الحقوق الفلسطينية لا تسقط بالتقادم.. النكبة مستمرة منذ 1948 وحتى اليوم على أيدى القتلة

السبت، 18 مايو 2024 08:00 م
الحقوق الفلسطينية لا تسقط بالتقادم.. النكبة مستمرة منذ 1948 وحتى اليوم على أيدى القتلة
نكبة 1948- أرشيفية
محمود على

- حكومة نتانياهو المجرمة تريد محو فلسطين من الخريطة بتكرار النكبة وتهجير الشعب من غزة والضفة 

- الملحمة السياسية والإنسانية المصرية تتواصل لدعم الأشقاء وإعادة الروح والحياة إلى الشعب المتألم من جراح الاحتلال

- القاهرة أسست خطوات مرسومة واستراتيجية ثابتة لدعم أبناء فلسطين وحقوقهم العادلة فى دولة مستقلة وحياة كريمة
 
«على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ.. على هذه الأرض سيدةُ الأرض، أم البدايات أم النهايات.. كانت تسمى فلسطين.. صارتْ تسمى فلسطين سيدتى.. أستحق، لأنك سيدتى، أستحق الحياة»، تلك كانت كلمات الشاعر الفلسطينى محمود درويش فى أحد دواوينه الشعرية التى جسدت معانى قاسية لمن عاشوا أوقاتا صعبة تحت احتلال غاشم ظل على مدار الـ76 عاما يدمر ويقتل ويرهب، يحاول أن يمحى تاريخ سكان فلسطين الأصليين، هويتهم ثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم، لكن هؤلاء رغم مرور 7 عقود ونصف العقد على النكبة الفلسطينية التى تزامنت ذكراها الأربعاء الماضى، 15 مايو الجارى، لا يزال لديهم تصميم وتمسك بحقهم فى العودة إلى وطنهم المسلوب، فالحقوق لا تسقط بالتقادم، والشعب ذاكرته هو وأجياله المتوالدة حية ولن تنسى ولن تتنازل مهما قدم من تضحيات وطال الزمان عن الأرض، لن تتنازل عن دماء شهداء سالت كانت وما زالت تدافع وتنادى وتقول «لا تزال العودة حقا كالشمس».
 
«شاعر القضية الفلسطينية» محمود درويش كما لقبه البعض نجح ببراعته فى تصوير الحالة الفلسطينية على مدار العقود الماضية، لتتخذ من قصائده النضالية سلاحا فلسطينيا عتيدا فى صدر العدو تذكرنا بما حدث منذ النكبة فى وقت يحيى الفلسطينيون والعرب المناصرون للقضية الفلسطينية ذكراها، بالتزامن مع ظروف صعبة يعيشها الشعب الفلسطينى فى وقتنا الراهن، مع استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة للشهر السابع على التوالى، فما أشبه الليلة بالبارحة.
 
الخطط والأهداف والمشاريع الصهيونية واحدة مع اختلاف الطرق والتنفيذ نحو دفع الشعب الفلسطينى لترك أرضه ومنازله بأى طريقة كانت، بالترهيب والاضطهاد بالقصف والتدمير بخلق حصار خانق لإجبار السكان الأصليين للنزوح والتهجير، لكن كما قال درويش سابقا «أيها المارون بين الكلمات العابرة.. كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن.. لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة.. فلنا فى أرضنا ما نعمل.. ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا.. ولنا ما ليس يرضيكم هنا.. حجر.. أو خجل».
 
النكبة مستمرة بأياد إسرائيلية ملطخة بالدماء
 
ذكرى أليمة، عاش على أثرها الفلسطينيين سنوات وسنوات صعاب لا زال يتأثروا بأحداثها حتى وقتنا الراهن، فالنكبة التى أدت إلى تشتت مئات الالاف من الفلسطينيين وتعرضهم لتهجير جماعى وتشريد وقتل واضطهاد من قبل القوات الصهيونية لإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلى، لا يزال الفلسطينيون يعانون من عواقبها حتى يومنا هذا، ويعيشون فى ظروف صعبة فى المخيمات والمناطق المحتلة، ولم يكن تأثير النكبة مؤلما على الشعب الفلسطينى وقضيته فقط، بل كانت لها تداعيات كبيرة على المنطقة العربية وزادت من حدة الصراعات بداخلها بعد أن زرعت بذور كيان محتل مغتصب للأرض، بث عدم الاستقرار بداخلها وجعل العالم العربى فى صراع أبدى معه.
 
