في طريق المشاعر المقدسة.. حكايات أمهات الشهداء مع بعثة حج القرعة

الأحد، 08 يونيو 2025 12:13 م
في طريق المشاعر المقدسة.. حكايات أمهات الشهداء مع بعثة حج القرعة
مكة المكرمة – دينا الحسيني

في أتوبيس نقل الحجاج من مشعر عرفات إلى منى، لم تكن الرحلة مجرد انتقال مكاني بين المشاعر المقدسة، بل كانت لحظة إنسانية خالصة، اختلطت فيها دموع الحزن بدموع الفخر، وصعدت فيها الدعوات إلى السماء تحمل أسماء من غابوا بأجسادهم، لكنهم لم يغيبوا عن القلوب.
 
كانت بجانبي سيدة مسنّة تبكي بحرقة. حاولت تهدئتها، سألتها بلطف:
“مالك يا حاجة؟”
ردت بصوت يغلبه الألم:
“أنا أم النقيب الشهيد محمود جمال… استُشهد من 9 شهور ولسه مش قادرة أنساه.”
 
ثم فتحت هاتفها، وأخرجت صور ابنها، وصور ابنته الصغيرة “سيليا” التي لم تتجاوز عامين ونصف حين غادرها والدها إلى موقع استشهاده في محافظة أسوان، خلال مطاردة لتاجر مخدرات.
أرَتني مقطعًا من جنازته، وقالت بفخر ودموع:
“بصي كفر هلال كلها كانت في الجنازة… ابني كان بطل.”
 
ما زاد دهشتي هو ما روته بعدها، حين قالت:
“فوجئت باتصال من الإدارة العامة للعلاقات الإنسانية بوزارة الداخلية… قالولي جهزي نفسك للحج. أنا، وأبوه، وأرملة الشهيد.”
ثم سألتني، بدهشة ممزوجة بامتنان:
“هو ده طبيعي؟ يفتكرونا كده؟ ويطلعونا إحنا التلاتة نحج؟”
فأجبتها من قلبي:
“أيوه يا حاجة، الداخلية عمرها ما نسيت ولادها… وده أقل حق لابنك البطل.”
 
وخلفي في نفس الأتوبيس، كانت تجلس أرملة الشهيد العقيد فتحي سويلم، الذي استُشهد قبل 5 شهور أثناء تدخله للسيطرة على مشاجرة داخل أحد البنوك.
 
هاتان القصتان، وسط آلاف الحجاج، تلخصان وجهًا آخر لبعثة حج القرعة، ذلك الوجه الإنساني الذي يتجاوز التنظيم والإدارة إلى الوفاء الصادق والتكريم الحقيقي لشهداء الوطن وذويهم.
 
فوزارة الداخلية، عبر إدارتها العامة للعلاقات الإنسانية، لم تكتفِ بواجبها التنظيمي في موسم الحج، بل مارست دورها الإنساني والأخلاقي، وأعادت لأسر الشهداء لحظة طمأنينة وسط المشاعر المقدسة، ليشعروا أنهم ليسوا وحدهم.
 
هذا هو وجه مصر الحقيقي… حيث لا يُنسى مَن قدّم روحه دفاعًا عنها، ولا تُهمل أسرته بعد رحيله

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق