخص السفر لعاصٍ بسفره] اهـ.

 

وقد نقل الإجماع على مشروعية صلاة النوافل والسنن بشكل عام على الدابة أو الراحلة، والتي منها وسائل المواصلات: جمعٌ من العلماء.

 

وقد استثنى السادة الحنفية من هذا العموم في جواز صلاة التطوع على الراحلة في السفر سنة الفجر وصلاة الوتر؛ لأنه من الواجبات عندهم.

 

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (2/ 38، ط. دار الفكر): [(قوله ويتنفل المقيم راكبًا... إلخ) أي: بلا عذرٍ، أطلق النفل فشمل السنن المؤكدة إلا سنة الفجر... وأشار بذكر المقيم أن المسافر كذلك بالأولى؛ واحترز بالنفل عن الفرض والواجب بأنواعه كالوتر... فلا يجوز على الدابة بلا عذر لعدم الحرج] اهـ.

 

وقولهم هذا لا يتنافى مع الخلاف الوارد في حكم صلاة التراويح قاعدًا مع القدرة على القيام قياسًا على سنة الفجر بجامع كونها سنة مؤكدة مثلها؛ حيث إنَّ الصحيح عندهم جواز صلاتها قاعدًا بخلاف سنة الفجر.

 

قال الإمام الحدادي في "الجوهرة النيرة" (1/ 99، ط. المطبعة الخيرية): [وأما أداء التراويح قاعدًا مع القدرة على القيام فاتفق العلماء على أنه لا يُستحب لغير عذرٍ، واختلفوا في الجواز؛ قال بعضهم: لا يجوز من غير عذرٍ اعتبارًا بسنة الفجر؛ إذ كل واحد منهما سنة مؤكدة، وقال بعضهم: يجوز؛ وهو الصحيح بخلاف سنة الفجر فإنه قد قيل إنها واجبةٌ] اهـ.

 

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فلا حرج شرعًا في صلاة المسافر للتراويح أثناء ركوبه وسائل المواصلات، ويأتي بما استطاع منها على هيئته، ويومئ بما لا يستطيعه من الأفعال، ويجعل إيماءه في سجودِه أخفضَ مِن إيمائه في ركوعِه، ولا يَضُره في أيِّ اتجاهٍ سارت تلك الوسيلة التي يركبها.

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق