الهدنة اقتربت.. مشاورات مكثفة للإعلان عن اتفاق لوقف لإطلاق النار في غزة 60 يوماً.. ونتانياهو يستخدم التصعيد لكسب أوراق تفاوضية
السبت، 05 يوليو 2025 11:10 م
شهداء الجوع في القطاع يرتفعون إلى 580.. والاحتلال يحول مراكز توزيع المساعدات إلى مصائد موت جماعي
بينما تتكثف التحركات الدبلوماسية في القاهرة والدوحة وواشنطن لاستئناف المفاوضات غير المباشرة والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، أقدمت إسرائيل على جولة تصعيد جديدة تُعدّ الأعنف منذ أسابيع، تركزت تحديدًا في شمال القطاع. في هذه الفترة، كثّفت قوات الاحتلال من هجماتها العسكرية المخططة والمباشرة، مستهدفة بشكل رئيسي مراكز الإيواء وخيام النازحين، في مؤشر واضح على تعمد استهداف المدنيين ضمن سياسة ممنهجة ترقى إلى جريمة إبادة جماعية.
وفيما يلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن الأثنين المقبل، قال ترامب، إنه يعتقد أنهم سيتوصلون إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة هذا الأسبوع، لافتاً إلى أن نتنياهو يريد إنهاء الحرب فى غزة.
وأشار ترامب إلى إلى أن إسرائيل وافقت على الشروط اللازمة لهدنة في قطاع غزة مدتها 60 يوما، وقال في منشور على حسابه في منصة "تروث سوشيال" الأربعاء الماضى: "ممثلون عني عقدوا اجتماعا طويلا وبنّاءً مع الإسرائيليين اليوم بشأن غزة"، وأوضح أن إسرائيل: "وافقت على الشروط اللازمة لإتمام وقف لإطلاق النار لمدة 60 يوما، وخلال هذه الفترة سنعمل مع جميع الأطراف لإنهاء الحرب، وسيقدم القطريون والمصريون، اللذان عملا بجد لإحلال السلام، هذا الاقتراح النهائي".
واختتم قائلا: " آمل، لمصلحة الشرق الأوسط، أن تقبل حماس بهذا الاتفاق، لأن الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءا".
من جانبه قال مكتب الإعلام الحكومي بقطاع غزة، أن أكثر من 580 شهيدا و4200 مصاب و39 مفقودا جراء قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمراكز توزيع المساعدات، وأن ما يعرف بمراكز توزيع المساعدات تحولت فعليا إلى مصائد موت جماعي، موضحاً أن توزيع المساعدات جنوب القطاع يدفع السكان تحت وطأة سياسة التجويع للنزوح قسرا مما يعد تهجيرا ضمنيا، مؤكدين على أن قوات الاحتلال والشركة الأمنية الأمريكية تطلق النار مباشرة على طالبي المساعدات.
هذا التصعيد ليس مجرد رد فعل ميداني، بل يُترجم استراتيجية إسرائيلية قائمة على توسيع القتل والاستهداف الجماعي، واعتماد سياسة الأرض المحروقة والتدمير الشامل، بما يشمل الأحياء السكنية والبنية التحتية المتبقية في القطاع المحاصر. ومنذ أكثر من 20 شهرًا، تتبع إسرائيل نهجًا يقوم على التجويع، والتهجير القسري، والتدمير المنهجي لمقومات الحياة، في محاولة متعمدة لمحو أي إمكانية لإعادة إعمار غزة أو عودتها إلى الحياة الطبيعية.
المؤشرات على الأرض تؤكد أن الاحتلال يتعمد استهداف المدنيين في لحظات بحثهم عن الغذاء والماء والمساعدة الإنسانية، خصوصًا في محيط مراكز توزيع المساعدات التي أقامها بنفسه في جنوب ووسط وشمال القطاع. ففي كل مرة يتجمع فيها المدنيون حول هذه النقاط بحثًا عن الحد الأدنى من مقومات البقاء، تقع مجازر جديدة، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، لاسيما مبدأ حماية المدنيين، وضمان مرور المساعدات دون عوائق، كما تنص عليه اتفاقيات جنيف.
وفي ظل هذا التصعيد الوحشي، يُطرح تساؤل جوهري حول دلالة التوقيت: هل تستبق إسرائيل اتفاقًا وشيكًا لوقف إطلاق النار عبر تصعيد العمليات لإعادة فرض شروطها على طاولة التفاوض؟ أم أن هذا التصعيد يعكس أزمة داخلية متصاعدة يعاني منها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سواء على مستوى الاستقرار السياسي أو الضغوط المتزايدة من الشارع الإسرائيلي والمعارضة؟
يبدو أن تل أبيب تسعى إلى استثمار التصعيد كمحاولة لتحسين أوراقها التفاوضية، إلا أن هذا النهج يفاقم العزلة الدولية، ويكشف عن فشل في تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية، وسط صمت دولي غير مبرر أخلاقيًا وقانونيًا، يعمّق من فداحة الكارثة الإنسانية المتواصلة في غزة.
في ظل هذا المشهد المعقد، تحافظ مصر على خطاب دبلوماسي حازم ومتّزن يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري، ويؤكد على أهمية المسار السياسي لحل الأزمة، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن السلام لن يتحقق في الشرق الأوسط إلا بقيام دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، محذراً من أن استمرار الحرب والاحتلال، "يغذي دوامةَ الكراهية والعنف، ويفتحُ أبوابَ الانتقام والمقاومة"، مؤكداً في كلمته بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ12 لثورة 30 يونيو، أن "السلام لا يولد بالقصف، ولا يُفرض بالقوة، ولا يتحقق بتطبيع ترفضه الشعوب، فالسلام الحق يُبنى على أسس العدل والإنصاف والتفاهم"، مطالباً بوقف العنف والقتل والكراهية، قائلا كفى "احتلالا وتهجيراً وتشريداً"، وطالب الرئيس السيسي أطراف النزاع بالمنطقة والمجتمع الدولي بمواصلة اتخاذ كل ما يلزم، و"الاحتكام لصوت الحكمة والعقل، لتجنيب شعوب المنطقة ويلات التخريب والدمار".
ويعكس هذا التصريح رؤية مصرية ثابتة تعتبر أن التصعيد العسكري لا يمكن أن يكون وسيلة لإنتاج حلول سياسية، بل يعقد المشهد ويُجهض فرص التهدئة، فيما واصل وزير الخارجية دكتور بدر عبد العاطي التنسيق مع كافة الجهات المعنية من أجل الحفاظ على تهدئة الجبهة الإيرانية الإسرائيلية من جهة ودفع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى الأمام، من خلال اتصالات مع المبعوث الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثان، رئيس الوزراء وزير خارجية قطر، وكذلك وزيرة خارجية فلسطين، وعدد من وزراء الخارجية، وأكد خلالها ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام في غزة، مشدداً على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة "تجنب المنطقة تكرار حلقات التصعيد والتوتر، ويدعم الأمن والاستقرار في المنطقة"، كما أكد على "ضرورة استئناف وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن والأسرى"، تمهيداً لاستدامة وقف إطلاق النار و"تحقيق رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بإرساء السلام الشامل في الشرق الأوسط".
كما جدد عبد العاطى، الدعوة المصرية بضرورة نفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية فى ظل التدهور الحاد للأوضاع الإنسانية بالقطاع، منوهاً إلى تطلع مصر لاستضافة المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة الإعمار فى غزة فور التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة، مستعرضاً الاتصالات التى تجريها مصر فى هذا الإطار، مشدداً على "ضرورة طرح أفق سياسى للقضية الفلسطينية يحقق تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني فى إقامة دولة مستقلة، بما يجنب المنطقة تكرار حلقات التصعيد والتوتر المتكررة، ويدعم الأمن والاستقرار في المنطقة".
وتشير العديد من التحليلات إلى أن إسرائيل، وعلى رأس حكومتها بنيامين نتنياهو، تستخدم التصعيد الأخير كورقة ضغط في لحظة تفاوضية حرجة. فالمفاوضات التي يسعى دول الوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة أن تعود مرة أخرى، ربما تشهد بعض التقدم في حال انطلاقها مجددا، لكن إسرائيل تريد فرض معادلة "الهدوء مقابل التنازلات"، أي أنها تسعى إلى الحصول على مكاسب تفاوضية (مثل إطلاق المحتجزين الإسرائيليين) دون تقديم مقابل حقيقي للفلسطينيين في ملفي الهدنة طويلة الأمد وإعادة الإعمار.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل توقيت التصعيد، الذي تزامن مع تقارير متزايدة عن قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. كما أن القصف الواسع على شمال غزة، وتوسيع نطاق المناطق المستهدفة، يُفسر على أنه محاولة "إعادة ترتيب الأوراق" في الميدان قبل تثبيت الوضع التفاوضي.
وفيما يخص الجهود القطرية، أعلن متحدث الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، غياب أي مفاوضات حاليا لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مبينًا أن ما يجري هو اتصالات للوصول إلى صيغة لاستئناف المفاوضات، وأضاف: "نرى لغة إيجابية من واشنطن بشأن الوصول لاتفاق في غزة، وهناك نيات جدية منها للدفع باتجاه عودة المفاوضات حول غزة، لكن هناك تعقيدات".
وتتحرك قطر بالتنسيق مع القاهرة لإحياء المفاوضات مرة أخرى، حيث يضع التلاقي المصري-القطري إسرائيل أمام معادلة صعبة: هل تستمر في التصعيد منفردة، رغم الإجماع الإقليمي والدولي على أولوية وقف الحرب؟
من ناحية أخرى، في الميدان السياسي الأمريكي، لعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دورًا مفاجئًا نسبيًا، إذ أطلق سلسلة تصريحات تحمل نبرة نقدية تجاه استمرار الحرب، معتبرًا أن استمرار القتال في غزة يُضعف موقف إسرائيل ويُفشل فرص إطلاق سراح الرهائن.
وكان ترامب قال إنّ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة "قريب" ويمكن أن يدخل حيّز التنفيذ في الأسبوع المقبل، ووفقًا لتقارير أمريكية، فإن ترامب يمارس ضغوطًا على نتنياهو من أجل وقف إطلاق النار على غرار الاتفاق الذي تم بين طهران وتل أبيب قبل أيام.
ويزور رئيس الوزراء الإسرائيلي البيت الأبيض الإثنين المقبل، للقاء ترامب، وتزامنا مع ذلك، أعلنت الخارجية الأمريكية موافقتها على بيع معدات توجيه قنابل ودعم متصل بها لإسرائيل بقيمة 510 ملايين دولار، بعد أن استعملت الأخيرة كميات كبيرة من الذخائر في حربها مع إيران.
ومع التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران قبل أيام، انتقل مركز الاهتمام مجددًا إلى غزة، هذا التطور له دلالات كبيرة؛ إذ أن نتنياهو كان يسعى لتفكيك الجبهات، بحيث يُبقي المواجهة مع غزة محصورة ومسيطرًا عليها، لكن الهدنة مع طهران تعني أن تركيز المجتمع الدولي عاد بالكامل إلى القطاع، وبالتالي ستتزايد الضغوط على إسرائيل لوقف عملياتها.
من جانب آخر لا يمكن فصل هذا التصعيد الإسرائيلي على غزة عن حالة الفشل المستمرة التي تُلاحق حكومة نتنياهو منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023، فقد فشلت إسرائيل في القضاء على حماس، ولم تُحقق أهدافها السياسية أو العسكرية، في وقت تتزايد فيه الخسائر البشرية والمادية داخل المجتمع الإسرائيلي.
الضغوط الداخلية تتجسد في مظاهرات ذوي المحتجزين، وانتقادات الصحف الإسرائيلية التي تُحمّل نتنياهو مسؤولية إطالة أمد الحرب، أما خارجيًا، فإن الاتهامات الموجهة لإسرائيل بارتكاب جرائم ضد المدنيين تزداد، خاصة مع استمرار استهداف منازل وملاجئ ومستشفيات في غزة.
بالتوازي مع التصعيد العسكري، تستمر المأساة الإنسانية في غزة. آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير شامل للبنية التحتية، وانقطاع كامل للكهرباء والمياه والرعاية الصحية، كما أن المساعدات الإنسانية لا تدخل بالقدر الكافي، بسبب القيود الإسرائيلية، وسط تحذيرات دولية من أن غزة تقف على حافة مجاعة وانهيار كامل.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لتوفير حماية خاصة لمراكز الإيواء، والعمل على فتح ممرات إنسانية آمنة تضمن إيصال المساعدات وإجلاء المصابين، مطالبًا المجتمع الدولي إلى التحرّك الفوري لوقف الهجمات الإسرائيلية، وفرض تدابير فعالة لحماية المدنيين الفلسطينيين، وإنهاء الحصانة السياسية والعسكرية التي تتيح لإسرائيل مواصلة جرائمها دون محاسبة، وطالب المنظمات الأممية ومنظمات الإغاثة الدولية بالتحرك الجماعي والفوري في جميع المسارات القانونية والدبلوماسية والإنسانية والميدانية الممكنة، من أجل وضع حد للجرائم الإسرائيلية بحق المُجوّعين في قطاع غزة، وإلزام إسرائيل بإنهاء العمل بآليتها غير الإنسانية لتوزيع المساعدات، والدفع فورًا باتجاه استعادة الوصول الإنساني ورفع الحصار الإسرائيلي غير القانوني عن قطاع غزة، باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بوقف التدهور الإنساني المتسارع وضمان دخول المساعدات الإنسانية والبضائع، في ظل الخطر الوشيك بحدوث مجاعة، وضمان إنشاء ممرات إنسانية آمنة بإشراف الأمم المتحدة لضمان وصول الغذاء والدواء والوقود إلى جميع مناطق القطاع، مع نشر مراقبين دوليين مستقلين للتحقق من الامتثال.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانون الدولي، بما يشمل حظر شامل لتصدير الأسلحة إليها أو قطع الغيار أو البرمجيات أو المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، أو شرائها منها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي والأمني المقدمة لإسرائيل فورًا، بما في ذلك تجميد الأصول المالية للمسؤولين السياسيين والعسكريين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، وفرض حظر على سفرهم، وتعليق عمل شركات الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في الأسواق الدولية، وتجميد أصولها في المصارف الدولية، إضافة إلى تعليق الامتيازات التجارية والجمركية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تُسهِم في تمكينها من مواصلة ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.
وخلافا لكل هذه الانتقادات الموجهة للحكومة الإسرائيلية، فإن السيناريو الأقرب أن تستمر إسرائيل في التصعيد خلال الأيام القليلة المقبلة في محاولة لتحسين وضعها التفاوضي، لكن هذا التصعيد لن يصمد طويلًا أمام الضغط السياسي المتعدد الأطراف، خاصة مع تحوّل الغضب الدولي إلى مواقف ملموسة، كما حدث في الموقف الأوروبي والعربي والأمريكي الأخير.