ضربات الـ12 يوماً تعيد تغيير المفاهيم العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط

السبت، 28 يونيو 2025 09:31 م
ضربات الـ12 يوماً تعيد تغيير المفاهيم العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط
يوسف أيوب يكتب:

الولايات المتحدة الأمريكية ترسخ مفهوم فرض السلام بالقوة.. والعودة إلى طاولة المفاوضات الخيار الوحيد 
وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران يعيد غزة إلى الواجهه.. وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مفتاح الأمن والاستقرار للمنطقة 
 
 
 
توقفت الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي كان يتوقع لها كثيرون أن تستمر طويلاً. توقفت دون أن يعرف أحد لماذا بدأت وكيف انتهت. الشئ الوحيد المعروف حتى الأن، أن الشرق الأوسط مقبل على تغيرات سياسية وعسكرية جديدة، قوامها الرئيسى أن السلام في المنطقة سيكون مبنى على القوة، ويدار من خارجها، حيث تبقى الولايات المتحدة الأمريكية هي المحرك الرئيسى لهذا السلام.
 
والأسبوع الماضى، أعلنت وزارة الصحة الإيرانية، مقتل 609 أشخاص منذ بدء الحرب مع إسرائيل، وخسرت إيران عددا من القادة العسكريين من الصف الأول خاصة في اليوم الأول للهجمات الإسرائيلية، على رأسهم رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري، وكذلك قتل عدد من كبار العلماء النوويين، الذين كانت تعتمد عليهم طهران في تطوير برنامجها النووي، كما تضررت المنشآت النووية الإيرانية، وربما تعرضت للتدمير بشكل كامل أو جزئي، حسب الرواية الإسرائيلية، خاصة مع الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة لتلك المنشآت وعلى رأسها المنشآة الأهم في فوردو.
 
وأسفرت الهجمات الإيرانية على إسرائيل عن مقتل وجرح العشرات من الإسرائيليين، لكن تل أبيب لا تكشف عن الأرقام الحقيقية لعدد القتلى والمصابين، يضاف إلى ذلك أيضا أن الداخل الإسرائيلي شهد ضربات صاروخية تعتبر من الأشد في تاريخه، كما أسفرت الحرب عن دمار في عدد من المدن الإسرائيلية وخسائر اقتصادية ضخمة.
 
وشهد الأثنين الماضى، المشهد الأخير فى التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل؛ والذى امتدت فصوله 12 يومًا، انتهت بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاثنين، بوقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب، وسبق هذا الإعلان بساعات قليلة الهجمات التى شنتها إيران على قاعدة "العديد " الأمريكية فى قطر؛ باستخدام 14 صاروخا في عملية أطلقت عليها طهران "بشارة الفتح"؛ والتى لم تسفر عن أى خسائر وفق إعلان القوات المسلحة القطرية فى أعقاب الهجمات.
 
وتبع هذا إعلان إسرائيل رسميًا الموافقة على وقف إطلاق النار مع إيران وإعادة فتح مجالها الجوى؛ فى الوقت الذى اعتبر فيه رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، إن إعلان ترمب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يمثل "خاتمة مريرة ومُخيبة للآمال".
 
أما طهران فأكدت على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي، أنه لا نية لديها لمواصلة التصعيد إذا أوقفت إسرائيل عدوانها غير القانوني؛ وأعرب عن شكره للقوات المسلحة الإيرانية التي ظلت على أهبة الاستعداد للدفاع عن إيران، وقوبل هذا الإعلان بترحيب عربى ودولى؛ معتبرين الخطوة تعيد الأمن والاستقرار بالمنطقة وتحقن دماء الأبرياء.
 
ترامب قال إن التهدئة جاءت بعد تصعيد خطير في المنطقة، وطلب من الجانبين عدم انتهاكه، وفي منشور آخر، قال ترامب ان طهران وتل ابيب جاءتا اليه وقالا "نريد السلام" بعد ان صرح سابقا ان البلدين توصلا لاتفاق وقف اطلاق نار شامل وكامل، وكتب الرئيس الأمريكي قائلا: "جاءتني إسرائيل وإيران، في وقت واحد تقريبًا، وقالتا: سلام!". كنت أعلم أن الوقت قد حان. العالم، والشرق الأوسط، هما الرابحان الحقيقيان! سيشهد كلا البلدين حبًا وسلامًا وازدهارًا هائلين في مستقبلهما.. لديهما الكثير ليكسباه، ومع ذلك، سيخسران الكثير إذا انحرفا عن طريق الحق. مستقبل إسرائيل وإيران غير محدود، ومليء بالوعود العظيمة. بارك الله فيكما!".
 
