السودان يواجه إرهاب الميليشيات

السبت، 10 مايو 2025 11:30 م
السودان يواجه إرهاب الميليشيات
محمد الشرقاوي

 
ميليشيا الدعم السريع تعوض خسائرها العسكرية بقتل المدنيين السودانيين
قلق إقليمى من هجوم المسيرات على بورتسودان.. والبرهان: سنقتص من أعدائنا ومن يعاونهم
 
 
 
 
في ظل التصعيد المستمر من قبل ميليشيا الدعم السريع ضد مدينة بورتسودان، تضاعف حجم التوتر الأمني في المدينة التي تعد العاصمة المؤقتة للسودان، في وقت يتزايد فيه القلق بشأن تداعيات هذه الهجمات على الأمن المدني في المنطقة، ولم تقتصر الهجمات المنفذة بواسطة الطائرات المسيّرة الانتحارية على استهداف مواقع عسكرية وحيوية فحسب، بل طالت أيضًا منشآت مدنية واستراتيجية بما في ذلك مستودعات النفط والوقود، محطات الكهرباء، والمرافق الحيوية الأخرى.
 
وتشير هجمات المسيرات إلى أن الميليشيا لا تكتفي بمهاجمة القوى الأمنية فحسب، بل تسعى لتدمير مقومات الحياة الأساسية للسكان.
 
ومع تصاعد الهجمات على هذه المنشآت، بدأت تظهر تبعاتها الوخيمة على الوضع الإنساني في المدينة. الهجوم الأخير على مستودعات النفط في بورتسودان أدى إلى انفجارات ضخمة تسببت في حرائق مستمرة، وأدت إلى خسائر فادحة في المخزون الاستراتيجي من الوقود الذي يعتمد عليه قطاع النقل والخدمات الأساسية.
 
ولم تقتصر أضرار الهجوم على الحقول النفطية فقط، بل طالت أيضًا شبكة الكهرباء في المدينة، حيث تعرضت محطة التحويل في بورتسودان إلى تدمير شبه كامل نتيجة للهجوم الذي أوقف تزويد المدينة بالطاقة الكهربائية، مما يهدد باستمرار تعطيل الحياة اليومية للسكان.
 
استهداف ممنهج للبنية التحتية الحيوية
 
وتُعتبر الهجمات المتزايدة للطائرات المسيّرة على المنشآت المدنية والعسكرية في بورتسودان مثالًا صارخًا على استهداف ميليشيا الدعم السريع للبنية التحتية الاستراتيجية للسودان، ويمثل الهجوم الأخير على مستودعات النفط تهديدًا خطيرًا للمستقبل الاقتصادي للمدينة وللسودان بشكل عام، حيث أدت هذه الهجمات إلى تدمير كميات ضخمة من الوقود الذي يعد من العناصر الأساسية لتشغيل مرافق الحياة المدنية، بما في ذلك النقل والمستشفيات وغيرها من القطاعات الحيوية.
وأمام هذه الهجمات المدمرة، قامت السلطات السودانية بتفعيل جميع الأجهزة الحكومية في محاولة للحد من تأثير هذه الهجمات على المدنيين والمنشآت الحيوية، وقامت وزارة الدفاع المدني السودانية، بمساعدة فرق الإطفاء، بمحاولة السيطرة على الحرائق الهائلة الناتجة عن الهجمات على مستودعات الوقود، حيث استُنفِدت العديد من الموارد المحلية والإقليمية في هذه العمليات، بالإضافة إلى جهود من القوات الأمنية في تعزيز الحماية حول المنشآت المستهدفة.
 
وتسارع الحكومة السودانية في إظهار استعدادها لمواجهة التحديات الميدانية في بورتسودان، حيث أكدت تصريحات وزير الطاقة والنفط السوداني، محي الدين محمد نعيم، على استجابة فورية من قبل فرق الإطفاء المحلية وكذلك على الدعم المتوقع من الخارج عبر إرسال طائرات إطفاء من المملكة العربية السعودية، وهذه الخطوات تشير إلى تعاظم التحدي الذي يواجهه السودان في حماية منشآته الحيوية، معتمدًا على التنسيق الدولي لمواجهة هذا الخطر.
 
أكد رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، إن كل تدمير للمنشآت العسكرية والمدنية في السودان لن يزيد الجيش إلا قوة، مضيفاً: "سنقتص من أعدائنا وسننتصر على ميلشيات الدعم السريع ومن يعاونهم، وقواتنا المسلحة ستواصل العمل على ردع العدوان وستحين ساعة القصاص والشعب السوداني سينتصر"، وأوضح أن "الشعب السوداني شعب واعي ضارب بجذوره في تاريخ البشرية وهو شعب لا تفزعه مثل هذه الحوادث ولا تخيفه هذه النوائب فهو شعب معلم ومقاتل صنع التاريخ والحضارات، هذه المنشآت الحيوية التي تخدم الشعب السوداني هي ملك للشعب وهو الذي بناها وسيعمل على بنائها من جديد".
 
وأكد أنه "نحن في القوات المسلحة والقوات المساندة لها والمقاومة الشعبية كلنا في صف واحد لردع هذا العدوان، الشعب السوداني صنع التاريخ وسيعيد كتابته فهو شعب صامد وصابر ولن يقهر وسنمضي نحو تحقيق غاياتنا المتمثلة في دحر هذه المليشيا وهزيمة من يدعمها ويعاونها".
 
انعكاسات الهجوم على بورتسودان
 
وتمثل الهجمات المستمرة على بورتسودان تهديدًا متعدد الأبعاد، حيث لا تقتصر تداعياتها على الجانب الأمني، بل تمتد لتشمل الأبعاد الاقتصادية والإنسانية، حيث أن انقطاع الكهرباء بسبب استهداف محطة الكهرباء التحويلية في المدينة لا يؤثر فقط على قطاع الطاقة، بل يؤدي إلى اضطراب شامل في خدمات المياه والصحة العامة، وهي خدمات يعتمد عليها المواطنون بشكل يومي.
 
وفي ظل الأزمة الحالية، يعاني السكان من تدهور مستمر في الظروف المعيشية بسبب نقص الوقود، وهو ما يؤثر على قدرة المستشفيات على توفير خدمات طبية أساسية، وعلى قدرة السكان على التنقل وتأمين احتياجاتهم الأساسية، وبالتالي فإنه في حال استمر التصعيد العسكري ستكون ضخمة، ولن تقتصر على تكلفة إصلاح الأضرار فقط، بل تشمل أيضًا تعطيل النشاط التجاري في مدينة تعتبر من أهم المراكز الاقتصادية في السودان.
 
إلى جانب ذلك، تتزايد المخاوف من أن استمرار هذه الهجمات قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة للسكان من بورتسودان، مما يضيف أعباء إضافية على الحكومة السودانية في جهودها لتوفير الأمان والاستقرار، وبالتالي فإن استمرار النزاع في بورتسودان قد يزيد من تعميق الأزمة الإنسانية في السودان، التي تكافح أصلاً لمواجهة تداعيات النزاع المسلح في مناطق أخرى من البلاد.
 
جهود دولية لتعقب مجرمي الحرب بالدعم السريع  
 
في خطوة مهمة نحو محاسبة مرتكبي الجرائم الإنسانية في السودان، تم تقديم ملف ضخم إلى وحدة جرائم الحرب في الشرطة البريطانية، لتوثيق جرائم مزعومة ارتكبتها قوات الدعم السريع في دارفور، وهي المنطقة التي شهدت منذ سنوات طويلة العديد من الفظائع التي تركت أثرًا عميقًا على المجتمع السوداني وعلى مستوى القانون الدولي.
 
الملف الذي أعده فريق من المحامين البريطانيين المتخصصين في القوانين الدولية، يُعتبر خطوة بارزة في دعم الجهود الدولية للمحاسبة على الجرائم المرتكبة في هذا النزاع المستمر، وهو يتضمن أدلة موثقة حول ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم تشمل التعذيب والاغتصاب الجماعي، وجاء ذلك في خطوة جديدة لدعم الجهود الدولية لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم. 
 
ويحتوي التقرير على 142 صفحة أعدها فريق من المحاميين المتخصصين في القانون الدولي، حيث ركزوا في إعداد التقرير على توثيق الأدلة المتعلقة بالقتل الجماعي والاغتصاب الذي ارتكبته قوات الدعم السريع في دارفور، وهو ما يعزز من حملة محاسبة مرتكبي الجرائم في هذا النزاع.
 
يستند التقرير إلى مبدأ قانوني يعرف بـ "مسؤولية القيادة"، الذي يعنى بمحاسبة القادة العسكريين الذين يجب أن يكونوا على علم، أو كان من المفترض أن يكونوا على علم، بالجرائم التي ارتكبتها قواتهم، وهذا المبدأ يشير إلى أن القيادة العليا لقوات الدعم السريع تتحمل المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها قواتها في الميدان، ما يجعل محاكمة المسؤولين أمرًا محتملاً، وقد وصف القاضي الدولي السابق سير هاوارد موريسون الأدلة المقدمة بأنها "دامغة"، مما يعزز من قوتها في محاكمة الجرائم في محاكم الجرائم الدولية.
 
وطلب المحامون من الشرطة البريطانية مراجعة الملف قبل تحويله إلى محكمة جرائم الحرب الدولية، كما أن الملف يعكس الأثر الكبير الذي تركه النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي أسفر عن أكبر كارثة إنسانية في العالم، حيث أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 150,000 شخص وتشريد 12 مليون شخص، مع انتشار المجاعة وانعدام الأمن الغذائي. هذه المعاناة الإنسانية الكبيرة تجعل من محاسبة المسؤولين عن الجرائم أمرًا ضروريًا لضمان العدالة للضحايا.
 
ولا يقتصر الملف على توثيق الجرائم فقط، بل يركز أيضًا على تعزيز الضغط الدولي على المجتمع الدولي لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وهو ما يضيف زخماً في تحقيق المساءلة القانونية، ومن خلال هذا التقرير، يأمل المحامون في تحفيز تحقيقات إضافية تُسهم في محاكمة المسؤولين عن الفظائع المرتكبة في دارفور وتقديمهم إلى العدالة، وهو ما يعكس سعيًا جادًا في مكافحة الإفلات من العقاب الذي طالما رافق النزاعات في المنطقة. ويتناول التقرير أيضًا قضية الإفلات من العقاب الذي طالما شاب النزاع في دارفور، حيث لم تتم محاكمة العديد من المسؤولين عن الجرائم بسبب الظروف السياسية والاضطرابات الأمنية التي سادت المنطقة.
 
ومع تقديم هذا الملف، يعزز المجتمع الدولي من التزامه بمحاربة هذه الظاهرة، ويأمل في أن يُسهم في تعزيز العدالة والحقوق الإنسانية من خلال المساءلة الدولية. هذه الخطوة تمثل بداية جديدة لمحاكمة الجرائم التي ارتكبت خلال النزاع، وتُعتبر مهمة في سياق تعزيز دور المحاكم الدولية في محاكمة الجرائم المرتكبة في مناطق النزاع.
 
من الناحية القانونية، فإن الملف المقدم يعكس بداية لمرحلة جديدة في التحقيقات الجنائية ضد مرتكبي الجرائم في السودان، حيث يفتح الطريق أمام التحقيقات التي قد تشمل جرائم أخرى ارتكبتها قوات الدعم السريع في مناطق مختلفة. القضية تسلط الضوء على أهمية المساءلة القانونية وتعزيز تطبيق العدالة الجنائية الدولية، التي يمكن أن تكون بمثابة نموذج لمحاكمة الجرائم الدولية في النزاعات المماثلة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق