كأنهم عناقيد نور.. حجاج بيت الله الحرام يصعدون جبل عرفات (فيديو)
الخميس، 05 يونيو 2025 08:56 ص
طلال رسلان
كانت الشمس قد بدأت تهمس بدفئها على مشعر عرفات، حين بدأت القوافل تمضي في صمت مهيب... مائة وخمسة ملايين روح جاءت من كل فجّ عميق، تتدفق إلى الجبل الطاهر كأنها نهر نورٍ يجري نحو رحمات السماء، تسير الأقدام على الأرض، وتعلو الأرواح فوقها، كأنها تبحث عن لحظة صفاء أزلي، أو غفران منتظر منذ زمن بعيد.
رجال الأمن كأنهم حرّاس النور، يحيطون الحجيج بعناية العارفين وقلب العاشق، ينظمون سيرهم، يوجّهون خطاهم، يحمونهم من العثرة والضياع، ويصغون لهمس القلوب التائهة بين الدعاء والدموع. خلف كل زي رسمي، إنسان يؤدي رسالة، يمد يده لحاج، أو يرفع صوتًا بالإرشاد... لا اضطراب، لا فوضى، فقط مشهد كتبه القدر بدقة وإتقان.
في كل زاوية من عرفات، كانت البركة هناك... في خيمة طبية، في سيارة إسعاف، في ابتسامة عامل يوزع الماء، أو في نداء خافت يشق الزحام بـ"تموين... ماء بارد". استعداد كامل يتسع للكون كله، لأناس جاءوا من قارات وأمم، توحدهم "لبيك اللهم لبيك".
ومع زوال الشمس، تزدان السماء بخشوع اللحظة... ففي مسجد "نمرة"، تأتي الجموع لتقيم الصلاة كما صلاها الحبيب محمد ﷺ، ظهرًا وعصرًا جمعًا وقصرًا، بأذان واحد وإقامتين. هنا، تتلاشى المسافات بين الماضي والحاضر، وتنبض السنة النبوية بالحياة، وكأن الصوت القادم من بطن مكة قبل أربعة عشر قرنًا ما زال يُردد: "خذوا عني مناسككم".
ومع كل خيط من غروب، الحجاج يتحركون في بطء يشبه الوداع... ينهضون من عرفات كما تنهض أرواح من سجدة طويلة، تتوجه النفوس بعدها نحو مزدلفة، حيث يُقام المغرب والعشاء، ويبيت العابدون تحت السماء، بين حلم وسكينة، في تقليد صادق لأعظم رحلة عرفتها الأرض.
هناك... في مزدلفة، لا شيء يُسمع سوى صوت الذكر، ووشوشة الأرواح وهي تروي ظمأها من بحر الرحمة... استعدادًا ليوم جديد، العاشر من ذي الحجة، حيث تكتمل المناسك، ويُعلن الفجر بداية العيد، وبداية مغفرة من الله واسعة كفضاء مكة.