في ذكرى 30 يونيو.. الاقتصاد القوي لا يُبنى إلا بصناعة قوية

الأحد، 29 يونيو 2025 10:00 ص
في ذكرى 30 يونيو.. الاقتصاد القوي لا يُبنى إلا بصناعة قوية
محمد فزاع

 
توسع عمراني وبنية تحتية لخدمة الإنتاج.. تطوير شبكات الطرق والكهرباء والموانئ وانتشار للمجمعات الصناعية 
المشروعات الصناعية تساعد في تقليل البطالة وتمكين الشباب والمرأة في سوق العمل.. وتسهيل التمويل والتراخيص لتعزيز دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة
 
 
منذ ثورة 30 يونيو 2013، دخلت مصر مرحلة جديدة في مختلف مجالات التنمية، وكان قطاع الصناعة على رأس الأولويات الوطنية، فقد أدركت الدولة أن النهوض بالصناعة ليس فقط ضرورة اقتصادية، بل هو مسار سيادي لبناء دولة قوية ومستقلة، لا تعتمد فقط على الاستيراد، بل تُنتج وتُصدّر وتنافس.
وفي ضوء هذه الرؤية، شهد القطاع الصناعي تحولات كبرى سواء من حيث الاستثمار والتشريعات، أو البنية التحتية والابتكار، أو دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
 
ووضعت القيادة السياسية الصناعة على رأس أولويات "استراتيجية مصر 2030"، حيث تم تطوير خطط لتوطين الصناعات الاستراتيجية، وزيادة القيمة المضافة المحلية، وتوسيع قاعدة الصادرات الصناعية، مع التركيز على إحلال الواردات، وتقليل العجز التجاري، وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة أن الاقتصاد القوي لا يُبنى إلا بصناعة قوية، وهو ما انعكس في توجيهاته المستمرة بتذليل العقبات أمام المستثمرين الصناعيين، وتوفير الأراضي، والبنية التحتية، وتسهيل التمويل والإجراءات، مما جعل السنوات العشر الماضية فترة من الإصلاح الجذري والمراجعة الشاملة لملف الصناعة.
 
رؤية شاملة للنهوض الوطني
 
أدركت الدولة المصرية بعد 30 يونيو أن الاقتصاد لا يمكن أن يكون متوازنًا دون قاعدة صناعية صلبة، فبدأت في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية التي كان لها أثر بالغ في تحفيز النشاط الصناعي، وتمثلت أولى الخطوات في إصدار عدد من التشريعات لتحسين مناخ الاستثمار، وعلى رأسها قانون التراخيص الصناعية رقم 15 لسنة 2017، والذي قلّص مدة إصدار التراخيص من أكثر من 600 يوم إلى أقل من 7 أيام للمشروعات ذات المخاطر المحدودة، وهو ما مثل ثورة في هيكلة بيئة الأعمال.
 
إلى جانب التشريعات، وضعت الدولة استراتيجية قومية للتنمية الصناعية والتجارة الخارجية، ترتكز على محاور متعددة، منها: التوسع في المجمعات الصناعية، وتشجيع الصناعات التصديرية، وتوفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ورفع نسبة المكوّن المحلي في الإنتاج، وتطوير التعليم الفني، كما أطلقت وزارة التجارة والصناعة العديد من المبادرات لتسهيل تخصيص الأراضي الصناعية، وإنشاء خريطة استثمارية صناعية رقمية، تُتيح للمستثمرين المحليين والأجانب معلومات دقيقة عن فرص الاستثمار في كافة المحافظات.
 
هذه الرؤية لم تكن قاصرة على العاصمة أو المحافظات الكبرى فقط، بل امتدت لتشمل جميع أنحاء الجمهورية، من صعيد مصر حتى شمال سيناء، حيث تم استهداف المحافظات المهمشة ببرامج للتنمية الصناعية تشمل بنية تحتية وخدمات وتسهيلات مالية وتشغيلية.
 
ومن أبرز ملامح التحول الصناعي الذي شهدته مصر بعد 30 يونيو 2013 هو الاهتمام العميق بالبنية التحتية الصناعية، فقبل ذلك التاريخ، كانت كثير من المناطق الصناعية تعاني من غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والطرق، وشبكات الصرف، ما كان يمثل عقبة كبرى أمام المستثمرين، لكن مع انطلاق خطة الدولة للنهوض بالصناعة، أصبح تطوير البنية الأساسية أحد المحاور الحاكمة، ما أسهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا وجاذبية للاستثمار الصناعي.
 
فقد تم ربط المناطق الصناعية الجديدة بشبكة الطرق القومية التي جرى تنفيذها على مدار عشر سنوات، والتي تجاوزت 7000 كيلومتر من الطرق والكباري الحديثة، كما تم تطوير الموانئ البحرية والجافة وربطها بالمناطق الإنتاجية لتقليل زمن وكُلفة التصدير.
 
وشهدت شبكة الكهرباء توسعًا هائلًا لتلبية احتياجات الصناعات الثقيلة، بالإضافة إلى إدخال الطاقة النظيفة كمصدر بديل ومستدام للإنتاج، وفي هذا السياق، أولت الدولة أهمية خاصة لتطوير الصناعات الوطنية الاستراتيجية، فعادت صناعة الحديد والصلب إلى الواجهة بعد سنوات من التعثر، من خلال مشاريع توسعية كبرى شملت شركة الدلتا للصلب، ومجمع مصانع السويس، ومشاريع أخرى تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية وخفض الاعتماد على استيراد الخامات من الخارج. 
 
كما شهد قطاع البتروكيماويات طفرة ملحوظة، من خلال افتتاح مجمعات صناعية جديدة مثل "إيثيدكو" بالإسكندرية، و"مجمع تكرير مسطرد"، و"المجمع المتكامل بالسخنة"، وهي مشروعات وفرت فرص عمل ووفرت للدولة منتجات عالية القيمة كانت تستوردها سابقًا.
 
أما في مجال الصناعات الإلكترونية، فقد دشنت مصر مشروعًا وطنيًا لتجميع وتصنيع الأجهزة المنزلية والإلكترونية بالتعاون مع شركات دولية مثل سامسونج وفيليبس، وتوسعت في إنتاج أجهزة المحمول والتابلت محليًا، في خطوة تستهدف دعم "صناعة المعرفة" والحد من الفجوة التكنولوجية.
 
وقد ربطت الحكومة تطوير الصناعات الكبرى بتوفير سلاسل الإمداد المحلية، فعلى سبيل المثال، توسعت الدولة في دعم الصناعات المغذية للسيارات والأجهزة المنزلية، من خلال تقديم حوافز للمصانع التي تُنتج مكونات محلية الصنع، مما أسهم في رفع نسبة المكوّن المحلي في بعض القطاعات إلى أكثر من 45%، وهو ما يُعد إنجازًا مقارنة بالسنوات السابقة.
 
كما حرصت الدولة على دعم التكامل بين القطاعات الصناعية المختلفة، عبر إنشاء مناطق صناعية متخصصة، مثل المنطقة الصناعية الروسية بشرق بورسعيد، والتي تمثل شراكة دولية في مجالات الصناعات الثقيلة والمعدنية، والمنطقة الصناعية الصينية في العين السخنة، التي تضم استثمارات متنوعة في البتروكيماويات والنسيج والأدوات الكهربائية.
 
من الاستيراد إلى التصنيع الذكي
 
انطلقت الدولة المصرية بعد 30 يونيو في بناء استراتيجية شاملة للتنمية الصناعية لا تكتفي بالتوسع الكمي، لكنها تستهدف التحول إلى صناعة قائمة على التكنولوجيا، والمعرفة، والابتكار، وقد حملت هذه الاستراتيجية أهدافًا واضحة لتوطين الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وتقليل الفاتورة الاستيرادية، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وزيادة القيمة المضافة في المنتج المصري.
 
في هذا الإطار، عملت الحكومة على دعم نقل التكنولوجيا من خلال توقيع اتفاقيات شراكة مع كبرى الشركات العالمية، إلى جانب إنشاء مراكز للابتكار الصناعي في عدة محافظات، من أبرزها المركز التكنولوجي للصناعات الغذائية بمدينة بدر، ومركز تكنولوجيا النسيج بالمحلة، والمركز المتخصص في تكنولوجيا الإلكترونيات بمدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة. 
 
وتهدف هذه المراكز إلى مساعدة الشركات المحلية على تحسين منتجاتها، وتطبيق معايير الجودة الدولية، والتحول إلى الإنتاج الذكي القائم على البحث والتطوير.
وفي مجال توطين التكنولوجيا، اتجهت مصر إلى تصنيع المعدات والآلات، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة، والمعدات الزراعية، والنقل الكهربائي، وبدأت بالفعل شركات محلية في إنتاج مكونات محطات الطاقة الشمسية والرياح، بينما أُبرمت شراكات لتصنيع الأتوبيسات الكهربائية، والعربات المخصصة للنقل الجماعي الأخضر، بالتعاون مع كيانات آسيوية وأوروبية.
 
كما أطلقت وزارة التجارة والصناعة مبادرة "مصر تُصنّع الإلكترونيات"، التي تهدف إلى جعل مصر مركزًا إقليميًا لتصنيع وتصدير الأجهزة الذكية، عبر مصانع في المناطق التكنولوجية بأسيوط، وبني سويف، وبرج العرب. وبموجب هذه المبادرة، تم افتتاح خطوط إنتاج متطورة لتجميع الهواتف المحمولة، والتابلت، ومكونات الكمبيوتر، مما يمثل تحولًا نوعيًا في خريطة الصناعة المصرية.
 
وتُعد الرقمنة والتحول الرقمي أحد المحاور الحيوية في استراتيجية تطوير الصناعة، إذ تم إطلاق منصة "التصنيع الذكي" التي تتيح للمصانع ربط خطوط الإنتاج بنظم مراقبة وتحليل بيانات آنية، مما يساعد في تقليل الهدر، وزيادة الكفاءة، وتحسين الجودة. كما تم ربط قواعد بيانات الهيئة العامة للتنمية الصناعية ببوابة خدمات المستثمرين، لتبسيط إجراءات الحصول على التراخيص، وتيسير المتابعة.
 
هذا التحول الرقمي لم يقتصر على المصانع الكبرى، بل امتد ليشمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، عبر إتاحة حلول رقمية مبسطة من خلال تطبيقات وخدمات تدريبية ضمن مبادرة "مصر تصنع رقميا"، والتي تُمكّن آلاف الورش والمصانع الصغيرة من مواكبة الثورة الصناعية الرابعة.
وقد جاءت هذه الاستراتيجية متوافقة مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، حيث حرصت الدولة على الربط بين التطوير الصناعي والحفاظ على البيئة، وتشجيع الاقتصاد الدائري، وتحسين كفاءة استخدام الموارد.
 
بوابة الإنتاج المحلي والنمو الشامل
 
وإدراكًا منها بأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دفع عجلة الإنتاج وتوفير فرص العمل، تبنّت الدولة المصرية منذ عام 2014 سياسة توسعية غير مسبوقة في إنشاء المجمعات الصناعية المتكاملة، وتقديم حوافز استثمارية وتشغيلية واسعة النطاق للمستثمرين المحليين، خاصة في المحافظات التي عانت طويلًا من التهميش الصناعي والاقتصادي.
 
وأطلقت الدولة مبادرة "مصنعك جاهز بالتراخيص"، والتي أتاحت للمستثمرين الصغار الحصول على وحدات صناعية مجهزة فنيًا وقانونيًا بنظام الإيجار أو التمليك، مما خفّض بشكل كبير من كلفة البدء في النشاط الصناعي وساهم في تسهيل الدخول إلى السوق، وحتى عام 2024، تم تنفيذ 17 مجمعًا صناعيًا في 15 محافظة بإجمالي يزيد عن 5000 وحدة صناعية، تعمل في قطاعات النسيج، الأغذية، الصناعات الهندسية، البلاستيك، الكيماويات، وغيرها.
 
ولم تقتصر التسهيلات على توفير البنية الأساسية فحسب، بل شملت تقديم دعم مالي وفني وتسويقي من خلال جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، الذي وفّر تمويلات تجاوزت 50 مليار جنيه منذ 2014، ومكّن الآلاف من رواد الأعمال من بدء أو توسعة مشروعاتهم الصناعية، وخلق سلاسل إنتاج ترتبط بالمصانع الكبرى.
 
وفي هذا السياق، تم إطلاق عدد من المبادرات لربط التعليم الفني بسوق العمل الصناعي، كان من أبرزها "مدارس التكنولوجيا التطبيقية" التي تم تنفيذها بالشراكة بين وزارات الصناعة والتربية والتعليم، وعدد من المصانع الخاصة، لإعداد كوادر مدربة على أحدث النظم الإنتاجية. وتخدم هذه المدارس قطاعات متعددة مثل الميكاترونيات، والصناعات الغذائية، وصناعة الأثاث، والنسيج، والمركبات، ويجري التوسع فيها سنويًا تماشيًا مع خطط الدولة لتوطين الصناعة وتوفير المهارات البشرية القادرة على إدارتها.
 
كما اهتمت الدولة بتوطين صناعة المكون المحلي في المشاريع القومية، وألزمت الجهات المنفذة للمشروعات الكبرى، مثل "حياة كريمة" و"تنمية سيناء" و"مدن الجيل الرابع"، باستخدام منتجات محلية في أعمال الإنشاء والتجهيز، مما وفّر سوقًا ضخمًا ومضمونًا للمصانع الوطنية، وساهم في الحفاظ على دوران عجلة الإنتاج الداخلي في وقت واجهت فيه الأسواق العالمية اضطرابات كبيرة.
 
وقد انعكس هذا التوجه في المؤشرات الاقتصادية، حيث ارتفعت نسبة مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الصناعي، وبلغ عدد المشروعات الصناعية الجديدة المسجلة سنويًا أكثر من 4000 مشروع، فيما تجاوزت الصادرات السلعية من هذه المشروعات نحو 3 مليارات دولار في عام 2023 فقط.
 
وفي الوقت ذاته، تم تحديث منظومة التراخيص الصناعية من خلال هيئة التنمية الصناعية، وتم إطلاق البوابة الموحدة لخدمات المستثمرين الصناعيين، التي تختصر أكثر من 40 إجراء حكوميًا في منصة إلكترونية واحدة، لتقليل الوقت والجهد وتعزيز الشفافية.
 
التصدير وفرص العمل
 
في إطار رؤية الدولة لتحويل الصناعة إلى ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي، أولت مصر اهتمامًا خاصًا بزيادة الصادرات الصناعية، وفتح أسواق جديدة، ورفع جودة المنتج المصري لينافس على المستوى العالمي. وكان ذلك جزءًا من الاستراتيجية الأوسع التي تسعى إلى تحقيق التوازن التجاري، وتوفير النقد الأجنبي، وتقليل الاعتماد على الواردات، إلى جانب خلق فرص عمل مستدامة.
 
وقد نجحت الدولة في تحقيق قفزات لافتة في مؤشرات التصدير، إذ بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية غير البترولية نحو 36.9 مليار دولار في عام 2023، وهو رقم قياسي يُعد الأعلى في تاريخ مصر، وجاءت الصناعات الكيماوية والهندسية والغذائية والنسيجية على رأس القطاعات المساهمة في هذا الإنجاز. ويُذكر أن ما يزيد عن 80% من الصادرات غير البترولية جاءت من القطاع الصناعي، وهو ما يعكس تعافي هذا القطاع وقدرته على المنافسة.
ولضمان استدامة هذا النمو، عملت وزارة التجارة والصناعة على تنويع الأسواق التصديرية، عبر توقيع اتفاقيات تجارية جديدة، وتفعيل المناطق الحرة، والانضمام لمبادرات مثل "كوميسا"، واتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، ما منح المنتج المصري قدرة أكبر على النفاذ إلى الأسواق الإفريقية والعربية والأسيوية دون جمارك، وبتيسيرات جمركية وتفضيلية.
 
كما تم إنشاء مراكز لوجستية ومخازن استراتيجية في عدد من الدول الإفريقية، أبرزها كينيا، وأوغندا، والكاميرون، لتسهيل نقل وتوزيع المنتجات المصرية. وتزامن ذلك مع دعم برامج "رد أعباء التصدير"، التي توفر تمويلًا مباشرًا للمصدرين بما يُحفزهم على زيادة الإنتاج ويوفر السيولة اللازمة لتوسيع الأسواق.
ولم تكن الآثار الإيجابية لهذه الطفرة قاصرة على الاقتصاد الكلي فقط، بل امتدت إلى الجانب الاجتماعي، حيث أسهمت الصناعات التصديرية والمجمعات الصناعية الجديدة في خلق مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، خاصة في المحافظات، فالصناعة تُعد من أكثر القطاعات قدرة على استيعاب العمالة، بما في ذلك العمالة الفنية واليدوية، وهو ما ساهم في تقليص معدلات البطالة، خاصة بين الشباب والنساء.
 
وقد أعلنت الحكومة أن المشروعات الصناعية ساهمت في توفير أكثر من 3 ملايين فرصة عمل خلال السنوات العشر الأخيرة، من بينها نحو مليون وظيفة جديدة من المجمعات والمناطق الصناعية فقط، إضافة إلى فرص التدريب والتأهيل المهني المرتبطة بمشروعات "حياة كريمة"، التي تعتمد على مكون صناعي محلي بنسبة تفوق 70%.
 
وتُعد هذه النتائج امتدادًا مباشرًا لسياسات الدولة الهادفة إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الصناعية، وتوفير بيئة قانونية ومالية وتشغيلية تشجع العاملين في الورش والمصانع العشوائية على توفيق أوضاعهم، من خلال مبادرات الحصر والدعم الفني، وإتاحة التمويل والخدمات التأمينية لهم.
 
الصناعة في الجمهورية الجديدة
 
مع مرور أكثر من عقد على انطلاق الجمهورية الجديدة، تبرز الصناعة المصرية كأحد الأعمدة الأساسية لمشروع الدولة الوطنية الحديثة، حيث لم تعد مجرد قطاع إنتاجي تقليدي، بل أصبحت أداة استراتيجية لتحقيق الأمن القومي الاقتصادي، وتعزيز مكانة مصر على خريطة الاقتصاد العالمي، وتحقيق النمو الشامل والعادل بين المحافظات.
 
لقد أصبح واضحًا أن ما شهدته مصر من مشروعات صناعية بعد 30 يونيو 2013 لم يكن إصلاحًا شكليًا أو تحركًا مؤقتًا، بل هو تحول هيكلي حقيقي في بنية الاقتصاد، يقوم على التوسع في التصنيع، وتحسين مناخ الاستثمار، وإعادة توزيع النشاط الصناعي جغرافيًا، وربط الإنتاج المحلي بالطلب العالمي، وتوطين التكنولوجيا في قطاعات كانت يومًا ما حكراً على الخارج.
 
وباتت المدن الصناعية الجديدة مثل "الروبيكي للجلود"، و"الفيوم الجديدة للنسيج"، و"المنطقة الاقتصادية لقناة السويس"، تجسيدًا حيًا لهذا التوجه، بما توفره من بنية تحتية متطورة، ومزايا تنافسية، وفرص استثمارية، قادرة على استقطاب المستثمر المحلي والأجنبي، وتوليد الثروة والمعرفة والتشغيل معًا.
 
في الوقت ذاته، تتجه الدولة نحو الصناعة الخضراء، بتشجيع مصانع صديقة للبيئة، واستخدام الطاقة المتجددة، وإعادة التدوير، ودمج معايير الاستدامة في عمليات الإنتاج، بما يُعزز التوافق مع المعايير البيئية الدولية، ويفتح آفاقًا جديدة أمام الصادرات المصرية في أسواق أوروبا وأمريكا وآسيا.
ومع التقدم في تنفيذ مشروع "مصر الرقمية"، يجري توسيع التحول نحو الصناعة الذكية باستخدام الروبوتات، وإنترنت الأشياء، والتحكم الآلي، والذكاء الاصطناعي، وهي كلها أدوات لا تصنع فقط منتجات ذات جودة أعلى، بل تجعل من مصر مركزًا إقليميًا للإنتاج والخدمات الصناعية الحديثة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
 
ومع اقتراب مصر من استضافة مؤتمرات إقليمية ودولية كبرى تخص الابتكار الصناعي، وتحولها لمركز تدريبي إقليمي في مجال الجودة والتصنيع والتصدير، يتعزز موقعها كدولة صناعية صاعدة، تمتلك الإرادة السياسية، والكوادر البشرية، والإمكانات الطبيعية، والبنية التشريعية، لتكون بين أهم الاقتصاديات الصناعية في العالم النامي.
 
إن ما تحقق في الصناعة خلال السنوات الماضية ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لعصر جديد، تضع فيه مصر الصناعة في قلب رؤيتها لمستقبلها، وتنطلق منه لبناء اقتصاد إنتاجي تنافسي، يستوعب التحديات ويصنع الفرص.
 
ومنذ 30 يونيو 2013، أعادت مصر اكتشاف قوتها الصناعية، واستثمرت في الإنسان والمكان، وشكلت مسارًا وطنيًا يعيد الاعتبار للعمل والإنتاج والتصدير، ومع تعاظم الإنجازات وتنوعها، باتت الصناعة عنوانًا للجمهورية الجديدة، وركيزة لتقدم اقتصادي يوازي طموح شعب يسعى لمستقبل أفضل.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق