ما أشبه ليلة إيران ببارحة العراق

السبت، 28 يونيو 2025 09:51 م
ما أشبه ليلة إيران ببارحة العراق
حمدي عبد الرحيم يكتب:

لكل منا صندوق ذكريات، وقد شاء ربي أن يكون صندوق ذكرياتي أسود لا يضم إلا الذكريات السود، وقد شاء ربي ـ لا راد لمشيئته ـ أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي حجر أساس صندوقي الأسود، وأن تكون النواة الصلبة لذكرياتي.
 
أتذكر يوم الثاني من أغسطس من العام 1990، في ذلك اليوم الحارق البخيل قام صدام حسين رئيس العراق الأسبق بغزو الكويت، ففتح علينا باب شر لم يغلق من يومها.
 
أتذكر هياج الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف راحت تذرف الدموع على أشياء تبدو مضحكة، فهى مرة تبكي، مستقبل الأمة العربية (الأمريكان يبكون الوحدة العربية!) ومرة تبكي من أجل الديمقراطية، وتبكي ثالثة خوفًا على العالم من مدافع صدام العملاقة التي يستطيع بها قصف سيدني في أستراليا!
 
كانت أمريكا تضحك على العراق وتخدعنا، كانت تفاوض مرات وتبكي مرات وتبحث عن حلول سلمية مرات، فجعلنا سلوكها نقع في حيص بيص، فلا دليل مادي قاطع على أنها ستدمر العراق بحجة تحرير الكويت ولا دليل مادي قاطع على أنها ستحرر الكويت بطرق دبلوماسية.
 
كان السؤال الجارح لكل هذه الأمة من محيطها إلى خليجها هو: هل ستضرب أمريكا؟
 
مرت شهور أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر، ودخلنا في العام الجديد 1991 ومضى من بدايته أكثر من نصف شهر يناير، خلال كل تلك الشهور جاءنا من يوسوس لنا قائلًا: أمريكا لن تضرب وستترك الكويت غنية لصدام مقابل تمركزها في كل الخليج!
 
المحزن بل المفجع أن استعداد أمريكا للضرب كان يجري على قدم وساق، وكل الأمور كانت ترتب تحت أعيننا، ولكنا كنا نخاف مواجهة الحقيقة فلجأنا إلى أوهام تدخل قوى كبرى ستنقذ الموقف في اللحظة النهائية، وإلى أوهام قدرة العراق على الصمود وإلى أوهام فشل أمريكا في تكوين تحالف دولي قوي.
أتذكر أن رئيس تحرير جريدة الأهالي الراحل الأستاذ فيليب جلاب قد أجرى حوارًا مع عسكري مصري بارز ولم يسمه، قال فيه العسكري المصري: أمريكا ستضرب وستضرب بكل قوة تمتلكها.
 
نزل علينا تصريح العسكري المصري البارز نزول الصاعقة، فقد أقام الرجل الحجج العقلية على صدق تحليله.
 
جاء ليل الخميس السابع عشر من يناير من العام 1991 وفتحت أمريكا بوابات الجحيم لا على بغداد بل على كل العراق، لا على كل العراق بل على حاضر ومستقبل هذه الأمة المسكينة المحاصرة.
 
في مئة ساعة لا تزيد دمرت أمريكا كل الدفاع الجوي العراقي، ثم في ستة أسابيع لا تزيد دمرت كل ما له علاقة بالجيش العراقي وبالبنية التحتية، ثم أعلنت تحرير الكويت!
 
كل ما فعله الأمريكان بالعراق لم يشف غليلهم، لقد فرضوا عليه حصارًا كالذي فرضه الكيان على غزة، حتى مناديل الحمام لم يكن مسموحًا بدخولها إلى العراق، حتى أقلام الرصاص منعوا دخولها العراق، وأيامها كنا نسمع الحجج المضحكة التي تخفي الهدف الكبير، كانت حججهم تدور حول منع العراق من تطوير الأسلحة النووية والبيولوجية!
 
ولا تسل عن علاقة المناديل الحمام بتطوير الأسلحة!
 
الهدف الكبير والحقيقي كان إسقاط نظام البعث الحاكم للعراق، إسقاطًا شاملًا جامعًا.
 
مضت عشر سنوات والعراق تحت الحصار الخانق، وكانت بادرة الأمل في تقرير سياسة" النفط مقابل الغذاء" التي وفقها يسمح للعراق ببيع بعض نفطه مقابل حصوله على بعض حقه في الأكل!
 
كل هذا الحصار لم يسقط النظام، فجاءت كارثة الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001، أيامها اتهموا العراق بأنه يرعى الإرهاب العالمي!
 
أتذكر صور كولن باول وزير خارجية الأمريكان، وهو يشير إلى شاحنة من شاحنات نقل الأثاث ثم يقسم بأنها مختبر نووي عراقي متحرك!
أتذكر توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وهو يكاد يقسم بأن العراقيين هم يأجوج ومأجوج العصر الحديث.
 
تشكل حلف تقوده أمريكا ويضم بريطانيا وبولندا وأستراليا، حتى جاء يوم التاسع عشر من العام 2003 وفتحوا بوابات الجحيم على العراق، لقد عادوا لتدمير ما سبق له تدميره، في هذه المرة سيطروا جوًا وبرًا، لقد تدفقت قواتهم لإسقاط العاصمة بغداد الحبيبة الشقيقة.
 
أي كلام بعد سقوط العاصمة أي عاصمة هو هراء محض، فبسقوط العواصم تنهار الدول، في الثالث عشر من شهر ديسمبر من العام 2003 سقط صدام نفسه بين أيديهم، فتحقق لهم هدفهم الحقيقي وهو إسقاط النظام كله، ومن يومها وهم في حصانة قواعدهم في قلب العراق.
 
الآن وعدوان الكيان على إيران على أشده، والأمريكان بأنفسهم يشاركون في المعارك ويقومون بقصف المواقع المرتبطة بالمشروع النووي الإيراني، يعود الأمريكان لمواصلة لعبتهم المفضلة التي لا يستغنون عنها، لعبة الخداع الاستراتيجي، ففي كل ساعة لهم تصريح ينقاض سابقهم، فهم بعد أن قالوا: لقد محونا المشروع النووي الإيراني، عادوا ليؤكدوا بأن نتائج الضربة لم تظهر بعد!
 
هذه المراوغة نحن ذقنا مرارتها وتجرعنا سمها، ونمنا في ظلها ثم صحونا على تبخر نظام حكم تربع على عرش العراق لعقود طويلة، لا أريد الوقع في فخاخ الخوف ولكني لا أريد الوقوع في فخاخ الأماني الكذوب، فما أشبه الليلة بالبارحة، فإذا انطلقت الصواعق الأمريكية فكن على يقين من أنها تريد احتلال إيران وليس أقل من ذلك ودع عنك قصص قصف المواقع النووية ومنصات الصواريخ الباليستية.
 
    
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة