55 ألف شهيد ضحية الحرب الإسرائيلية على غزة.. استمرار العدوان يضع حكومة تل أبيب في مهبّ الريح
السبت، 31 مايو 2025 07:00 م
محمود علي
الاحتلال يستخدم المساعدات الإنسانية أداة ضغط سياسى..
حصار أوروبي يخنق إسرائيل.. وتصدعات داخلية ومظاهرات يومية تطالب نتنياهو بالتخلي عن مصالحه الشخصية ووقف الحرب
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر الثامن عشر على التوالي، ملقيًا بظلال قاتمة على الساحة الدولية، وسط مجازر وجرائم تُرتكب يوميًا بحق الإنسانية، مما يضع حكومة بنيامين نتنياهو في مواجهة عاصفة غير مسبوقة، فقد تصاعدت الخلافات والانقسامات في الداخل الإسرائيلي، في ظل تفاقم الغضب الشعبي في الداخل والخارج الذي ترجمته مظاهرات واحتجاجات حاشدة في تل أبيب وأوروبا خاصة في مدريد، تطالب بوقف الحرب الدموية والتوصل الفوري إلى صفقة تبادل المحتجزين.
والأربعاء الماضى، أعلنت وزارة الصحة في غزة، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 54 ألفا و 84 شهيدا، والمصابين 123 ألفا و 308 منذ 7 أكتوبر 2023، وقالت الوزارة إن مستشفيات القطاع استقبلت 28 شهيدا و 179 مصابا خلال 24 ساعة.
جاء ذلك فيما قال محمد أبو عفش، مدير جمعية الإغاثة الطبية في قطاع غزة، إن إسرائيل تسعى إلى استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي وأمني على سكان القطاع، في محاولة لفرض معادلات جديدة تخنق الحياة اليومية للفلسطينيين، موضحا أن الحصار المستمر منذ أكثر من 80 يوماً، تسبب في نقص حاد بالمواد الغذائية والدوائية، وأن الشعب الفلسطيني يواجه معاناة غير مسبوقة منذ أكثر من 19 شهراً، في ظل ظروف إنسانية متدهورة.
وأشار أبو عفش فى تصريحات لـ"القاهرة الإخبارية"، أن آلية توزيع المساعدات الحالية تفتقر إلى الحد الأدنى من العدالة والكرامة، مشيراً إلى أن 4 مراكز فقط أُنشئت لتوزيع الغذاء على أكثر من مليونين ومئتي ألف مواطن، بينما كانت الأمم المتحدة و"الأونروا" تديران نحو 400 مركز لتقديم الخدمات ذاتها، متابعا: "ما يحدث ليس مجرد خلل إداري، بل هو محاولة متعمدة لتضييق الخناق على المدنيين، وفرض ضغط نفسي واقتصادي عليهم".
وجددت كايا كالاس مفوضة السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الدعوة العاجلة لتقديم المساعدات فورا ودون عوائق في غزة، ووقف إطلاق نار مستدام وإطلاق سراح الرهائن، ودعت إلى ضرورة عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة، مؤكدة على دور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات الإنسانية.
وفي تحول لافت يتناقض مع خطاباته السابقة المتشددة، أقر نتنياهو مؤخرًا بصعوبة الحرب على غزة، مما أثار تساؤلات عميقة حول مدى واقعية الأهداف التي أعلنتها إسرائيل منذ بداية العدوان، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس والإفراج عن المحتجزين. هذا الاعتراف الضمني يعكس فشلًا ذريعًا ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، داخليًا وخارجيًا.
وبدأت تداعيات العدوان تنعكس بوضوح على حكومة الاحتلال، حيث تدهور الوضع الاقتصادي، وتضررت سمعة إسرائيل الدولية بشكل بالغ، فالصورة التي باتت تلاحق إسرائيل عالمياً هي صورة كيان يرتكب المجازر ويرعى الإبادة الجماعية، في وضع يستدعي عقودًا طويلة لإعادة ترميم صورته المهتزة.
تصريحات نتنياهو الأخيرة لا يمكن فصلها عن الواقع الميداني المعقد الذي تعيشه إسرائيل منذ بدء الحرب، فبعد أكثر من عام ونصف من القصف والعمليات العسكرية التي أودت بحياة نحو 54 ألف مدني وأصابت عشرات الآلاف، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة. كما فشلت حتى الآن في إبرام أي اتفاق للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، مما يؤكد إخفاق السياسات العسكرية والأمنية التي انتهجها نتنياهو.
الضغوط الدولية تتزايد لوقف هذه المأساة الإنسانية، وقد شهدت الأيام الأخيرة تحولًا كبيرًا في المواقف الدولية، خصوصًا الأوروبية، حيث تتعالى الإدانات ضد الجرائم الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك المجازر الجماعية ومنع دخول المساعدات وفرض سياسة التجويع الممنهج. هذه الممارسات خلّفت كارثة إنسانية غير مسبوقة، دفعت الكثير من الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل.
في الجانب الاقتصادي، تواجه إسرائيل أزمة غير مسبوقة، حيث تظهر المؤشرات تفاقم الأزمات وتراجع الناتج المحلي، في ظل عزلة متنامية وتهديدات بقطع العلاقات التجارية، وقد تجاهلت حكومة نتنياهو حتى الآن التكلفة الاقتصادية الكارثية للعدوان، رغم تدهور علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، إضافة إلى تذبذب علاقاتها مع الولايات المتحدة. وتأثرت القطاعات الحيوية، لا سيما قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يُعد من الركائز الاقتصادية الأساسية.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية تعليق المفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة جديدة مع حكومة نتنياهو، فيما صرّحت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بضرورة إعادة النظر في اتفاقية التجارة الشاملة بين الجانبين. وعلى الرغم من أن التحركات الأوروبية لا تترجم بعد إلى خطوات تنفيذية مباشرة، فإنها تعكس تحولًا ملموسًا في المزاج الدولي، خصوصًا أن 17 دولة من أصل 27 في الاتحاد الأوروبي تؤيد إعادة تقييم العلاقات التجارية مع إسرائيل.
وتزايدت مؤخرًا الدعوات الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطينية، حيث تضغط فرنسا من أجل إعلان الاعتراف الرسمي خلال الفترة المقبلة، وسط توقعات بضغط أوروبي متصاعد لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
كل هذه التطورات تُفاقم الضغوط على حكومة الاحتلال، وتُعمّق الأزمة الاقتصادية التي باتت تواجه صدمات داخلية وخارجية متتالية. ويبدو أن نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب لأسباب سياسية وشخصية، على رأسها الحفاظ على موقعه في الحكم وتجنب المحاكمة على خلفية إخفاقاته السياسية السابقة. كما يواصل تجاهل مطالب أهالي المحتجزين، الذين يتظاهرون بشكل شبه يومي احتجاجًا على سياسات حكومته التي يعتبرونها تتلاعب بمصير أبنائهم لأغراض سياسية.
ومع تصاعد الغضب الشعبي، بدأت أصوات من داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية تطالب بإنهاء الحرب والتوجه إلى حل دبلوماسي، معتبرة أن الحكومة "تضحّي بالمحتجزين من أجل أجندات شخصية"، وقد شهدت المدن الإسرائيلية مظاهرات حاشدة يقودها أهالي المحتجزين، تعكس التصدع الخطير في تماسك الجبهة الداخلية، وتضع نتنياهو أمام اختبار صعب أمام الرأي العام الإسرائيلي.
وفي الأسبوع الماضى، تصاعدت مؤشرات الفشل داخل حكومة الاحتلال بشكل لافت، تمثّل في تفجّر الخلافات بين مكوناتها، والاستقالات المتتالية، أبرزها استقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي في ظل نزاع قضائي محتدم مع نتنياهو. هذا الانقسام يؤكد هشاشة الحكومة الإسرائيلية وعدم قدرتها على إدارة الأزمة، سواء عسكريًا أو سياسيًا.
وبالإضافة إلى الإخفاقات الميدانية والسياسية، تواجه إسرائيل عزلة دبلوماسية متزايدة، بعد أن كانت تحظى بدعم غربي غير مشروط، فبخلاف التحركات الاقتصادية التي تريد الدول الأوروبية أن تسير فيها ضد إسرائيل، فهناك مسارات سياسية تريد الدول الغربية أن تسلكها لكي توقف تب أبيب حملتها شرسة على غزة، ما بدا أنه تحوّل من دعم غربي إلى انتقادات علنية ومواقف صارمة من دول أوروبية عدة، على رأسها فرنسا وبريطانيا وكندا، التي أصدرت بيانًا مشتركًا يدين جرائم الاحتلال في غزة، إلى جانب دول أخرى مثل إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا، عبّرت عن قلقها المتزايد من الأوضاع الإنسانية الكارثية.
كما ألمحت دول أوروبية أخرى احتمال اعترافها بالدولة الفلسطينية، في وقت أبدت فيه دول أوروبية استعدادها لتجميد التعاون الاقتصادي مع إسرائيل إذا لم توقف عدوانها، ومن بين أبرز المواقف، البيان المشترك الذي وقّعته 22 دولة أوروبية طالبت خلاله بوقف الحرب فورًا، واحترام القانون الدولي، وتوفير المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في إشارة واضحة إلى تآكل الدعم التقليدي لإسرائيل دوليًا.
أما على صعيد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فقد برز موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تجاهل زيارة تل أبيب خلال جولته في المنطقة، في خطوة أثارت تساؤلات واسعة، لا سيما أن ترامب كان من أشدّ المؤيدين لنتنياهو سابقًا، ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل رسالة مباشرة بعدم القبول بالسياسات الحالية لحكومة نتنياهو، في ظل تدهور الأوضاع في غزة.
وخلال الأشهر الأخيرة، تصاعد الحديث عن توتر العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعد أن بدأت ملامح هذا التطور تلوح في الأفق إثر لقائهما المفاجئ في البيت الأبيض خلال شهر أبريل الماضي، وبحسب صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن العلاقة بين الطرفين تمر بمرحلة توتر متزايدة خلف الكواليس، رغم أن مظاهر هذا التوتر لا تظهر علناً، ويعود ذلك إلى تباين وجهات النظر بشأن كيفية التعامل مع أزمات الشرق الأوسط.
ووفق الصحيفة ذاتها، فإن الإدارة الأمريكية أعربت عن حالة من الإحباط المتزايد تجاه سياسات إسرائيل، لا سيما في ما يتعلق بتعاملها مع التطورات الإقليمية، ونقلت عن أحد مسؤولي البيت الأبيض قوله إن جزءاً من الإدارة بات ينظر إلى إسرائيل على أنها مجرد شريك، دون الحاجة إلى تقديم دعم استثنائي لها، مضيفاً أن "نتنياهو هو الشخص الأصعب في التعامل ضمن كل هذه الملفات".
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فقد أشارت إلى تراجع نفوذ نتنياهو على ترامب مقارنة بما كان عليه في السابق، مستشهدة بتصريحات لمسؤول رفيع في إدارة ترامب قال فيها إن تأثير نتنياهو الذي كان يُقدَّر بـ9 من أصل 10، تراجع اليوم إلى 3 أو 4 فقط.
من جهته، نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤولين في البيت الأبيض أن الرئيس ترامب يشعر بقلق متزايد من استمرار الحرب على غزة، ويتأثر كثيراً بصور معاناة الأطفال الفلسطينيين، ما دفعه إلى مطالبة مساعديه بإبلاغ نتنياهو برغبته في إنهاء العمليات العسكرية.
ورغم تأكيد المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين على أن ترامب لا ينوي التخلي عن إسرائيل أو ممارسة ضغوط مفرطة على نتنياهو، فإنهم يقرّون بوجود تباين سياسي متنامٍ بين رئيس يريد وضع حد للحرب، وآخر يسعى إلى توسيع رقعتها.
ويُضاف إلى ذلك التوتر، التصريحات الغاضبة التي أطلقها نتنياهو ضد الإدارة الأمريكية، احتجاجاً على تجاهله خلال زيارة ترامب الأخيرة إلى الخليج. فقد صرح في 11 مايو بأن إسرائيل يجب أن "تفطم" نفسها عن المساعدات الأمريكية، متجاهلاً حقيقة أن الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل دعماً يفوق 250 مليار دولار منذ تأسيسها، بحسب التقديرات الدولية.
في ظل كل ما سبق، يتضح أن نتنياهو يراهن على حرب طويلة المدى قد تمنحه بعض المكاسب السياسية المؤقتة، لكنه يغرق في مستنقع آخذ في الاتساع. فهو لم ينجح في القضاء على حماس، ولا في إعادة المحتجزين، ولا في الحفاظ على دعم الحلفاء. كما باتت سياساته عبئًا على إسرائيل داخليًا وخارجيًا، مع تزايد أزمة الثقة وتدهور المكانة الدولية.