الأمر المعلن، أن الحرب أو ما يمكن تسميتها بالمناوشات العسكرية المباشرة بين طهران وتل أبيب، بدأت بسبب "البرنامج النووي الإيراني"، بعدما فشلت خمس جوالات تفاوضية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في التوصل إلى صيغة لهذا البرنامج، وسط تأكيد أمريكى على عدم الموافقة بامتلاك إيران برنامج نووي، فيما ردت طهران على لسان كبار مسئوليها وأخرهم رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، عزمها عدم السماح لأى توقف في مسار الصناعة النووية، وقال "إسلامى" إنه تم التخطيط لتجنب أي انقطاع في عملية الصناعة النووية، وأن بلاده اتخذت التدابير اللازمة، وهي بصدد تقييم الأجزاء المتضررة.
 
ورغم الإعلان الأمريكي الإسرائيلي المدعوم أوربيا أن طهران كانت في طريقها إلى تصنيع القنبلة النووية، الا أن لا أحد يملك دليلاً على ذلك، حتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فشلت في تأكيد المعلومة، في تكرار لما حدث في 2003، حينما تذرعت الإدارة الأمريكية حينها بامتلاك بغداد أسلحة نووية وبيولوجية، وفى 20 مارس 2003، بدأ الغزو البري الأمريكي للعراق والذي انتهى باحتلاله وتدمير مقدراته وقلبه رأسا على عقب من دون أي مبرر عدا "أنبوب اختبار" كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي الذى تزعم مخطط النووي العراقى.
 
كل ذلك يعيدنا إلى البداية، لا أحد يعرف لماذا بدأت هذه الحرب أو المناوشات، وإلى أي نتيجة وصلت. 
 
لا أحد يعرف، الا المشتركين في العملية نفسها.
 
الشئ الوحيد المؤكد أن الفترة المقبلة، ستشهد العودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران، وربما بمشاركة من الجانب الأوربي، بعدما استطاعت واشنطن أن ترسخ مفهومها بفرض السلام بالقوة، لكن هل يمكن أن تتطور الأمور لتدخل إسرائيل كطرف في هذه المفاوضات، لنكون امام مفاوضات إيرانية إسرائيلية مباشرة للمرة الأولى، لأ أحد يعلم، لأن ما حدث في المنطقة خلال الفترة الماضية، يبقى كل السيناريوهات مفتوحة.
 
مصر من جانبها عملت من خلال توسيع دوائر اتصالاتها الدبلوماسية إلى وضع حد للانهيار الذى كانت المنطقة مقبلة عليه، مؤكدة للجميع ان الحل في السلام، والسلام المقصود به، ليس فقط وقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وإنما حل المشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط، وهى القضية الفلسطينية، لان أي شيء يحدث حولها هو نتاج لاستمرار هذه القضية دون حلول واضحة، تفضى إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقبل ذلك وقف المجزرة الإسرائيلية في قطاع غزة، لأنه بدون ذلك ستبقى أي هدنة او وقف لإطلاق النار هشاً، وقابل للاشتعال مرة أخرى لأقل الأسباب.
 
وقبل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الأثنين الماضى، التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى، لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أن الحل السياسي عبر المفاوضات هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، بعيداً عن الحلول العسكرية، لأن استمرار العمليات العسكرية قد يدفع بالمنطقة إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار، مما سوف ينعكس سلباً على شعوب الشرق الأوسط كافة، ويهدد السلم والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي.
 
كما شدد الرئيس السيسى ورئيس وزراء اليونان على أن التصعيد بين إيران وإسرائيل لا يجب أن يحجب الأنظار عن المأساة الجارية في قطاع غزة، مؤكدَين أهمية وقف العدوان المستمر هناك وإنهاء معاناة المدنيين، خاصة في ظل القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية.
 
ورحبت مصر بإعلان ترامب عن التوصل لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وشددت على كونه تطورًا جوهريا نحو احتواء التصعيد الخطير الذي شهدته المنطقة خلال الأيام الأخيرة، ومن شأنه أن يشكل نقطة تحول هامة نحو إنهاء المواجهة العسكرية بين البلدين واستعادة الهدوء بالمنطقة، كما أكدت مصر أن هذه الخطوة تمثل فرصة حقيقية لوقف دائرة التصعيد والهجمات المتبادلة، وتهيئة البيئة المواتية لاستئناف الجهود السياسية والدبلوماسية، داعية الطرفين الإسرائيلي والإيراني للالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس خلال هذه المرحلة الدقيقة، واتخاذ الإجراءات التي تسهم في تحقيق التهدئة وخفض التصعيد، بما يحافظ على أمن واستقرار المنطقة وسلامة شعوبها.
 
كما جددت مصر التأكيد على أن القضية الفلسطينية تظل لب الصراع فى المنطقة، وأن تسويتها بشكل عادل وشامل يحقق التطلعات الشرعية للشعب الفلسطينى ويعد البديل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار المستدام فى المنطقة والعالم، من خلال إقامة الدولة المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
 
واللافت هنا أن دخول اتفاق التهدئة بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ، حفذ قادة الغرب على المطالبة بالتوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث قال المستشار الألماني فريدرش ميرتس إن الوقت قد حان لإنهاء الحرب الدائرة في غزة، مشددًا على ضرورة عدم السماح للصراع الإقليمي مع إيران بأن يغرق المنطقة بأسرها في أتون حرب واسعة.
 
والأسبوع الماضى، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية ضد سكان غزة، حيث استشهد فجر الماضى الثلاثاء 37 مواطنًا، بينهم 29 قتلوا أثناء انتظارهم المساعدات الإنسانية، في تصعيد وحشي يأتي ضمن استهداف المدنيين الجائعين، وأدانت الأمم المتحدة بشدة سياسة الاحتلال الإسرائيلي في "تسليح الغذاء"، واعتبرتها جريمة حرب صريحة، وحثت على وقف فوري لإطلاق النار على المدنيين أثناء محاولاتهم الحصول على الغذاء.
 
وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في مذكرات رسمية، إن الآلية العسكرية التي تعتمدها إسرائيل في توزيع المساعدات تتعارض مع المعايير الدولية، وتجبر المدنيين على الاختيار بين الموت جوعًا أو القتل أثناء بحثهم عن الغذاء، وكشفت المفوضية أن أكثر من 410 فلسطينيين استشهدوا خلال محاولاتهم الوصول إلى نقاط توزيع الغذاء التابعة لمؤسسة الغذاء العالمية المدعومة من إسرائيل، فيما استشهد  93 آخرون أثناء اقترابهم من قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة، وأصيب ما لا يقل عن 3000 فلسطيني في هذه الحوادث.
 
ودعت الأمم المتحدة إلى تحقيقات عاجلة، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، مشيرة إلى أن "استخدام الغذاء كسلاح" و"حرمان السكان من الخدمات الأساسية" يمثلان جرائم حرب، بل ويرقى إلى جرائم أوسع نطاقًا وفق القانون الدولي، كما حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من أنها تواجه أزمة مالية خانقة تهدد استمرار عملياتها حتى نهاية العام الجاري، بعجز يقدر بـ200 مليون دولار، وقال عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي للوكالة، إن الأزمة لا تقتصر على غزة والضفة الغربية، بل تشمل كافة مناطق عمل أونروا بما فيها الأردن ولبنان وسوريا. وأكد أن التمويل الحالي يكفي فقط حتى نهاية يونيو الجاري، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
 
قد يكون من فائدة ما حدث بين إيران وإسرائيل، أنه نبه الجميع لحقيقة أن السلام في المنطقة، مبدأه الرئيسى القضية الفلسطينية، لكن هل تفهم واشنطن الرسالة، وتبدأ في القاء ثقلها خلف هذا الملف، ليتحقق حلم ترامب بجائزة نوبل للسلام، كل شيء وارد.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق