من غزة إلى طهران.. نتنياهو يشعل الشرق الأوسط ويجره إلى حرب شاملة

السبت، 21 يونيو 2025 10:00 م
من غزة إلى طهران.. نتنياهو يشعل الشرق الأوسط ويجره إلى حرب شاملة
محمود علي

في وقت كانت فيه أنظار العالم تتركز على قطاع غزة، حيث تشن إسرائيل عدوانا دمويا منذ 7 أكتوبر عام 2023، جاء التصعيد الإسرائيلي المباشر ضد إيران ليشكل منعطفا خطيرا ينذر بانفجار إقليمي شامل. لكنه في الوقت نفسه، يكشف عن الوجه الحقيقي لإسرائيل وخططها التوسعية في المنطقة دون النظر إلى العواقب والتداعيات الناتجة عنها.
 
فبعد استهداف قطاع غزة بحرب إبادة شاملة طالت المدنيين والبنية التحتية والمرافق الحيوية دون تمييز، والاستمرار في حملة التدمير الشامل لفترة لا تقل عن 20 شهرًا، عبّرت تل أبيب عن تحركاتها العدوانية التي لا تعرف حدودًا، لتبدأ في توسيع عدوانها والبحث عن تصعيد خارجي لتصدير أزمتها الداخلية. فامتدت أذرعها إلى لبنان وسوريا والعراق، لتبلغ ذروتها بتوجيه ضربات لإيران أشعلت المواجهة بين الطرفين على مدار نحو أسبوع، وفتحت المجال أمام حرب شاملة.
 
وجاءت الضربات الإسرائيلية على إيران لتكشف أنها لم تكن مجرد هجوم عابر كما حدث في السابق، بل كانت إعلانًا واضحًا بأن إسرائيل مستعدة لاختراق قواعد الاشتباك مع إيران، وإشعال مواجهة مباشرة مع قوة إقليمية كبرى، في إطار مشروع توسعي خطير، لتنتقل بذلك الممارسات الإسرائيلية الإجرامية من غزة إلى عواصم أخرى في المنطقة، في محاولة يائسة لفرض منطق القوة على حساب أمن الشرق الأوسط واستقراره.
 
في الوقت نفسه، فإن هذه الحرب واتساعها وتصاعد المواجهات بشكل غير محسوب يعكس فشلًا ذريعًا في قراءة إسرائيل لمآلات العدوان على قطاع غزة، وبينما تزداد التهديدات وتتسع الجبهات، ترتفع التحذيرات من أن الشرق الأوسط يقف اليوم على حافة هاوية، ليبقى السؤال مطروحًا: إلى أين تقودنا الحسابات الإسرائيلية المتهورة والخاطئة؟
 
بدأت شرارة العدوان الإسرائيلي على غزة عقب عملية السابع من أكتوبر، حيث استهدفت تل أبيب البنية التحتية المدنية والمرافق الحيوية في القطاع، تحت ذريعة القضاء على حركة حماس. ومع فشلها في تحقيق تقدم حاسم رغم استخدام القوة المفرطة، بدأت المنطقة تشهد ارتدادات خطيرة تمثلت في فتح جبهات متعددة وصلت إلى  إيران. لتصبح الحرب غير محصورة في غزة، بل مواجهة إقليمية مفتوحة، بدأت معها مرحلة جديدة عنوانها: إسرائيل تشعل حربًا لا تعرف كيف تُنهيها.
 
لم تكن إسرائيل تتوقع أن يتدحرج عدوانها في غزة ليصل إلى مواجهة مباشرة مع إيران، اعتمدت على تقديرات أمنية ترى أن الرد الإيراني على ضرب العاصمة طهران سيكون محدودًا، وأن الجبهات المحيطة ستبقى تحت السيطرة. لكن الواقع أثبت العكس، إذ أظهرت التطورات أن طهران ستستخدم كل أوراقها لإضعاف إسرائيل وتوصيل رسالة إنها قادرة على الردع، لكن النتيجة واحدة دخلت المنطقة في دائرة اشتعال مفتوح لا تُعرف نهايته.
 
في قلب هذا التصعيد يقف بنيامين نتنياهو، الذي يواجه أعمق أزمة سياسية في مسيرته، فبعد فشله في منع هجوم 7 أكتوبر، وتدهور صورته داخليًا، وجد في استمرار الحرب وسيلة للبقاء في الحكم وتجنّب المحاسبة، يسعى نتنياهو، عبر تكثيف العمليات العسكرية وتوسيعها، إلى صرف الأنظار عن إخفاقاته، أبرزها عجزه عن تحقيق الأهداف المعلنة للحرب: القضاء على حماس، واستعادة الأسرى المحتجزين، وهكذا باتت الحكومة الإسرائيلية غير معنية بالانتصار بقدر ما تسعى إلى البقاء، ولو على أنقاض الاستقرار الإقليمي.
 
ومنذ الأيام الأولى للحرب على غزة، رفعت مصر صوتها محذّرة من أن إطالة أمد العدوان سيشعل المنطقة برمّتها، لم تكن هذه التحذيرات مجرد توقعات، بل قراءة عميقة لتوازنات القوى وإدراك لخطر الانفجار الإقليمي، واليوم، يتأكد صواب الموقف المصري في ضوء التصعيد بين إسرائيل وإيران، فقد شددت القاهرة مرارًا على أن الحل السياسي المتمثل في "حل الدولتين" هو المسار الوحيد لحماية الأمن الإقليمي، ورغم كل هذه التطورات المتسارعة، واصلت مصر جهودها الدبلوماسية والإنسانية لاحتواء الموقف، مؤكدة أن تجاهل جذور الصراع الفلسطيني لن يجلب إلا المزيد من الفوضى والانفجار.
 
في ظل التصعيد العسكري المتسارع بين إسرائيل وإيران، كثفت مصر جهودها واتصالاتها الدولية لاحتواء الأزمة، ووقف اتساع رقعة الصراع في المنطقة، وجاء ذلك عبر تحركات دبلوماسية رفيعة المستوى، حيث تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي سلسلة اتصالات هاتفية مع عدد من قادة العالم، في مقدمتهم رؤساء قبرص وتركيا وفرنسا.
 
وبالعودة إلى الهجوم الإسرائيلي على أهداف إيرانية، ورد طهران المباشر، فأنهما غيّرا من قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، فلأول مرة تتبادل إسرائيل وإيران الضربات العلنية بشكل موسع بهذه الصورة، بما يحوّل المواجهة من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، الرد الإيراني، الذي وُصف بأنه "مدروس لكنه حازم"، لم يكن مجرد ردّ فعل، بل رسالة بأن أي استهداف مباشر سيُواجَه بالمثل. هذا التصعيد الخطير يفتح الباب أمام سيناريوهات مرعبة، ليس أقلها اندلاع حرب إقليمية شاملة، أو انخراط أطراف دولية في الصراع بشكل مباشر.
 
أمام تصاعد التوتر، اتجهت القوى الدولية إلى الدعوة للتهدئة، لكنها لم تنجح بعد في كبح جماح التصعيد. الولايات المتحدة وجدت نفسها في موقف يظهر أنه معقد ولكنه في الحقيقة ربما يكون موجه ومسير للأحداث، فهي حليف لإسرائيل وتريد أن تأخذ أكبر مكاسب ممكنة من تلك التطورات بعودة إيران إلى طاولة المفاوضات، ولكنها في الوقت نفسه تخشى توسّع الحرب بشكل يهدد مصالحها في المنطقة، أوروبا أبدت قلقًا من تدفق اللاجئين وتداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي. أما روسيا والصين، فقد حمّلتا إسرائيل مسؤولية إشعال الحرب، ودعتا إلى وقف فوري لإطلاق النار. ورغم هذه التحذيرات، لم تثمر أي جهود وساطة فعلية حتى الآن، في وقت تزداد فيه المؤشرات على اقتراب المنطقة من لحظة انفجار واسعة النطاق.
 
الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران تهدد بشكل مباشر استقرار إمدادات الطاقة في العالم، لا سيما مع التلويح الإيراني بإمكانية تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من النفط العالمي، كما يزداد القلق من تعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار النفط، وتراجع أسواق الأسهم في عدة دول، وإذا تحوّلت الحرب إلى مواجهة شاملة، فإن العالم بأسره سيدفع ثمن الحسابات الخاطئة لحكومة الاحتلال.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة