تعددت الجرائم والمجازر.. والفاعل إسرائيل.. الاحتلال يحول مراكز توزيع المساعدات فى غزة إلى مصائد للموت
السبت، 07 يونيو 2025 04:02 م
محمود على
نقلاً عن العدد الورقى
مصائد الموت، مجارز العدو، مجزرة ليلة العيد، كثرت المسميات، والفاعل واحد، العدو الإسرائيلى الذى يواصل حملته الهمجية والقاتلة ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، الذى تحاول حكومة المطلوب دوليا بنيامين نتنياهو، أن يحوله إلى أرض محروقة، يصعب العيش بها.
فلم تكتف حكومة الاحتلال باستهداف المستشفيات والمدارس وكل المؤسسات فى غزة، ففى الأسبوع الماضى حولت بوصلتها ناحية مراكز توزيع المساعدات الإنسانية تحولت خلال الأيام الماضية إلى مصائد قاتلة للمدنيين الفلسطينيين، بعد أن استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلى الحشود المتجمعة بنيران مباشرة أدى إلى استشهاد العشرات خلال أسبوع واحد، حيث تركزت تلك الاستهدافات فى المنطقة الغربية من رفح، وجنوب محور نتساريم وسط القطاع، حيث أطلق جنود الاحتلال نيرانهم على المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء.
كما استهدفت طائرات الاحتلال خيام النازحين فى محيط مدرسة الحناوى غرب خان يونس، ما أدى إلى استشهاد 14 فلسطينيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى إصابة أكثر من 20 آخرين، بعضهم فى حالة حرجة، كما قصفت خيمة فى منطقة ميناء غزة التى تأوى نازحين من شمال القطاع، ما أسفر عن سبعة شهداء، ليرتفع عدد الضحايا فى استهداف الخيام فقط إلى أكثر من 20 شهيدا.
جاء ذلك فيما قال الدكتور عاطف الحوت، مدير مجمع ناصر الطبى بمدينة خان يونس، إن شهداء المدينة غالبيتهم أطفال ونساء، مؤكدا على أن المجمع يستقبل إصابات بالغة ويفتح أكثر من 10 غرف عمليات يوميا، لافتا إلى أن المجمع يواجه عجزا شديدا فى الأدوية والمستلزمات، ونضطر للمفاضلة بين الإصابات لعجزنا عن إنقاذ كل الحالات.
ورغم العدوان الإسرائيلى المستمر، إلا أن القاهرة بالتنسيق مع قطر تواصلان جهودهما للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وقالتا فى بيان مشترك الأسبوع الماضى، إنهما تواصلان جهودهما المكثفة لتقريب وجهات النظر والعمل على تذليل النقاط الخلافية بهدف التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، بالاستناد إلى المقترح الجديد الذى قدمه مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، والذى يهدف إلى تهيئة الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الأطراف المعنية.
وأكد البلدان، عزمهما على تكثيف الجهود بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتجاوز العقبات التى ما زالت تعترض طريق التوصل إلى اتفاق، داعيين جميع الأطراف إلى التحلى بالمسئولية وتقديم الدعم الكامل للوسطاء، من أجل إنهاء الأزمة المتصاعدة التى تعصف بالقطاع، وأعربت القاهرة والدوحة عن تطلعهما إلى التوصل فى أقرب وقت إلى هدنة مؤقتة مدتها 60 يوما، تكون بمثابة خطوة أولى نحو وقف دائم لإطلاق النار، بما يتيح إنهاء الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التى يعيشها سكان قطاع غزة. كما أكد البيان على أهمية فتح المعابر بشكل عاجل، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، بهدف التخفيف من المعاناة المتفاقمة، تمهيدا للبدء فى تنفيذ خطة إعادة الإعمار.
وفى السياق نفسه، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلى يسرائيل كاتس توجيهه بالمضى قدما فى تنفيذ جميع الأهداف العسكرية فى قطاع غزة «بغض النظر عن أى مفاوضات جارية»، فى مؤشر واضح على استمرار النهج التصعيدى رغم الجهود الدولية والإقليمية المكثفة لإنهاء الحرب.
ما قاله كاتس، يدخل ضمن سياق مساعى نتنياهو لتوسيع دائرة الحرب للأبقاء على حظوظ حكومته، خاصة بعدما أعلن حزبا «العمل» و«إسرائيل بيتنا» عزمهما طرح مشروع قانون لحل الكنيست خلال أيام، ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن أعضاء فى حزب «يهدوت هتوراه» «التوراة اليهودية الموحدة» أن اللقاء مع رئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست كان فاشلا، فى حين تلقى رئيس الحزب تعليمات بالانسحاب من الحكومة والعمل على تفكيكها، كما دعا زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيجدور ليبرمان، حكومة نتنياهو إلى الرحيل، بينما نقلت صحيفة «معاريف» عن مصدر حريدى رفيع أن التقديرات تشير إلى أن إسرائيل تتجه نحو انتخابات مبكرة.
فى سياق أخر، لا يمكن إغفال الملحمة الدبلوماسية التى تقودها مصر فى هذه المرحلة الحرجة، من أجل إعادة إعمار غزة وعودة الحياة الطبيعية إلى القطاع المدمَّر بالكامل بفعل العدوان الإسرائيلى الغاشم، الذى استمر لما يقارب العام ونصف، وأسفر عن استشهاد أكثر من 54 ألف فلسطيني، وإصابة نحو 125 ألف آخرين.
فبعد سنوات من الحرب والدمار، تبحث القاهرة عن سبل حقيقية لإعادة الحياة والاستقرار إلى غزة بشكل دائم، ومنذ اللحظة الأولى، وقبل حتى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، بدأت مصر تجمع كل أدواتها وتتحرك على جميع الأصعدة، استعدادا لمرحلة ما بعد التهدئة، بهدف جعل القطاع صالحا للعيش مرة أخرى، وإفشال المخطط الإسرائيلى الساعى لتهجير السكان، وتحويل غزة إلى منطقة مستوطنات جديدة تمحو الوجود الفلسطيني، فى تحدٍّ سافر لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
عظمة التحرك المصرى تظهر فى تركيز الجهود على كسب الدعم الدولى الضرورى، لإعادة إعمار غزة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار، وهو ما بات أقرب من أى وقت مضى فى ظل التصريحات المتبادلة بين جميع الأطراف، والتى تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق شامل.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن الدولة المصرية تولى أولوية قصوى للتوصل إلى وقف إطلاق النار فى غزة، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، وبالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، كما شدد على أهمية إعداد وزارة الخارجية بشكل جيد لمؤتمر إعادة إعمار غزة فور تحقيق التهدئة، مؤكدا الرؤية المصرية الواضحة بشأن إعادة الإعمار دون تهجير السكان، وهو ما أكدته أيضا الخطة العربية الإسلامية المعتمدة سابقا.
ومنذ بداية التصعيد، لم تغب خطة إعادة إعمار غزة عن أى فعالية أو منتدى تشارك فيه مصر، بدءا من الرئيس السيسى إلى الوزراء والمسؤولين، حيث تم الترويج لها واعتمادها عربيا وإسلاميا فى مختلف القمم والمحافل الكبرى خلال الأشهر الماضية.
ولم يقتصر الدور المصرى على التحضير لإعادة الإعمار، بل شمل تنشيط الجهود الدولية لوقف إطلاق النار، فقد استعرض وزير الخارجية د. بدر عبدالعاطى خلال لقائه برئيس الوزراء نتائج التحركات الدبلوماسية التى قامت بها الوزارة، تنفيذا لتوجيهات الرئيس السيسي، حيث ركزت الجهود على وقف العدوان بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
وركزت القمة العربية الأخيرة المنعقدة فى بغداد على القضية الفلسطينية، وتحديدا حرب غزة، وبدأت فعليا مساعى التحضير لإعادة الإعمار، وأكد الرئيس السيسى فى كلمته خلال القمة نية مصر تنظيم مؤتمر دولى للتعافى المبكر وإعادة الإعمار، مطالبا الولايات المتحدة ببذل كل ما فى وسعها لوقف العدوان، تمهيدا لإطلاق عملية سياسية تفضى إلى تسوية دائمة.
تشير تقديرات البنك الدولى إلى أن تكلفة إعادة إعمار غزة تتجاوز 50 مليار دولار خلال عقد من الزمان، منها 15.2 مليار لقطاع الإسكان، و7.1 مليار للصحة، و6.9 مليار للتجارة والصناعة، إضافة إلى قطاعات الزراعة، التعليم، الحماية الاجتماعية، النقل، والمياه والصرف الصحى.
وفى سياق الجهود التحضيرية، دعت مصر الشركات الأميركية والأوروبية للمشاركة فى المؤتمر الدولى المزمع عقده لإعمار غزة، على أمل التوصل قريبا إلى وقف إطلاق النار يسمح بدخول المساعدات والأدوية، المتوقفة منذ أكثر من 75 يوما.
من جانب آخر، يحظى التحرك المصرى الساعى إلى التركيز أيضا مع إعادة الإعمار بالتزامن مع الجهد المبذول لوقف إطلاق النار، بترحيب دولى واسع، إضافة إلى الدعم العربى والإسلامى، فقد أشادت دول أوروبية عديدة بالخطة المصرية، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وكذلك الاتحاد الأوروبى، فضلا عن الولايات المتحدة التى رحبت عبر مبعوثها الخاص للشرق الأوسط بالخطة باعتبارها «بادرة حسن نية» من مصر.
وأكد مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق، جون بولتون، أن مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة غير واقعى، وأنه يدعم بقاء السكان فى القطاع، وأشاد بالدور الحيوى الذى تقوم به مصر فى إعادة الإعمار، قائلا إن لديها كل الأدوات الفعالة لتنفيذ الخطة.
من جانبه، دعا الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى عقد المؤتمر الدولى فى القاهرة لتنفيذ خطة إعادة إعمار غزة، وتمويل برامج النهوض فى الضفة الغربية والقدس، محذرا من الخطر الوجودى الذى يواجه القضية الفلسطينية.
وقال الدكتور محمد عثمان، الباحث فى العلاقات الدولية، إن خطة إعادة الإعمار التى طرحتها مصر هى الرد العملى على مخططات التهجير، حيث تضع خطوات لإعادة الإعمار والتعافى المبكر دون خروج سكان القطاع، وأضاف أن الخطة تتضمن تصورا للتكلفة المالية، وبناء المنازل المؤقتة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وحشد التمويل من الأطراف الدولية، مشيرا إلى أن تبنى قمة القاهرة لهذه الخطة يمنحها مزيدا من المشروعية والثقل، ما سيزيد فرص حصولها على الدعم الدولى، وبالتالى تعزيز فرص نجاحها وتعطيل مخططات التهجير والتصفية الأمريكية الإسرائيلية.
وأوضح عثمان لـ«صوت الأمة» أن تبنى الدول العربية والإسلامية للخطة المصرية لإعادة الإعمار يؤمن لها دعما سياسيا وماليا، مشيرا إلى أن الدول العربية، لا سيما الخليجية، تمتلك قدرات اقتصادية ومالية تسمح لها بإطلاق المراحل الأولى من الخطة، مضيفا أن ذلك سيشجع أطرافا دولية أخرى، مثل الاتحاد الأوروبى والصين، على الإسهام فى جهود إعادة الإعمار، وتابع أن القاهرة من المتوقع أن تنظم مؤتمرا لإعادة إعمار غزة برعاية الأمم المتحدة خلال الفترة المقبلة، ما سيسهم فى تنفيذ الخطة المصرية.