دينا الحسيني تكتب: مصر والسعودية.. تحالف لا يهتز ولا يتراجع
السبت، 19 يوليو 2025 05:49 م
في ظل تلاطم الأمواج الإقليمية وتقلُب الأزمات، تظل العلاقة بين مصر والسعودية واحدة من أكثر الثوابت رسوخًا في معادلة الأمن القومي العربي. تحالف استراتيجي لا تحركه الرياح، ولا تهزه محاولات الوقيعة التي تتكرر بأشكال مختلفة، من حملات التشويه إلى بث الفتن الإعلامية، لكنه يثبت في كل مرة أنه أعمق من أن تنال منه أهواء أو أجندات.
على مدار العقود الماضية، لم تكن الشراكة بين القاهرة والرياض مجرد تقارب سياسي أو تنسيق دبلوماسي عابر، بل كانت تعبيرًا حقيقيًا عن مصير مشترك ومسار استراتيجي موحد، تترجمه المواقف في اللحظات المفصلية. فكلما مرّت المنطقة بأزمة، ثبت أن مصر والسعودية هما رمانة الميزان وضمانة الاستقرار في الإقليم.
ورغم اختلاف الجغرافيا، لم يكن هناك يومًا فاصل حقيقي بين البلدين، فهما شقيقتان بمفهوم الأمن والهوية والمصير. في ثورة 30 يونيو 2013، كانت السعودية أول من أدرك خطورة ما جرى في مصر تحت حكم الجماعة الإرهابية، فسارعت إلى دعم الإرادة الشعبية المصرية، معلنة بوضوح أن أمن مصر من أمن المملكة، وأن الوقوف مع القاهرة ليس خيارًا بل واجبًا عربيًا لا يقبل التهاون.
ولم يكن الدعم السعودي مجرد بيانات أو خطابات، بل تحرك سياسي مدروس، عبرت عنه زيارة وزير الخارجية السعودي آنذاك، الأمير سعود الفيصل، إلى باريس، في رسالة مباشرة للمجتمع الدولي بأن الدول العربية لن تترك مصر وحدها، وأن أي تهديد لدعمها سيواجه بجدار عربي صلب، تقوده الرياض.
هذا الموقف تكرر مرات عديدة، ليس فقط في مواجهة الإرهاب، بل أيضًا في دعم مصر اقتصاديًا وسياسيًا في المحافل الدولية، في وقت كانت القاهرة تواجه ضغوطًا غير مسبوقة. لقد كانت السعودية سندًا لمصر حين أراد البعض أن يفرغها من هويتها، وكانت القاهرة بدورها داعمًا قويًا لمواقف المملكة في كل قضاياها المصيرية، من اليمن إلى الخليج، ومن محاربة التدخلات الإقليمية إلى دعم استقرار الدول العربية.
وفي قلب كل هذه المواقف، تقف القضية الفلسطينية كمحور أساسي في التقاطع المصري السعودي. البلدين لم يكتفيا بالدعم العلني للحق الفلسطيني، بل عملا معًا على منع تصفية القضية تحت مسميات التسويات الظالمة، وإبقاء حل الدولتين ومبدأ القدس عاصمة للدولة الفلسطينية على رأس أولويات العمل العربي المشترك.
ولأن العلاقة بين مصر والسعودية ليست فقط رسمية، فإن النسيج الشعبي بين البلدين يمثل بعدًا آخر للقوة. ملايين المصريين يعيشون في المملكة، ويشاركون في نهضتها، ومثلهم ملايين السعوديين يرتبطون بمصر تاريخيًا وثقافيًا واجتماعيًا، ما يعكس عمق الترابط الذي لا تهزه شائعات ولا تعبث به محاولات الفتنة.
ولذلك، لا يفوت الرئيس عبد الفتاح السيسي مناسبة إلا ويؤكد فيها على عمق العلاقات مع المملكة، ويثمن الدور السعودي المشرّف في دعم مصر، وهي إشارات يقابلها الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بتأكيدات دائمة على أن مصر والسعودية جناحا الأمة، وأن وحدة صفهما هي صمام الأمان للمنطقة.
لقد فشلت كل المحاولات التي سعت إلى شق الصف بين البلدين، لأن ما يجمع القاهرة والرياض أكبر من أن يُفرق. وما دامت هذه العلاقة قائمة على الصدق والاحترام والمصلحة القومية العربية، فستظل مصر والسعودية حجر الأساس في أي مشروع عربي يعيد التوازن ويواجه التهديدات.
في زمن التفكك، تظل مصر والسعودية عنوانًا للوحدة. وفي مواجهة مشاريع الفوضى، يبقى تحالفهما الحصن الأخير للعرب والقضية الفلسطينية.