لعنة الله على البث المباشر

السبت، 25 مايو 2024 01:56 م
لعنة الله على البث المباشر
حمدى عبدالرحيم

سيظل لحم الفلسطينى حقل تجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة كما قال محمود درويش والآن هو حقل تجارب للبث المباشر
 
منذ زمن بعيد قالت الشعوب كلمتها الحكيمة الخالدة: «الناس على دين ملوكهم»، ثم جاء الإعلامى العربى المصرى، الأستاذ إيهاب الأزهرى، رحمه الله، فكتب كتابا وجعل عنوانه «الناس على دين إذاعاتهم!».
 
ثم جاءت الأيام لتثبت صحة المقولتين، فالناس على دين ملوكهم، والناس على دين إذاعاتهم وعلى دين جرائدهم ومجلاتهم، وعلى دين مواقعهم الإلكترونية، وعلى دين قنواتهم الفضائية.
 
أنا وأنت ومعنا الملايين شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، نرى أن ما يقوم به جيش الاحتلال فى غزة ورفح ما هو إلا جرائم إبادة جماعية.
 
أنا وأنت والملايين التى تتبنى رأينا، نقف على هامش الصورة، بل نحن على هامش هامشها، فكيف إذا حكمنا بأن ما يجرى هو جرائم إبادة جماعية؟
من الإعلام وليس سواه.
 
نحن نشاهد على الهواء مباشرة جرائم الإبادة، بالرصاص أو التجويع أو الحصار القاتل.
 
هل لرأينا من قيمة، وطرف فاعل فى القصة لا يرى شيئا؟
 
صدق أو لا تصدق، مواطن دولة الاحتلال لا يرى شيئا، ويؤمن وفق لما يشاهده، أن الذى يجرى هو عمليات محدودة جدا تحدث بمهارة مشرط جراح!
اقرأ معى ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية التى قالت: «تغطى القنوات التليفزيونية الإسرائيلية بشكل يومى الحرب فى غزة، فيشاهد المواطن الإسرائيلى جميع مستجدات الأحداث باستثناء أمر واحد يبقى غالبا «غير موجود» فى التغطيات الإعلامية، وهو الضحايا من سكان قطاع غزة».
 
إذا كان الضحايا غير موجودين، فعن أى حرب نتحدث وعن أى إبادة جماعية نتكلم؟
 
موقع قناة الحرة الأمريكية تقدم على الصحفية خطوة فقال: «هناك شىء واحد غالبا ما يكون مفقودا فى النشرات الإخبارية وهو «شعب غزة»، فداخل إسرائيل يمكن مشاهدة «حرب معينة» بينما يرى معظم بقية العالم حربا مختلفة، مع لقطات للدمار الذى سببته الغارات الجوية الإسرائيلية فى القطاع المكتظ بالسكان، وأحيانا صور مروعة للفلسطينيين الذين قتلوا فى القتال».
 
يضيف موقع الحرة: «فى التلفزيون الإسرائيلى، لا توجد أى لقطات لقتلى الفلسطينيين، بل توجد فقط بعض مشاهد الدمار، وفقا لمديرى وسائل الإعلام والصحفيين ومحللى وسائل الإعلام والإسرائيليين العاديين.
 
ويقول العديد من اليهود الإسرائيليين، الذين عادة ما يتابعون الأخبار باللغة العبرية، إنهم نادرا ما يصادفون لقطات صريحة لغزة على هواتفهم الذكية، على الرغم من أنهم يدركون أن هناك دمارا واسعا النطاق وارتفاع عدد القتلى.
 
وأشار ما يقرب من ثلثى اليهود الإسرائيليين إلى أنهم شاهدوا القليل من صور الأضرار أو لم يشاهدوها على الإطلاق، وفقا لمسح أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلى فى أبريل.
 
وقال شوكى توسيج، رئيس تحرير مجلة «Seventh Eye»، وهى مطبوعة إسرائيلية تركز على وسائل الإعلام فى البلاد: «إنك ترى كل شىء عن الحرب على التلفزيون الإسرائيلى باستثناء شعب غزة».
 
تعمدت الاستشهاد بمواقع أمريكية لكيلا يقول أحدهم: أنت ترى بعين منحازة!
 
الأمريكان الذين هم رعاة جيش الاحتلال استضافوا محمد مجدلى وهو إعلامى فلسطينى يحمل الجنسية الإسرائيلية.
 
قال «مجدلى»: إنه واجه منذ 7 أكتوبر رد فعل شعبى عنيف على ظهوره الإعلامى على شاشة التلفزيون الإسرائيلى، بما فى ذلك التهديدات بالقتل والدعوات لإقالته.
 
وقال أحد أعضاء حزب الليكود إن «مجدلى ليس مخلصا ويجب إقالته بعد أن تحدث على الهواء عن نقص المساعدات الإنسانية فى غزة».
 
وبعد أن قال على الهواء إنه تحدث مع أحد أفراد أسرته فى غزة لمناقشة أسعار المواد الغذائية، دعت مئات المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعى إلى إقالته بسبب علاقاته مع العدو.
 
وينهى مجدلى حديثه قائلا: الأشياء الأساسية التى يتعين علينا القيام بها هى إيصال ما يحدث لشعبنا، والشعب الإسرائيلى لا يعرف حقا ما الذى يحدث فى غزة.
من الذى يستطيع اختراق هذا الحصار الإعلامى؟
 
المقاومة لا تمتلك سوى كاميرات بسيطة توثق بها بعض عملياتها البطولية.
 
الإعلام الأمريكى متحالف مع جيش الاحتلال.
 
الإعلام الأوروبى يدور فى فلك التحالف.
 
الإعلام العربى منقسم إزاء المقاومة، وبعض الفضائيات العربية تتهم المقاومة بما لا يجرؤ نتانياهو على اتهامها به!
 
الحديث عن ضمير الإعلامى هو محض خرافة، ففى ساحات القتال تكون الحقيقة هى أولى الضحايا.
 
يحزننى أن الذين هم على الهامش يعرفون، والذين هم فى متن القصة لا يعرفون شيئا ولا يراد لهم أن يعرفوا.
 
سيظل لحم الفلسطينى حقل تجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة، كما قال محمود درويش، والآن هو حقل تجارب للبث المباشر.
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق