نتنياهو وإيران.. تهديدات الماضي وضربة الحاضر
الجمعة، 13 يونيو 2025 11:53 م
طلال رسلان يكتب:
على مدار سنوات، ظل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يطلق تحذيرات لا تنقطع بشأن البرنامج النووي الإيراني، لدرجة أن خصومه في طهران اعتبروها "إنذارات جوفاء". ولكن المشهد تغيّر جذرياً مؤخراً، حين قرر من يهيمن على السياسة الإسرائيلية لعقود أن ينفذ ما ظل يتوعد به طويلاً.
الضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل ضد أهداف إيرانية مؤخراً قبل الرد الإيراني في الداخل الإسرائيلي، تمثل لحظة مفصلية في الصراع الخفي والمكشوف بين البلدين. فنتنياهو، الذي لطالما قارن تهديد إيران النووي بالمآسي التاريخية التي حلّت بالشعب اليهودي في القرن العشرين، لجأ مرة أخرى إلى استحضار ذكرى الهولوكوست ليبرر القرار، معتبراً أن التاريخ منح الإسرائيليين هذه المرة فرصة للتصرف قبل فوات الأوان.
وفي ظل هذا التحرك، بدا واضحاً أن الحسابات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تغيّرت. فعلى الرغم من تحفظاته السابقة على أي عمل عسكري منفرد ضد إيران خشية تداعياته الإقليمية، خاصة من قبل جماعات تدعمها طهران كـ«حماس» و«حزب الله»، فإن نتنياهو يبدو اليوم أكثر ثقة بقدرة إسرائيل على إدارة التصعيد، مستنداً إلى الضربات التي تلقاها الطرفان في الآونة الأخيرة.
التحول الإسرائيلي في التعامل مع إيران لم يكن فجائياً. فمنذ عام 2024، أخذت تل أبيب توجه ضربات نوعية داخل العمق الإيراني، عكست جرأة جديدة ومستوى متقدماً من القدرة الاستخباراتية والعسكرية. وأشارت مصادر عسكرية إلى أن هذه العمليات أصابت بدقة أنظمة دفاع جوي متقدمة بالقرب من مواقع نووية حساسة، مثل منشأة نطنز.
غير أن هذه التطورات تزامنت مع مفارقة لافتة في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية. فعلى الرغم من أن الرئيس السابق دونالد ترمب، الحليف المقرب من نتنياهو، انسحب من الاتفاق النووي مع إيران في ولايته الأولى، إلا أن زيارته الأخيرة للبيت الأبيض شهدت إعلاناً مفاجئاً بشأن استئناف محادثات مباشرة مع طهران، مما شكل خيبة أمل واضحة لنتنياهو.
ومع انتهاء المهلة الأميركية غير الرسمية لإبرام الاتفاق، سارعت إسرائيل إلى توجيه ضربتها، وسط تكهنات بأن التنسيق مع واشنطن كان قائماً، وأن الخلافات المعلنة بين ترمب ونتنياهو ربما كانت مجرد تمويه استراتيجي.
ورغم هذه التطورات، يبقى نتنياهو شخصية مثيرة للجدل في الداخل الإسرائيلي. فصورته كرجل أمن صارم تلقت ضربة قوية مذلة عقب هجوم «حماس» المفاجئ في أكتوبر 2023، وهو الحدث الذي وصف بأنه الأسوأ منذ قيام إسرائيل. وأشارت استطلاعات الرأي إلى انهيار شعبيته، وسط اتهامات بمحاولة إطالة أمد الحرب في غزة للبقاء في السلطة وتجنب انتخابات قد يخسرها.
ولم تتوقف المتاعب عند حدود الحرب، بل امتدت إلى المحاكم، حيث يواجه نتنياهو محاكمة بتهم فساد ظل ينفيها. كما أن المحكمة الجنائية الدولية وجهت إليه اتهامات محتملة بارتكاب جرائم حرب، ما يزيد من تعقيد موقفه السياسي والقانوني.
ومع ذلك، يراهن نتنياهو على أن التصعيد مع إيران قد يُعيد رسم صورته القيادية. فبالنسبة له، خوض معركة ضد الخصم الإيراني ليس فقط قضية أمنية، بل فرصة لتدوين اسمه في صفحات التاريخ باعتباره من واجه "التهديد الوجودي" قبل أن يتحول إلى كارثة.
خلاصة المشهد الحالي أن نتنياهو، البالغ من العمر 75 عاماً، يخوض معركته الأخيرة على أكثر من جبهة: ضد إيران، وضد خصومه السياسيين في الداخل، وضد الزمن الذي ينفد من بين يديه. أما ما إذا كان التاريخ سينصفه كما يأمل، فذلك رهن بنتائج حربٍ لم تُكشف كل أوراقها بعد.