النكبة تسببت فى فقدان ما يقارب 80% من الأراضى الفلسطينية وتشريد نحو مليون فلسطينى من ديارهم، فيما تجاوز عدد اللاجئين 5 ملايين شخص، يعيشون فى ظل نقص الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية والتعليمية، فى حين تكشف الأرقام عن نزوح أكثر من 750 ألف فلسطينى خارج حدود فلسطين التاريخية، وتدمير ما يصل إلى 531 قرية فلسطينية.
 
ومنذ النكبة المشؤومة وتزيد سلطات الاحتلال الإسرائيلية من عدد المستوطنات والمستوطنين بشكل كبير، ما يضيق الخناق على حرية تنقل الفلسطينيين، واستمرارا لانتهاكاتها أقدمت إسرائيل على بناء جدار الفصل العنصرى، ما قطع الوصول إلى العديد من الخدمات الحيوية وأدى إلى عزل المناطق الفلسطينية عن بعضها، مقتطعة مساحات شاسعة من أراضى الفلسطينيين، ولم تقف الانتهاكات الإسرائيلية هنا حيث تعرضت أجيال فلسطينية للمضايقات والرقابة المشددة وإلغاء التراخيص، والحرمان من حقوق أساسية مثل الحق فى العمل والتعليم والرعاية الصحية والحرية الدينية وحرية التنقل وتوفير فرص العمل.
 
وخلال السنوات الماضية، جاء تولى بنيامين نتنياهو مجددا منصب رئيس الحكومة ليزيد من معاناة الشعب الفلسطينى، حيث تعتبر حكومة تل أبيب من أكثر الحكومات المتطرفة فى تاريخ الكيان الصهيونى، بسبب ما شهدته السياسة الإسرائيلية من ارتفاع معدلات التطرف والتوسع فى الاستيطان والاستيلاء على المزيد من الأراضى الفلسطينية، مرتكبة مزيدا من انتهاكات حقوق الإنسان وتجاوز القوانين الدولية، وقد أدت تبعات السياسات التى تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الراهنة فى تفاقم الوضع الإنسانى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، لا سيما فى قطاع غزة، بسبب تفشى سياسة العنف ضد الفلسطينيين.
 
ورغم مرور 76 عاما على النكبة، فإن الذكرى تأتى فى وقت لا يزال الاحتلال الإسرائيلى يتهرب من مسئولياته عن العنف والمجازر التى ارتكبها بحق الفلسطينيين، بل ويستمر عبر الحروب التى يخوضها فى غزة خلال السنوات الماضية وآخرها العدوان الغاشم الذى بدأ فى أكتوبر الماضى، فى ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية يرفض أن يتم إجراء تحقيق دولى مستقل بشأنها رغم القضايا الدولية المرفوعة ضده مؤخرا أمام محكمة العدل والجنائية الدولية، التى تتهم الاحتلال وقادته صراحة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وصلت إلى حد الإبادة الجماعية.
 
حلم التهجير لا يزال مستمرا
 
وتسعى إسرائيل من خلال هذا التصعيد الأخير فى غزة لتنفيذ خططها بتطبيق حلم تهجير الفلسطينيين على أرض الواقع، ومؤخرا يصر جيش الاحتلال الإسرائيلى على ضرورة التوغل فى مدينة رفح، ما ينذر بكارثة، ويدفع نحو موجة تهجير جديدة من تلك المنطقة الصغيرة، خاصة بعد سيطرة قوات الاحتلال على معبر رفح ما سيؤدى إلى مزيد من المجاعة بين سكان القطاع، حيث بدأت تتفاقم كارثة إنسانية خطيرة متعددة الأبعاد فى رفح بعد يومين من بدء أوامر جيش الاحتلال «الإسرائيلي» للتّهجير القسرى للسُّكان والنازحين، والتّوغل البرى والسيطرة على معبر رفح وإخراجه عن الخدمة.
 
ولم تكن هذه المرة الأولى التى تحاول فيها إسرائيل تنفيذ مخططها الساعى إلى تهجير الفلسطينيين، حيث يعتبر هذا المخطط منذ نكبة 48، ويتم استنساخه فى كل فترة وفق آليات جديدة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، فى حين تحاول حكومة نتنياهو أن تنفذ مخططها وفق الاستراتيجية التى وضعتها الحركات الصهيونية منذ عقود طويلة لإخلاء مناطق سكنية فلسطينية، واستبدال سكانها بالمهاجرين اليهود الذين نقلوا إلى فلسطين المحتلة بإشراف وإدارة الحكومة البريطانية مطلع القرن العشرين، وهو ما يعكس أسباب تكثيف جيش الاحتلال الإسرائيلى من عملياته العسكرية البرية على غزة، بالتوازى مع قصف لعدد من المناطق الأخرى، حيث بات واضحا أن هدف جيش الاحتلال من هذه العمليات إفراغ قطاع غزة من سكانه، فى ظل سياسة الحصار والتجويع والتعطيش التى تمارسها إسرائيل مع حرب نفسية شرسة هدفها فى النهاية دفع الفلسطينيين للتخلى عن منازلهم والنزوح قسريا خارج القطاع.
 
ويأتى التصعيد الإسرائيلى الأخير، خدمة لأهدافه ومخططاته الداعية لتصفية الأراضى الفلسطينية من سكانها، فالقصف المستمر والغارات المتواصلة على رفح تعكس الرغبة على إجبار الفلسطينيين على الاختيار بين الموت تحت القصف أو النزوح خارج أراضيهم، فى حين بدا واضحا أن هناك أهداف إسرائيلية استراتيجية تسعى قوات الاحتلال إلى تطبيقها على الأرض لتضييق الخناق على الفلسطينيين والتحكم فى مواردهم، قبل أى ضغط دولى وإقليمى يجبرها على وقف إطلاق النار.
 
عرقلة حل الدولتين على مدار 75 عاما
 
فى الوقت نفسه يستمر الاحتلال فى عرقلة كل الجهود المقدمة فى سبيل حل الأزمة الفلسطينية عبر الحوار، فمنذ النكبة وهناك محاولات جادة لتطبيق حل الدولتين على أرض الواقع بتقسيم أراضى فلسطين التاريخية إلى دولتين واحدة عربية والثانية يهودية، ولكنه ظل هذا الحل حبيس الأدراج خلال أكثر من 8 عقود، فرغم أن الكثير من دول العالم تراه الحل الأمثل لإحلال السلام فى الشرق الأوسط، إلا أنه واجه الكثير من التحديات والعراقيل، آخرها المعوقات الإسرائيلية التى كشفت عن حجم مخططات الاحتلال بالتوجه نحو تهجير الفلسطينيين لتصفية القضية الفلسطينية.
 
وفى وقت يواصل فيه العدوان الإسرائيلى مجازره البشعة فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، فى جريمة وحشية ضد الإنسان خلفت أكثر من 100 ألف ضحية فلسطينية بين شهيد وجريح ومفقود، ترفض إسرائيل الحل الشامل بالعودة للمسار السياسى التفاوضى، والذى يحظى بتأييد القوى الدولية، وتتعنت فى قبول صفقة تفضى إلى هدنة ووقف للحرب، ومن ثم النظر فى مسار حل الدولتين.
 
مصر والقضية الفلسطينية تاريخ من الدعم والمساندة
 
وعلى مر العقود السبعة الماضية، ومنذ النكبة الفلسطينية، قدمت مصر جهودا مضنية فى سبيل عودة الحق لأصحابه، مطالبة عبر كل  الرؤساء وقادة الدولة والمؤسسات بضرورة حل القضية الفلسطينية عبر إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، والبداية جاءت من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى وضع القضية الفلسطينية فى مقدمة اهتماماته، ومن هنا كانت دعوته لعقد مؤتمر الخرطوم الذى رفع فيه شعار «لا اعتراف، لا صلح، لا تفاوض» مع إسرائيل، مقدما كل ما فى وسعه من جهود لتوحيد الصف الفلسطينى من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطينى مشرفا على توقيع اتفاقية القاهرة تدعيما للثورة الفلسطينية.
 
إلى أن جاءت فترة الرئيس الراحل أنور السادات الذى لقب ببطل الحرب والسلام، بعد أن توجت فترته بانتصار أكتوبر المجيد ومن بعدها توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، ولكن وسط ذلك لا يمكن أن نتجاهل مطالباته بحقوق الشعب الفلسطينى خلال خطابه الشهير فى الكنيست الإسرائيلى مطالبا بالعودة إلى حدود ما قبل 1967، وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضى العربية المحتلة وفى مقدمتها القدس، وكان آخر جهود السادات هو ما بادر به بدعوة الفلسطينيين والإسرائيليين للاعتراف المتبادل.
 
ومنذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى منصبه، ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر مقدمة الدولة جهود واسعة من أجل حل دائم للأزمة المتراكمة منذ عشرات السنوات، فى حين لم يكن قطاع غزة بعيدا عن أولوية القاهرة حفاظا على هدوء الوضع فى منطقة كثيرة الاضطرابات، وفى كل وقت زاد فيه صوت الرصاص داخل قطاع غزة على مدار السنوات التى سبقت العدوان الإسرائيلى الأخير، تسارعت مصر لتدارك الموقف لاحتوائه، كما أنها فتحت بابا للتنمية، وإعادة الإعمار، وإزالة الركام داخله.
 
وبعد الحرب التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة فى شهر مايو 2021، قامت مصر بملحمة حقيقية من أجل سرعة إعادة إعمار غزة لعودة الحياة بشكل طبيعى إلى القطاع، والانتقال نحو الاستقرار، لتطرق القاهرة كل الأبواب من أجل عودة الروح للقطاع، وتجلى ذلك فى التنفيذ السريع لكل المشاريع المصرية التى تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد تدخله لوقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين آنذاك، وفى عام 2022 بدأت الآليات والمعدات المصرية، فى تأسيس وإنشاء قواعد مدينة دار مصر السكنية فى بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وذلك تحت إشراف كامل من قبل اللجنة المصرية لإعمار غزة، لكن كل هذه الجهود التى بذلت دمرتها آلة البطش الإسرائيلية خلال عدوانها الأخير على غزة والمستمر منذ ما يقارب الـ7 أشهر وأكثر.
 
وتبذل مصر جهود مكثفة خلال الشهور الماضية، بتوجيهات من الرئيس السيسى، من أجل وقف إطلاق النار بشكل نهائى فى قطاع غزة، وتهدئته للحد من نزيف الدماء، حيث تركزت تحركات مصر ورئيسها خلال السنوات الماضية، أيضا تجاه تحريك مسار السلام، والتصدى لكل المخططات الساعية لعرقلة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، حيث التأكيد على التزام التاريخى بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى فى إنشاء دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، داعمة جميع التحركات والمبادرات العربية والدولية التى من شأنها حلّ القضية الفلسطينية وتحقيق السلام فى الشرق الأوسط على أسس عادلة، رافضة كل المساعى التى من شأنها أن تنتهك حقوق الدولة الفلسطينية.
 
وتعد القضية الفلسطينية بالنسبة للقاهرة الأكثر مركزية من بين قضايا الشرق الأوسط، لما لها من ارتباط دائم وثابت تحدده اعتبارات الأمن القومى المصرى، لذلك تأتى القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية فى وقتنا الراهن، وهو ما يدفع الرئيس السيسى إلى الاهتمام الخاص بها فى لقاءاته مع القادة العرب.
 
وتحركت القاهرة لدفع مسار حل الدولتين إلى الأمام، وكانت ناجحة فى توصيل رؤيتها إلى المجتمع الدولى، بعد أن أطلقت خارطة طريق خلال «قمة القاهرة للسلام 2023» التى استضافتها فى أكتوبر الماضى، تستهدف إنهاء المأساة الإنسانية الحالية فى قطاع غزة، وإحياء مسار السلام، من خلال عدة محاور، أولها التدفق الكامل والآمن، والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، ثم التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار، ثم البدء العاجل، فى مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولا لأعمال حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التى تعيش جنبا إلى جنب، مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولية، مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، فى الأراضى الفلسطينية.
 
ولاقت هذه الرؤية المصرية، خلال الشهور السبعة الماضية تأييدا واسعا من كافة أطياف المجتمع الدولى، والبداية جاءت من القمة العربية الإسلامية فى نوفمبر الماضى والتى أكدت دعمها لموقف وجهود مصر السياسية والإنسانية لوقف التهجير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لاسيما وأن الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد خلال القمة العربية الإسلامية على موقف مصر الداعم لهذا المسار وإنه يجب التوصل إلى صيغة لتسوية الصراع، بناء على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
 
وتحظى الرؤية المصرية أيضا بتأييد  غربى واسع، وهو ما أكده مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان الذى قال «إن حل الدولتين هو المفتاح الوحيد لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط على المدى الطويل»، مضيفا أن «المستقبل فى الشرق الأوسط الذى يجلب السلام والأمن للمنطقة ولإسرائيل يبدأ مع قيام الدولة الفلسطينية»، مشيرا إلى أن «حل الدولتين يجب أن يترافق مع ضمان أمن إسرائيل من خلال دمجها فى المنطقة إلى جانب جيرانها».
 
ورغم محاولة البعض المزايدة على دور مصر على الصعيد السياسى والإنسانى حيال ما تقدمه من جهود لحل القضية الفلسطينية، لكن بالطبع أن كل المنشور فى هذا الصدد أكاذيب ولا يمكن لأى جهة أيا كانت إنكار الدور الكبير والجهود التى تبذلها مصر من أجل وضع حد للأزمة الفلسطينية على مر التاريخ، حيث دائما ما كانت مصر الدولة التى يعتمد عليها الفلسطينيون فى توفير الدعم والإسناد للشعب الفلسطينى فى كل المناسبات الدولية منذ البداية وحتى هذه اللحظة.
 
فبخلاف الدعم الإنسانى الذى تقدمه القاهرة منذ اليوم الأول للعدوان فى سبيل تخفيف معاناة الشعب الفلسطينى بقطاع غزة، فأن مصر تقطع كل الطرق على إسرائيل، لإفشال تنفيذ مخططها الساعى إلى التهجير، فلم يفوّت الرئيس عبدالفتاح السيسى أى مناسبة إلا ويؤكد فيها أن الدولة المصرية لن تفرط فى أرض سيناء ولن تقبل بتهجير الفلسطينيين، حيث قال خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد مارس الماضى، إنه «لا يمكن أن نفرط فى حق الفلسطينيين وأرضهم وأرض سيناء أرضنا وبلادنا ومسئولين عن حمايتها»، موجها رسائل عديدة مباشرة على رأسها أنه لا مساس بشبر واحد من سيناء وأن كل الخطط الموضوعة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة مرفوضة بشكل قاطع من مصر، وأنها لن تقبل تحت أى ظرف من الظروف وضع حلول بديلة للقضية الفلسطينية. 
 
ولم يكن حديث الرئيس السيسى عن رفضه سياسة التهجير المتبعة ضد الفلسطينيين هو الأول من نوعه، فمنذ بداية العدوان الإسرائيلى على القطاع المحاصر، وتقف مصر وقياداتها بشكل حازم ضد كل المحاولات الإسرائيلية الساعية إلى التهجير، حيث جاء موقف القاهرة واضحا أمام العالم لمن يروجون لحلول بديلة ويضغطون لتمريرها رافعة شعارا واحدا عنوانه «لن نقبل بغير الحل العادل.. والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 67 فى إطار حل الدولتين.. وأن العالم لا يجب أن يقبل استخدام الضغط الإنسانى، للإجبار بسياسة التهجير».
 
فضلا عن ذلك حاولت القاهرة أيضا الوصول إلى توافق وطنى فلسطينى يضع حدا للتجاذبات الشديدة فى الداخل بين الفصائل والحركات الفلسطينية المتعددة، والوقوف وراء مشروع واحد همه الأول والأساسى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فعلى مدار العقود الماضية كانت القاهرة دائما حاضرة فى الموعد دون أن تدخر أى جهد للحفاظ على وحدة فلسطين واستقرارها، راعية لأكثر من حوار فلسطينى - فلسطينى بهدف مساعدة هذه الفصائل على تحقيق الوفاق الفلسطينى مستهدفة تحقيق عدد من الرؤى خلال هذه الحوارات أولها ضرورة وضع برنامج سياسى موحد بين كل الفصائل ركيزته الأساسية تخويل السلطة الفلسطينية إجراء مفاوضات مع إسرائيل فى القضايا المصيرية، فضلا عدم قيام أى فصيل من الفصائل أو السلطة الفلسطينية بالخروج عن البرنامج السياسى الموحد أو الانفراد باتخاذ القرار، وتدعيم السلطة الفلسطينية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
 
كما نجحت مصر منذ وصول الرئيس السيسى للحكم، فى تأسيس خطوات مرسومة واستراتيجية ثابتة، تدعم من خلالها أبناء الشعب الفلسطينى وحقوقهم العادلة بإيجاد سند قانونى لقيام دولة فلسطينية معترف بها من الأمم المتحدة والدول الأعضاء، ساعية فى كل خطواتها إلى تحقيق سلام عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، انطلاقا من دورها التاريخى والمحورى على المستوى الدولى والإقليمى، حتى إنها جمعت الأشقاء الفلسطينيين فى مدينة العلمين أغسطس الماضى لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وبالفعل توج الاجتماع بالتوصل لاتفاق على تشكيل لجنة تكون مهمتها الإشراف على استكمال كافة القضايا التى جرت مناقشتها لإنهاء الانقسام، والمضى قدما نحو توافق وطنى يجمع الفلسطينيين تحت مظلة موحدة.
 
وباستعراض كلمات الرئيس السيسى فى أكثر من مناسبة دولية، سيبدو واضحا أن الموقف المصرى لم يخضع أبدا لحسابات مصالح آنية، ولم يكن أبدا ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، وهو ما أظهرته تحركات مصر منذ النكبة تجاه فلسطين، فأثناء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الـ72 فى سبتمبر 2017، قال الرئيس السيسى «أتوجه بنداء للشعب الإسرائيلى وقيادته لأهمية إيجاد حل للأزمة الفلسطينية، لدينا فرصة حقيقية لكتابة صفحة مضيئة فى تاريخ المنطقة من خلال التحرك نحو السلام، يجب تكرار التجربة المصرية الرائعة والمتفردة لحل مشكلة الفلسطينيين وإقامة دولتهم بجانب إسرائيل، لضمان الأمن والاستقرار».
 
وخلال الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2020، طالب الرئيس السيسى بتنفيذ القرارات وتحقيق السلام الدائم من خلال حل الدولتين، والعودة إلى حدود ما قبل يونيو 1967، وخلال فعاليات مؤتمر القدس رفيع المستوى الذى عُقد فى مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة قال «ندعم سويا صمود القدس، عصب القضية الفلسطينية، والقلب النابض للدولة الفلسطينية مدينة السلام ومهد الأديان.. من المؤسف أن هذا الصمود أصبح وكأنه قدر تلك المدينة، فهى كما عانت فى الماضى ما زالت تعانى فى الحاضر، مؤكدا موقف مصر الثابت، إزاء رفض وإدانة أى إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع التاريخى والقانونى القائم لمدينة القدس ومقدساتها».
 
وفى كلمته فى مؤتمر القاهرة للسلام، أكد الرئيس السيسى، على أن مصر تستنكر بشدة استهداف وقتل وترويع المدنيين السلميين، وفى الوقت نفسه، عبر عن استيائه العميق من عدم تدخل المجتمع الدولى فى الأزمة الإنسانية الكارثية التى يواجهها 2 مليون و500 ألف فلسطينى فى قطاع غزة، مؤكدا أن مصر تدين بوضوح كامل، استهداف أو قتل أو ترويع كل المدنيين المسالمين وفى الوقت ذاته، تعبر عن دهشتها البالغة من أن يقف العالم متفرجا على أزمة إنسانية كارثية يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطينى، فى قطاع غزة يُفرَض عليهم عقاب جماعى وحصار وتجويع وضغوط عنيفة للتهجير القسرى فى ممارسات نبذها العالم المتحضر الذى أبرم الاتفاقيات، وأَسَسَّ القانون الدولى، والقانون الدولى الإنسانى، لتجريمها، ومنع تكرارها ما يدفعنا لتأكيد دعوتنا، بتوفير الحماية الدولية، للشعب الفلسطينى والمدنيين الأبرياء.
 
وأشار إلى أن مصر، منذ اللحظة الأولى، انخرطت فى جهود مضنية آناء الليل وأطراف النهار لتنسيق وإرسال المساعدات الإنسانية، إلى المحاصرين فى غزة، ولم تغلق معبر رفح البرى فى أى لحظة إلا أن القصف الإسرائيلى المتكرر لجانبه الفلسطينى حال دون عمله وفى هذه الظروف الميدانية القاسية، اتفقتُ مع الرئيس الأمريكى على تشغيل المعبر بشكل مستدام، بإشراف وتنسيق مع الأمم المتحدة، ووكالة «الأونروا»، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطينى وأن يتم توزيع المساعدات، بإشراف الأمم المتحدة، على السكان، فى قطاع غزة.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق