دبلوماسية ترامب الجديدة في المنطقة تحاصر نتنياهو

السبت، 17 مايو 2025 11:10 م
دبلوماسية ترامب الجديدة في المنطقة تحاصر نتنياهو
محمود علي

 
الإفراج عن "عيدان ألكسندر" وتأكيد الرئيس الأمريكي على حق الشعب الفلسطيني في مستقبل أفضل تضع إسرائيل في ورطة
 
 
 
جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، الأسبوع الماضى، حاملاً معه الكثير من الآمال بالوصول إلى تهدئة في غزة ووقف الحرب الإسرائيلية الدامية إلى القطاع المحاصر، في وقت يتحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عكس الاتجاه، مستمراً في تصعيده الخطير متسبباً في أبشع أزمة إنسانية بالتاريخ الحديث، وعلى الرغم الضغط الدولي والإقليمي والدور المصري والقطري الساعي إلى التوصل إلى هدنة، تستمر الحكومة الإسرائيلية في ارتكاب جرائمها معرقلة كل الجهود المبذولة من أجل عودة الاستقرار للمنطقة.
 
ولم تكتف إسرائيل بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في قطاع غزة، بل صعّد نتنياهو تهديداته متعهّدًا بمواصلة القتال "بكل قوة"، في وقت يتواصل فيه استهداف المنشآت المدنية والحيوية بشكل ممنهج، ففي مشهد يتكرر منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، تحوّل مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس إلى ساحة قصف جديدة، حيث لم تسلم غرف الجراحة من نيران الاحتلال، التي اخترقت جدران المستشفى لتصيب من لجأوا إليه طلبًا للعلاج والأمان.
 
أسفر الهجوم عن استشهاد عدد من المصابين، بينهم مرضى وطواقم طبية، في جريمة وصفتها وزارة الصحة الفلسطينية بأنها "جزء من خطة ممنهجة لتفكيك ما تبقى من المنظومة الصحية في القطاع"، وأضافت الوزارة أن "الاستهداف المتكرر للمستشفيات وملاحقة الجرحى وقتلهم داخل غرف العلاج، يؤكد تعمُّد الاحتلال إلحاق الضرر الأكبر بمنظومة الخدمات الصحية، وتهديد فرص علاج الجرحى والمرضى حتى على أَسِرّة المستشفيات".
 
هذا التصعيد العسكري، الذي طال أبرز المراكز الطبية في جنوب القطاع، يكشف عن سياسة ممنهجة لتدمير البنية التحتية الصحية في غزة، التي تعاني أصلًا من حصار خانق وانهيار شبه كامل في قدراتها التشغيلية، ومع استمرار القصف والتجويع، تبدو المنظومة الصحية على حافة الانهيار الكلي، في ظل عجز دولي عن كبح جماح العدوان أو توفير ممرات آمنة للعلاج والإغاثة.
 
وسط ظروف إنسانية متدهورة في غزة، أعادت زيارة ترامب إلى المنطقة، تسليط الضوء على الدور الأمريكي في هذه الحرب المستمرة بالقطاع، خصوصًا في ظل تحركات دبلوماسية موازية تشمل ملفات ساخنة كاليمن، والمفاوضات النووية مع إيران، والسعي لتهدئة النزاعات بين الهند وباكستان.
 
ترافق ذلك مع صفقة أدت إلى الإفراج عن آخر رهينة أمريكي محتجز في غزة، وهو عيدان ألكسندر، ما فتح باب التساؤلات عن مدى استعداد الإدارة الأمريكية لممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل بهدف الوصول إلى تهدئة أو حتى وقف شامل لإطلاق النار، فهل يمكن لزيارة ترامب أن تؤسس لتغيير في المعادلة القائمة؟ أم أن إسرائيل، بقيادة نتنياهو، مصممة على مواصلة الحرب مهما كانت التبعات؟
 
جاء الإفراج عن الرهينة الأمريكي عيدان ألكسندر من قبل فصائل فلسطينية في غزة، ليشكّل نقطة تحول لافتة في مجريات الحرب، فقد تم ذلك بوساطة مباشرة من الولايات المتحدة، دون تنسيق مع الجانب الإسرائيلي، في خطوة وصفها ترامب بأنها تهدف لـ"إنهاء هذه الحرب الوحشية للغاية".
 
الصفقة التي تمت دون تدخل إسرائيلي وضعت حكومة نتنياهو في موقف محرج أمام الرأي العام الإسرائيلي، خاصة أهالي بقية المحتجزين الذين عبّروا عن استيائهم من فشل الحكومة في تأمين الإفراج عن ذويهم، مقابل نجاح إدارة ترامب في تأمين حرية أحدهم دون أن تلجأ إلى التصعيد العسكري.
 
ازدادت حدة الانتقادات التي تطال رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا سيما مع فشل حكومته في التفاعل مع عملية إطلاق سراح عيدان ألكسندر، فقد تجنّب الرهينة حتى توجيه الشكر لنتنياهو أو التواصل معه بعد خروجه مباشرة، كما كشفت تقارير صحفية عن رفضه اللقاء مع نتنياهو، ما يعكس خللاً واضحًا في العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والداخل، ورغم الاتصال الذي تم بين نتنياهو وألكسندر إلا أنه كان مليء بالجفاء ولم تعيره أي من الصحف الإسرائيلية والأمريكية أي اهتمام، خصوصًا في ظل الشعور المتنامي بأن نتنياهو بات يستخدم العدوان على غزة كأداة سياسية للبقاء في السلطة وليس لحماية الرهائن أو تحقيق الأمن القومي.
 
في الوقت نفسه، تواصل عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة احتجاجاتها بشكل متكرر، مطالبة الحكومة الإسرائيلية ببذل جهود حقيقية لاستعادة أبنائها. وتتصاعد الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ يتهمه ذوو الأسرى بتعمد إطالة أمد الحرب وتغليب الأجندة السياسية والمكاسب الشخصية على حساب ملف الأسرى، ما فاقم من مشاعر الغضب والاستياء داخل الأوساط الإسرائيلية.
 
البيان الذي أصدره نتنياهو بالتزامن مع زيارة ترامب إلى الرياض، والذي أكد فيه أنه "لا يوجد وضع سنقوم فيه بوقف الحرب"، كرّس هذا الانطباع، ورغم إشارته إلى إمكانية وجود هدنة مؤقتة، فقد شدّد على أن العملية العسكرية ستستمر و لن تتوقف في الوقت الراهن.
 
في الوقت الذي تتحرك فيه الإدارة الأمريكية على أكثر من جبهة دبلوماسية لتحقيق تهدئة في بالكثير من القضايا، تبدو الحكومة الإسرائيلية وكأنها تسير في الاتجاه المعاكس، إذ يصرّ نتنياهو على تعهدات واضحة باجتياح غزة "بكل قوة" خلال الأيام المقبلة، وتكرار هدف لطالما رفعه ولكنه فشل في تحقيقه وهو "هزيمة حماس وتدميرها".
 
اللافت أن نتنياهو كشف في تصريحه عن خطط لاستيعاب سكان غزة في دول أخرى، قائلاً: "لقد أنشأنا إدارة تسمح لهم بالمغادرة، لكننا بحاجة إلى دول مستعدة لاستقبالهم. هذا ما نعمل عليه حاليا". وقدّر أن "أكثر من 50% منهم سيغادرون" إذا ما توفرت الفرصة. هذا الطرح أثار موجة من الانتقادات الدولية والحقوقية لما يحمله من دعوة غير مباشرة إلى التهجير القسري.
 
زيارة ترامب إلى السعودية أثارت توترًا ملحوظًا داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، خاصة بعدما تجاهل الرئيس الأمريكي طلبات من مسؤولين إسرائيليين بإضافة زيارة إلى تل أبيب إلى جدول رحلته، وأوضح ترامب بصراحة أنه لن يقوم بذلك "لأنه لا توجد نتائج حالية تستحق الزيارة"، في إشارة إلى غياب أي تقدم ملموس في اتجاه وقف الحرب أو ترتيب خطة إنسانية شاملة.
 
وزاد على ذلك حديث ترامب في الرياض وتأكيده على حق الشعب الفلسطيني في مستقبل أفضل، وهو ما رحبت به مصر، وأعربت عن تطلعها إلى أن تكون جولة الخليجية للرئيس الأمريكي، وإنهاء الرهينة الأمريكية بوساطة مصرية قطرية وأمريكية، في احراز تقدم على صعيد وقف إطلاق النار وإنهاء جميع الرهائن والاحتفاظ بهم وادخال المساعدات الإنسانية العاجلة لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني الذي يستحق بالفعل مستقبل أفضل في أرضه ووطنه، مشددة على التعويل المصرى على قيادة الرئيس لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، وتتويجًا للجهود التي تهدف إلى إحلال السلام الدائم من أجل الاستقرار الإقليمي. 
 
وقالت الخارجية المصرية في بيان: شددت جمهورية مصر العربية على ضرورة دعم جهود الوساطة القطرية المصرية الأمريكية لتحقيق وقف إطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة، تمهيدًا لتنفيذ خطة العربية للتعافي المبكر واعادة الإعمار. كما حث جميع الأطراف على عدم عرقلة هذه الجهود بما يستجيب للتطلعات وحقوق الشعوب في المنطقة في السلام والتنمية بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة على الخطوط الرابعة من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
 
وقد فاجأ ترامب الحكومة الإسرائيلية بسلسلة من الخطوات غير المتوقعة، شملت استئناف المحادثات مع إيران، الموافقة على وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، وحتى الدخول في اتصالات مباشرة مع حركة "حماس"، هذه التحركات جعلت إسرائيل تبدو كأنها "مجرد متفرج محبط"، وفق وصف الكثير من المراقبين.
 
التحول في المزاج الأمريكي تجاه إسرائيل لا يقتصر على تصريحات ترامب فقط، بل انسحب أيضًا على تصريحات مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي حمّل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية إطالة أمد الحرب على غزة، مشيرًا إلى أن "إسرائيل غير مستعدة لإنهاء الحرب".
 
وفي تطور إضافي يعكس هذا الاستياء، قررت إدارة ترامب إرجاء البحث في ملف التطبيع بين السعودية وبعض دول الخليج، رغم أنه كان مطروحًا سابقًا كجزء من صفقة تشمل الموافقة على مشروع نووي مدني سعودي، ويبدو أن إدارة ترامب لم تعد مستعدة لمنح إسرائيل أوراقًا سياسية مجانية في ظل رفضها الانخراط في مفاوضات جدية لإنهاء العدوان.
 
رغم التعقيدات الحالية، إلا أن بعض المؤشرات تشير إلى إمكانية حدوث اختراق في حال واصلت الإدارة الأمريكية ضغوطها، خصوصًا إذا تم استغلال صفقة إطلاق سراح عيدان ألكسندر كنقطة انطلاق لمفاوضات أوسع. حيث يبدو أن هذه الخطوة قد تكون بداية لـ"مفاوضات سلام فورية".
 
وقد حاولت الولايات المتحدة بالفعل استخدام علاقاتها مع مصر وقطر لإقناع حركة حماس بقبول تهدئة مؤقتة مقابل تسهيلات إنسانية ودخول مساعدات، مع وعود بصفقات مستقبلية تشمل إطلاق سراح المزيد من الرهائن.
 
لكن يبقى التباعد في المواقف بين ترامب ونتنياهو واضح أكثر من أي وقت مضى. ففي حين يركّز ترامب على إنهاء الحرب وفتح قنوات التفاوض، يصرّ نتنياهو على استمرار عملياته لتحقيق أهدافه التي يبدو أنها بعيدة المنال، فرغم الحديث عن أن الهدف الأول للحكومة الإسرائيلية القضاء على حماس ولكن الحقيقة أن تل أبيب ومن يحكمها يريد الاستمرار أكثر وقت ممكن في الحكم، متجاهلاً بشكل واضح تأمين سلامة الرهائن أو تخفيف الوضع الإنساني في غزة.
 
ويمارس ترامب المزيد من الضغوط على نتنياهو، مستغلا أوراق مختلفة، كاللجوء لاتفاقات جديدة مع "حماس" قابلة للتحقق، حيث ألمح بعض المسؤولين الأمريكيين إلى أن استمرار نتنياهو في نهجه قد يؤثر على مستقبل العلاقة الثنائية، لا سيما مع تغير أولويات واشنطن في المنطقة، في ظل هذا المشهد المعقد، تبقى غزة ساحة مفتوحة للصراع بين حسابات الحرب والسياسة. فبينما يسعى ترامب إلى استثمار زيارته للمنطقة في بناء مسارات جديدة للتسوية والتهدئة، يواصل نتنياهو رفع وتيرة التصعيد، ما يهدد بتفجير الوضع مجددًا على نطاق أوسع.
 
ومع استمرار الضغط الداخلي والدولي، وتصاعد الانتقادات داخل إسرائيل نفسها، قد تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها مضطرة للتعاطي بجدية مع المبادرات الدبلوماسية، خصوصًا إذا نجحت واشنطن في توسيع نطاق صفقة الرهائن لتشمل خطوات لوقف إطلاق النار، لكن إلى حين حدوث ذلك، فإن القطاع المحاصر يظل يعيش على وقع القصف والتجويع، في ظل توازنات دولية متحركة وتحالفات لم تحسم بعد.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة