شهيد مستني شهيد.. يا رياض سلم على ولادنا اللي معاك (1)

السبت، 09 مارس 2024 09:00 م
شهيد مستني شهيد.. يا رياض سلم على ولادنا اللي معاك (1)
محمد الشرقاوي

- الثأر لشهدائنا سيرة مستمرة بدأت بالرد القوى على استشهاد الفريق عبد المنعم رياض ومتواصلة مع كل شهدائنا

- «الجنرال الذهبي» صاحب مقولته الشهيرة: مكان القادة الصحيح وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية
 
في مرة جلس جد يحكي لأحفاده، عن انتصارات العسكرية المصرية المجيدة، وكيف دفع المصريين من أجلها الغالي والنفيس، حتى أن أظهر لهم قدمه ليريهم إصابة جراء شظية من انفجار قنبلة أثناء حرب الاستنزاف، حاول أن يتفاداها فنجح وخسر رفاقه. 
 
فجأة دمعت عين الجد، ذلك الجندي الذي أدى التحية في يوم من الأيام لرئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب الاستنزاف، والذي اصطفاه الله بالشهادة بين جنوده على الجبهة، في 9 مارس 1969‏.
 
فانتبه الأحفاد، وقالوا لم تبكي ياجدي، قال تذكرت يوم مات القائد عبدالمنعم رياض.. ومين عبدالمنعم ده ياجدو؟.. علشان تبدأ معاها حكاية أثر، لسه عايش. 
في وسط القاهرة وبجوار المتحف المصري، وعلى مقربة من تاريخ الأجداد، هناك تمثال برونز شامخ، لرجل ببدلة عسكرية، رافعاً «منظار الميدان»، وكأن عيونه تنظر المستقبل، وأثر ما تركه هو وأبناءه.. هو الجنرال فريق أول محمد عبد المنعم محمد رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب الاستنزاف، استشهد على الجبهة في 9 مارس 1969‏.
 
في 22 أكتوبر عام 1919، ولد رياض بقرية سبرباي بمحافظة الغربية، ووالده «القائم مقام» عقيد محمد رياض عبد الله قائد كتائب الطلبة بالكلية الحربية، تلقى تعليمة الابتدائي في مدرسة السيدة نفيسة بالعباسية، ثم بمدرسة العرش الابتدائية، ثم انتقل إلى مدرسة الرمل الابتدائية بالإسكندرية، والتحق بالكلية الحربية في 6 أكتوبر 1936 وتخرج منها في 21 فبراير 1938 برتبة الملازم ثان، وكان ترتيبه الثاني على دفعته، ثم التحق بكلية أركان الحرب.
 
يكمل الجد حديثه: حصل رياض على ماجستير العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول على الخريجين، وشارك في الحرب العالمية الثانية عام 1939 بالصحراء الغربية ومرسى مطروح، ثم حرب فلسطين عام 1948، ثم قائدًا لمدرسة المدفعية المضادة للطائرات في مايو 1952، ثم قائدًا لنفس السلاح في يوليو عام 1954، تدرج بعدها في الرتب العسكرية والمدارس الحربية، قضى عدة سنوات في أرقى الكليات العسكرية بالاتحاد السوفيتي حيث أطلق عليه الروس لقب «الجنرال الذهبي».
 
كانت حرب 1956 «العدوان الثلاثي» أحد الحروب التي شارك فيها الجد، كأحد عناصر المقاومة الشعبية، وهي الحرب التي شارك فيها الفريق رياض، كقائد لسلاح المدفعية المضادة للطيران، خلال عامي 1947 – 1948 عمل وقتها في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية.
 
في عام 1960، شغل رياض منصب رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1960 ثم نائبًا لرئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة عام 1961، وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشؤون الدفاع الجوي، ثم اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات خلال عامي 1962 – 1963، وفي عام 1964 عين رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة، ورقي في عام 1966 إلى رتبة فريق.
 
أخرج الجد مكتبته «موسوعة مقاتل: عبد المنعم رياض»، ليكمل حديثه: «الشهيد رياض كان بطلاً ليس له مثيل، درجة أن قادة الحروب كان يعرفون قيمته، ففي مرة قال المارشال أندرێ گريچكو وزير الدفاع السوفيتي في 1967 أثناء زيارة الزعيم جمال عبدالناصر إلى روسيا، عنه: «الجنرال رياض عسكري من طراز فريد، إنني لم أصادق جنرالًا غير سوفيتي، يجيد اللغة الروسية مثلما يجيدها رياض».
 
ورقي إلى رتبة «فريق» في 1966، ثم عين قائدا لمركز القيادة المتقدم في الأردن ثم عين قائدا للجبهة الأردنية، كانت له مقولة شهيرة تدرس في الكليات العسكرية: «إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة.. إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية». 
 
طيب ومات إزاي؟.. ما زال الجد يتذكر ليلة الاستشهاد، في يوم 8 مارس 1969 فتحنا نيران المدفعية على مواقع العدو وتحصيناته في إطار حرب الاستنزاف، وعلى الفور قرر الشهيد السفر إلى الإسماعيلية لمراقبة الأمور على الطبيعة وكانت إسرائيل قد انتهت في هذا الوقت من بناء خط بارليف، وكان عبد المنعم رياض أحد الذين أشرفوا على تنفيذ خطة لتدمير الخط، وفي الساعة الحادية عشر صباح يوم 9 مارس 1969، استقل الشهيد سيارة عسكرية إلى الجبهة وأصر مقابلة الجنود برغم معارضة الضباط له، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف وصل إلى الموقع المتقدم رقم 6، بعدها بدأ القصف الإسرائيلي فجأة مركزًا على المناطق المدنية، وفجأة انهالت دانات المدافع، وإلى جانبه قائد الجيش ومدير المدفعية، ليكون هدير الطلقات شاهدًا على النفس الأخير من حياة الشهيد.
 
يستطرد الجد الذي شارك في حرب الاستنزاف: «الشهيد رياص كان فدائي، لا يخاف أحد، كذلك أبناءه، رفضوا أن أن يأخذوا العزاء، حتى الثأر له». يحكي الجد حدوته حكاها «الشهيد الحي»، البطل عبد الجواد سويلم، وهو لقب أطلقه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عقب زيارته لعبدالجواد، له في المستشفى وفقده لقدميه وذراعه وواحدة من عينيه. 
 
يقول عبدالجواد: «لم تكن عملية الثأر للشهيد مرة واحدة بل قمنا بعمليتين الثأر.. وهي عملية نفذتها قوات الصاعقة بالتعاون مع الأجهزة الأخرى، كالمخابرات الحربية وقوات الاستطلاع، حيث توصلوا إلى معلومة بزيارة ثلاثة من كبار قادة العدو موقع استهداف الفريق عبد المنعم رياض لتكريم من قاموا بهذه العملية وتقليدهم الأوسمة، والنياشين، مكافأة لهم وما قاموا به من عملية لم تكن بالسهلة على الإطلاق».
 
وبعد وصول المعلومة كلفت القوات المسلحة باختيار القناص الأول بن محافظة الجيزة نقيب صالح أبورابية، وتكليفه من قائد الجيش الثاني باستهداف القادة الإسرائيليين أثناء تكريمهم لجنودهم وقد تم تكليف مجموعة الصاعقة والمكونة من 30 جنديا وقائد للمجموعة، كان عبدالجواد أحدهم، وكان مكلفاً بتأمين القناص أبورابية حتى لا يتم استهدافه من قوات العدو الإسرائيلي.
 
تمركزت المجموعة لمسافة كبيرة من مكان مبني الإرشاد التابع لهيئة قناة السويس، وحفرت خندقاً بشكل هلالي حول خندق القناص وكل منا يقوم بحراسة زاوية لتأمينه.
 
ويقول البطل عبدالجواد سويلم: بعد نجاح عمليه الثأر الأولى للشهيد عبدالمنعم رياض واستهداف 3 من القادة الإسرائيليين فتحت علينا النيران من المدفعية الإسرائيلية لمدة 12 ساعة، حتى صدر الأمر بالإخلاء بعد توقف المدفعية الإسرائيلية عن الضرب. 
 
عملية الثأر الثانية نفذتها المجموعة 39 قتال بقيادة الشهيد البطل إبراهيم الرفاعي باستخدام 6 قوارب يحمل كل قارب 10 جنود، عبروا القناة وقاموا باقتحام الموقع والقضاء على كل ما في الموقع من ضباط وجنود إسرائيليين، حيث قتل 43 ضابطًا وجنديًا من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإنزال العلم الإسرائيلي ورفع علم مصر على الموقع.
 
الحكاية هنا منتهتش.. يقول الجد: «في كل مرة أشاهد خبر استشهاد أحد رجال الجيش أو الشرطة، بقول لنفسي البلد دي لسه فيها خير، وإن دم رياض مرحش هدر، وإن اللى خلف مماتش، لا وكمان بقوله يا رياض: "سلم على ولادنا اللي معاك».  
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة