يوسف أيوب يكتب: دولة فلسطينة مستقلة أولاً.. ومن بعدها التطبيع
السبت، 24 مايو 2025 08:52 م
وقف الحرب وإعادة إعمار غزة والانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضى العربية المحتلة وقيام دولة فلسطين الشرط الوحيد لاستقرار المنطقة
في جولته الخليجية قبل أسبوعين، كان واضحاً أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعمل على إعادة ترتيب الشرق الأوسط، ليكون الاقتصاد هو الرافعة والمحرك الرئيسى، وكأن هذا الملف هو الأساس الذى يمكن البناء عليه في التطبيع السياسى والدبلوماسى بالمنطقة.
حتى نظرة ترامب لقطاع غزة، يحكمها الجانب الاقتصادى، فهو لا يتحدث عن الحق الفلسطيني في حياة كريمة، بل ينظر إلى غزة على أعتبار أنها مكان استثمارى جيد أو "ريفيرا الشرق".
هذه النظرة الأمريكية أربكت كثيرين في المنطقة، فبات السؤال أيهما أولى.. السلام في المنطقة أم التطبيع.. والتطبيع هنا مقصود به إقامة علاقات عربية إسرائيلية محورها الرئيسى الاقتصاد.
وفي كلمته أمام القمة العربية الـ34 التي عقدت الأسبوع الماضى في العاصمة العراقية، بغداد، فك الرئيس عبد الفتاح السيسى التناقضات الإقليمية، بتأكيده أنه حتى لو نجحت إسرائيل، في إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية.
هذه هي الرؤية الأصح للمنطقة، اذا أردنا فعليا الحديث عن السلام والاستقرار، فمهما وقعت اتفاقيات أو اتفاقات فلن يكتب لها النجاح الا بدولة فلسطينية مستقلة.
هذه الرؤية محكومة بتجربة وخبرات مصرية متراكمة، جعلت الصوت المصرى هو الأقوى، الذى يقرأ الواقع ويتعامل وفق الأحداث برؤية واقعية، تأخذ في حسبانها كافة المتغيرات، أيا كان شكلها.
والرؤية المصرية، قوامها أنه لكى نصل إلى هذه الحالة من السلام في المنطقة، التي يتمناها ويأملها ترامب، فإن مصر وضعت ما يمكن اعتبارها خارطة طريق.
البداية، بوقف فورى لإطلاق النار في غزة، وهو ما تعمل عليه مصر في الوقت الراهن بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، لأن هذه النقطة هي المحور الأول والرئيسى، لأن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أشد مراحلها خطورة وأكثرها دقة، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية على مدار أكثر من عام ونصف تهدف إلى طمسه وإبادة وإنهاء وجوده في قطاع غزة، وأى حديث عن السلام لا يمكن ان يكون الا بهذه البداية.. وقف إطلاق النار في غزة.
الخطوة الثانية، هي رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وهو ما يعنى الأرتباط بالخطوة الأولى، وهى وقف إطلاق النار في غزةن لأن القطاع كما هو معروف يتعرض لعملية تدمير واسعة، لجعله غير قابل للحياة، في محاولة لدفع أهله إلى التهجير، ومغادرته قسرا تحت أهوال الحرب، فلم تبق آلة الحرب الإسرائيلية، حجرا على حجر، ولم ترحم طفلا أو شيخا، بل أن الاحتلال الإسرائيلي، اتخذ من التجويع والحرمان من الخدمات الصحية سلاحا، ومن التدمير نهجا، مما أدى إلى نزوح قرابة مليوني فلسطيني داخل القطاع، في تحد صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية.
وهذا التدمير والمخطط ممتد أيضاً إلى الضفة الغربية، التى لا تزال آلة الاحتلال، تمارس ذات السياسة القمعية من قتل وتدمير. لذلك فإن إيقاف النار وإدخال المساعدات الإنسانية وإبقاء الفلسطينيين على أراضيهم هي أول خطوتين لأقرار السلام في المنطقة
الخطوة الثالثة، هي الدخول في مرحلة إعادة إعمار القطاع، وفق الخطة المصرية التي تم تبنيها عربيا وإسلاميا ومن الدول الغربية الكبرى، بعد الإعلان عن هذه الخطة في قمة القاهرة العربية غير العادية في 4 مارس الماضى، حيث تعتزم مصر، كما أكد الرئيس السيسى، تنظيم مؤتمر دولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، فور توقف العدوان.
الخطوة الرابعة، هي الدخول في مفاوضات جادة وفاعلة لإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها "القدس الشرقية"، باعتبار ذلك السبيل الأوحد للخروج من دوامة العنف التي ما زالت تعصف بالمنطقة، وتهدد استقرار شعوبها كافة بلا استثناء.
الخطوة الخامسة، الدخول في مفاوضات موازية لإنهاء الأحتلال الإسرائيلي لكل الاراضى العربية المحتلة، خاصة الجولان السورية، والاراضى اللبنانية.
بعد هذه الخطوات الخمسة، يمكن الحديث عن التطبيع العربى الكامل مع إسرائيل، فهذه ما يمكن تسميتها بالرؤية الشاملة لفرض السلام وتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة، لان الأمن الإقليمي لن يتحقق دون حل عادل وشامل للقضية، يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
فلا يمكن الحديث عن التطبيع العرب الكامل مع إسرائيل، وفى نفس الوقت تنفذ إسرائيل على الأرض مخطط تصفية القضية الفلسطينية ومشروع التهجير، إستناداً على حرب الإبادة الممنهجة التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة بلا هوادة منذ أكتوبر عام 2023 والتى أدت حتى الآن إلى تدمير معظم أنحاء القطاع واستشهاد وإصابة وفقد عشرات الآلاف من السكان الفلسطينيين بهدف أن تصبح غزة غير قابلة للحياة ومن ثم يسهل تهجير أصحاب الأرض إلى الخارج، بالإضافة إلى حرب أخرى في الضفة الغربية لاتقل عن حرب غزة من كافة جوانبها من قتل وتدمير وتهجير ويضاف إليها تنفيذ قطار الإستيطان الذي ينهش الأرض الفلسطينية فى كافة أنحاء الضفة والقدس .
فالتطبيع اذا لم يكن تالياً للسلام وإيقاف مخططات التصفية، فلن يكتب له النجاح، وسيكون مجرد حبر على ورق، بل أن الدول العربية التي ستدخل فيه لن تحقق ما تربو إليه من التطبيع، حتى اقتصادياً.
لذلك فإن المطلوب عربياً، في هذه اللحظة الراهنة، هو إعادة ترتيب الأولويات العربية في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجهها المنطقة، فقد أثبتت التجارب التاريخية أن الاتفاقات الثنائية لن تنهي الصراع ما دامت إسرائيل ترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وأن السلام او الاستقرار في المنطقة، مفتاحه الأول إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وبخلاف ذلك، فإن دوامة العنف لن تتوقف.
والدولة الفلسطينية المستقلة، تتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كافة الاراضى العربية المحتلة، سواء في لبنان أو سوريا، ليكون الحديث عن التطبيع مقبولاً على الأقل سياسياً، لأن القبول الشعبى، سيظل مؤجل إلى حين تكفر تل أبيب عن جرائمها الكثيرة في حق العرب.